ثم وقعت «ريما»!
كان هناك كلب ضخم يجلس أمام المكان الذي تَختفي فيه الغواصة … لم يدرِ «قيس» ماذا يفعل … لم يكن يُريد أن يقتله بالبندقية حتى لا يُرشد أفراد العصابة إلى مكانه … أخرج سهمًا ثم أطلقه في اتجاه الكلب … إلا أن الكلب تحرك في نفس اللحظة فطاش السهم … انتظر «قيس» قليلًا … كان الكلب يأخذ طريقه إلى داخل الغابة، وعندما اختفى تمامًا، تحرَّك «قيس» إلى الغواصة … نزل بين الحشائش العالية وأخذ يبحث عنها … لم تكن الغواصة موجودة … ملأته الدهشة فلا بد أن العصابة قد توصَّلت إليها … أخرج رادارًا صغيرًا من حقيبتِه، وأداره … ظهرت على الشاشة الصغيرة نقطة مُضيئة. عرف أنه في مكان يبعد قليلًا عن مكانها …
ظل يتتبع النقطة المضيئة على الرادار. حتى وصل … كانت في نفس مكانها … ركب الغواصة، ثم خرج بها في بطء إلى داخل المحيط … ضغط ذراع الغطس، فأخذت الغواصة طريقها إلى القاع، وبدأ يرى على شاشة رادار الغواصة شاطئ المحيط، حتى يُحدِّد المكان الذي سوف يخرج منه …
في نفس اللحظة … كان «أحمد» و«عثمان» مقيَّدَين داخل حجرة صغيرة … بينما في حجرة أخرى كان أفراد العصابة يُقرِّرون مصيرهما …
نظر «أحمد» إلى «عثمان» وحادثه بالعربية: يجب أن نرسل رسالة إلى رقم «صفر» …
عثمان: نعم؛ فنحن لا نعرف ماذا حدث ﻟ «قيس»، قد يكون في حجرة أخرى …
فجأة فُتح الباب وظهر رجل يضحك … كان قصير القامة، يشبه «القنفد» … نظر «أحمد» إلى «عثمان» لقد فهم «أحمد» أن هذا هو «تراب» …
تراب: أظن أنه من العقل أن تقولا كل شيء … مع من تعملان؟
كان «أحمد» يجلس القرفصاء … وعدل «أحمد» من جلسته ببطء شديد حتى أصبح الرجل بجانب «أحمد»، وفي سرعة البرق طارت رجل «أحمد» في الهواء لتستقرَّ في بطن الرجل الذي لم يستطع حتى أن يصرخ وسقط مَغشيًّا عليه …
تحرَّك «أحمد» من مكانه في اتجاه «عثمان» حتى اقترب منه … نظر إليه نظرة يفهمها الشياطين … انحنى «عثمان» وأخذ بأسنانه يفك رباط «أحمد» حتى إذا انتهى من فك الحبل تمامًا، وبدأ «أحمد» يشعر بالحرية قال ﻟ «عثمان»: إنه «تراب» الذي يَعرف العربية ويُشبه «القنفد»!
ابتسم «عثمان» … وبدأ «أحمد» يفك رباط «عثمان» إلا أن الباب فتح في تلك اللحظة … لكن «أحمد» كان أسرع، فقفَز قفزة جعلتْه خلف الباب مباشرةً … ظهر «فيشر»، الذي بدت الدهشة على وجهه عندما رأى «تراب» في نومه … وقبل أن يتحرك كان «أحمد» قد جذبه من ذراعه وضربه ضربة قوية، جعلته يندفع في نفس اللحظة التي تقدَّمت فيها قدم «أحمد» لتَعترِض طريق «فيشر» … فوقع على الأرض زاحفًا حتى اصطدمت رأسه بالجدار، وغاب عن الوعي … أسرع «أحمد» وأغلق الباب الذي بدأت الدقات عليه … أخذ «أحمد» يفكُّ رباط «عثمان»، حتى إذا انتهى منه تمامًا، دوت طلقة تَكسر قفل الباب … وعندما ظهر أفراد العصابة لم يجدوا أحدًا … لم يكن هناك سوى «فيشر» و«تراب» غائبَين عن الوعي …
كان «أحمد» و«عثمان» قد قفزا من إحدى نوافذ الحجرة واختفيا في ليل الجزيرة …
عندما دخل «قيس» المقرَّ السري للشياطين في شارع «المهراجا» كان «خالد» و«ريما» يقفان خلف الباب مباشرةً … ابتسمَت «ريما» وقالت: لقد أقلقنا غيابكم …
ألقى «قيس» تحية المساء، ثم جلس وهو يشعر بالتعب …
سأل «خالد»: ماذا حدث …
قيس: لقد بدأ الصراع …
ريما: إذن … اكتشفتم العصابة!
