الفلَّاح
لِمِثْلِ جُهْدِك قَدْرًا يُخفَضُ القَلَمُ
ويَنظِم المدْحَ أخيارُ الأُلَى نَظَمُوا
يا حارثَ الأرضِ في صَبْرٍ وفي دَعَةٍ١
لولاك ما قامَ مُلْكٌ أو سَمَا عَلَمُ
ويا قَنُوعًا بعَيْشٍ كُلُّهُ تَعَبٌ
إنَّ المتاعبَ فخرٌ أصلُهُ الشَّمَمُ
تَخِذْتَ من صبغةِ الجَوْزاءِ صافيةً
لونَ الرِّداء يُحلِّي رمزَه الكرَمُ٢
أو السموُّ بنفسٍ تشْرَئِبُّ إلى
نُبْلِ الحياةِ ولا يَهْوِي بها٣ السَّقَمُ
تُرِكتَ في الجهلِ والأمراضِ فاتكةً
واللهُ يُنكِر أهواءَ الأُلَى ظَلَمُوا
ومن جهودك يُروَى النبتُ مُلْتَجِئًا
قبلَ المياهِ وممَّا تبعثُ الهِمَمُ
حتى خَلَقتَ «لمصرَ» الخُلْدَ مُعْتَرَفًا
به، وحجَّتْ إلى جنَّاتِهِ الأُمَمُ!
وأنت في كلِّ أمرٍ يُستعانُ به
أمَّا الجزاءُ فجهدٌ ذاهبٌ ودَمُ
واليومَ فَجْرُكَ بعدَ الليل منبثقٌ٤
فعِشْ لشَعْبِك لا يَسْرِي لك النَّدَمُ
مُكَلَّلًا برضاءِ «التاج» محتكمًا
إلى حِمَى العدلِ، فهو السيِّدُ الحَكَمُ
مُبَجَّلًا مِن شبابِ اليوم زهرتِهِ
فهم غِراسُك لم يَنسَوْا وما سَئِموا
وهم رجالُ الغدِ البسَّام مشرقُهُ
فثِقْ بعَهْدٍ لهمْ يَسْمُو به القَسَمُ
فالشِّعْبُ نهضتُه إنهاضُ جملتِهِ٧
لا أن يكون به راعٍ ولا غَنَمُ
والقدرُ للناس بالأعمال نافعةً
وبالمآثر تَسْتَهْدِي بها الشِّيَمُ٨
١
الدَّعَة: خَفْضُ العَيْش والسكينة.
٢
الجوزاء: بُرْجٌ في السماء. قوله: «يُحلِّي رَمْزَه الكرَمُ»: لأن
اللون الأزرق هو لون البحر الذي يُضرَب به المَثَل عادةً في السخاء.
وقوله: «أو السمو بنفس»: إشارة إلى أنَّ الزُّرْقة لونٌ للسماء
أيضًا.
٣
يهوي: يسقط، إشارة إلى شجاعة الفلَّاحين رغم ما يُعانُونَه من أمراضٍ
قاسيةٍ هادِمةٍ للقُوى كالبلهارسيا والإنكلستوما. وقوله فيما بعدُ:
«ومن جهودك يُروَى النبت»: إشارة إلى عَرَق جَبِين الفلَّاح الكَدُود
الشَّقِي.
٤
منبثق: مندفع.
٥
الأصل لغة: حُجِّل الفَرَس: كان في قوائِمِه تحجيلٌ؛ أي بياضٌ فهو
مُحَجَّلٌ ومحجولٌ. والمقصود بالكلمة مجازًا في هذا الموضع وصفًا
لأعياد أنها أعياد نقية ضاحكة، وهو ما يُوحِيه لون البياض.
٦
العَسْف: الظُّلْم، وأيضًا بمعنى الموت.
٧
الجملة: جماعة الناس.
٨
الشِّيَمُ: جمع شِيمة أو شِئْمة، وهي الخُلُق والطَّبيعة.