قريبًا تُشرق الشمس!
جلس رقم «صفر» يقرأ تقريرًا خطيرًا صادرًا عن إحدى إدارات مكافحة الجريمة، وفيه تحذيرٌ خطير من أن عصابات الجريمة المنظمة ستتحد مع المنظمات الإرهابية، وأكَّد هذا التقرير أن الموقف يزداد سوءًا؛ لأن العصابات لم تَعُد مقصورة على المافيا الإيطالية، بل أصبحت تضم المافيا الصينية والروسية وعصابات المخدرات في كولومبيا …
وأكَّد التقرير أيضًا أن هناك تعاونًا بين العصابات في الدول المختلفة، وأن العصابات تنتقل من دولة إلى أخرى حين تجد تشديدًا في قوانين مكافحة الجريمة، ويساعد على ذلك سهولة انتقال الأموال بين الدول بواسطة بعض البنوك.
وضع رقم «صفر» التقرير على المكتب أمامه، ثم بدأ يفكر وهو يضع قبضته تحت خدِّه مستندًا إلى المكتب، وقال: كلما زاد الإنسان تقدمًا كلما ساءت أخلاقه وكان من المفروض أن يحدث العكس، يبدو أن المسيطرين على المافيا العالمية قلة قليلة تُحرِّك طوابيرَ من العملاء والخونة؛ ولذا يبدو أن الشر هو المسيطر … هذه سنة الحياة … الصراع بين الخير والشر، لكن الغلبة في النهاية لا بد أن تكون للخير، للحق، للفضيلة، للمبادئ … وصاحب الهدف النبيل لا يتسلل اليأسُ إلى قلبه أبدًا … وأثناء ذلك كانت هناك رسالة على جهاز الفاكس قد أخذَت طريقَها إلى الجهاز، ثم وقف أمام المكتب يقرؤها: لم تَصِل إحدى السفن التي تُقلُّ ٢٠٠ من اللاجئين إلى ميناء «م. و» عاصمة «ك. ﻫ»؛ إذ كان مقدَّرًا لها أن تَصِل بعد أسبوع واحد، وقد مرَّ على موعد وصولها ثلاثةُ أسابيع لكنها لم تَصِل، وقد وصلَتنا اليوم رسالةٌ من «جنوب أفريقيا» تؤكد أن السفينة أخذَت طريقًا مغايرًا تمامًا، مما يُوحي أن وراءها عمليةَ اختطاف لبيع هؤلاء كرقيق، نرجو تعاونكم والتدخُّل الفوري، المخلص «س. ٦».
نظر رقم «صفر» في ساعته، كانت تُشير إلى العاشرة والثلث صباحًا، توجَّه ناحية النافذة، ثم شرد بذهنه لحظات، ثم استدار للخلف واتجه إلى مقعده وجلس، ثم ضغط عدةَ أزرار عن يمينه واسترخى للخلف، ثم قال: قريبًا ستُشرق الشمس. في نفس الوقت كان الشياطين يترقبون رقم «صفر» على شاشة قاعة الاجتماعات بمقر الشياطين السري بالهرم، أُضيئَت الشاشة الكبيرة ثم بدأت تتضح شيئًا فشيئًا خريطة أفريقيا العملاقة وإلى جوارها كانت الكلمات تصطفُّ لتشكِّل أجزاء الرسالة التي وصلَت للزعيم رقم «صفر». تابع الشياطين الرسالة باهتمام.
علَّق «عثمان»: أفريقيا مرة أخرى … إن جرحي لم يزل يؤلمني …
نظر «أحمد» إليه، وقال: أفريقيا هذه هي الكعكة اللذيذة التي يُطمَع في التهامها …
بدأَت أنفاس رقم «صفر» تتضح ويسمعها الشياطين … صمت الجميع … تدفَّقَت كلمات الزعيم حاسمة قوية … تُحرِّك المشاعر والهمم … وتُثير الحماس في نفوس الشياطين، تكلَّم عن الحق والقوة … ولا بد للحق من قوة تحميه، وتكلَّم عن الباطل وضعفه، وأنه مهما علا فهو ضعيف … ولذا يجب على أنصار الحق أن يستشعروا قوتهم، ويكونوا على يقين أن أهل الباطل ضعفاء مهما حملوا من سلاح وقوة … ثم أخبرهم عن التقرير الذي وصل إليه يحمل التحذير من اتحاد العصابات وأن نشاط هذه الشبكات يمتدُّ بالفعل إلى ٥٠ دولة … وفي بعض العصابات التي سقطَت وُجد بحوزتها أجهزة الإطلاق للقذائف المضادة للدبابات وقاذفات صواريخ، وأسلحة أخرى قادرة على إسقاط طائرات هليكوبتر، وتقوم معظم هذه العصابات بتهريب المخدرات والأسلحة وتجارة الرقيق.