قيس: نعم … لكن ينبغي أن ننقذ «أحمد» و«عثمان» … إنهما الآن في أيدي العصابة، محبوسان داخل الكوخ …
صمت الثلاثة … كان يبدو أن كلًّا منهم يُفكِّر في طريقة ما … للتحرك …
ريما: هل نرسل إلى رقم «صفر» … أو … نستعين ﺑ «هان»؟
قيس: أظنُّ أننا ينبغي أن نعتمد على أنفسنا … هذه ليست أول مرة كما تعلمان نقف فيها أمام عصابة ما!
خالد: إذن فلنتحرك الآن.
ريما: ماذا حدث؟
بدأ «قيس» يَحكي لهما ما حدث منذ افترقا حتى عاد إليهما … كانت «ريما» تنصت بتأثر شديد، في نفس الوقت الذي يُنصت فيه «خالد» باهتمام … وعندما انتهى «قيس» من حديثه، قال «خالد»: من الضروري أن نتحرَّك. قد يحدث شيء لا نتوقَّعه … وما داموا لن يستطيعوا مغادرة الجزيرة، فإننا يُمكن أن نفعل شيئًا.
قيس: إنني لا أعرف الجزيرة جيدًا، والدنيا ظلام.
ريما: هل يعني هذا أن نظل هنا، بينما «أحمد» و«عثمان» في محنتهما؟
صمت الشياطين فترة، كلٌّ منهم يفكر في حل، في النهاية وقف «قيس» قائلًا: إنني مقتنع بأننا يجب أن نتحرَّك كما قال «خالد»، إنَّ لدينا كل الإمكانات التي تجعلنا نتحرك في الظلام، وإلى أي اتجاه … فما الذي يجعلنا نتأخر؟ … هيا بنا …
في لحظات كانت السيارة تنطلق في شوارع «بومباي»، في الاتجاه إلى شاطئ المحيط الهندي … وعندما استقرت على الشاطئ، نزل منها الشياطين بسرعة واتجهوا إلى غواصتهم الصغيرة … ولم تمضِ سوى لحظات حتى كانت الغواصة تشقُّ طريقها في أعماق المحيط …
كانت أعماق المحيط مظلمة تمامًا، ورغم أن أضواء الغواصة كانت قوية إلا أن الأضواء لم تستطع أن تكشف كل شيء … داس «قيس» على جهاز التوجيه الأوتوماتيكي، فبدأت الغوَّاصة تمشي تبعًا للتوجيه الصادر إليها من الرادار …
استغرقت «ريما» في مُشاهَدة الأسماك الصغيرة ذات الألوان الجذابة التي كانت تُحيط بالغواصة وتمرُّ بجوارها لا يَفصلها سوى زجاج الأبواب أو الزجاج الأمامي، في الوقت الذي كانت تصدم فيه بعض الأسماك الصغيرة بالزجاج الأمامي للغواصة …
أوقف «قيس» موتور الغواصة، وهو يقول: يَبدو أنَّ أمامنا معركة جديدة …
سألت «ريما»: معركة … مع من؟
قيس: مع الحيتان! إنَّ الرادار يَكشف كتلة سوداء بعيدة، هي في الغالب حوت ضخم …
ركَّز الشياطين أنظارهم على أعماق الماء الداكنة اللون، لم يكن يظهر أي شيء بوضوح … غير أنه في لحظة سريعة لمعَ ضوء، ثم أخذ يقترب …
قال «خالد»: إنَّ أعماق المحيط مليئة بالغريب من الأشياء!
