المشهد الأول
(نفس المنظر في الفصل الأول – الساحة – كل شيء لم يتغير إلا أن رفوف
الجمعية التي كانت مزدحمة بالسلع؛ أصبحت فارغة، والسلع المكدسة خارج البوابة لم تعد موجودة
–
سونة تمسك بقفص في يدها، وتحافظ عليه وهي تسير إلى جوار محروس، ثم تضع القفص فجأةً وتستوقف
محروس، وتشدُّه من ذراعه.)
سونة
:
أنا رايحة له يا محروس.
محروس
:
إحنا موش انتهينا م الموضوع ده خلاص.
سونة
:
غيَّرت رأيي.
محروس
:
والله ذنبك على جنبك .. إنتي عارفة القواعد الجديدة اللي حطها غريب بك.
سونة
:
ولو.
محروس
:
ولو يعني إيه؟ عايزة تتحبسي انتي كمان في أوضة ضلمة .. ويدخَّلوا لك الأكل من طاقة في
الباب؟!
سونة
:
وانت يهون عليك مكرم أفندي يتحبس الحبسة دي .. شوف كام شهر دلوقت؟
محروس
:
موش هو اللي اتجنن؟ يعني كان حد غصبه يقول الغنم وموش الغنم؟
سونة
:
مكرم ما اتجنِّنش يا محروس .. دول تاهمينه ظلم.
محروس
(مصعوقًا)
:
معنته إيه الكلام ده.
سونة
:
كلام إيه؟ أنا قلت حاجة؟
محروس
:
قلتي تاهمينه، وقلتي ظلم .. حصل ولَّا لأ؟
سونة
:
آني؟
محروس
:
أمَّال آني؟
سونة
:
يمكن موش واخدة بالي.
محروس
:
لا يا شيخة؟ هو احنا عندنا هنا فيه ظلم؟ إنتي موش عارفة إن احنا مجتمع العدل؟
سونة
:
قوي قوي.
محروس
:
وما فيش حد حدانا يتظلم واصل؟
سونة
:
قوي قوي.
محروس
:
أمَّال إيه ظلم دي .. وتاهمينه كمان؟!
سونة
:
ما اعرفش.
محروس
:
جبتي الكلام ده منين؟ مين اللي علِّمهولك؟
سونة
:
علِّمني إيه؟
محروس
:
مين اللي حط في بُقك الكلام الغريب ده؟ هه؟
سونة
:
إنت عايز تقول إيه بالظبط؟
محروس
:
الكلام اللي بتقوليه ده كلام خطير.
سونة
(في رباطة جأش وحسم)
:
ولازم أعاقب عليه؟ ولازم اتسجن زي مكرم .. ولَّا يمكن يتحكم عليَّ بالضياع؟
محروس
:
أنا ما قلتش كده أبدًا.
سونة
:
لأ .. قلته .. في لحظة واحدة حسِّيت إنك مستعد ترمي مراتك حبيبتك .. اللي بتحبها وبتحبك
.. عشان شوية كلام مالوش معنى.
محروس
(مذهولًا)
:
بتحبني؟ بتحبيني يا سونة؟
سونة
:
كل ده وما انتش عارف؟
محروس
:
ومكرم؟
سونة
:
مكرم إيه يا محروس؟ مكرم ده أخ واكتر من أخ .. أنا حبِّيته زي ما الناس كلها ما بتحبه
.. وزي ما بيحب الناس .. وزي ما انت نفسك بتحبه.
محروس
:
مكرم مجنون.
سونة
:
مكرم أول العاقلين .. إنت صدقت صحيح إنه مجنون؟ (تحتضنه في
حنان) يا محروس يا حبيبي .. إنت خايف من غريب بك؟ خايف من مجلس الإدارة الهزؤ
اللي انت عضو فيه؟ خايف تضيع؟
محروس
:
أنا .. بصراحة ما عدتش فاهم حاجة أبدًا.
سونة
:
بالعكس .. إنت بدأت تفهم كل حاجة.
محروس
:
موش عارف أصدق مين، وأكدِّب مين؟ طول عمري وانا مصدق اللايحة والنظام اللي عملته الست
نبوية .. ودلوقت لمَّا الست نبوية مشيت .. لمَّا وِقْفِتْ جنب مكرم ضد اللايحة؛ موش عارف
..
يا ريتني ما كنت عضو في مجلس الإدارة .. كنت عايش في حالي ومبسوط!
سونة
:
ما حدش ممكن يعيش في حاله زي ما انت فاكر .. لا أنا ولا انت ولا أي حد .. إزاي تتصور
إن
ده ممكن وكل يوم ناس بتضيع، وحاجات بتضيع، وغنم بتضيع؟!