ثم صمت لحظات واستأنف كلامه: وهذه الرسالة التي وصلَت اليوم أثناء قراءة التقرير تؤكد أننا أمام عصابة من هذه العصابات، وقد اختطفت هذه السفينة البالية بما عليها من اللاجئين لبيعهم في سوق الرقيق … وكان مقدَّرًا لهذه السفينة أن تَصِل بعد أسبوع، وقد مرَّت أسابيع … والمعلومات المؤكدة أن السفينة قد أخذَت طريقًا معاكسًا لرحلة الوصول … طبعًا في ظل الحرب الأهلية الدائرة في هذه الدولة لن ينشطَ أحدٌ ولن يهتمَّ بأمر هؤلاء … لأن الكل مشغول بما يحدث لكن ما ذنب هؤلاء أن يقضوا بقية عمرهم في ذل الرق والقيود؟ ما ذنبهم أن يُباعوا في ظل النظام العالمي الذي فقد ضميره؟
لذا يجب على كل إنسان له ضميرٌ حيٌّ أن ينهض ليحُولَ بين هؤلاء وبين الرق … وهذه مهمتُنا … مهمة إنسانية جديدة … أن نقف في وجه الشر والباطل والطغيان لو نظرنا على الخريطة، حيث يُشير السهم إلى نقطة الانطلاق. ثم افترضنا اتجاه السفينة هكذا في الاتجاه العكسي … فإنها بعد شهر ستكون قد وصلَت إلى هذه المنطقة تقريبًا.
ثم اتجه السهم إلى جزيرة في المحيط الهندي شرق الساحل الأفريقي الجنوبي وهي جزيرة «ألديرا» ليس أمامها سوى محطتَين يمكن أن ترسوَ في إحداهما، أولاهما هي «جزر القمر»، والثانية هي «مدغشقر»، ولكي تصلَ إلى إحدى المحطتين لا بد لها من ستة أو سبعة أيام … مما يعطينا فرصة أكبر للتحرك واتخاذ التدابير اللازمة.
المهمة صعبة لأنها في الماء، والماء منطقة مكشوفة … وصعبة لأننا نفترض من الآن بعد هذا التقرير أننا أمام اتحاد عصابات؛ فالجهات مفتوحة علينا من كل جانب … وصعبة لأنهم يملكون أسلحة متقدمة كما سمعتم من لحظات، لا أقول هذا كي نتوجس خيفة، ولكن لنأخذ حذرنا قبل كلِّ خطوة نخطوها، سنقذفهم أولًا بنصف دستة شياطين … ثم ننظر في العواقب.
اعتدل الشياطين في مجلسهم ونظر كلٌّ منهم للآخر … فكلُّ واحد منهم قد أعدَّ نفسه ضمن الستة … لاحظ الزعيم رقم «صفر» هذا، وربما يكون قد قرأ أفكارهم فعلًا … ثم قال: أعرف أنكم مستعدون، وحين أختار أحدًا لمهمة فأنا لا أميزه … وإنما لعلمي أنكم قلبٌ واحد وفكرٌ واحد … ولعلمي أن الباقين أشدُّ انشغالًا وقلقًا على زملائهم من القائمين بالمهمة أنفسهم … فليستعدَّ كلٌّ من «أحمد»، «بو عمير»، «خالد»، «قيس»، «باسم»، و«رشيد».
