المفاجأة!
مَن يشاهد «تايوان» ليلًا … لا يصدق أنها «تايوان» نهارًا.
وأكملَت «إلهام» حديثَها وهي تستند على شرفةِ غرفتِها ومعها «هدى».
إنني لا أصدق أن تكون بهذا الزحام الشديد … السيارات تملأ الشوارع وأهالي «تايوان» يُشعرونك بأنهم يركضون.
قالت «هدى»: إنهم يعرفون قيمة الوقت وهذا هو سبب تقدمهم.
ولم تكَد «هدى» تُكمل حديثَها حتى انضم إليهما «فهد» و«مصباح» و«خالد». وراحوا جميعًا يتحدثون ثم نظر «خالد» في ساعته وصاح: لقد اقترب موعد لقاء «فيليب»، سأُيقظ «أحمد» و«بو عمير» إلى أن يأتيَ طعام الإفطار.
كانت الساعة تُشير إلى العاشرة حين فرغ الشياطين من تناول وجبة الإفطار الشهية، وكان إعجابهم شديدًا بسلاطة التونة التي يعتبرها أهالي «تايوان» من أجمل وأشهى أكلاتهم على الإطلاق … ومع أكواب الشاي الساخن جلس الشياطين ينتظرون مجيء «فيليب». الذي وصل في العاشرة وعشر دقائق … كانت حبات العرق تتلألأ على وجهه الأسمر، صاح محيِّيًا الشياطين ومعتذرًا عن التأخير، وسرعان ما صحبهم إلى رحلة بحرية بالمحيط الهادي.
كان القارب ذو المحرك الصغير يشقُّ طريقَه بهدوء وسط المياه الزرقاء، بينما راح «فيليب» يشرح للشياطين عن كيفية الوصول إلى جزر «ريوكيو» وكم يستغرق ذلك وقتًا … وأخذ يُشير يمينًا ويسارًا ويحدِّد اتجاهات السير.
لم تستغرق الرحلة طويلًا … إذ عاد الشياطين بالقارب في تمام الحادية عشرة والنصف جلسوا بعدها على أحد شواطئ مدينة «تاييه» التايوانية، وأشار «أحمد» إلى الشياطين … إشارة عرفوا بعدها أن هناك اجتماعًا فوريًّا على قدر كبير من الأهمية.
قال «أحمد» بكلمات مختصرة: لقد علموا بوجودنا هنا!
لم ينتظر «أحمد» تساؤلات الشياطين، بل أكمل مباشرة: لقد تأخرت في النوم أمس ومعي «بو عمير» … وعندما قررنا التجول بعض الوقت. لفت نظري وجودُ شخصَين بالدهليز المؤدي إلى غُرَفِنا، ثم اكتشفتُ أنهما يسكنان بالغرفة المجاورة لغرفة «إلهام» و«هدى» … رقم «٢٠٨»، لقد تشككتُ فيهما لأكثر من سبب … فالوقت كان متأخرًا وليس من عادة الناس هنا السهر، ثم إنهما ارتبكَا بعضَ الشيء عندما شاهدانا نخرج من غرفتنا، وأخيرًا تلك النظرة التي رمقني بها أحدهما وهو طويل القامة ذو لحية صفراء.
أكمل «أحمد» حديثه: أردت بعدها معرفة مدى صحة شكوكي، فطلبت من «بو عمير» بأن يترك باب غرفتنا دون أن يُغلقَها بالمفتاح وتعمَّدتُ أن نتأخر قليلًا. وعندما عدنا اكتشفتُ وجود جهاز تصنت بأسفل قاعدة الدولاب الخشبي وقد رآه «بو عمير» أيضًا.
كان الشياطين في غاية الاندهاش وهم يستمعون ﻟ «أحمد» … وتذكَّروا على الفور كلماتِ رقم «صفر» … إن الدولة المعادية لنا شديدة الخطورة … ومخابراتها على درجة عالية من الخداع.
كانت رءوسهم تعجُّ بالأسئلة، فكيف عرفَت هذه الدولة بمهمة الشياطين …؟ كان هذا هو السؤال الأول، ثم كيف عرفوا التوقيت نفسه؟
إنه شيء مدهش!
قالت «إلهام» ﻟ «أحمد»: ترى ماذا سنفعل بعدما توصلنا إلى هذه المعلومات؟!
أجابها «أحمد»: سنستخدمها لصالحنا بكل تأكيد.
ثم أكمل: إن وجود جهاز التصنت بغرفتنا بل من المحتمل أن يكون بغرفنا جميعًا. وعليه فلا بد وأن نكون في منتهى الحذر. وجميع اجتماعاتنا وخططنا ستكون خارج نطاق الفندق، وسنقول كل ما نريده لهم!
فهمَت «هدى» ما يقصده «أحمد»، وصاحَت: إننا نستطيع استخدام هذا الجهاز لصالحنا فعلًا … عن طريق تضليلهم أو تحريكهم كما نريد.
ارتسمَت على الفور ابتسامةٌ عريضة على وجه «أحمد»، فأنهى الاجتماع بسرعة، وعادوا جميعًا إلى الفندق.
