قنال السويس
ناجِ العزيزَ مِن الخيالْ
في وصْفِ مَفْخَرةِ «القنالْ»
واستَوْحِ١ ماضيَ «مصرَ» عن
مجهودِ أبطالِ الرِّجالْ
الحافِرِيهِ بعَزْمةٍ
من قَبْلِ هندسةٍ ومالْ
والواصِلِي البحرَيْنِ٢ من
عَرَقِ الجِباهِ ومِن فِعالْ!
والصابرين على المصا
عب قد تَنُوءُ بها الجِبالْ
ما بينَ تَسْخِيرٍ وتحـ
ـقِيرٍ ولكنْ للجَلالْ!٣
حتى اغتَدَوْا أُحْدُوثة الـ
أَجْيِالِ في صُنْعِ الْمُحالْ!
فإذا السَّفينُ بفضْلِهم
صارتْ تَسْيرُ على الرِّمالْ!٤
لا تلمحُ العينُ البعيـ
ـدةُ غيرَ أصباغٍ غوالْ
من صُفرةِ الذَّهبِ الأصيل
لحمرةٍ تُشْجِي الخيالْ
والماءُ مَخْفِيٌّ كما
تَخْفَى الحقيقةُ في جِدالْ
ما بينَ منثورِ النَّخِيـ
ـلِ وبين مَنْظُومِ التِّلالْ
حتى تلوحَ بُحَيْرةٌ
فتضُمُّهُ ضمَّ الوِصالْ
في أرضِ قُدْسِيِّ الزما
ن٥ مِثالُها فذُّ الْمِثالْ
ودَعَوْهُ مفتاحَ الدِّيا
رِ وبعضَ عنوانِ المآلْ
وهو الأحقُّ بأنْ يُسَمَّـ
ـى دَرْبَ «مصرَ» إلى الكَمالْ٦
السائلُ الأبناءَ للتَّـ
ـفْكِيرِ في حالٍ وحالْ
كمْ من شُعوبٍ بالملا
حةِ أسَّستْ مُلْكًا فصالْ
أحلامُ آمالٍ مضَتْ
لا تتْرُكوها للزَّوالْ!
١
استَوْحَى: طلبَ الوَحْيَ؛ أي الإلهام.
٢
البحرين: البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر.
٣
يُشِير إلى ما عاناهُ العُمَّال المصريون من الشدائد والمشقَّات
والسخرية في سبيل حفْر القنال، ولكنْ كلُّ ذلك كان في سبيل عظمة مصر
ورُقِيِّ الإنسانية.
٤
إشارة إلى ضِيق القنال وامتداد الصحراء على جانبيه حتى لَيُخَيَّل
للإنسان خطأً عن بُعْدٍ أنَّه لا وجود للممر المائي، وإنما تُقاد
السُّفُن على الرِّمال! وللبيت أيضًا معنًى شِعريٍّ أدقُّ في تصوير
مبلغ الإعجاز في قهر الطبيعة.
٥
إشارة إلى ما اقْترن ببرزخ السويس من الذِّكْريات التاريخية
الكريمة.
٦
إشارة إلى اعتقادِه في أهمية المِلاحة كوسيلةٍ لإبلاغ الأُمَّة
غايتَها من الكمال قوةً وغِنًى واقتِباسًا من مدنيَّات غيرها من
الأُمَم، وهذه كانتْ وِجْهةَ نظرِ وآمالِ المغفورِ له إسماعيل باشا
خديو مصر العظيم. وقد شرح الناظمُ ذلك في الأبيات التالية.