قبل حلول الظلام ستكون لديكم تذاكرُ سفر إلى «جزر القمر» … وفي جزيرة «مورو» لؤلؤة «جزر القمر» ستجدون كلَّ معاونة من صديقنا الحاج «أحمد جوهر» … وحين تَصِل التذاكر سيكون معها آخر التعليمات. تمنياتي لكم بالتوفيق …
كان «عثمان» متأثرًا وحزينًا لعدم اختياره ضمن المجموعة التي ستقوم بهذه المهمة … لكن «أحمد» نبَّهه إلى أنه مصاب وحالته بهذه الصورة لا تسمح باشتراكه في مهمة خطيرة كهذه قبل تمام شفائه، وانهمك الشياطين في إعدادِ كلِّ ما يمكن أن يحتاجوه حتى قاربَت الساعة الواحدة …
ولما كان الجوُّ حارًّا فقد عمد «أحمد» إلى الحمام ليغتسل ويلطف من حرارة جسده وكذلك فعل بعض الشياطين … ثم تناولوا غداءَهم، وتمددوا على الأسِرَّة طلبًا للراحة …
أمسك «بو عمير» بإحدى الصحف وأخذ يقلِّب صفحاتها وهو مستلقٍ على ظهره … ثم مال بوجهه إلى «أحمد»، وقال: صفحات الجرائد ممتلئة بأخبار الخطف والانقلابات والحروب الأهلية كأن نهاية العالم قد أوشكت …
ردَّ «أحمد»: فعلًا؛ فالعالم يحرِّكه تجارُ السلاح والمخدرات وتجار الرقيق … ولن تروجَ مثل هذه التجارة إلا بتقديم القرابين البشرية … لا بد من ضحايا …
بو عمير: ثم ماذا بعد ذلك؟
أحمد: لا شيء … سوى النهاية المفجعة للجميع … إلا إذا تعاون الكل في سبيل القضاء على هذا التيار العنيف من الشر والفساد.
بو عمير: يُخيَّل إليَّ أحيانًا أنه لم يَعُد للأمل مكانٌ في نفوس البشر.
أحمد: فعلًا لكن مَن يدركون قيمة الحياة يؤمنون بضرورة تلازم الخير والشر.
تدخَّل «خالد» في الحوار حين وجد نفسه غير مستعد للنوم، فقال: يعني … مشكلة كهذه لا يمكن لإنسان عاقل أن يتخيل حدوثها … كأنني أرى ذئبًا متوحشًا وجد حَمَلًا صغيرًا فأخذه بمنتهي البساطة ومضى …
أحمد: إنها مشكلة تهزُّ الضمير … لكن في ظل هذه الظروف والأحداث التي تقع في العالم ليس من المستبعد حدوثُ أيِّ شيءٍ مهما كان.
وطال الحديث حتى هدأ الثلاثة واستسلموا لنفحة جميلة من هبات النسيم طارَت بهم إلى عالم الأحلام … فقد ركبوا قطار النوم السريع المفاجئ.
•••
حين استيقظ الشياطين وجدوا تذاكر السفر جاهزة ومعها تقرير من الزعيم رقم «صفر» به آخرُ التعليمات، لقد كان واضحًا وصريحًا في لهجته باستخدام القوة وعدم التردد خصوصًا فوق المحيط … لأن التردد يحمل معه الموت السريع في هذه المنطقة المكشوفة، ونصحهم بتسليم السفينة إلى أقرب سلطة تُقابلهم قبل مفاجئتهم بفرقة أخرى من اتحاد العصابات … حيث إن هذه المناطق كلها بدائية في ترتيبها الأمني … مما يجعل الساحة واسعة أمام العصابات المختلفة لأن تمارس أنشطتها دون مواجهتها.
نظر «أحمد» في تذاكر السفر … كان موعد إقلاع الطائرة في تمام الساعة التاسعة … اطمأن «أحمد» إلى أن هناك مزيدًا من الوقت، فأخذ يستكمل باقي استعدادات السفر ويُتمم على كل شيء بنفسه.
