وادي الملوك
يَحارُ مِن نظرةٍ أو جولةٍ فيهِ
مَن لا يَرَاه بتصويرٍ وتشْبِيهِ١
فالشمسُ ما تركتْ نبتًا ولا حَجَرًا
إلَّا وقدْ حَرَقَتْه أو ستَذْكِيهِ
وليسَ فيهِ لنفسٍ غيرِ عاشِقةٍ
سِرُّ الجلالِ ولا عنوانُ ماضِيهِ
تَرَى التِّلالَ البواكي بعد حُرْقَتِها
في مظهرٍ من شقاءِ المُلْك تُبْدِيهِ
فالعالِمُونَ بها ظَمْأَى لِمَا خَبَأَتْ
والجاهلون بتأويلٍ وتَمْوِيهِ
جَرْداءُ معتزةٌ في صمْتِ عُزْلَتِها
حمراءُ زَرْقاءُ تُخْفِي ما تُعانِيهِ
تحمَّلَتْ في قِفارٍ صَوْنَ مملَكةٍ
وكم مليكٍ أتَى مَيْتًا لتَحْمِيهِ!
رأى «تحتمسُ»٢ مرآها يُجاذِبُهُ
وعِزَّةً في ثَرَى «الوادي» تُناجِيهِ
فاختارَهُ مَدْفَنًا يأوِي لرحمتِهِ
والموتُ رحمتُه النُّعْمَى لراجِيهِ
كأنَّما الشمسُ قد حالتْ أشِعَّتُها
وكوَّنتْ صُوَرَ الرملِ الذي فيهِ
فهو الجديرُ بتقديرِ الملوك له
وهو المضيءُ سَخِيًّا في دَياجِيهِ
فمِن «رماسِسة»٣ همُّوا بأُمَّتِهم
إلى «أمنحتبٍ» هزُّوا رَواسِيهِ
كأنَّهم في خَفِيٍّ مِن مقابرِهِم
يُطاوِلون أبِيًّا مِن مَعالِيهِ!
أو أنَّما للتِّلالِ الحانياتِ على
تلك الرُّموسِ فِدَى الوافِي لفَادِيهِ
كانوا ملوكًا حَبَوْا «مصرًا» جلالَتَها
وأكرموا تُرْبَها إكرامَ مُحْيِيهِ
فليس بِدْعًا إذا غطَّى هياكِلَهم
في سجدةِ الشَّاكِرِ العانِي لبارِيهِ!
ومِن حقوقِ العُلَى إخفاءُ مَرْقَدِهم
فصاحبُ الكنزِ مَهْما اعتزَّ يُخْفِيهِ
وليسَ في البعثِ من حظٍّ لمَطْمَحِهم
فخُلْدُهم دائمٌ والدَّهرُ رَاويهِ!
فإنْ بحثْنَا وأعلنَّا مفاخِرَهم
فإنَّ بعثًا لهم في الجِيلِ يَهْدِيهِ!
وإنَّ حجًّا لوادٍ ضمَّ سيرتَهم
حجُّ البُنوَّةِ والإجلالِ والتِّيهِ!
١
كثيرًا ما قال الواصِفون من السُّيَّاح إنَّه لولا مَدافِنُ مُلوك
مصر القُدَماء لَمَا استحقَّ هذا الوادي الأجردُ هذه التسميةَ، فلن
يشتاقَ إليه إلَّا مُحِبُّو الآثارِ وأهلُ التصوير الخيالي من الأدباء
ورجال الفنون، فهم وَحْدَهم الذين يُسْعِفهم التشبيهُ ويتنعَّمون
بالجولةِ فيه، فلا يَنالُهُم مَلَلٌ ولا تعبٌ …
٢
هو تحتمس الأول، وكان أولَ مَن عُنِي باتِّخاذ هذا الوادي الأجدَبِ
الجرد مَخْبَأً لمقابر المُلُوك (حوالي سنة ١٥٠٠ قبل الميلاد)، وظلَّ
هذا التقليد مُتَّبَعًا إلى حوالي سنة ١٠٩٠ قبل الميلاد. وفي وادي
الملوك مدافنُ جميعِ عُظَماء مُلوكِ مصر القديمة.
٣
إشارة إلى مدافن رمسيس الأول والثاني والثالث والرابع وغيرهم مِن
الرَّماسِسة المشهورة مقابرُهم بوادي الملوك، وكلمة: «رماسِسة»: جمعٌ
وَضْعيٌّ ﻟ «رمسيس».