سادسًا: تطور الفلسفة: من الشرح والتلخيص إلى العرض
والتأليف
بعد أن نشأت الفلسفة ابتداءً من النقل ظهرت حركة ثانية هي الشرح
والتلخيص من أجل تجاوز النص المنقول والتعبير عن مضمونه بأسلوب
عربي خالص. وهما متلازمان، وإن كان أحدهما يبدو زمانيًّا قبل الآخر
أحيانًا. قد ينشأ التلخيص قبل الشرح في الزمان، سواءٌ في حياة
الجماعة أو في عمر الفرد الواحد، وقد ينشأ الشرح قبل التلخيص لما
في الشرح من إسهاب وتفصيل ولما في التلخيص من تركيز. والغالب أنهما
متلازمان ومتبادلان، يظهران في كل عصر ويقوم بهما كل فيلسوف،
١ علاقة التلخيص بالشرح مثل علاقة التركيب بالتحليل.
فالتخليص مثل التركيب، والشرح مثل التحليل. وقد كانا عمليتَين
متلازمتَين متجاورتَين متزامنتَين منذ نشأة الفلسفة حتى نهايتها،
تُعبِّران عن بِنْية الفكر وليس عن مجرد تطوره في مراحله أو في
مراحل عمر الفيلسوف.
ولا يوجد فصلٌ زماني حاسم بين مرحلة النقل ومرحلة الشرح
والتلخيص؛ فقد قام بعض المترجمين أنفسهم بالشرح والتلخيص مما يدلُّ
على أنهم كانوا فلاسفة يبحثون عن المعنى وليسوا مجرد نقَلةٍ
حَرفيين كما هو الحال في عصرنا بدعوى الموضوعية والأمانة والحرص
على النص المنقول. وهو يدل في الحقيقة على عدم وجود موقف حضاري
للناقل ولا يقوم النقل لديه بأية وظيفة. بل لا يضير الناقل المعاصر
أن ينقل أرسطو عن الفرنسية، فاللغة لديه لم تَعُد مرتبطة بالفكر،
ولا يُقدِّم إلا ثقافة عائمة طافية من الآخر فوق ثقافة راسخة
أصيلة، من الأنا. وبالتالي تظل هامشية بعيدة عن القلب. فلا المترجم
الفرنسي له موقف حضاري ولا المترجم العربي المعاصر له موقف حضاري،
كلاهما ناقل؛ الأول ضحية موضوعية القرن التاسعَ عشر في حضارته،
والثاني ضحية تقليد الآخر.
٢
ويعني الشرح إعادةَ تركيب النص المنقول من بيئة ثقافية إلى بيئة
ثقافية أخرى، من ثقافة الآخر إلى ثقافة الأنا؛ وذلك عن طريق:
- (١)
تفتيت النص المنقول وتحليله إلى عناصره الأولية؛ حتى
يسهل فَهمه وابتلاعه جزءًا جزءًا، ثم هضمه وتمثُّله من
أجل العرض والتأليف فيما بعد.
- (٢)
إعادة تركيب النص طبقًا للتصور الإسلامي لفظًا
ومعنًى وشيئًا. فالشرح بداية القراءة الفاحصة. الشرح
هو القيام بعملية «عاشق ومعشوق» من أجل تحويل النص من
المقروء إلى القارئ، من ثقافة الآخر إلى ثقافة
الأنا.
- (٣)
إسقاط جميع الأمثلة التي من ثقافة الآخر وإسقاط جميع
أسماء أعلامه وشواهده قدر الإمكان؛ لأنها بيئيَّة
صِرْفة، محلية، لا تعيش في المخزون التراثي في البيئة
الثقافية الجديدة.
- (٤)
وضع أمثلة أخرى وشواهد جديدة من ثقافة الأنا
للتوضيح، ولتقوم بنفس الوظيفة التي كانت تقوم بها
أمثلةُ الآخر وشواهده، هذه الأمثلة الجديدة لها
دلالتها في الثقافة الجديدة والتي يسهل مطابقتها مع
دلالات النص المقروء.
