باب معرفة الذهب والفضة وامتحانهما
قال الحكيم:١ يُستحب من الذهب سبيكه، وغير سبيكه، وأن يكون كنارٍ خامدة وشعاع
مركوم وكبريت قانئ،٢ وإنما دامت دولتُه لأنه لا يدحضه خبث الكِير ولا يُفسده مَرُّ الدهور.
وقيل إنما صار الذهب ثمينًا لقلة تغيره وازدياد نضارته وحسنه إذا عتق؛ ولأن
الأشياء تنقص عند المس والدفن ما خلا الذهبَ؛ فإنه لا ينقص ألبتة.
وخير الدنانير العُتُق الحُمْر إلى الخضرة، وزعم بعض الأوائل أنما يُمتحن الدينار
بلصوقه الشعر واللحية وصعوبة استمراره فيهما، والنبهرج٣ من الدنانير يُعتبر بخفته وثقله.
وزعموا أن خير الذهب العقيان وخير الفضة اللُّجَين، ومذاق الفضة الصافية عذبٌ، ومذاق الزيوف مرٌّ صَدِئٌ، والنبهرج من الدراهم مالحٌ جَرَسيُّ الطنين، والفضة صافية الطنين لا يشوبها صَممٌ، وهي تقطع العطش إذا مُسكت في الفم.
١
كثيرًا ما يبتدئ الجاحظ الكلامَ بقوله: قال الحكيم، أو قال، وفي
ظني أنه لا يقصد بذلك إلا نفسه كما هو هنا. يتضح ذلك لمن تتبع
تآليفه لا سيَّما كتاب الحيوان.
٢
هذا الوصف يشبه كثيرًا ما ذكره المؤلف في كتابه الحيوان (ج٥،
ص٣٣)؛ حيث قال: وإذا وصفوا حُمرةَ الذهب قالوا ما هو إلا نار …
وشعاع مركوم … وهو الكبريت الأحمر. ومن هنا يُستدل على أن
الجاحظ كثيرًا ما يعيد الكلام بعينه في تضاعيف تصانيفه من غير
أن يشعر بذلك، وأنه كان قليل المراجعة لما يكتب.
٣
النبهرج: معرَّب نبهره الفارسية، هو الدينار أو الدرهم المموَّه
الزيف الردي (راجع كتاب شفاء الغليل للخفاجي وغيره). وفي كتاب
البخلاء للجاحظ (ص٦٩): دينار بهرج، وهو صحيح أيضًا.