الفصل الثاني
المؤرخ
:
آه! … تتضارب كلُّ الأقوال وتتناقض كل الآراء. الأسماء
مختلَف عليها من كاتبٍ إلى آخر، والقول الواحد قد يُنسب إلى
أكثر من واحد.
طالیس
:
اعرف نفسك … هذا ما قلت.
المؤرخ
:
بل هذا ما تتصوره أنت وبعض الكُتَّاب. هل تعلم أن «تيوفراسط»
يُرجَّح أن يكون مثلًا شعبيًّا من قديم الزمان، وأن بعض
المؤرخين يُرجعه إلى زميلك «خيلون»، والبعض الآخر يأتي به على
لسان خَصِي مَغمور، كان من حُرَّاس قدس الأقداس في معبد «دلف»؟
بل إن «أرسطو» في محاورته عن الفلسفة ينسبها إلى عَرَّافة هذا
المعبد،١ وكل هذا يؤكد أنها كانت قد نُقِشت قبلَك، وقبل
«خيلون الأسبرطي» على معبد «دلف»، قبل أن يدَّعيها كلاكما
لنفسه.
خيلون
:
أنا لم أدَّعِ شيئًا … بل قدَّمت النُّذُر ووفَّيت العهد.
فبعد أن وصلت إلى «دلف»، وضحيت وأحرقت البخور، أمَرت بأن تُحفر
هذه الحِكم على عَمود المعبد: «اعرف نفسك»، «لا تتطرَّف في
شيء»، «سبَب المصائب أن تضمَن غيرك».
طاليس
:
حتى هذه الحِكم تُقال على لسان غيرك وغيري.
المؤرخ
:
فلنَقرأ ما اتَّفق عليه الإجماع، في أقدم قائمة بالأسماء
والأقوال.
طاليس
:
قُل، وسيهتف كل منا باسمه!
المؤرخ
:
اعرف نفسك!
طالیس
:
طاليس!
المؤرخ
:
لا تتطرَّف في شيء!
صولون
:
صولون!
المؤرخ
:
أن تضمن غيرك، فتوَقَّعْ كل مصيبة!
خيلون
:
خيلون!
المؤرخ
:
اعرف فَضْل اللحظة.
بیتاكوس
:
بيتاكوس. والأفضل من هذا: «اللحظةُ إن واتَتْك؛ فلا تترُكْها
تُفْلت منك!»
المؤرخ
:
معظم الناس أشرار.
بیاس
:
بياس. عن تجربة، وبحق «زیوس»، ما قلت!
المؤرخ
:
كل شيء يرجع للمِرَان.
بیریاندر
:
برياندر. عن تجربة أيضًا، والآلهة شهود!
المؤرخ
:
تبقى حكمةً كل الحكمة، قائلها المجهول يلخِّص فيها.
كليوبولوس
:
كليوبولوس … هذا هو «كليوبوليس»! كيف تجاهل هذا الزمن الجاحد
ابن «أويجاروس»، من «لندوس» فوق جزيرة «رودوس»؟ كيف تناسَى مَن
كتب النقش على قبر «میداس» الملك الأسطوري؟!
المؤرخ
:
میداس؟ من أعطاه «ديونيزيوس» أن يتحول ما يلمسُه
ذهبًا؟
صولون
:
حتى المطعم والمشرب. مسكين يا «ميداس»!
كليوبوليس
:
كانت فوق القبر المشهور فتاة أخذَت شكل الهولى؛ ولهذا قلت:
فتاة من البرونز أنا، وأرقد على قبر «میداس»، ما دام الماء
يسيل، والشجر يخضرُّ، والقمر يطلع ويضيء، والشمس تنير الكون،
ما دامت الأنهار تتدفَّق، وموج البحر يُوَشوش للشاطئ، فسأبقى
في هذا الموضع، فوق التل المرتفع على المنطقة المنكوبة، أعلن
للعابر ولكل مسافر: هاهنا يرقد «ميداس» تحت الثرى
المؤرخ
:
لم ينسَ التاريخ كذاك أشعارَك، لم تتسرَّب ألغازك من
كفَّيه.
صولون
:
لكن تبقى حكمته أخلدَ ما قال.
كليوبوليس
:
قلت من الحكم كثيرًا … أية واحدة تقصد؟
المؤرخ
:
«الحد هو الأفضل.»
الحكماء
:
هي حكمتنا، كنز العقل الإغريقي وآية وجدانه، كلمته للعالم
أجمع.
المؤرخ
:
ولهذا ليس عجيبًا أن يلتقط الحكماءُ الكلمة، من كل الأجناس
وكل الأديان يقول العقلاء فلا يسمع قول: لا تتطرف! لا تشتطَّ!
الزم حدك … واعرف أنك إنسان.
الحكماء
:
إنسانٌ فانٍ، لستَ إلهًا، فتذكَّرْ هذا واترُك سيف الطغيان
يسقط من يدك، فلست سوى بشرٍ فانٍ!
المؤرخ
:
حقًّا! هذا شيء أكدتموه أیها الحكماء وأجمعتم عليه، وعندما
اجتمعتم كما يقول القدماء.
الحكماء
:
اجتمعنا؟ أجَل أجَل، عند الملك «كرویزوس».
المؤرخ
:
أو قارون. أغنى ملكٍ في عصره.
الحكماء
:
وتكلم صولون فقال:
صولون
:
أنا؟ للملك كرويزوس. ذاكرتي ضعُفت يا ولدي.
المؤرخ
:
سأذكرك، فأنصت.