- (٥)
إكمال الناقص في النص المنقول، ثم وضع الجزء الذي
توصل إليه الآخر في الكل الذي تضعه الأنا. فالشرح
إعادة تصنيف وترتيب للأجزاء المنقولة في إطار الكل
المسبق في وعي الشارح.
- (٦)
تصحيح تحليل الآخر عن طريق إعادة التحقق من صحته؛
إما بعرضه على العقل والحس أو بعرضه على الوحي. فالشرح
ليس مجردَ التعبير عن لفظ بلفظ أو بعبارة شارحة، بل هو
إعادة تحقق من صدق المضمون بمقاييسَ جديدة تقوم على
اتفاق الوحي والعقل والطبيعة؛ لذلك ظهرت الردود على
بعض الشراح اليونان أو المسلمين دفعًا لسوء تأويلهم
وتصحيحًا لفَهم النص.
٣
- (٧)
إعادة الأطراف إلى الوسط من أجل إكمال التصور الشامل
وإيجاد عنصر التوازن في النص طبقًا للتصور المتوازن
للأنا.
وقد يكون الشرح، وكما وضح عند ابن رشد، على ثلاثة أنواع لا يُهِم
مدى تعبيرها عن المراحل الزمانية في حياة الفيلسوف بقدر ما يهم
دلالاتها على الشرح كأسلوب فلسفي أو نوع أدبي:
- (١)
الشرح الأصغر، وهو أقربُ إلى التلخيص. ويقوم هذا
الشرح على البداية بالفكرة الواحدة ثم الناء عليها
ربطًا للقديم بالجديد، وتواصلًا بين الحضارات،
واستمرارًا للتراكم المعرفي للإنسان، دون ذكر مقال
أرسطو أو حتى اسم صاحب النص أو أية أسماء أخرى أو
شواهد من بيئة المنقول أو من بيئة الناقل.
- (٢)
الشرح الأوسط في صيغة «قال أرسطو إن …»، وهو القول
غير المباشر، ويعني ذلك البدايةَ بأول النص المترجَم
كخيطٍ قائد، ثم الخروج عنه تأليفًا وإبداعًا لنصوص
أخرى. البداية من الآخر أما الوسط والنهاية فمن الأنا.
النقل من الآخر أما الإبداع فمن الأنا.
- (٣)
الشرح الأكبر وهو أخذ النص مُقسمًا إلى وحدات صغيرة
وبدايتها «قال أرسطو …» مع التمييز بين النص والشرح،
بين المقروء والقراءة كما هو الحال في علوم التفسير.
ويتم تقطيع النص المقروء حتى يسهل مضغُه وابتلاعه
وهضمه من أجل تمثُّله وتحوله إلى إبداعات فكرية،
ونشاطات ذهنية، وهنا تبقى الشواهد الأصلية من الوافد
ويُزاد عليها شواهدُ محلية من الموروث.
٤
أما التلخيص فمع أنه أصغرُ كمًّا إلا أنه أكثرُ تركيزًا فكرًا؛
لأنه يعني:
- (١)
تجاوز مرحلة النص كلية، والانتقال ليس فقط من اللفظ
إلى المعنى، ولكن أيضًا من الإسهاب في المعنى إلى
التركيز، ومن المعاني الفرعية إلى المعاني الكلِّية.
التلخيص بهذا المعنى لُباب بلا قشور، وجواهرُ بلا
أعراض، وقلبٌ بلا أطراف، وروح بلا جسد.
- (٢)
إسقاط الشواهد والأسماء والتحديدات الزمانية
والمكانية والشخصية كلها، وعدم استبدال أمثلة جديدة من
ثقافة الأنا بأمثلة قديمة من ثقافة الآخر.
- (٣)
الحرص على التجريد والتعميم بحيث يبدو الفكر وكأنه
مِن استنباط العقل النظري الخالص دون ما رجوعٍ إلى أية
مادة علمية من ثقافة الآخر أو من ثقافة الأنا. وهي
البِنية الصورية للموضوع بصرف النظر عن الخطاب أو
المقال، وتأسيس هذه البِنية على نسق داخلي عضوي قائم
بذاته بصرف النظر عن نشأة هذا الموضوع في هذا التراث
أو ذاك.