دخل «أحمد» الغرفة الخاصة بالأجهزة المتطورة … وحمل جهاز اتصال للمسافات البعيدة وأدخله في الحقيبة، ثم اعتدل، وقال: كل شيء جاهز الآن …
في تمام الساعة الثامنة والنصف كان الشياطين داخل الصالة في المطار. اتجه «أحمد» إلى بائع الجرائد، واشترى صحيفة مسائية ووقف يقلِّب صفحاتِها لعله يقرأ شيئًا جديدًا لكنه لم يجد أيَّ جديد … كلُّ الأخبار متشابهة، تحديد إقامة رئيس الأركان في «بنجلاديش» … فشل المحاولات في محاكمة زعيم الصرب، القتال في شوارع «مونروفيا»، العالم كله يغلي كأنه فوق صفيح ساخن … طوى الصحيفة وسار إلى حيث يجلس الشياطين … ثم بدأ يحمل الحقائب استعدادًا لركوب الطائرة … أقلعت الطائرة وأخذ كلٌّ منهم مكانَه، وشرد الشياطين بعيدًا بأفكارهم، كلٌّ في عالمه ومضَت ساعة، كان الهدوء يخيِّم فيها على الطائرة إلا من صوت الموسيقى يتهادى رقيقًا يملأ المكان سحرًا، وحانت من «بو عمير» التفاتةٌ إلى «أحمد» الذي كان يجلس على المقعد الموازي مباشرة ثم قال ﻟ «أحمد»: هل ذهبتَ قبل ذلك إلى «جزر القمر»؟
ردَّ «أحمد»: لا … لكني قرأتُ عنها كثيرًا … إنها دولة إسلامية تتكلم اللغة العربية والفرنسية وقد انضمت إلى جامعة الدولة العربية عام ١٩٩٣م.
بو عمير: لماذا سُمِّيَت «جزر القمر»؟
أحمد: إنها تسميةٌ تعود إلى التاريخ القديم حين هبط أجدادنا العرب هذه الجزر أوائل القرن الثاني الهجري/الثامن الميلادي. وحين هبطوا إلى الجزيرة كان القمر بدرًا فأسمَّوها جزر القمر، وقد أخذ الأوروبيون هذا الاسم وأطلقوا على هذه الجزر اسمَ «كومور» أو «كوموروس».
بو عمير: إذن لن نجد صعوبة في التحرك … والتعامل هناك …
أحمد: إنك ستشعر كأنك في أيِّ بلد عربي … نفس العادات والتقاليد والثقافة، لقد هاجر كثيرٌ من أجدادنا العرب من دول الخليج، من «سلطنة عمان» ومن «اليمن» كانوا صيادين ويعملون بالتجارة … والتاريخ يُثبت أن كلَّ سلاطين جزر القمر كان أصلهم من «حضرموت» (اليمن).
بو عمير: المواطن القمري إذن عربي.
أحمد: نعم أصلُه عربي … وبالمناسبة هناك تفسيرٌ آخر لاسم جزر القُمر بضم القاف، وهو نوع من الطيور.
بو عمير: عظيم … ولكن قد قلت إنهم يتكلمون الفرنسية مع اللغة العربية …
أحمد: نعم … فالاستعمار الأوروبي وهو يقسم التركة الأفريقية، فكانت جزر القمر من نصيب فرنسا، واعتبرت عام ١٩٤٦م إقليمًا فرنسيًّا … لكنها نالَت الحكم الذاتي عام ١٩٦١م ما عدا جزيرة «ماهورية» أو «مالوت» التي لا تزال خاضعة للنفوذ الفرنسي.
بو عمير: يبدو أننا كسالى من الناحية الثقافية … أشياء كهذه كان لا بد أن نتعرف عليها ونكون على علم بها … وطال الحديث عن «جزر القمر» وأهلها ودور العرب في مساعدة هذه البلاد المسلمة ودور الشباب في تنشيط هذه المنطقة الحيوية، والتي تعتبر بحقٍّ كنزًا من كنوز الطبيعة، وضرورة الاستثمار العربي في كل المجالات المناسبة وخصوصًا صيد الأسماك ففيها ثروة سمكية ضخمة؛ حيث يأتي الغربيون بسفنهم ليصطادوا الأسماك قريبًا من شواطئ «جزر القمر»، ويسرقوا هذه الكميات المهولة من الأسماك. وطالت الرحلة من القاهرة حتى هبطت الطائرة في رأس «دالجادو» الفاصل بين «تنزانيا» و«موزمبيق». أحسَّ الركاب بالإرهاق، وتوقَّفت الطائرة لمدة ساعتين هبط الشياطين كباقي الركاب … يحرِّكون أجسادهم ويغيرون الهواء الذي كانوا يتنفسونه في الطائرة طوال هذه الرحلة.
