مهمة … ضد من؟!
كانت الشمس تغرب ببطء خلف الجبال، ووهجها الأحمر الشفقي ينسحب في خفة وحياء … عن وجه المقر السري للشياطين؛ حيث كانوا جميعا يجلسون في صمت يراقبون ويتأملون هذا المشهد الساحر … الذي يتكرر كل يوم دون أن يدري به أحدٌ، واستغرق الشياطين في تأملاتهم فلم يشعروا بالوقت الذي انقضى بسرعة، وكان يقترب من الساعة السابعة مساء … وهو موعد اجتماعهم مع زعيمهم الخفي رقم «صفر».
فجأة انطلق صوت عواء ذئب من بعيد خلف الشياطين، فالتفتوا جميعا ناحية الصوت وقد نهض «أحمد» بسرعة وتبعه «بو عمير» و«فهد» و«إلهام» … وتوالت بعد ذلك الضحكات، فلم يكن صوت عواء هذا الذئب سوى صوت «عثمان» الذي اختفى خلف الروابي العالية، وراح يقلد صوت الذئب بعوائه الحاد المتقطع، وسرعان ما انطلق الشياطين إلى غرفهم بمقرهم السري استعدادا للاجتماع برقم «صفر».
في غرفة الاجتماعات الصغرى بالدور الأول … جلس الشياطين في نصف دائرة … في مواجهةِ منصةِ الزعيم الزجاجية … كانت الساعة تقترب حثيثًا من السابعة، ولم يكَد يقترب العقرب الكبير من الرقم «١٢» في الساعة الحائطية العملاقة حتى سَمِع الشياطين صوتَ الأقدام التي يعرفونها جيدًا وهي تقترب … بعد لحظات جلس رقم «صفر» خلف المنصة الزجاجية السوداء، وحيَّا الشياطين بكلمات سريعة … أثنى خلالها على مجهودهم في المغامرة السابقة، ثم بدأ على الفور قراءةَ أحدِ التقارير المهمة.
قال بصوته العميق: وصلَنا منذ وقت قريب تقريرٌ سريٌّ في منتهى الأهمية والخطورة … وعليكم الاستماع إليه جيدًا فهو إلى حدٍّ كبيرٍ غامضٌ ويُثير حيرتي … يقول التقرير: هناك معلوماتٌ عن وجود مصنع صغير لإنتاج «الجراثيم» في جزيرة بالمحيط الهادي … اسمها «ريوكيو»، وتقع بين «الصين» و«اليابان» … وإن هذا المصنع الصغير يقوم بإدارته عالمٌ كبيرٌ من علماء التخليق، ترك دولتَه وقد استطاعَت إحدى الدول المعادية للعرب استقطابَه بعد إغرائه بالمال للعمل لديها، وخضعَت لكلِّ شروطه، والتي كان من بينها اختيار هذه الجزيرة المنعزلة عن العالم.
ثم أكمل رقم «صفر» حديثَه قائلًا: إن الجراثيم التي يُنتجها هذا العالِم تُصيب الجهاز العصبي في الإنسان … الأمر الذي يُفقده القدرةَ على السيطرة على نفسه … وتُسبِّب له آلامًا هائلة تدفع مَن يُعانيها إلى الانتحار … وصمتَ رقم «صفر» قليلًا … ثم عاد بعدها إلى التقرير … فقال: إن أهم ما يشغل هذا العالِم الآن كيفية دمج هذه الجراثيم في مواد يمكن استخدامها سواء في الطعام أو في أشياء أخرى دون أن يكتشفَها أحدٌ … ومن أجل هذا تحاول هذه الدولة بشتى الطرق مساعدة هذا العالِم للتوصل إلى طريقة … فتُغدق عليه بالمال وكلِّ الإمكانيات التي تُساعده على إكمال هذه التجارب أو التخليق الغريب … ثم يصمت رقم «صفر» قليلًا ليقول مرة أخرى: إن مخطط هذه الدولة معروفٌ تمامًا … وإن هذه الجراثيم سوف تُوجَّه إلى منطقة الشرق الأوسط على وجه التحديد … فالصراع بيننا وبينهم أخذَ شكلًا جديدًا … والأهداف أصبحَت أكثرَ عمقًا … ولذلك فالوضع خطيرٌ فعلًا ويحتاج لتحرُّكِنا السريع قبل فوات الأوان.