وبهذا المعنى لا يختلف التلخيص عن التأليف في شيء إلا في أن
التلخيص ما زال يحتفظ بعنوان النص المنقول مثل المقولات، العبارة،
القياس، البرهان … إلخ. وفي هذه الحالة لا يُشير العنوان إلى نصٍّ
واحد، بل إلى موضوع فلسفي صِرف لا وافد ولا موروث، العقل قادرٌ على
التعامل معه مباشرة. وهذا هو أحدُ معاني الفلسفة التي افتقدناها في
فلسفتنا المعاصرة.
أما العرض والتأليف فهُما مرحلة تالية بعد الشرح والتلخيص. العرض
هنا محاولة للتأليف في الوافد، وتناول الموضوع ابتداءً منه. هو
عرضٌ للشيء ذاته متجاوزًا الشرح والتلخيص، اللفظ والعبارة. ومع ذلك
يظل اسم الفيلسوف الوافد مذكورًا في العنوان اعترافًا بفضله،
وشهادة لإمامته وسَبْقه. وقد يكون ذلك إما عرضًا لكتاب واحد أو
للفلسفة كلِّها. وقد يظهر اسم الكتاب وحده وقد يظهر معه الموضوع
ذاته تمهيدًا لمرحلة أخرى هي التأليف في موضوع الوافد بصرف النظر
عن أشخاصه.
٥ وقد يكون التأليف «العارض» هو دخول في معارك الوافد،
والانتصار لفيلسوف على آخر إحقاقًا للحق وانحيازًا له بصرف النظر
عن النتيجة وإن كانت في الغالب لصالح أرسطو على غيره، ليس تبعية
لأرسطو ولكن نظرًا لأنه أقرب إلى روح الإسلام في اتفاق العقل
والطبيعة والذي يجعله الإسلام تطابق العقل والطبيعة والوحي.
٦ وفي حالة عدم التناقض بين فيلسوفَين وآخرَين والانتصار
لأحدهما إذا كان التناقض صحيحًا فإنه يُمكن الجمع بينهما إذا ما
كان التناقض ظاهرًا. وبالتالي يُمكن الجمع بين رأيَي الحكيمَين كما
يُمكن ضمُّ آرائهما في النفس، لا يعني ذلك خلطًا بين المتناقضَين
ناشئًا عن سوء فَهْم، بل جمعٌ للأجزاء في كل واحد هو التصور
الإسلامي الجديد الذي يجمع بين الواقع والمثال، بين الدنيا
والآخرة، بين الجسد والروح … إلخ.
٧ ثم ينتقل المؤلف العارض إلى مرحلة أخرى أكثر تجريدًا
وأكثر اقترابًا من الموضوع نفسِه، وابتعادًا عن الأشخاص؛ وذلك
بالتأليف في موضوعات الوافد المستقلة عن أشخاصه، بعد تحويل هذه
الموضوعات إلى أبنية مستقلة تندرج في علوم. فجاء التأليف في
المقولات وفي العبارة وفي البرهان وفي إيساغوجي وفي الشعر بصرف
النظر عن بدايات هذه الموضوعات عند أصحابها، وقد يُذكَر اللفظ
المنقول صوتًا مثل اللفظ المعرَّب، سواءٌ كان الترتيب لهذا أو لذاك
لمجرد تذكير القارئ بالبداية التاريخية، ولربط الإبداع الجديد الذي
يُعبِّر عنه اللفظ المعرَّب بالنقل القديم الذي يُعبر عنه اللفظ
المنقول مثلًا كتاب «باري أرمنياس» أي العبارة،
٨ وقد يُستغنَى كلية عن اللفظ المنقول ويُكتفَى باللفظ
المعرَّب مثل المقولات، العبارة.
٩ وقد يتحوَّل العرض إلى تأليف؛ وذلك بتغيير العنوان
الوافد كلية، أو الحديث في العلم ككلٍّ من أجل اكتشاف قوانينَ جديدة.