قيس: لعلَّها غواصة تجوب أعماق المحيط باحثة عن شيء ما …
كان الجسم المضيء يقترب أكثر فأكثر … كان يبدو صغيرًا … وحتى عندما اقترب قليلًا، لم يكن حجمه يزداد، وعلى شاشة الرادار لم يكن يظهر شيء سوى كُتلة الضوء … وعندما اقترب تمامًا، استغرق الشياطين في الضحك … لقد كانت مجرَّد سمكة مُضيئة … كان منظر السمكة بديعًا، حتى إن الشياطين ظلُّوا يشاهدونها وهي تدور حول الغواصة …
أدار «قيس» الموتور، ثم بدأ ينطلق تبعًا لاتجاه الجزيرة الذي كان يحدده الرادار … فجأة … دار الغواصة دورة سريعة … وظهر لهم جسم غريب ضخم، أسود اللون … أوقف «قيس» الغواصة، ثم أخذ يتحقق من هذا الجسم الضخم … كانت بقايا سفينة ضخمة وقد تناثَرَت كتل الحديد في كل مكان، وتخرج منها الأسماك الصغيرة ثم تعود لتَختفي فيها …
قالت «ريما»: هل يتركون السفن الغارقة هكذا في قاع المحيط؟
خالد: في الغالب … إنهم فقط ينتشلون الأشياء الثمينة، ثم يتركونها …
ريما: ولماذا لا ينتشلونها؟
خالد: لأنها عملية صعبة … بجوار أن عملية انتشالها ربما تتكلَّف أكثر من ثمنها …
أدار «قيس» محرك الغواصة، ثم أخذ ينطلق بها في هدوء … كان يفكر فيما سوف يحدث عندما يصلون إلى الجزيرة … وفي «أحمد» و«عثمان»، وماذا يمكن أن يكون قد حدث لهما …
ظلت الغواصة في انطلاقها، حتى شاطئ الجزيرة، ثم توقفت …
قال «قيس»: الآن، سنخرج إلى الشاطئ … فلنلبس الكمامات، حتى لا نتأثر بالنطاق السام … إننا لا نستطيع أن نخرج من المكان المناسب لأننا قد نَصطدم مباشرةً مع العصابة، ولهذا يجب أن نخرج من مكان بعيد …
كانت النباتات العالية تَحُوط الغواصة … ضغط «قيس» ذراع الطفو فأخذت ترتفع بهدوء، حتى أصبحت على سطح الماء … خرج الشياطين في صمت، كان كل شيء ساكنًا، ومثيرًا للرهبة … تقدموا في بطء … كان «قيس» قد أدار جهاز الرادار الصغير، وبدأ يَتتبَّع السهم الذي يُحدِّد لهم الاتجاه … قطع الصمت زقزقة عصفور، يبدو أنه نائم … ثم غرق كل شيء في الصمت مرةً أخرى … كان الشياطين يلبسون أحذية خفيفة لينة، لا تُحدث صوتًا … إلا أن أوراق الأشجار الجافة كانت تكشف خطواتهم، وهم يدوسون عليها … فجأة … ارتفع نباح كلاب بعيد. قال «قيس»: إنَّ الكلاب لها حاسة غريبة في رؤية الأشياء بالليل!
ريما: هل يُمكن أن ترانا؟
قيس: يُمكن أن تُحسَّ بوجودنا، حتى لو لم ترَنا.
تقدموا في هدوء … كان الظلام كثيفًا؛ فالأشجار تتزايد كثافتها حتى إنهم اضطرُّوا إلى أن يُمسكوا حبلًا في أيديهم حتى لا يتوهوا عن بعضهم البعض …
فجأة … مد «خالد» يده … وأمسك بيد «قيس» ثم همس له: إنني أسمع أصواتًا …
توقف الشياطين … ظلوا يُنصتون فترة … تناهت إلى أسماعهم كلمات بعيدة، لم يستطيعوا أن يفهموها جيدًا … كانت الأصوات تبتعد، شيئًا فشيئًا حتى اختفت تمامًا …
قال «قيس»: لا بد أنهم يبحثون عنا الآن …
خطوا خطوات إلى الأمام، لكن خطواتهم لم تستمر … فقد حدث ما لم يكن يتوقعوه …