محروس
:
هي حاجة غريبة صحيح إن تلات أربع تلاف راس غنم تضيع.
سونة
:
إنت نسيت نبيه؟ نسيت فرج؟ حبيبك؟
محروس
:
فرج؟
سونة
:
فرج .. راح فين؟ ذنبه إيه؟ حد عرف عمل إيه؟
محروس
:
بيقولوا إنه بيغير.
سونة
:
وانت موش بتغير؟
محروس
:
أنا موش ممكن أغير.
سونة
:
لأ بتغير.
محروس
:
ما بغيرش.
سونة
:
موش بتغير على مراتك؟ أم محروس الصغير؟
محروس
(مصعوقًا)
:
هو انتي؟ قصدي .. صحيح والنبي؟
سونة
(تحتضنه)
:
إنت ما كنتش تعرف؟
محروس
(في سعادةٍ غامرة)
:
ما قلتِليش ليه قبل كده؟
سونة
:
يا حبيبي.
محروس
:
يبقى باغير.
سونة
:
وتبقى بتحب.
محروس
:
أعترف.
سونة
:
عارف أنا أول ما عرفت .. قررت إني أهج .. أسيب ميت حلاوة واعيش في حتة تانية.
محروس
:
عايزة تسيبيني يا سونة؟
سونة
:
مستحيل .. أنا لا يمكن أسيبك.
محروس
:
حتروحي مصر؟
سونة
:
مش حاروح أي حتة .. أنا بس فكرت أهج .. وبعدين لقيت إن عليَّ واجب لميت حلاوة .. كنت
خايفة محروس ابني يطلع واحد م اللي بيسقفوا ويطبلوا ويزمروا.
محروس
:
إنتي ذكية قوي يا سونة.
(يخرج رجلان من مبنى الجمعية، ويصرخان في محروس.)
رجل ١
:
هي الرفوف فاضية ليه؟
رجل ٢
:
ما فيش حتة قماش الواحد يفصَّلها؟
رجل ١
:
حتة دَبَلان على قد الحال؟
رجل ٢
:
ولا دمُّور يا أخي؟
رجل ١
:
إحنا حنروح لغريب بك.
رجل ٢
:
موش ممكن يرضى ع الحال ده أبدًا.
(يخرجان.)
محروس
:
كلام مكرم!
سونة
:
كان ممكن أي واحد فينا يبقى مكرم .. وانت نفسك لسه سائل السؤال بتاعه .. مكرم اتحبس
عشان قدر يقف في وش الجمعية ويسأل السؤال ده .. ما خافش .. ورغم إن غريب بك بيخوِّف أكتر
من
نبوية .. فيه ناس كتير برضه بتسأل السؤال ده من غير خوف .. (في
حزم) اسمع يا محروس .. إحنا لازم نروح نواجه غريب بك دلوقت .. لازم نشوف مكرم،
ونكلِّم غريب بك.
محروس
:
القواعد الجديدة.
سونة
:
إنت خايف منه؟
محروس
:
أصل القواعد اللي حطَّها غريب بك.
سونة
:
إنت لسه عضو في مجلس الإدارة ومن حقك تواجهه .. يلَّا بينا.
محروس
:
مش رايح.
سونة
:
حتروح.
محروس
:
ما اقدرش.
سونة
:
لأ .. تقدر.
(يدخل رجلان في قلق وعصبية.)
رجل ١
:
الناس كلها ملمومة عند بيت الشعب.
رجل ٢
:
الناس بتنادي على غريب بك.
رجل ١
:
لازم تروح لهم يا محروس.
رجل ٢
:
دول عاملين اجتماع وعايزينك (يخرجان).
(تدخل سيدة مسرعة، وتخطف القفص الذي وضعته سونة إلى جوارها.)
سونة
(تمسكها)
:
على فين يا ست انتي؟
السيدة
:
قفصي.
سونة
:
لا يا شيخة؟ دا موش قفصي يا محروس؟ موش قفصي يا حميد؟ موش قفصي يا رجالة؟ (تنزعه منها ثانية).
(همهمة عامة.)
محروس
:
عال عال .. من إمتى فيه حاجة اسمها قفصي وقفصك؟ إحنا موش قلنا ألف مرة إن كل حاجة بتاعة
المجتمع .. الناس؟
(يدخل الناس واحدًا بعد الآخر.)
