صراع الحيتان!
عندما استقل الشياطين الثلاثة طائرة الخطوط الجوية الهندية، كان يبدوا أنهم فريق صغير من الكشافة في الاتجاه إلى رحلة ما … ولذلك، فقد جلسوا بجوار بعضهم البعض وانهمكوا في أحاديث مختلفة عن ذكريات قديمة، غير أنَّ شخصًا ما، لفت نظر «أحمد»، كان ينظر له كثيرًا ويبتسم … خشي «أحمد» أن يكون هذا الرجل يعرف شيئًا عن اتجاههم، ولذلك، فقد نظر إلى «خالد» و«ريما» نظرات يفهمها الشياطين، ومن طرف خفي نظرت «ريما» في اتجاه الرجل الذي كان يجلس في كراسي اليمين، فحيَّاها برأسه …
نظرت «ريما» إلى «أحمد» وقالت: الرحلة من بدايتها تبدو فيها تلك المشاكل …
فكَّر «أحمد» بسرعة، كان الرجل يمسك كتابًا عن صيد الحيتان، تذكر بسرعة تلك المعلومات التي تحدَّث عنها رقم «صفر» عن فرد العصابة «فيشر»، الذي كانت هوايته صيد الحيتان …
ألقى «أحمد» نظرة سريعة على يدِه اليمنى، فوجد كل أصابعه سليمة، إن المعلومات تقول إن «فيشر» قد فقد إصبعه السبابة من يده اليمنى … كان الرجل لا يزال ينظر إليهم كل لحظة وأخرى، ولم يكن الصمت هو الحل الوحيد، تحرَّك «أحمد» من مكانه، واتجه إلى الرجل وحياه بالإنجليزية، ثم استأذنه في أن يقرأ بعض الوقت في كتابه … ابتسم الرجل ابتسامة عريضة، ثم أخرج قلمًا، وكتب إهداءً على أول صفحة من الكتاب، ثم قدمه ﻟ «أحمد» الذي شكره كثيرًا، وإن كانت دهشته قد ازدادت … وما كاد يجلس بين «خالد» و«ريما» حتى فتح الكتاب يقرأ الإهداء، كان الرجل قد كتب: «إلى الزميل «أحمد»، والأصدقاء … ذكرى رحلة طيبة … إمضاء «هان» …»، وتحتَها مباشرةً كتب: «صفر.» … كاد الشياطين يَصرُخون … هذه إذن مفاجأة «بومباي». إن هذا إذن مستر «هان»، عميلهم في «بومباي»، غير أن الطائرة لم تكن قد قطعت حتى نصف المسافة إلى الهند … نظر الشياطين إلى مستر «هان» الذي حيَّاهم وأدار وجهه بعيدًا عنهم، ففهموا أنه يريد ألا يَظهر شيء … انهمك الشياطين في تصفُّح الكتاب وهم يشعرون بسعادة غامرة، ثم قالت «ريما»: هل هذه مفاجأة «بومباي»؟
أجاب «خالد»: لا أظن … لا بدَّ أن هناك مفاجأة أخرى …
أمسك «أحمد» بيدي «ريما» و«خالد» فنظرا له بدهشة … فأشار إليهما أن يُنصتا … كان الجهاز السري الذي يحمله في جيبه يتلقى رسالة من رقم «صفر»، دقيقة واحدة … ثم انتهت الرسالة … فابتسم «أحمد». كانت الرسالة تقول: «من رقم «صفر» إلى «ش. ك. س» لا تزال مفاجأة «بومباي» في انتظاركم … رحلة مُمتعة مع «هان»!»
