في قبر المسيح
وبعد صلاة الظهر استدعى الإمام عمر رسول البطريرك. فأتي إليه بإيليا، وكان إيليا حينئذ كاسف البال لحادثة أستير. فقال له عمر: يا ذا الشاب، دلَّنا على قبر عيسى — عليه السلام — وادخل معنا إليه؛ لتكون دليلنا فيه. فامتثل إيليا لأمر أمير العرب، وسار به وبنخبة من رجاله قاصدًا كنيسة القيامة.
ولما بلغوا باب الكنيسة، وقف عمر، وقال: الفاتحة أيها المؤمنون على ذكر سيدنا عيسى. فخشع المسلمون ووقفوا يقرءون الفاتحة قبل دخولهم الباب. فعجب إيليا والقس رفيقه من ذلك الخشوع في صلاتهم.
ثم دخلوا الكنيسة حتى أتوا قبر المسيح.
ولما خرج الإمام والمسلمون من كنيسة القيامة. قال الإمام لإيليا: ما اسمك أيها الشاب؟ فأجاب إيليا: إيليا أيها الأمير. فقال الإمام: اسم مبارك. يا إيليا ولئن أبطأتَ على سيدك البترك دلنا على المكان الذي رُفع منه عيسى عليه السلام. فقال إيليا: هو على جبل الزيتون خارج المدينة أيها الأمير. فقال الأمير لرجاله: هلموا بنا إلى جبل الزيتون.
واجتاز الإمام المدينة بموكبه مع إيليا قاصدين جبل الزيتون، وكان الأمير في طريقه يمعن النظر في ما يبدو على المدينة وأهلها ومنازلها من آثار البذخ والترف والجاه والثروة. فلما صار خارج المدينة قال لإيليا: يا إيليا هل لك أن تقص علينا شيئًا من أخبار مملكتكم وقومكم خصوصًا حروبكم مع الفرس التي سمعتُ بعضها؟ فإنني أرى عندكم مملكة عظيمة وأممًا عديدة وجندًا كثيفًا ومدنية واسعة، فماذا صنع ولاتكم الروم حتى تقلَّص هذا الظل ودالت هذه الدولة؟
فسكت إيليا ولم يجب أولًا؛ لأنه وجد أنه لا يليق به الكلام بهذه الشئون الداخلية مع أمير أجنبي لا يزال في حرب مع مملكته في جهات أخرى، ولكن لِما آنسه لدى الأمير من رقة الجانب والرفق ومكارم الأخلاق فضلًا عن معرفته أن هذا الفاتح الجديد قد حل محل الفاتح القديم، قد رأى أنه لا يخطئ إذا اغتنم هذه الفرصة لخطبة وداد رئيس الفتح الجديد، وجر النفع لصاحبه الشيخ سليمان صاحب المزرعة. فأجاب الأمير قائلًا: إذا شاء الأمير دللته على شيخ جليل شهد حرب الفرس بنفسه، وزار القسطنطينية، ووقف على كل أخبارها فيستخبر الأمير منه ما يروم الوقوف عليه. فصاح الإمام عمر: أحسنت يا إيليا. جئني بهذا الشيخ الذي شهد حروب الفرس فإننا ممن يكرمون الشيوخ وهو خير المخبرين.