بقى اسمعوا كلكوا .. صحيح الحاجات شاحَّة شوية اليومين دول .. لكن طول عمرها بتشح وترجع
تزيد .. صحيح فيه ضيق شوية .. لكن ده في انتظار المحصول الجديد .. وبعدين انتو بتلوموا
الجمعية ليه؟ زي ما غريب بك قال .. لوموا نفسكو عشان الإنتاج ما زادش كما يجب .. غريب
بك
راجل مثقف.
(فجأةً تُسمع دقات الطبول والمزامير، وتدخل الراقصات تقودهن مغنية
وخلفها فتيات يرددن المقاطع.)
المغنية
:
مبروك يا ولادنا وعقبالنا،
الخير أهو زاد .. زاد في جمالنا،
مبروك .. مبروك .. يا ولادنا،
السعد أهو بيهل علينا،
بينوَّر أرضنا وسمانا،
الكل ينول اللي قسم له،
ولا حد بيبطر ويبرطم،
مبروك يا ولادنا وعقبالنا.
(محروس يصيح في الجميع فيصمتون.)
محروس
:
إيه اللي جابك انتي وهيه؟ مين اللي بعتكو .. انطقوا.
سونة
:
غريب بك يا محروس .. مش سامعهم بيقولوا راضيين بنصيبنا وأحوالنا؟
المغنية
:
راضيين بنصيبنا وأحوالنا،
وحنفضل شاكرين للمولى،
هو اللي خلقنا ووهبنا،
مين يقدر يفهم مقصوده،
مبروك يا ولادنا وعقبالنا،
شايفين الأنوار بتلالي،
وبلدنا الزين صوتها عالي؛
قمنا غنينا ورقصنا،
مبروك يا ولادنا وعقبالنا.
محروس
(صائحًا)
:
كفاية بقى .. كفاية.
(يطرد الراقصات.)
(يدخل رجلان في عصبية.)
رجل ١
:
غريب بك ضاع.
رجل ٢
:
ما حدش قادر يعتر عليه واصل!
رجل ١
:
من ساعة ما بَعَت الإخبارية!
رجل ٢
:
ضاع يعني ضاع!
(همهمة بين الجمهور.)
محروس
:
مين اللي قال الكلام ده؟
رجل ١
:
ده صحيح يا محروس أفندي.
رجل ٢
:
صدَّقنا يا محروس أفندي.
(يدخل حميد.)
حميد
:
فين الست نبوية؟ أنا قلتلها تحصَّلني على هنا.
(نبوية تدخل خارجة من الدكان.)
نبوية؟! إنتي هنا بتعملي إيه؟
نبوية
:
بافكَّر يا حميد.
حميد
:
تاني؟! هي دي عايزة تفكير؟
نبوية
:
عايزة تفكير وتدبير يا عم حميد .. (في نبرات متعبة)
اصرف الناس دُوْل يا محروس (محروس يصرف الجمهور) أنا بقى
لي أيام وليالي مش قادرة اتْلَم على نفسي .. ولأول مرة بعد شهور قدرت أعمل اللي طول عمري
باحلم بيه.
حميد
:
إنتي تعبانة يا نبوية؟
نبوية
:
بالعكس .. أنا حاسة بإن التعب راح للأبد.
حميد
:
عارفة إن غريب ضاع؟
نبوية
:
ودي مهمة في إيه؟
حميد
:
إزاي بقى؟
نبوية
:
غريب بك يا حميد فقاعة على السطح .. كان لازم تفرقع .. إن ما كانش النهارده يبقى بكرة
.. سحابة ما لهاش ظلال، لكن المهم هو احنا .. أنا وانتو والجمعية.
حميد
:
ما احنا حنعدِّل اللايحة.
نبوية
(تضحك)
:
ونستمر زي ما كنا؟! (تضحك) مستحيل! (تتردد) ولَّا ممكن؟! وإذا كان ممكن يبقى ازاي؟! دا اللي كنت
بافكَّر فيه!
(سونة ومحروس يقتربان منها في حذر.)
سونة
:
هو سي مكرم لسه في الحجز؟
(منفجرة) ما اعرفش .. ومش عايزة أعرف .. (تضع رأسها بين يديها) مخِّي حينفجر .. أنا باحب مكرم .. مكرم
جوزي وحبيبي .. (فجأة) والجمعية؟! واللايحة؟! والمجلس؟!
وميت حلاوة؟!
محروس
:
المبادئ يا ست نبوية.
نبوية
(مقاطعة)
:
المبادئ! مبادئ مين؟ اسمع يا محروس .. سونة .. حميد .. أنا حاسة إن جُوَّاي حاجات لأول
مرة بتتفتت .. بتتقطَّع .. أنا حاسة إني ما عدتش قادرة استمر .. ولا حتى كامرأة .. كزوجة
لرجل مخلص.