نقل «أحمد» الرسالة إلى بقية الشياطين، فابتسموا … نظر في اتجاه مستر «هان» الذي كان ينظر إليه هو الآخر مُبتسمًا، وهز رأسه، ثم رسم له علامة معناها: نعم، وصلتني الرسالة …
كان الليل قد بدأ يَهبط، نظر «أحمد» من نافذة الطائرة فشاهد اللون القرمزي الذي يصبغ السحاب، بينما الطائرة تطير على ارتفاع ١٨٠٠٠ قدم فوق سطح البحر، كما أخبرهم قائد الطائرة …
استغرق الشياطين الثلاثة في مشاهدة هذا المنظر الرائع بينما كانت الألوان تَخفت قليلًا قليلًا، حتى أظلمت الدنيا …
جاء طعام العشاء، فتمنَّى لهم مستر «هان» عشاءً طيبًا واستغرق الثلاثة في تناول العشاء بشهية … وبعد ربع ساعة، كان الثلاثة قد استغرقوا في النوم …
كان مستر «هان» يرقبهم، وكأنه يرقُب أطفاله الصغار فيمتلئ وجهه بابتسامة هادئة …
عندما فتح الشياطين أعينهم، كان ميكريفون الطائرة يطلب منهم ربط الأحزمة، فقد وصلوا إلى مطار «دلهي»، وبسرعة ربط الشياطين الأحزمة، ثم استغرقوا في مراقبة الأضواء التي تظهر من بعيد لمطار «دلهي»، ولم يمضِ وقت طويل، حتى كانت الطائرة تستقر على أرض المطار الضخم …
نزل الشياطين بسرعة، بينما كان مستر «هان» قد سبقهم وانتظرهم في الخارج … تصافحوا جميعًا:
مستر «هان»: أهلًا … «أحمد»، أهلًا «ريما»، أهلًا … «خالد» أهلًا …
وعندما لمح الدهشة على وجوههم أكمل كلامه: لا تَندهشُوا … إنني أعرفكم من زمن، ودائمًا تصلُني صوركم من رقم «صفر» … إننا نعمل معًا، ومن الضروري أن أعرفكم، هيا بنا …
تبع الشياطين الثلاثة مستر «هان» إلى خارج المطار، لكنهم في النهاية دخلوا إلى مطار آخر بالقرب منه، دون أن يستقلُّوا سيارةً ما، إنه مطار للطيران الداخلي تابع للمطار الكبير … استقروا في الطائرة الصغيرة التي أقلعت بسرعة، وخلال ساعتين، كانت الطائرة تهبط بهم في مطار «بومباي» … وفجأةً صاح الثلاثة: غير معقول … لقد كان «قيس» و«عثمان» في انتظارهم … هذه إذن مفاجأة «بومباي» … تقدَّم مستر «هان» وحيَّا «قيس» و«عثمان» اللذَين عرفاه عندما قدمه «أحمد» إليهما …
ركب الشياطين الخمسة، ومستر «هان» سيارة كانت في انتظارهم، وكان يقودها مستر «هان» … وفي فندق «بومباي» الضخم الذي يطلُّ على الميناء، نزل الشياطين وقال مستر «هان»: سوف تبيتون الليلة هنا، وغدًا سوف تنتقلون إلى مقركم السري … هل تحتاجون شيئًا؟ أعتقد أنكم ينبغي أن ترتاحوا الليلة … فلدينا عمل كثير …
شكره الشياطين، وانصرف … وبسرعة عقدوا اجتماعًا وقدَّم كل واحد منهم تقريره … قال «عثمان» إنه وصلته رسالة من رقم «صفر» في الخرطوم، طلب منه أن يتَّجه إلى ميناء «عقيق» على البحر الأحمر … وهناك في محلِّ بيع العاديات المسمى «الإسورة السوداء» سوف يلتقي بأحد العملاء، ويُدعى «صالح» … وقد أخبره «صالح» أن رجلًا يدعى «بورو» قد اشترى كمية كبيرة من الذهب واختفى في اليوم التالي … وعرف أن «بورو» هذا له أربعة أصابع …
صاحت «ريما»: إذن هو «فيشر»، وليس «بورو» كما يَدَّعي!