جلس الشياطين على مقعد بعيد عن حركة الركاب … كانوا في حاجة إلى مرطبات تُخفِّف عنهم حدةَ الحر الشديد … الظلام كثيف أضواء المصابيح الهزيلة تقاوم الظلام بصعوبة. قام «أحمد» وسار إلى كافتيريا قريبة من استراحة الركاب طلب بعض المثلجات … ووقف «أحمد» ينظر في المكان … كانت هناك عينان لامعتان في الركن البعيد تحدِّقان النظر في وجه «أحمد».
لاحظ «أحمد» ذلك الرجل الأسود على الضوء الخافت … لم يهتمَّ «أحمد» به … تناول المثلجات وسار في طريقه إلى الشياطين، قطع «أحمد» نصف المسافة تقريبًا … وفجأة سقطَت من يده كلُّ الأشياء … لقد اصطدم به شخصٌ ما في طريقه … نظر أحمد إلى الرجل … لم يكن هو … اعتذر الرجل بشدة وأصرَّ على أن يعودَ أحمد معه ويعطيَه بديلًا عن المثلجات التي سقطَت، رفض «أحمد» بشدة لكن الرجل كان مصرًّا … وحمل الرجل المثلجات ومشى مع «أحمد» حتى وصلَا إلى بقية الشياطين، واعتذر الرجل مرة أخرى وترك الأشياء ومضى … نظر «خالد» إلى الرجل وهو يختفي، ثم قال ﻟ «أحمد»: مَن يكون هذا؟
ردَّ «أحمد»: اصطدم بي وأنا قادم بالمرطبات، وأصرَّ على أن يأتيَ بغيرها ويوصلَني بها … لم يهتمَّ الشياطين بالرجل أكثر … لكن «أحمد» كان فكرُه يروح ويجيء …
جلس الشياطين في حالة استرخاء يشربون المرطبات … في هذا الضوء الخافت المنعكس عليهم من مصباح بعيد … لكن كان هناك شيء ما يحدث … لقد كانت هناك أضواء بطاريات تظهر وتختفي من بعيد، كان «أحمد» غارقًا في تفكيره حين لمح هذه الأضواء على البُعد كأنها إشاراتُ تنبيه.
فجأةً ثم راح ينظر عن يمينه وشماله … ثم استدار ينظر خلفه … لقد لاحظ أن الأضواء تأتي من جميع الجوانب … وبمنتهى الهدوء قال للشياطين: لقد وقعنا في كمين … لقد نصبوا لنا فخًّا ونريد أن نخرج منه!
قيس: كيف ذلك؟ وأين؟
أحمد: إن الشخص الذي اصطدم بي واحد منهم … وبذلك عرفوا مكاننا وهم الآن يحيطون بنا من كل جانب، تعالَ يا «بو عمير» معي لنشكر الرجل الذي قدَّم لنا المرطبات وأنتم احترسوا؛ فقد يأتون إليكم في أية لحظة.
كانت خطة «أحمد» تقضي بأن يذهب للكافتيريا ومعه «بو عمير»، وبذلك يكون قد ظهر للعصابة اثنان ولا بد أن يظهر لهما أحدٌ من أفراد العصابة حتى يشتِّتوا جهودهم في مراقبة الشياطين ويستطيعوا التعامل معهم بدلًا من أن يحاصروهم من كل جانب.
حين اقترب «أحمد» و«بو عمير» من الكافتيريا ظهر لهما شخصان … كان أحدهما هو الذي اصطدم ﺑ «أحمد» ثم اقتربا منهما، وقال ﻟ «أحمد»: هل هناك شيء آخر؟
ردَّ «أحمد»: نعم … نريد أن نشكرك على المشروبات المنعشة!