سونة
:
أنا فاهماكي كويس يا ست نبوية .. أنا كمان.
نبوية
:
لا يا سونة .. إنتي لسه صغيرة .. أنا عشت عمر كامل أشتغل عشان أشوف بناية كبيرة جميلة
.. حلم جميل بيتحقق .. ولمَّا قرب يتحقق .. لمَّا قربت أقول إني حققت حلم حياتي .. إني
باشوف قُدَّامي كل اللي حلمت بتحقيقه (صمت وتوتر) حصل ..
إيه اللي حصل؟! (صمت) مكرم!
سونة
:
الحب أصله.
نبوية
:
موش الحب يا سونة .. الإنسان!
محروس
(في حذر)
:
زي ما اللايحة .. اللايحة …
نبوية
:
اللايحة دي نكتة بايخة يا محروس .. أنا حاسة إن احنا خلقنا وحش أكبر مننا .. أكبر من
الإنسان اللي جُوَّانا .. واللي أخطر من كده إن احنا صدَّقناه .. سمحنا له يلتهمنا.
محروس
(في تردد)
:
بس احنا نجحنا في .. نجحنا في إننا …
نبوية
(في ذهول)
:
في إننا نلغي قلوبنا؟ في إننا نسمح للأراجوزات إنهم يلعبوا بالألفاظ الكبيرة، ويحوِّلوا
كل اللي حاولنا نعمله لنكتة .. مسرحية هزلية .. (فجأة إلى
محروس) إنت عارف إن إبراهيم دلوقت هو اللي أخذ مكان غريب.
محروس
:
ما هو غريب .. أصله غريب بك ..
نبوية
:
أصله كان أخد مكان فرج.
محروس
:
ما هو اللايحة.
نبوية
:
لا يا محروس .. موش اللايحة .. إحنا .. الوحش اللي خلقناه .. عارف بيعملوا إيه في
الاجتماع دلوقت؟
(يدخل رجلان يهرولان.)
رجل ١
:
اللمة جاية م السوق.
رجل ٢
:
إبراهيم أفندي جايب الجماعة وجاي.
رجل ١
:
الاجتماع حيحصل هنا.
رجل ٢
:
والظاهر عايزين يرجعوكي يا ست نبوية.
(يخرجان.)
نبوية
(تنخرط في الضحك)
:
يرجعوني! فين؟ ويرجعوني على أساس إيه؟ (جادة) عارف
باعتين يقولولي إيه؟ (تقرأ من ورقة) «نحن مستعدون أن
نغفر لك مشاعر الحب والغيرة والتملُّك والسيطرة باعتبارها هفوة لن تعودي لها .. وهكذا
تتركين مكرم في موعد أقصاه آخر هذا الشهر.» سامع؟
حميد
:
دا كلام زقزوق.
محروس
:
أصله حافظ اللايحة صَم، وبيحب يسمَّع حتت منها كل شوية.
حميد
:
أنا عارف إنه كتب خطابات دورية لكل واحد.
محروس
:
أنا ما وصلنيش.
سونة
:
لأ .. وصلك بس أنا قطعته.
محروس
:
بيهددني؟
سونة
:
لأ .. بيشترط عليك تسيبني في موعد أقصاه ..
نبوية
:
إبراهيم عيِّن زقزوق مستشاره القانوني! إبراهيم بقى بيتكلم عن مبادئ الجمعية .. وعن
شروطه على نبوية! إنتو جرالكو إيه يا ناس؟ إحنا جرى لنا إيه كلنا؟
(هرج ومرج – يدخل الشاعر وخلفه الجمهور ووراءهم إبراهيم وزقزوق
وظريفة.)
(لحظة توتر وبعدها يبدأ إبراهيم في الحديث.)
إبراهيم
:
أنا موش حاطوِّل .. أنا بس حاشرح الظروف اللي أدِّت إلى التغيير في إدارة الجمعية ..
وبعدين حاسمح للزملاء إنهم يلقوا كلمات .. زقزوق، ومراته ظريفة، ومحروس وسونة .. وكلهم
..
اتفضلوا يا إخواني .. اتفضلوا (يلحظ نبوية) إنتي هنا يا
نبوية؟! أنا يمكن أفرج عن مكرم قريب .. اتفضلوا .. اتفضلوا.
زقزوق
:
عايز ألقي كلمة فلسفية عميقة.
إبراهيم
:
اتفضل يا زقزوق .. بس ما تطوِّلش.
زقزوق
(متنحنحًا)
:
يا أيها الناس .. الفوضى التي كانت تضرب أطنابها في الأرض .. (في تلذذ) حلو التعبير ده .. تضرب أطنابها .. تضرب إيه؟ قولوا معاي .. تضرب
إيه؟
إبراهيم
(صارخًا)
:
خُش في الموضوع.