قال «أحمد»: أكمل …
«عثمان»: المعلومات تؤكد أنه نقل الذهب عن طريق البحر الأحمر، في اتجاه المحيط الهندي، وأن ذلك كان منذ عشرة أيام … ثم طلب رقم «صفر» أن أتجه إلى مطار «بومباي» لأكون في انتظاركم …
وقدم «قيس» تقريره … وكان يتضمن اختفاء كمية كبيرة من الذهب من أسواق «السعودية»، وأنه يُرجح نقلها إلى «اليمن» لتصبح على ساحل المحيط الهندي …
سأل «أحمد»: هل التقيتَ بأحد هناك؟
قيس: رقم «صفر» لم يطلب منِّي أن ألتقي بأحد …
أحمد: إذن أمامنا «بورو» أو «فيشر»، وهناك ثلاثة آخرون كما جاء في تقرير المحفوظات الخاصة بالشياطين … إننا الآن في حاجة إلى تقسيم عملنا، وأعتقد أن «خالد» و«عثمان» و«ريما» عليهم مدينة «بومباي» … وقيس وأنا، سيكون عملنا مراقبة الجزر … غير أننا يجب أن ننام مبكرًا، حتى يأتينا مستر «هان» ونبدأ العمل …
لم تمض دقائق، حتى كان الشياطين قد استغرقوا في النوم، غير أنه عند منتصف الليل، استيقظ «أحمد» على صوت الجهاز السري … كان هناك رسالة من رقم «صفر» كانت الرسالة تقول: من رقم «صفر» إلى «ش. ك. س» الجزيرة وسط مجموعة جزر «نكاديف» المعلومات مؤكَّدة …
شعر «أحمد» بالفرح، حتى إنه استغرق في التفكير بعد أن طار النوم من عينيه … فكر أن يوقظ الشياطين، لكنه تراجع في تفكيره، ولم تمض لحظات حتى جاءت رسالة أخرى من مستر «هان» … كانت الرسالة تقول: هل وصلتكم الرسالة؟ نَنطلق في الثامنة صباحًا …
سحب «أحمد» الغطاء، ثم استغرق في النوم … إن اللحظات الجادة مع عصابة «النطاق السام» قد بدأت …
قبيل الثامنة بدقائق، كان الشياطين يتناولون إفطارهم … وفي الثامنة بالضبط، كان مستر «هان» قد وصل … ألقى عليهم تحية الصباح ثم تبعوه، لقد كانت هناك سيارة صغيرة في الخارج …
انطلقت السيارة في اتجاه الميناء، قال «أحمد»: أعتقد أنَّنا يجب أن ننزل المحيط الآن …
ابتسم «هان» وقال: نعم …
عند بوابة الميناء، نزل «هان»، وتبعه «خالد» و«ريما» و«عثمان» …
قدم «أحمد» تقريرًا مكتوبًا إلى «خالد»، وقال: اقرأه بسرعة قبل أن تبدءُوا العمل …
أشار «هان» إلى «أحمد» في الاتجاه الذي سوف يَنطلقُون إليه، حتى يبدأ عملهم في المحيط … ودون حديث طويل، عرف «أحمد» كيف تبدأ الأمور …
عشر دقائق فقط مرت، وكان «أحمد» و«قيس» على شاطئ المُحيط الواسع، بلونه الأزرق المخضر … كانت هناك فتحة صخرية، اتَّجها إليها، وهناك نزلوا من السيارة واستقلُّوا غوَّاصة صغيرة خاصة، مصمَّمة بتجهيزات خاصة للشياطين …
كان المنظر حولهما رائعًا، مجموعات الأسماك بألوانها المختلفة تَتتابع في استعراض مُمتع … أدار «أحمد» بوصلة الغوَّاصة، فظهرت خريطة مُضيئة تُحدِّد لهم اتجاه جزر «لكاديف» …
كانت الغواصة تَمرُق كالصاروخ في أعماق الماء … وفجأةً … ظهرت مساحة سوداء ضخمة تتحرَّك في اتجاههما. قال «أحمد»: إنه حوتٌ ضخم يَجب ألا نصطدم به، أو نتعرَّض له … لكن الحوت كان يأخذ طريقه إليهما … حاول «أحمد» أن يَتفاداه، فمرَّ بجوار الغواصة مباشرةً حتى إنها تأثَّرت بمروره، واهتزت عدة اهتزازات … تنفس الاثنان بارتياح فقد كان يمكن أن تحدث كارثة … ولم يكادا يهدآن قليلًا حتى كان الحوت خلفهما. مندفعًا بأقصى سرعة … قال «أحمد»: ينبغي أن نتخلَّص منه» ضغط زرًّا في تابلوه الغواصة، فاندفعت من مؤخرتها ثلاثة صواريخ سامة في اتجاه الحوت، وفجأة اصطبغت المياه بلون الدم، ثم أخذ الحوت يترنَّح، ويأخذ اتجاهه إلى قاع المحيط … لكن لم تمض لحظة حتى كانت مجموعات الحيتان تأخذ طريقها إلى الحوت القتيل، ثم تلتف حوله، وكأنها جنازة إنسانية … وفي لمح البصر، كانت مجموعات الحيتان تندفع في اتجاههما بقوة …
فكر «أحمد» لحظة، ثم زاد من سرعة الغواصة، فاندفعت أكثر … ثم سحب ذراعًا تحت ذراعه اليسرى فأخذت الغواصة طريقها إلى سطح المياه، ولم يكد يظهر الضوء، حتى ظهر ضباب كثيف، فيما يشبه الدائرة … ولم تمضِ لحظة، حتى شاهدا طائرًا بحريًّا يتَّجه إلى هذا الضباب … ثم يسقط ميتًا … وصاح الاثنان: الجزيرة! …