طُور سَيناء
تمتَّعْ من مفاخِرِ «طُورِ سِينا»
تَجِدْ برِمالِها مُلْكًا ثَمِينا
وتَصْحَبْ أينَ سِرْتَ جليلَ ماضٍ
وتشهدْ في الطريقِ الأوَّلِينا
ففي «وادي المغارة»٣ قد أعزُّوا
مناجِمَه فلم تبخَلْ قُرونا
يُشِيد بذِكْرِها حَمْدًا «سِمركا»
و«خوفو» ما تمثَّل مُسْتَهِينا
و«للرُّومانِ» ذِكْرى ما تقضَّتْ
و«دَيْرٌ» باركتْه «كاترينا»٤
يضمُّ رُفَاتَها بحُنُوِّ أمٍّ
ويبعثُ نورُها نورًا مُبِينا
بناه لأختِهِ نَذْرًا جميلا
فعاشَ وعاشَ «جستنيانُ» فِينا
كذاكَ الصالحاتُ لها بقاءٌ
وتَطْوِي في جلالَتِها السِّنينا
وما كان اختلافُ الدِّين يَقْضِي
على سَعْيٍ بَنَى الإحسانَ دِينا
ومن عجبٍ بناهُ بناءَ حِصْنٍ
وكان بمظْهَر التَّقْوى حَصِينا
ترى فيه «البُروجَ» على «قِلاعٍ»
وحولَ بنائِهِ السُّورَ الأَمِينا
وتَلْقَى الجامعَ الرَّاني إليه
خَدِينًا صادِقًا صَافَى خَدِينا!
وتحسبُ أنْ أطلَّ عليه «موسى»
من «الجبلِ» المُصاحِبِه قَرِينا!٥
كأنَّ الأمسَ حينَ مضَى سَخِيًّا
تخلَّف منه ما يَجْلُو العُيونا!
وحولَك من مناظرَ رائعاتٍ
فنونًا جَمَّةً تَتْلُو فُنونا!
فتخلع — في ادِّكارٍ واعتبارٍ
لها — نَعْلَيْك إذْ تَحْنِي الجَبِينا!
وتنظر للبَوَاسِقِ في رمالٍ
يهزُّك هزَّها عطْفًا ولِينا!
وتنظُرُ في مُرورِك دونَ أهلٍ
«بواحةِ سِدْرة»٦ الحسنِ الرَّصِينا
ومن عجبٍ يَضِنُّ له بحُبٍّ
أناسٌ لم يكنْ فيهم ضَنِينا!
وكم تلْقَى «نُقوشًا» أو «رُموزًا»
على الصَّخْر الأصمِّ رَوَتْ يَقِينا٧
«وقبرًا» قِيل فيهِ ثَوَى نبيٌّ٨
وآخَرَ يكتُمُ السِّرَّ الدَّفِينا
وكم من موطنٍ فيه جمالٌ!
وآخَر هيَّأَ الموتَ اللَّعِينا٩
فشاهدْ ما استطعْتَ بها وحدِّثْ
لناسيها حديثَ الخالِدِينا١٠
وقل هي بُضْعةٌ من «مصرَ» أحرى
بحجِّ الزائرين الذَّاكِرينا!
فلن تَبْقَى ديارٌ نام عنها
ذَوُوها واستَهانوا غافِلِينا!
١
عَنَى قُدماءَ المصريين «بطُور سيناء» منذ قديم العهد — حتى قبلَ
اتحاد المملكة المصرية وتأسيس حكم الأُسَر — نظرًا لِمَا عَرَفوه بها
من مناجم النحاس والفيروز.
٢
إشارة إلى رُهْبان دَيْر القِدِّيسة «كاترينا».
٣
هو الوادي المشهور بمناجِمِه المعدنية. وأوَّل مُلوك العائلات الذين
عُنوا باستثمار مناجِمِه هو الملك «سمركا» من ملوك الأسرة
الأولى.
٤
بَنَى «ديرَ القديسة كاترينا» الإمبراطور «جستنيان» آخِر الإمبراطرة
الرُّومانيين الذين حكموا في الشرقِ؛ وفاءً لنذْرِ أختِه «هيلانة» بعد
عودتها من زيارة القُدْس سالِمةً، وقد عَثَر الرُّهبان فيما بعد — كما
يعتقدون — على جثَّةِ القِدِّيسة «كاترينا» ودَفَنُوها به.
٥
بُنِي هذا الدَّيْر بجوارِ «جبل موسى» أو «جبل الطُّور» في الموضِع
الذي يُظَنُّ أنَّ النبيَّ «موسى»، عليه السلام، رأَى النارَ، ونزلتْ
فيه الآية الشريفة: فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ
بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى، وعلى جبل «موسى» هذا
خاطَبَ النبيُّ «موسى» اللهَ، جلَّ وعَلا.
والجامِع المشارُ إليه هو المسجد المبنيُّ داخلَ سُور الدَّيْر، وقد بناه «منير الدولة أبو المنصور أنوشتكين» الفاطميُّ، وله آثارٌ وجوامع أخرى صغيرة في «طُور سيناء»، وقد استُدِلَّ على ذلك من الكتابة الكوفية على كرسي السُّورة بالمسجد.
والجامِع المشارُ إليه هو المسجد المبنيُّ داخلَ سُور الدَّيْر، وقد بناه «منير الدولة أبو المنصور أنوشتكين» الفاطميُّ، وله آثارٌ وجوامع أخرى صغيرة في «طُور سيناء»، وقد استُدِلَّ على ذلك من الكتابة الكوفية على كرسي السُّورة بالمسجد.
٦
وصفَ شاهدُ عيان «واحة سدرة» بقوله: «… جذوع نخيلها في الأرض وفروعها
في السماء، ومع أنَّ طريقَها شبيهٌ تمامًا بطريق «نيس» الأوروبية
الجميلة فإنَّها غير آهلةٍ بالسُّكَّان.»
٧
هذه النقوش والرموز كثيرة «بطُور سيناء» وهي متنوِّعة اللغات.
٨
إشارة إلى مقام النبي «هارون» والنبي «صالح»، وغيرهما.
٩
إشارة إلى المناطق الجبلية المهوبة الخَطِرة، وهي كثيرة
«بسيناء».
١٠
رغم تبعيَّتها «لمصر» وجمالِها الطبيعيِّ في فصْل الشِّتاء ووَفْرة
ذكرياتها التاريخية ومنزلتها الحربية لا تزال «طُور سيناء» محرومةً من
زيارة المصريين لها، ولا تزال قليلةَ السكان.