زقزوق
:
أطنابها .. الفوضى التي كانت تسود الجمعية قد انتهت، وبدأنا عهد الرخاء الحقيقي .. كانت
الخيرات تعم الجميع في الماضي بينما يسود الفقر في حقيقة الأمر وواقع الحال.
إبراهيم
:
كفاية يا زقزوق.
زقزوق
:
مراتي عايزة تسمع الفصاحة.
إبراهيم
:
كفاية قلت لك .. اتفضل .. أنا حاتكلم.
(لا أحد يصفق، فيشير إلى أحد الواقفين؛ فيصفق ومعه اثنان أو
ثلاثة.)
الموضوع وما فيه إنه حصلت انحرافات في تطبيق اللايحة .. اللايحة بتقول مثلًا إن اللي
بيخدم في مجلس الإدارة لازم يعمل في أفضل الظروف .. (يصرخ) دا كلام بيحصل؟ قطعًا لأ .. ليه؟ لأنهم لم يتمتعوا بالمسكن الملائم ..
النهارده كل واحد في مجلس الإدارة عنده مسكن فاخر، ووسائل انتقال سريعة .. كل واحد في
مجلس
الإدارة بقى عنده كارتَّة سودة (يشير إلى نفس الرجل ليصفق ومعه
قليل من الناس).لكن الانحرافات مستمرة! مثلًا .. بلغني إنه فيه ناس — رجالة وستات —
(مشيرًا إلى نبوية وسونة ومحروس) بيرفضوا يسيبوا أزواجهم ..
بقى ده كلام؟ أي مصادرة لحرية الإنسان .. أي كبت لمشاعر البشرية .. أي احتكار، وأي
استغلال.
(يشير إلى نفس الرجل ليصفق ومعه القليل.)
بدأنا نرى مظاهر التدخل في شئون الجمعية .. دا بيقول الحاجات بتضيع (مشيرًا إلى حميد) وده بيقول انتو عملتوا إيه؟ ومظاهر الملكية
الفردية .. ده يقول ده بتاعي، دي بتاعتي ..(مشيرًا إلى
سونة)واحتكار بعض الفلاحين لبعض الأراضي اللي بيزرعوها .. الكلام ده لازم ينتهي
.. اللايحة صريحة.
زقزوق
:
ممكن أسمَّع حتة من اللايحة؟
إبراهيم
:
استنَّى يا زقزوق.
زقزوق
:
مراتي ظريفة نفسها تسمعني.
ظريفة
:
ممكن أتكلم؟
إبراهيم
:
اتفضلي .. تصفيق.
ظريفة
:
ابني تعبان جدًّا في المدرسة .. ليه ما نختصرش الدراسة؟ ونلغي دكتاتورية المدرس اللي
بيتحكم في مصير العيال بجرة قلم؟
إبراهيم
:
كل دي أفكار نيِّرة .. حنبطل حشو أذهان التلاميذ بالمعلومات.
ظريفة
:
الذهن النضيف أحسن من المحشي.
إبراهيم
:
لازم العيال يصلحوا أوراقهم بنفسهم .. كفاية تسلُّط وسيطرة ووصاية .. ودا يقتضي تعديل
البطاقات لمنع التبذير في أموال الجمعية اللي هي أموالنا جميعًا .. لازم كل واحد يرضى
بأقل
م اللي بينُوله .. حسب اللايحة .. واحنا ناخد الباقي .. لأنه لا يمكن إنعاش الريف دون
إنعاش
مجلس الإدارة!
(يتسرَّب الناس أثناء الخطاب إلى الخارج.)
عب عال! الناس دي راحت فين؟ رجَّعهم يسمعوا بقية الخطاب.
(يخرج عبد العال، ويعود ومعه عدد من الشرطة يسوقون بعض الناس،
ويمنعونهم من الخروج.)
أنا كمان ملاحظ إن فيه ناس ساكتين .. كان لازم أعرف إن فيه فئة موش عايزة تتعاون معاي
.. ع العموم أنا حاعقد اجتماع في بيت الشعب لمناقشة هذا الموضوع .. خلاص .. انصراف.
(يتفرق الجميع .. يبدءون الخروج واحدًا بعد آخر.)
