عيد النَّيْرُوز١
عيدٌ يَجُودُ به الرَّبيعُ وطالَمَا
وَهَبَ الرَّبيعُ إلى النُّفوسِ حُبُورا
يَمْتازُ بالذِّكْر الجميلِ لأَصْلِهِ
فهو المُمَثَّل في الجمالِ عُصورا
عشقَتْه «فارسُ» ثم «مصرُ» فأسْرَفَتْ
في مَنْحِه التزْيين والتقْديرا
وَهَبُوا له النِّيرانَ ليلةَ عُرْسِه
والماءُ في صبحِ الهوى مَنْثُورا٢
والشمسُ تَرْعاهُ رعايةَ أُمِّهِ
وتَمُجُّ في فِيهِ الشَّهِيِّ النُّورا
ولرُبَّما أَوْفَى أبوهُ يَرُشُّهُ
بالدُّرِّ مِن عَلْيائِه مأْثُورا
وتَرَى النخيلَ مُضَحِّيًا بحُلِيِّهِ
لتَكونَ رمزًا للسَّلامِ نَضِيرا
متعانقَ الأقواسِ يَسْتَذْرِي بها
فوقَ الجنانِ الزَّائنات قُصورا
وتَرَى الأَساوِرَ في المعاصِمِ بهجةً
وتَرَى الخواتِمَ خُوصَه المَضْفُورا
والبَيْضُ بالأَصْباغِ مفرحةَ المُنَى
تُوحِي جَدِيدًا للمُنَى وشُعورا
وترى الكبارَ مع الصِّغار تآلَفُوا
وتقاسَموا ملْءَ النفوسِ سُرورا
ثم المواكبَ نُسِّقَتْ بتفَنُّنٍ
واللَّهْوَ يعدمُ في مَداهُ نَظِيرا
وترى الفقيرَ مع الغنِيِّ تَساوَيَا
طَرَبًا فلا تَجِدُ الفقيرَ فقيرا
والكلُّ أقْسَمَ أنْ يَبَرَّ بيَوْمِهِ
فرحًا وعاهَدَ أن يكونَ شَكُورا
لم يَنظُروا حُسْنًا وَحِيدًا عاتِبًا
إلَّا وكانَ بوُدِّهم مَعْمُورا
أو يَشْهَدُوا مرأًى جميلًا شائِقًا
إلَّا وصُوِّرَ عندَهم تصويرا
في الذِّهن يُنعِشهم زمانًا تاليًا
حبًّا ونُورًا باسِمًا وعَبِيرا
والرَّسْمِ تذكارِ السَّعادة حُرَّةً
لولاهُ لم يكُ رسْمُها مأْسُورا!٣
١
لعيد النَّيْروز — وإنْ تَمَصَّر — أصلٌ فارسي. قال النُّوَيري في «نهاية
الأَرَب» عندَ ذِكْر أعياد الفُرْس: «فأمَّا النَّيْروز فهو أعظمُ أعيادِهم
وأجَلُّها، يُقالُ إنَّ أوَّلَ مَن اتَّخذَه «جمشيد» أحدُ مُلُوك الفُرس الأُوَل،
ويُقال فيه: «جمشاد»، ومعنى «جم»: القمر، و«شاد»: الشعاع والضِّياء، وسبب
اتِّخاذِهم لهذا العيد أنَّ طهومرت لَمَّا هلك مَلَك بعدَه جمشاد، فسَمَّى اليوم
الذي مَلَك فيه نوروز؛ أي اليوم الجديد. ومِن الفُرس مَن يزعم أنَّ النَّيْروز
اليوم الذي خلق الله، عزَّ وجلَّ، فيه النُّور، وأنَّه كان مُعظَّم القدْر عند
جمشاد. وبعضُهم يزعم أنَّه أوَّل الزمان الذي ابتدأ فيه الفَلَك
بالدَّوَران.»
٢
قال النُّوَيري أيضًا: «وكانتْ عادةُ عوامِّ الفرس فيه رفعَ النار في
ليلَتِه، ورشَّ الماءِ في صبيحَتِه»، وفي ذلك يقول المعوج:
وقال آخَرُ:
كيف ابْتِهاجُك بالنَّيْروزِ يا سَكَنِي؟
وكلُّ ما فيهِ يَحْكِينِي وأحْكِيهِ!
فنارُهُ كلَهيبِ النَّارِ في كبدي!
وماؤُهُ كتَوالِي عَبْرَتِي فِيهِ!
نَوْرَزَ الناسُ ونَوْرَزْ
تُ ولكنْ بدُمُوعي!
وذَكَتْ نارُهُم، والنَّـ
ـارُ ما بين ضُلُوعِي!
٣
ليس الرسم الفوتوغرافي (الصورة الشمسية) إلَّا أَسْرًا لأضواءٍ في
مظهَر آخَر، هو المظهَر الكيميائي المثبَّت.