خرائب سقَّارة
ظنُّوكِ بعضَ دَوَارِسِ الأطلالِ
وأراكِ مجمعَ ثروةٍ وجلالِ
أولستِ للربِّ المعظَّمِ «سِيقرٍ»
الباعثِ المَوْتى على الأجيالِ؟١
ورُموسَ «منفيسَ» العزيزةِ في المَدَى
تَبْقَى مُعِيدةَ ذِكْرِها الْمُتوالِي؟٢
نُثِرَتْ حَوَالَيْها الجنانُ، ومثلُها
أهلٌ مَفاخِرُها لكلِّ جمالِ٣
ومثالُ «رمسيسَ» العظيمِ بأَرْضِها
مَثَلُ التَّواضُع للسُّموِّ العالي٤
أو مظهرُ الحاني المُحِبِّ لتُرْبِها
المُسْتَهِينِ بما يلُومُ القَالِي!
أو أنَّه رمزُ الجريحِ لشَعْبِه
أو مصرعُ المُتَهالِك المتعالِي!
أو أنَّه يأْبَى النهوضَ كنِدِّهِ
ماتا مماتَ المجْدِ كالأبطالِ!
وتَرَى «أبا الهول» الصَّغِيَر٥ مُفاخِرًا
بكنوزِهِ مُتَحَدِّيًا لزَوالِ!
يُومِي لزَوْرةِ «زوْزَرٍ» في قَبْرِهِ
متدرِّج الهرم الجميلِ الحالي٦
ولِمُبْدِعِ الفنِّ الذي أخْفاهُ في
بطْنِ الثَّرَى للباحِثِ الجوَّالِ
فإذا «بِهَيْكَلِهِ» المحقَّقِ شاهدٌ
عن عصرِهِ بدقائقِ الأعمالِ٧
وإذا «بأعمدةٍ» يُحدِّث فنُّها
عن سَبْقِ أهلِ «النِّيل» للآمالِ
سبَقُوا بها «الإغريقَ» سبْقَ حضارةٍ
ومهارةٍ وتفنُّنٍ وخيالِ
ومضَوْا وآلافُ السنينَ فواصِلٌ
ما بين أمسِ مضَى ويومٍ تالِ
ما الذنبُ ذنبُ نُبُوغِهم إنْ يُغْمَطُوا
الذنبُ ذنبُ الجهْلِ والجُهَّالِ
وبحسْبِ عقْلِك نظرةٌ كشَّافةٌ
نحوَ «السِّربيومِ»٨ الخفيِّ الخالِي
لتحارَ في تكوينِهِ وصِفاتِه
وزوالِ ما أخْفَى لغيرِ زَوَالِ
فمضتْ ذخائرُه وعُوِّضَ بعدَها
ذُخْرًا من التفكيرِ والإجلالِ
والذِّكْرُ أكرَمُ من مَتاعٍ زائلٍ
والحجُّ للإعجابِ رمزُ كمالِ
١
تُنسَب «سقَّارة» إلى الربِّ «سِيقر» من أرباب قُدماء المصريين، وهو
الذي يُعنَى في اعتقادِهم ببعْث الموتى.
٢
كانتْ سقَّارة مَجْمَعًا لمدافن مدينة «منفيس» عاصمة المملكة المصرية
في عهد الملك مينا أو مينيس أول ملوك مصر.
٣
إشارة إلى جَمال الحقوق الزمردية التي اشتُهرتْ بها هذه المنطقة
الزراعية.
٤
إشارة إلى التمثال الغرانيتي الكبير «لرمسيس الثاني»، وقد استُكْشِف
بها سنة ١٨٨٨م، ولا يَزَالَ طَرِيحًا بأرْضِها مُوجِّهًا بصرَه إلى
السماء، ويُوجد تمثالٌ آخَرُ لرمسيس الثاني بسقارةَ مصنوعًا من حجر
الكلس.
٥
مصنوعٌ هذا المِثالُ لأبي الهول من حجر الألبصتر.
٦
هرم «سقَّارة» المتدرِّج هو مقبرةُ المَلِك «زوزَر»، والمظنون أنَّه
أقدَمُ «الأهرام»، وقد مَضَى عليه في موضِعِه نحوُ ستةِ آلافٍ من
السنين.
٧
يُشِير إلى المُسْتَكْشَفات الأثرية الفنية التي عَثَرَ عليها المستر
«مالابي فيرث» على مقرُبةٍ من الهرم المتدرِّج، وبينَها تمثالُ المَلِك
«زوزر» ويَرجِع إلى سنة ٣٠٠٠ قبل الميلاد، وكذلك الأعمدة الفنية
البديعة التي سَبَقُوا بها اليونانيين بالآلاف من السِّنين.
٨
مجموعةُ مقابِرِ العِجْل «أَبِيس» الْمُحيِّرة بسَرَادِيبِها
المظلِمة وبكيفيةِ وَضْع قُدماء المصريين للتَّوابيتِ الضخمةِ الثقيلة
جدًّا بها، ثم سرقتها فيما بعدُ.