الشاعر
:
الساقية بتدور تفضى وتملا،
والدنيا أحوال شوف ازاي عاملة؛
يوم إنت فوق .. يوم عند القمر،
يوم إنت تحت، ويوم حترجع فوق،
والطور بيمشي عمره ما بيفوق،
الطور بيمشي فوق دماغه فلة،
واحنا وراه بنغني .. بنهلله،
صعبان علينا بس إيه نعمل له،
حيوان كريم قلبه على الإنسان،
قام الفتوة قال له: بطَّل جر؛
قال أعمل إيه .. البير عميق مسحور،
لازم أملا مَيَّه .. لازم أفضل أدور،
مكتوب عليَّ .. دا قدر مقدور.
(يعود الشاعر إلى تحريك شفتيه دون صوت بينما يسير حميد إلى مقدمة
المسرح.)
حميد
:
شوف الحلم لمَّا يبقى كابوس .. على رأي مكرم .. بس هو طول عمره حلم موش معقول .. حلم
زي
الكابوس.
محروس
:
أنا خايف يا عم حميد.
سونة
:
وأنا يا عم حميد.
حميد
:
خايفين صحيح؟ خايفين من إيه؟ من أراجوز زي ده؟
نبوية
(في نبرات رزينة)
:
لهم حق يا حميد.
حميد
:
وانتي كمان يا نبوية؟! إنتي حتضعفي يا نبوية عشان أفندي لا راح ولا جه.
نبوية
:
اخرس! مكرم سيد الرجال.
حميد
:
واللي بنيناه! كل اللي عملناه سوا .. سنين وسنين .. عايزة تهدميه في لحظة؟! الجهد
والعرق .. الكلام والمبادئ والحواديت الطويلة؟! خلاص؟!
نبوية
:
أنا باعترف إني غلطت .. (في انهيار) واتخدعت.
حميد
:
متأسِّف .. فات الوقت للندم .. أنا بَعَت الإخبارية من يومين .. من قبل ما نضيَّع غريب
.. والجماعة زمانهم جايِّين.
نبوية
(تصعق)
:
الجماعة؟
حميد
(صارخًا)
:
أيوه الجماعة .. خليها تخرب باللي فيها بقى .. أنا غلطان اللي تصورت إن واحدة ضعيفة
ممكن تكبر وتشاركني حلمي العظيم.
نبوية
:
عملت كده ليه يا حميد؟! (تتهاوى شبه مغمى
عليها).
سونة
(تُهرع إليها في لهفة)
:
ست نبوية .. سلامتك ألف سلامة.
محروس
:
حاجيب لها مَيَّه (يخرج).
(يعود بالماء.)
سونة
:
سلامتك يا حبيبتي (تروِّح على وجهها، وتحاول
إفاقتها).
حميد
:
كان لازم أعرف إن الست مهما كان ست.
(يدخل رجل، ويتجه إلى حميد.)
الرجل
:
الحق يا عم حميد .. فيه ناس وصلوا ع الشط .. لابسين أفندية ميري.
حميد
:
عال .. عال.
الرجل
:
بيدوَّروا على واحد موش لاقيينه.
حميد
:
طب مع السلامة انت.
الرجل
(آمرًا)
:
قلت لك مع السلامة .. (يفرك يديه في فرح) إذا كانت
حتخرب خليها تخرب! قال حب وغيرة وأطفال قال! (إلى نبوية التي تكون
قد أفاقت) ابقي خلِّي مكرم ينفعك!
(مكرم داخلًا.)
مكرم
:
ربنا يسهِّل وننفع بعض!
الجميع
(في ذهول)
:
مكرم! مكرم!
(إظلام سريع.)
المشهد الثاني
(نفس المنظر – نفس الأشخاص: سونة ومحروس ونبوية وحميد ومكرم – يدخل
المحقق.)
المحقق
:
فين المدعو حميد عبد المولى؟
حميد
:
أنا يا فندم.
المحقق
:
إنت ازاي تسمح لنفسك بإزعاج السلطات؟ إنت مش عارف إن الإخبارية الكاذبة عقوبتها
كبيرة؟
حميد
:
لكن يا فندم كل حاجة قلتها صح.
المحقق
:
غلط .. أنا بقى لي خمس ساعات دلوقت بابحث أوراق المبنى اللي انت حددته.
حميد
:
بيت الشعب.
المحقق
(يضحك)
:
آل بيت الشعب آل! بحثت الأوراق والدفاتر، ودوَّرت أنا ورجالتي في كل مكان؛ ما قدرتش
ألاقي أثر واحد للكلام اللي انت قلته .. لا مخالفات مالية ولا إدارية، أو إرهاب للسكان،
ولا
حد اسمه غريب، ولا أي حد خالص .. أنا مغفل! بقى معقول تبقى فيه حاجة كده .. (يقرأ) جمعية تعاونية زراعية صناعية نقابية عمومية (يضحك) معقولة دي؟ أنا مغفل اللي صدَّقت .. لكن أعمل إيه؟
الإخبارية وصلت والحكمدار أمرنا نيجي.