عندما عاد الشياطين إلى الفندق بصحبة «فيليب» كانت الساعة تُشير إلى الثانية ظهرًا … وهو الموعد المحدد لتناول طعام الغداء … عندما توجهوا جميعًا إلى مطعم الفندق، أو إلى البهو المخصص لطعام الغداء جلس الشياطين السبعة ومعهم «فيليب» حول مائدتَين مستديرتَين، وسرعان ما تقدَّم منهم الجرسون «التايواني» القصير، وانحنى أمامهم ليعرض عليهم بكلمات إنجليزية سريعة أنواع الطعام … واختاروا جميعًا لحمًا مشويًّا وسلاطة خضراء … كان الطعام شهيًّا لدرجة كبيرة … كان البهو المخصص لطعام الغداء مزدحمًا في البداية لكثرة الرواد وقلَّ الزحام شيئًا فشيئًا … ولم يَعُد هناك سوى العدد القليل من الرواد.
كان «أحمد» أول مَن انتهى من تناول طعام الغداء، وما إن استدار بكرسيه قليلًا بعيدًا عن مائدة الطعام حتى تلاقَت عيناه بعينَي ذي اللحية الصفراء.
كانت مفاجأة ﻟ «أحمد». لم يكن يتوقعها؛ فالرجل كان يجلس خلفهم مباشرة ومعه ثلاثةٌ آخرون. كان من الواضح أنهم انتهَوا من تناول طعامهم … وكان واحدٌ منهم وهو ضخم الجثة كمصارع يتظاهر بأنه يأكل بينما كان الثلاثة الآخرون يستمعون إلى ذي اللحية الصفراء وهو يتحدث ببطء وبإشارات خفيفة … بعدها نظر الرجلان نظراتٍ باتجاه المائدة التي يجلس عليها «أحمد» و«بو عمير» و«هدى» و«إلهام» … كان من الواضح أن الأمور لن تسير سيرًا طبيعيًّا؛ فنظرات ذي اللحية الصفراء كانت قاسيةً لدرجة أن «أحمد» اضطر للنهوض والسير باتجاههم وهو يبادلهم نفس النظرات … وعندما اقترب من مائدتهم انحرف قليلًا وأبطأ في السير … كانت الرسالة واضحة من «أحمد» وهي التحرش بهؤلاء الرجال.
كان «بو عمير» أولَ مَن عرف ماذا يقصد «أحمد» بعدما رأى صاحب اللحية الصفراء … فنظر إلى «مصباح» و«فهد» و«خالد» بنظراتٍ فَهِم بعدها الشياطين ماذا يقصد «بو عمير»، فتأهبوا جميعًا انتظارًا لما تُسفر عنه الدقائق التالية … عندما عاد «أحمد» بعد قليل، واقترب من المائدة التي يجلس عليها ذو اللحية الصفراء وزملاؤه الثلاثة، كانت عيناه قد التقت بعيني «بو عمير» من بعيد.
عرف «بو عمير» بعدها أن تظاهر «أحمد» بأنه قد تعثر فوقع فوق ذي اللحية الصفراء الذي قام على الفور فاشتبك مع «أحمد»، وسرعان ما تدخل الرجل الآخر … كان قويًّا مفتولَ العضلات يرتدي «تي شيرت» أسود وبنطلون جينز من نفس اللون. ابتسم وهو يُمسك بذراع «أحمد»، كانت يداه قويتَين كالفولاذ جذب «أحمد» ناحيته، ثم عاجله بضربة قوية تفاداها «أحمد» عندما اندفع «بو عمير» وتَبِعه «خالد» و«فهد» و«مصباح»، ودارت معركةٌ قصيرة … كان الرجل صاحب اﻟ «تي شيرت» الأسود قويًّا بدرجة لا يتخيلها أحدٌ. حتى إنه قاوم بعنف ضربات «فهد» القوية … كان من الواضح أنه مصارعٌ قديمٌ أو ربما ملاكم أيضا … أخذ يتراجع إلى الخلف متفاديًا الضربات المتتالية، ولكن «فهد» كان أسرع، فأطاح به بضربة سريعة مما دفع ذا اللحية الصفراء لإخراج مسدس، وكان يحاول استخدامه وتوجَّه ناحية «مصباح» شاهرًا المسدس في وجهه، ولم يلتفت إلى «بو عمير» الذي فاجأه من الخلف بمسكة قوية جعلَته يستغيث بعد أن ألقى المسدس من يده … وتركه «بو عمير» يلتقط أنفاسه انسحب بعدها الرجل من قاعة الطعام وفي عينَيه بريقُ التحدي والانتقام.
كان «أحمد» في تلك الأثناء يطارد الرجل الثالث، وكان قصير القامة يضع شاربًا صغيرًا فوق وجهه للتمويه، وعرفه «أحمد» على الفور … وكانت مفاجأة له … إذ تبين أنه الحارس الذي التقى به ليلًا في نفس اليوم الذي نزلوا فيه بالفندق ويُدعَى «شنج ياي»؟!