انتهَت كلماتُ رقم «صفر» ومعها انتهى التقرير، وتحدَّث بعدها رقم «صفر» قائلًا: والآن فلنبدأ في مناقشة التقرير … قبل أن نخوضَ في التفاصيل.
كانت «إلهام» أولَ الشياطين الذين قاموا للتعليق، فقالت لرقم «صفر»: إنني على علم بأن «ريوكيو» مكونةٌ من مجموعة جزر وليست جزيرة واحدة كما ذكر التقرير … وهذا بكل تأكيد سوف يجعل مسألة تحديد المكان في غاية الصعوبة … ثم أكملَت قائلة: وعلى ما أعلم أيضًا أن هذه الجزر ليست بالضبط بين «الصين» و«اليابان» كما ذكر التقرير، ولكنها تقترب أكثر من «تايوان» وهي جزيرةٌ أيضًا.
جلست «إلهام» بعد أن أبدَت ملاحظتها بشأن جزيرة «ريوكيو» وموقعها.
أعقبها تعليقُ «قيس» بتساؤل آخر … عن كيفية إقامة المصنع في هذا المكان المأهول وسط المحيط الهادي دون أن يلفتَ نظرَ أحد. وبالتحديد البلدان القريبة من هذه الجزر سواء «اليابان» أو «الصين» أو «تايوان»؟!
استمع رقم «صفر» لاستفسارات الشياطين في صمت قبل أن يقول … أَلديكم استفساراتٌ أخرى؟ وبعد أن انتهى الشياطين من أحاديثهم قال: إن ما قالته «إلهام» صحيحٌ ولا اختلاف عليه … لكن ثمة خطأ وقع فيه كاتب التقرير … ونحن بكل تأكيد سنحاول أن نتأكد من المكان الحقيقي الذي يعيش فيه هذا العالِم، وما إذا كان بالفعل يوجد وسط هذه الجزر المتناثرة في قلب المحيط الهادي أم لا!
ثم قال معلِّقًا على حديث «قيس»: أما عن تساؤل «قيس» فالأمر هنا يختلف … فاختيار هذا المكان بالذات له اعتبارات واحتمالات كثيرة … قد يكون نوعًا من التخفِّي … في نفس الوقت الذي يمكن التخلص فيه من المصنع نفسه في دقائق بمجرد اكتشافه؛ وذلك بإلقائه في مياه المحيط … وثمة احتمال آخر وهو أن يكون هذا المكان من اختيار العالِم نفسه لأسباب تتعلق بشخصه أو غيره من أسباب … وقد ذكر التقرير أن العالِم هو الذي اختار المكان والأمر متروكٌ للتقديرات والاحتمالات المختلفة.
أخيرا نأتي إلى التساؤل الخاص بالدول المجاورة للجزر … بالنسبة لهذه العمليات الخطيرة تكون كلُّ حركة منها محسوبة بدقة متناهية … ولا شك أنهم قد وضعوا في حساباتهم إمكانية اكتشاف أمرهم … مما يزيد هذا الموضوع صعوبة، فهل هذه البلدان تعلم ولا تتحرك … أي أنه هناك احتمال للتورط … أم أنها لم تعلم أساسًا … وكلَا الاحتمالَين واردٌ، وهذا هو ما سنكتشفه فيما بعد بكل تأكيد.
صمت رقم «صفر» لحظات قبل أن يسأل الشياطين عن وجود أية استفسارات أخرى … ولكنه لم يتلقَّ أية إجابة وكان هذا دليلًا على استغراق الشياطين في التفكير … عاود رقم «صفر» التساؤل من جديد … قبل أن يختمَ الاجتماع قائلًا: كونوا في حالة استعداد لكن بشكل عادي. ولا داعي لحالة الطوارئ؛ فلا يزال هناك مزيدٌ من المعلومات ستصلنا خلال ساعات أو أيام على الأكثر. بعدها سنقرر ماذا نفعل.
سَمِع الشياطين صوتَ الأقدام التي اعتادوا سماعها تبتعد فعرفوا أن الزعيم قد غادر المكان فانصرفوا إلى غُرَفهم ورءوسهم تعجُّ بالأفكار والخيالات!