١٠
هذا التأليف في ثقافة الوافد عن طريق العرض أشبه بما يتم حاليًّا
في مؤلفات تاريخ الفلسفة. والفرق بين العرض القديم وبين مؤلفات
الأساتذة الجامعيِّين حاليًّا هو أن العرض كان تمهيدًا لمرحلة أخرى
هي التأليف الخالص والإبداع المحض، في حين أننا توقفنا على العرض
ولم نجعله مجردَ مرحلةٍ تتلو مرحلةً وتتبعها مرحلةٌ أخرى كما كان
الأمر عند القدماء.
وبعد العرض بجميع أشكاله يأتي التأليف الذي يُمثل الإبداع بعد النقل.
١١ ومنذ بداية الفلسفة عند الكِنْدي الإبداع من حيث
الكمُّ أكبرُ حجمًا من الشرح والتلخيص والعرض. فالفلسفة بدأت مبدعة
وليست شارحة أو مُلخِّصة عارضة. ثم أتى الفارابي فزادت نسبة الشرح
والتلخيص والعرض ومع ذلك ظل الإبداع أيضًا من حيث الكمُّ أكبرَ
حجمًا. ثم أتى ابن سينا وامَّحى الفرق بين الشرح والتلخيص والعرض
من ناحية، وبين الإبداع من ناحية أخرى، ووُضِع الكلُّ في بِنْية
الفلسفة في موسوعات كبيرة اختفَت مصادرها التاريخية ولم يظهر إلا
بناء العقل الخالص أو وصف الموضوع نفسه. ثم أتى ابن رُشد ليُعيد
التصحيح منذ البداية فلا إبداع بلا نقل صحيح؛ لذلك غلَب الشرحُ
والتلخيص على الإبداع من حيث الكم، وأخَذ ابن رشد لقبَ الشارح
الأعظم لذلك. كانت العودة إلى الشرح والتلخيص عند ابن رشد حركةً
تصحيحية في فَهْم النقل وفي الوقت نفسه تُطوَى الإبداعات خفيةً
وخشية، خاصة ما كان منها نقدًا موجَّهًا إلى الموروث. ثم جاء
الفلاسفة بعد ابن رُشد مثل الرازي والطوسي بإبداع خالص دون شرح أو
تلخيص. إذن لم يُتَجاوَز النقلُ أبدًا وما تبعه من شرح وتلخيص وعرض
الإبداع في أية مرحلة إلا عند ابن رشد الذي استطاع تمويه الإبداع
والتعبيرَ عنه من خلال الشرح والتلخيص. بل لقد آثر بعضُ الفلاسفة
مثل ابن مسكويه والعلماء مثل عمر الخيام الدخول في الإبداع مباشرة
دون مراحله التمهيدية في الشرح والتلخيص والعرض.
ولم يكن التأليف مجردَ تطوير لمراحل النقل والشرح والتلخيص
والعرض، بل كان ذلك كله مجردَ رافدٍ واحد فيه وعنصرٍ مكوِّن له.
وكان هناك رافدٌ آخر هو التفكير على معطيات الحضارة الإسلامية
وإبداعاتها الأولى المستقلةِ عن الوافد، مثل أصول الفقه وأصول
الدين وعلوم التصوف. وباجتماع هذَين الرافدَين، الوافد والموروث،
ينشأ الإبداعُ الشامل. للفلسفة إذن مصدران: الوافد والموروث.
والوافد قد تم تحويله إلى موروث محلي صرفٍ بعد عمليات النقل والشرح
والتلخيص والعرض والتأليف. أما الموروث فهو علوم الكلام وتطويرها
بعد نقد الفلسفة لها. وقد كان أوائل الفلاسفة مثل الكندي متكلمين
يُفكرون في مسائل الكلام، مثل الاستطاعة والفعل، أو التفكير في
الله أو في مسائل القضاء والقدَر، أو نقد علم الكلام كلِّه
باعتباره علمًا لا يُفيد الذكيَّ ولا ينتفع به البليد. وكما اتضح
في علم الكلام المتأخر في القرنَين السادس والسابع وكما هو واضح
عند الإيجي في «المواقف» غلبت موضوعاتُ الفلسفة على الكلام. ففي
الفلسفة المتأخرة وكما هو الحال عند الرازي في المباحث المشرقية
غلَبَت موضوعات الكلام على الفلسفة.
