قال ويلي برانت
لا أريد هنا أنْ أذكر بالتفصيل المطالب التي تقدمت بها الحكومة الروسية أخيرًا، فهي معروفة جيدًا للكافة، وكذلك يعلم الناس جميعًا رد برلين القاطع الذي قدم في مدى ساعة من نشر المذكرات الروسية، فإن انتخابات برلين البرلمانية التي تمت يوم ٧ ديسمبر ١٩٥٨ كانت أوضح دليل على إرادة السكان، ففي ذلك اليوم توجه ٩٢٫٩٪ من الناخبين إلى صناديق الانتخابات، وأوقعوا هزيمة ساحقة بالشيوعيين برفضهم المطالب الروسية.
وقد كان لحزب الاتحاد الموالي للشيوعيين مطلق الحرية في الانتخابات، وكان له أنْ يستعين بحماية البوليس؛ لكي يستطيع عقد اجتماعاته، وبالرغم من المجهودات التي بذلها عدد كبير من أنصار الحرب الذين دخلوا برلين الغربية، وبالرغم من فيضان وسائل الدعاية، وبالرغم من الوعد والوعيد فإن الشيوعيين حصلوا على ٢١٠٠٠ صوت فقط؛ أي ١٫٩٪، وكان قرار سكان برلين هذا أبلغ إعلان نشر على العالم.
وعندما زرت باريس بعد الانتخابات بأسبوع أشرت إلى هذا القرار، عندما ذكرت موقف برلين في اجتماع وزراء الخارجية للدول الغربية الثلاث وجمهورية ألمانيا الاتحادية، فقد اتخذ وزراء الخارجية نفس القرار الذي سبق أنْ قررته برلين، عندما أعلنوا أنَّ المقترحات السوفييتية لا يمكن قبولها، وأصروا على أنَّ المعاهدات لا يمكن أنْ تنتهي من جانب واحد، وأنه لا يمكن لجانب واحد أنْ يرفض شروط معاهدة وقعتها الدول الأربع.
ولقد تبع رفض وزراء خارجية الدول الغربية إعلان بالإجماع من جانب دول حلف شمال الأطلنطي تضمن تأييده.
ولقد تضمنت النشرة النهائية لمجلس دول حلف شمال الأطلنطي تفسيرًا مقنعًا لقرارات برلين، ووافقت الدول الأعضاء في المجتمع الغربي بالإجماع على أنه من المستحيل إجابة طلبات الاتحاد السوفييتي.
ولقد عبر المؤتمر عن عزيمته الصادقة في المحافظة على حقوق برلين وحريتها بما في ذلك حق الدخول إلى برلين دون أي عائق، كما عبر بوضوح عن وجهة النظر القائلة بأن مشكلة برلين لا يمكن فصلها عن مشكلة ألمانيا كلها، وأنه يجب لمصلحة السلام إيجاد حل لمشكلة ألمانيا، والمشاكل التابعة لها مثل مشاكل الأمن الأوروبي والأمن الدولي.
أما محاولة الوصول إلى اتفاق منفصل خاص ببرلين فلا يعتبر حلًّا، وكلنا نعلم أنَّ حرية مدينتنا لا يمكن الاحتفاظ بها أبدًا إنْ لم تختفِ الحدود غير الطبيعية التي تفصل بين مدينتنا وبلادنا، وهذه هي رغبة الأغلبية الساحقة للشعب الألماني على جانبي الحدود ولكن، إلى أنْ يتم هذا، يجب أنْ نعلم أيضًا أننا في حاجة إلى الثبات والعزيمة الصادقة؛ لكي نمنع أي تغيير في الوضع الحاضر يقوم بإحداثه جانب واحد.
فنحن — سكان برلين — نعلم جيدًا أنْ أي ضعف أو أي تساهل أو أي علامة من علامات الاستسلام لمطالب موسكو سوف تكون قاضية علينا، ونحن نأمل، وكلنا ثقة أنْ يقف أصدقاؤنا إلى جانبنا في عزم وثبات، إذ إنَّ لهم حقوقًا وعليهم التزامات هنا في برلين، بل وفي ألمانيا كلها.
ولكن الحزم لا يجب أنْ يحول بين التفاوض، بشرط سحب التهديدات الصادرة من جانب واحد، وجدية الرغبة في المفاوضات، فالمشكلة الألمانية يمكن أنْ تحل — كما ذكر في البيان الصادر من هيئة حلف دول شمال الأطلنطي — مع المشاكل الكبرى الأخرى، التي تجعل العالم اليوم يعيش في حال من القلق والخوف.
وليس من هدفنا أنْ نقترح سياسة خارجية مستقلة لبرلين؛ لأننا نعلم أنَّ المشاكل الداخلية مرتبطة بمشاكل أخرى داخل القارة أو في مناطق أخرى؛ ذلك لأن برلين رمز لحالة القلق والاضطراب التي تسود أوروبا.
فمن الطبيعي أنَّ مجموعة المشاكل كلها، وعلى رأسها مشكلة برلين، سوف تبقى دائمًا الشغل الشاغل للدول الكبرى، كما أعتقد أنَّ تبادل المذكرات سوف يؤدي إلى سلسلة من المحادثات الدبلوماسية، وإلى مؤتمرات يتم فيها تبادل وجهات النظر بين الدول الكبرى.
إنَّ أهالي برلين وغيرهم قد يتعرضون لضغط شديد في المستقبل القريب، ولكنهم لن يفقدوا قوة أعصابهم، فعلى العالم الحر أنْ يظهر إيمانه وعزيمته ومقدرته على أنْ يبني ويوحد هذه المدينة روحيًّا وماديًّا.
وكلما كانت العزيمة قوية كلما أدت الاتصالات إلى نتائج مثمرة تتحقق على وجه السرعة، إنَّ برلين ستسير قدمًا بنفس الهدوء والإيمان في الطريق الذي اختارته لنفسها خلال فترة الحصار في السنوات العشر الماضية، فقد اعتبرته الطريق الوحيد المؤدي إلى مستقبل أفضل، وقد يكون هذا الطريق صعبًا، ولكن من الممكن التغلب على الصعاب إذا استطاع مواطنونا في الجمهورية الاتحادية، وأصدقاؤنا في الغرب، وفي العالم أجمع أنْ يقفوا بجانبنا.