أحس «أحمد» و«بو عمير» أنهما ينويان شرًّا … فنظر «أحمد» إلى «بو عمير» نظرة جانبية أدرك «بو عمير» منها خطة التخلص السريع …
وسرعان ما استدار في حركةٍ خاطفةٍ طائرةٍ أطاحَا فيها بالرجلَين … فانطرح الرجلان على الأرض ثم هوى «أحمد» و«بو عمير» عليهما في حركات خاطفة رشيقة … وتركاهما على الأرض يتألمان ثم رجعَا إلى الشياطين الأربعة … وحين وصلَا إلى حيث الشياطين وجدوا حركة غريبة بالقرب منهم …
انحنى «أحمد» حتى اقترب من الأرض، وترك «بو عمير» في مكانه، ثم أسرع واختفى خلف أحد المقاعد … لقد كان هناك أكثرُ من شخص تبدو أشباحُهم في الظلام تقترب من الشياطين الأربعة للإيقاع بهم … تنبَّه «أحمد» إلى وجود شبح قريب منه يقترب من خلف الأريكة التي يجلس عليها الشياطين.
اندفع «أحمد» في الظلام ثم قبل أن يلتفت إليه الشخص كانت القبضة الحديدية قد ارتطمَت به فهوى إلى الأرض كالحجر الثقيل، وتأكد «أحمد» أنه لن يُفيقَ قبل عدة ساعات.
كان الشياطين في حالة من الضيق الشديد حيث يقف أمامهم شخصان كلٌّ منهما قد صوَّب مسدسه نحوهم آمرًا إياهم أن يتركوا ما معهم أولًا، ثم يضعوا أيديَهم وراء رءوسهم كالأسرى ويلتفتوا للخلف، كان «أحمد» و«بو عمير» قد انطلقَا في سرعة خاطفة، وأصبحَا على قيد خطوات قليلة من الرجلَين نادى «أحمد» أحدَ الرجلين: مستر …
وقبل أن يلتفتَا كانت قبضتان خاطفتان قد أخذتَا طريقَهما إلى وجهَي الرجلين فطارَا باتجاه الشياطين الأربعة، فتلقَّاهم الشياطين قبل أن يصلَا إلى الأرض، وأمسك «خالد» بأحدهما من عنقه، وقال هوِّن عليك … لا تخَف … ثم ناوله قبضة أخرى سريعة سقط على أثرها قبل أن يَصِل إلى «أحمد»، وكان الرجل الآخر بين أيدي «باسم» و«رشيد» و«قيس» يتناوبونه بينهم كأنه كرة.
أمسك «أحمد» بالرجل المتكوم على الأرض، ورفعه ثم اقترب من وجهه، وقال له: مَن أنتم؟ ولحساب مَن تعملون؟
تنهَّد الرجل وهو يحاول أن يأخذ نفَسَه ثم قال: لا … لا أقدر …
أخرج «أحمد» مسدسه وصوَّبه إلى رأس الرجل، وقال له: ما رأيك … طلقة واحدة تنقلك فورًا إلى عالم آخر هادئ لا ضجيج فيه … ولكن لتتعذب وحدك. انطق لحساب مَن تعمل؟
صرخ الرجل: أرجوك اقتلني … لكن لن أقول لك أيَّ شيء.
ردَّ «أحمد»: حسنًا … سأقتلك … ولكن ببطء … سأربطك في عجلات الطائرة … فالدنيا ظلام، ولن يراك أحد، أعطني الحبل يا «خالد»، وأنت يا «باسم» ضع شريطًا لاصقًا على فمه … أصاب الرجلَ الذعرُ، وانهار من الخوف، وقال: لا … سأقول … ميت ميت … إننا نعمل عند «أوكارا».
أحمد: ومن «أوكارا»؟
الرجل: إنه الزعيم لاتحاد العصابات في جنوب أفريقيا، إنه الآمر الناهي في هذه البلاد، إنه الإعصار الذي يدمر كلَّ شيء إذا غضب!
ردَّ «أحمد» مستهزئًا: غدًا سننتهي من هذا المدمر، غدًا حين تُشرق الشمس …