حميد
:
لكن أحلف لك يا بيه.
المحقق
:
خلاص .. كفاية .. لكن لازم أنذرك .. أي بلاغ كاذب تاني حتروح في داهية .. سلام عليكو
..
كانت ليلة يعلم بيها ربنا!
(يخرج.)
محروس
:
أنا موش فاهم حاجة خالص!
نبوية
:
إيه اللي حصل يا حميد؟
سونة
:
الراجل ده مين؟
مكرم
:
أنا حاشرح لكم كل حاجة .. بس الأول لازم أقول لكم على الغلطة اللي وقعنا فيها كلنا ..
أيوه كلنا .. إنتو الأول وبعدين أنا .. والغلطة دي خطرت لي وانا في الحجز .. كنت قاعد
لوحدي
ممنوع من كل حاجة .. من كل حاجة إلا نفسي .. فكرت وفكرت .. وكل ما كان إحساسي بالضعف
يزيد
.. إحساسي بالوحدة والعزلة .. كنت باحس بإني أقوى الأقوياء .. أقوى من كل اللي عاملين
جمعية
ويتسندوا على بعض زي أراجوزات السيرك .. أنا .. لوحدي .. بذاتي.
سونة
:
أنا ما عدتش فاهماك يا سي مكرم.
محروس
:
أنا عمري ما فهمته واصل.
مكرم
:
نبوية فاهماني .. وحميد طبعًا .. والطابور الطويل اللي مر عليهم وضاعوا .. نبيه وفرج
وغريب.
محروس
:
وإبراهيم .. لازم؟
مكرم
:
لأ .. إبراهيم لحسن الحظ نفد بجلده في اللحظة الأخيرة .. أفرج عن نفسه ساعة ما أفرج
عني.
نبوية
:
أنا موش فاهماك يا مكرم.
مكرم
:
لأ فاهمة .. الغلطة اللي أنا غلطتها هو إني لمَّا الغنم راحت .. لمَّا ضاعت .. اتصوَّرت
إن الناس كلها ممكن تضيع هي روخره .. صحيح فيه ناس كتير ضاعوا زي ما فهِّمني حميد في
الأول
.. لكن كنت قلقان على أهل ميت حلاوة كلهم .. موش على واحد ولَّا اتنين .. عرفتي إيه بقى
الغلطة؟ اتصورت إن الجمعية نجحت في إنها تخلِّي الناس تعيش من غير إحساس بالأرض .. بالملكية
.. بالغيرة .. بالامتلاك .. بالتسلُّط .. بالسيطرة.
محروس
:
كل ده ممنوع.
مكرم
:
مين اللي منعه؟ إنت فاهم اللايحة دي بتقول إيه؟ عمرك درستها ولَّا قريت اللي
فيها؟
محروس
:
أنا مخي على قدِّي .. لكن.
مكرم
:
مالكنش اللايحة بتقول إن احنا نعيش موش بني آدمين .. عشان ناس تانية تعيش إيه .. إيه
يا
حميد؟ إنت ما بتتكلمش ليه يا راجل؟
حميد
:
أقول إيه؟
مكرم
:
تقول على اللي عملته من ورا كل اللي انخدعوا بكلامك الحلو .. كل اللي قلتلهم أنا باحبكم
وبلَّغت السلطات عنهم.
(لحظة صمت متوترة لا يجد فيها حميد جوابًا.)
موش لاقي كلام تقوله صحيح؟ غريبة؟ مع إنك كاتب كلام كتير في الإخبارية .. صفحات وصحفات
.. ما كنتش أعرف عنك الفصاحة دي .. والأفكار دي!
حميد
:
دي أفكار الجمعية! أفكار الناس.
مكرم
:
لا يا سعادة البيه! الناس حاجة والجمعية حاجة.
نبوية
:
الفكرة إنه الجمعية هي الناس يا مكرم.
مكرم
:
هي دي غلطتكو يا نبوية .. إنتو قلتوا كده في الأول للناس .. صدَّقوكوا .. وبعدين قلتوها
لنفسكو .. وصدَّقتوا نفسكو .. النهارده بس بان الدليل على إن الناس ما لهاش أي علاقة
باللي
كان بيحصل في ميت حلاوة .. حاقول لكم ازاي .. لمَّا وصلوا الضباط من مصر اتفزع إبراهيم
..