١٢ كما شمل الموروث علم أصول الفقه، وكانت الفلسفة
تفكيرًا غيرَ مباشر عليه، روحه أكثرُ من مسائله.
١٣ وشمل أيضًا علوم التصوف والتي طبعت الفلسفة بطابَعِها
فيما عُرِف فيما بعدُ باسم الفلسفة الإشراقية.
١٤ كما احتوى أيضًا بعض العلوم النقلية مثل الفقه والتفسير.
١٥
وتبلغ قمة الإبداع الخالص في التفكير على الموضوعات الإنسانية
الخالصة في الأخلاق والاجتماع والسياسة بصرف النظر عن الرافدَين
الأساسيَّين في التكوين الفلسفي: الوافد والموروث
١٦ ثم ينتقل الإبداع إلى العلوم الفلسفية الخالصة مثل ما
بعد الطبيعة. وفي مقدمتها الموجودات المُفارِقة وخلود النفس.
١٧ ثم يبلغ الذروة في التفكير في الموضوعات الرياضية
والطبيعية الصرفة حيث يتمُّ الإبداع في أتم صورة دون جدال أو نقد
أو إشارة إلى أحد المصدرَين: الوافد أو الموروث.
١٨ لقد بدأت الفلسفة عند الكندي والرازي تفكيرًا على
العلم بالأساس؛ أي العقل في مواجهة الطبيعة. ثم انحرفت بمؤامرة
داخلية لضربها وأصبحت فلسفة إشراقية؛ تأملًا في النفس وانعراجًا
إلى الله عند الفارابي وابن سينا وإخوانِ الصَّفا والشيعة
وامتدادها عند ابن باجة وابن طُفَيل، ثم عادت من جديدٍ نحو العقل
والطبيعة عند ابن رُشد. هناك إذن نموذجان: الأول الفلسفة العقلية
الطبيعية التي ميزت البداية والنهاية والتي هي أشبهُ بالرأس
والقدَمَين، ونموذج الفلسفة الإشراقية التي احتلت الوسط والتي هي
أشبهُ باندفاع البطن الذي في حاجة إلى دواء ليعود التناسق إلى
الجسم الفلسفي. وهو نفس التمايز في علم أصول الدين بين الأصول
الإنسانية العقلية الطبيعية عند المعتزلة، والأصول الإلهية عند
الأشاعرة.
وبالرغم من بعض الظواهر السلبية في الفلسفة والتي كانت نتيجة
طبيعية لروح الحضارة القديمة مثل المنطق الصوري، والعقل التبريري،
والمعرفة الإشراقية، ونظرية الفيض، والطبيعيات الإلهية، وثنائية
الطبيعية، وعلم أحكام النجوم، والضرورة الكونية، وأولوية الفضائل
النظرية، والتصور الهرمي للدولة؛ إلا أنها استطاعت تطوير الفكر
الديني، واحتواءَ الحضارات المجاورة، والانتقالَ من النقل والشرح
والتلخيص إلى العرض والتأليف، وصياغة لغة جديدة، ووضْعَ تصورٍ
شامل، والإحاطةَ بكل العلوم القديمة في علم موسوعي شامل، ثم إثباتَ
الحقائق الفلسفية العامة التي تتفق عليها البشرية جمعاء والتي تصل
إليها كلُّ حضارة؛ مثل الله كمبدأ عام شامل يَظهر في فعل الخير
والإتيان بالعمل الصالح، وإثبات خَلق العالم من أجل الفعل فيه،
وعدم الحرج من القول بقِدَمه ردًّا لاعتباره، وخلود النفس الفردية
من خلال العقل الكلي.
١٩ كان للفلسفة دور ووظيفة ورسالة وكانت لها إنجازات
تجعلنا نتساءل: ما هي وظيفة الفلسفة اليوم وما دورها وما رسالتها،
وما هي الإنجازات التي قدمَتها؟