الشعراء المولدون
(١) ميزة الشعر
لم تتبدل أغراض الشعر وفنونه، فتجعل له ميزة جديدة، وإنما حدث شيء من التطور في بعضها فنما وقوي، كالشعر الصوفي؛ فإن أصحابه تكاثر عددهم بكثرة الفرق الصوفية، ونظموا فيه القصائد الطويلة، حاوية اصطلاحات المتصوفين وعلومهم، كما في شعر عمر بن الفارض. وكذلك باب الشكوى؛ فإنه اتسع لما نزل بالبلاد العربية من المصائب والأهوال، ولما لقي الشعراء من كساد سوق الشعر، وفتور أكثر الأمراء عن الأخذ بناصرهم، وعلى الأخص في أواخر العصر. وأكثروا من ذكر الحروب والفتن. وكان للحروب الصليبية أثر بليغ في أشعارهم.
وأما لغة الشعر فقد مالت إلى اللين لأسباب: منها أن امتداد سلطان الفاطميين إلى سورية جعل شعراء الشام يتأثرون بلغة المصريين، ويحتذون أسلوب شعرائهم. ومنها أن تسلط الأمم الأعجمية على الأمة العربية، وذوبانها فيهم على اختلاف أجناسهم وألوانهم، أثَّر في اللغة الفصحى أسوأ الأثر، فغلبت اللهجات العامية، والألفاظ الدخيلة المسترذلة، وفشا الفساد في لغة البادية، وعمَّ اللحن، ومضى عهد التبدي. فصار الشاعر الحضري لا يرى في سكنى البادية، والاختلاط بالأعراب مقوِّمًا للسانه كما كان يراه أسلافه المتقدمون، فاكتفى بلغته على فسادها، وبما يحصِّله بالدرس والمطالعة.
وأمعن الشعراء في الصناعة كل إمعان، وقيدوا قرائحهم بقواعد النظم وشروطه وأبوابه، كما حددها لهم ابن رشيق وأمثال ابن رشيق، فقل الطبع وكثر التكلف وضعف الاستنباط، وابتذلت المعاني والتعابير لتواطئهم عليها، وترسمهم لما جاء به الأقدمون. وظهر الابتذال والإسفاف خصوصًا عند الشعراء الذين جاءوا في آخر هذا الزمان كابن مطروح والبهاء زهير. ولا غرابة في ذلك، فإنه عصر انتقال من القوة إلى الضعف، ومن الارتفاع إلى الهبوط، فلا بد للشعر أن ينحدر شيئًا فشيئًا حتى تلتقي أواخر عصره بأوائل عصر الانحطاط.
وفي هذا العصر دخلت الموشحات الأندلسية إلى الشرق، واحتذاها شعراؤه، ولا سيما ابن سناء المُلك. ونرجئ الكلام على هذا الفن إلى بحثنا عن الأدب الأندلسي.
واشتهر من الشعراء عدد قليل، فمنهم في مصر ابن سناء الملك، وابن النبيه، وعمر بن الفارض، وابن مطروح، وبهاء الدين زهير. ومنهم في الشام ابن الخياط الدمشقي، وابن منير الطرابلسي، وابن حيُّوس. ومنهم في العراق الطُّغْرائي والحاجري. ومنم في فارس صُرَّدَرّ، والأرَّجاني، وابن الهبَّارية، والأبيوَرْدي. ولكن ليس بين هؤلاء كلهم واحد يُعَدُّ من الفحول.