مركز الثقافة الغربية!
يمكن وصف برلين الغربية بأنها جزيرة في بحر واسع، ولذلك فإن مطالب خاصة ارتبطت بحياتها الثقافية؛ إذ إنها المكان الوحيد الذي يستطيع فيه الألمان من الشرق والغرب أنْ يتمتعوا بثمار الثقافة الغربية.
ويوجد في برلين الغربية في الوقت الحاضر ثلاثة مسارح تملكها الدولة وخمسة يملكها أفراد، وهذه المسارح يتردَّد عليها بصفة مستمرة سكان القِطاع الغربي من برلين وسكان المنطقة الشرقية، وتُعتبَر المسرحيات التي تُقدَّم على مسارح برلين الغربية من حيث النوع من أروع ما ينتجه الفن المسرحي في الجمهورية الاتحادية.
ويوجد في برلين الغربية مسرح صغير يُسمى «دي فاجانين»، وهذا المسرح أصبح مركزًا أصيلًا من مراكز الاتصال بين ألمان الشرق والغرب منذ إنشائه، والمسرحيات التي يعرضها هذا المسرح تُقدِّم إلى الزائرين الذين يَفِدون من المنطقة الشرقية الزادَ الروحي للعالَم الحر.
وأوبرا برلين الغربية التي يديرها البروفسور كارل أبرت منذ سنوات اكتسبت شهرةً واسعة بتقديمها أوبرات لجاناسيك وأوبرا لهانزويرز هينز، ورغم الجدل الذي أثارته الأوبرات الثانية، إلا أنها كانت مثلًا رائعًا على جرأة المحاولات التي تُجرى في برلين الغربية، وعلى أهمية الاحتفاظ بالنشاط والحرية الروحية والفكرية فيها.
وبفضل قرارٍ اتخذه مجلس النواب في برلين عام ١٩٥٥ أمكن تحقيق تقدُّم كبير في خدمات دور الكتب، وهذا القرار يتعلق بمشروعٍ مدتُه عشر سنوات، يهدف لإنشاء دور كتب عامة، يُخصَّص الكثير منها للأطفال في جميع أنحاء المدينة، ودار الكتب التذكارية الأمريكية خُصِّصت — بوصفها مكتبةً مركزية — لجميع أنواع المعرفة، وهي بهذا تُعَد ذات أهمية خاصة.
وهذه الدُّور لا تهدف في المقام الأول إلى خدمة أغراض الأبحاث المدرسية، ولكن لتقديم المعلومات لجميع الأشخاص في جميع نواحي الحياة، وبفضل وقوع هذه الدور بالقرب من خط الهدنة بين كلٍّ من برلين الشرقية والغربية، يقوم بزيارتها دائمًا سكان برلين الشرقية، ويبدو أنَّ الذي يجذبهم إليها هو الأفلام الثقافية التي تُعرَض فيها مساءَ كل يوم سبت، وفي كل فصل خريف يُنظَّم في برلين الغربية معرضٌ دولي للكتب، ويزور هذا المعرضَ عادةً كثير من أهالي المنطقة الشرقية، علاوة على أهل القطاع الغربي.
وفي الجامعة الحرة وغيرها من المعاهد العليا في برلين الغربية يدرس عدد كبير من طلبة المنطقة الشرقية. وأسابيع مهرجان برلين ومهرجان الفيلم الدولي تُعَد من الأحداث السنوية، التي تجذب سكان المنطقة الشرقية، خصوصًا مَن يعيش منهم في المناطق القريبة من المدينة، ويبلغ عدد الذين يشهدون مهرجان برلين الدولي من أهالي المنطقة الشرقية ٣٠٪ من مجموع الحاضرين، والألمان من شرق الستار الحديدي يحضرون إلى برلين أيضًا للاشتراك في الأحداث الأدبية التي يشترك فيها زائرون من الخارج مثل كارك بورلهارت، ومارتن بوبر، وكارت زوكماير، وأرنولد توينبي، وقد أُقِيم ذات مرة احتفالٌ بِعيدِ ميلاد ألبرت شفيتزر، وكان لا بد من تكرار هذا الاحتفال. ومثل هذه الأحداث ينظِّمها عادةً مجلسُ الشيوخ في برلين الغربية وجمعيةُ أرنست رويتر «وأوانيا»، وهو اتحاد ثقافي يحظى باحترام كبير، وقد أُعِيد إنشاؤه عام ١٩٥٤.
ويوجد في حي داهلم الآن متحف جديد، أُودِعت فيه أروع كنوز الفن التي أمكن إنقاذها من دمار الحرب، بعد أنْ حُفِظت وقتذاك في مدن ألمانيا الغربية.
وبتقسيم برلين انفصلت جامعة فردريك ويلهلم عن غرب برلين، وأصبحت في المنطقة الشرقية، وصارت تُسمَّى اليومَ «جامعة هامبولت»، وقد أُنشِئت بدلًا منها «الجامعة الحرة الجديدة»، التي يؤمُّها الآن حوالي عشرة آلاف طالب، وتُعتبر رمزًا للحرية الفكرية في برلين الغربية.
أما «المعهد الفني» فقد ارتفع إلى مصاف الجامعات، ويضم اليومَ نحو ٦٠٠٠ طالب، وهناك عدد آخر من المعاهد العلمية، كالمعهد الموسيقي، ومعهد التربية، أما استديوهات السينما فهي قوية الانتعاش. ولا يمر أسبوع واحد إلا وتُقام الأسواق الزراعية والصناعية في برلين، كما تُعقَد الاجتماعات ومهرجانات السينما والأعياد.
إنَّ الأسابيع التي تقام فيها المهرجانات والمعارض، تجعل من برلين الغربية واجهةً جذَّابة من واجهات العرض التي تعلن عن العالَم الحر، ومركزًا جذَّابًا من الوجهة الصناعية والمتعة الحسنة لأفواج الزائرين القادمين إليها من المنطقة الشيوعية، بل كافة أنحاء العالم.