(يضحك) مسكين! جالي جري وهو بيترعش .. كان خايف يقبضوا
عليه .. ولَّا يضيَّعوه .. زي ما بتقولوا! هدِّيته وقلت له ما تخافش، وجريت على بيت الشعب
وخلَّصتكوا من كل آثار الكابوس.
حميد
:
إنت اللي …
مكرم
:
أيوه يا حميد .. أنا اللي قطَّعت كل الأوراق .. أزلت آثار الجمعية.
حميد
:
قطَّعت الورق .. والدفاتر؟
مكرم
:
الحقيقة إن الناس هي اللي أزالت كل آثار البلوة دي .. المحقق قبل ما ييجي بيت اﻟ ..
الشعب! فضل خمس ساعات يلف ويدور، ويسأل ويطَّقس .. ما فيش واحد فتح بُقه بكلمة .. ما
فيش
إنسان قدر يقولُّه إنه كان فيه جمعية .. ليه؟ لأنهم بني آدمين .. استحملوا وسكتوا ..
جرَّبوا الخوف والكبت والحرمان من غير ما يفقدوا الإنسان اللي جُوَّاهم .. ولمَّا جات
لهم
الفرصة إنهم يرفضوا .. رفضوا .. وكل اللي عملته أنا إني حرقت السجلات والتسجيلات اللي
…
(حميد يحاول الخروج.)
على فين يا حميد؟
حميد
(يتسمَّر في مكانه)
:
أبدًا .. دانا كنت بس.
مكرم
:
ما تخافش .. إحنا ما عُدناش بنضيَّع حد، ولا بنحتجز حد .. خلاص.
محروس
:
وراح فين إبراهيم أفندي؟
سونة
:
هو ما جاش ليه؟
مكرم
(يضحك)
:
زمانه جاي .. أصله كان عند عبلة بيحاول يقنعها تقبل.
سونة
:
هو بيحبها؟
محروس
:
بس هي كانت عايزة واحد أفندي!
مكرم
:
يا محروس الحب ده حاجة موش بإيدينا.
محروس
:
هي اللايحة خلاص؟
مكرم
:
خلاص وستين خلاص .. إنت يوم ما اكتشفت حبك لسونة كنت بتدمَّر اللايحة والجمعية، وسونة
.. يوم ما قررت إنها تتجوزك كانت بتعلن رفضها للعملية كلها.
نبوية
:
دا زي الحلم الجديد.
مكرم
:
أنا موش حاستخدم الكلمة دي من هنا ورايح .. أنا عايز أعيش في الأرض .. مع الناس اللي
أثبتوا إنهم رجالة، وأعظم رجالة في الوجود .. عشان جذورهم ثابتة وعميقة في الأرض .. الأرض
الصلبة .. موش أرض الحلم.
نبوية
:
وحبنا.
مكرم
:
حبنا كل حاجة في حياتنا؛ لأنه حياتنا نفسها .. وحريتنا .. وسعادتنا.
نبوية
:
وحنعمل إيه دلوقت؟
مكرم
:
تفتكري حنعمل إيه؟
نبوية
:
احتفال؟
مكرم
:
لا لا لا .. كله إلا الاحتفالات التلقائية بتاعة زمان!(تدخل الراقصات والمغني والمغنية.)
انصراف يا جماعة .. اللي عايز يحتفل يحتفل بَرَّه .. بعيد.
(يدخل إبراهيم ومعه عبلة.)
إبراهيم
(صائحًا)
:
وافقت!
عبلة
:
بس موش عايز يحدد المدة!
مكرم
:
تأبيدة يا عبلة! مؤبد! على طول.
عبلة
:
طوَّالي يعني؟ على طول!
مكرم
:
ما عُدتيش تفلتي واصل!
عبلة
:
وأعيش في المراكب مع الصيادين؟
مكرم
:
وجُوَّه المية وبره المية!
(الراقصات يرقصن.)
المغنية
:
مبروك يا ولادنا وعقبالنا … إلخ.
الشاعر
:
الليل بيضحك .. والقمر بيدور،
سابحين في حلم جميل مالوش آخر،
ولمَّا فُقنا برضه جانا النور،
والشمس حامية، والسحاب ساير.
مكرم
:
وانت كمان تروَّح (الشاعر يسكت).
اللي عايز يغني يغني بعيد .. واللي عايز ينشد ينشد بعيد .. الإنسان أكبر من إننا نشتريه
بلقمة وغنوة .. الإنسان هو اللي بيعمل الحياة على وش الأرض.
نبوية
:
طب وعشان خاطري!
مكرم
(ضاحكًا)
:
طب غنوة واحدة وخلاص.
(تعود المغنية والغناء والرقص بينما يهبط الستار رويدًا رويدا.)
(ستار)