ثامنًا: خاتمة: مسئولية من؟
هذا بحث في الفلسفة والتراث وحال الأمة. وإضافة الطرف الثالث
الذي يُعبر عن ماهيَّة العلاقة بين الطرَفَين الأولَين ضروري، وإلا
كان البحث في الفلسفة والتراث أشبهَ بما هو سائد حاليًّا في
نداوتنا العلمية ومحاضراتنا الجامعية. وتلك مهمة المؤتمر الفلسفي
العربي وما قد ينبثق منه من جمعية فلسفية عربية تحقيقًا وفعلًا،
تكون الموطن الطبيعي لإبداعات فكر الأمَّة بعد أن انتظر الناس
طويلًا أهل الحَلِّ والعَقْد وعلماءَ الأمة، وكما انتظروا أيضًا
أُولي الأمر الذين وضَعوا العربة أمام الحصان.
١ وما زال الجميع ينتظر المخلص. وتلك مسئولية أساتذة
الفلسفة أولًا وقبل كل شيء بوعيهم بالتراث وبرؤيتهم لأحداث العصر،
بفكرهم كعلماء وبممارستهم كمواطنين. وقد تكوَّن تراثنا القديم بفضل
علماء الأمة الذين أسسوا المدارس، وصاغوا المذاهب، وشكَّلوا
العقائد. إن تحقيق الوحدة العضوية بين العالم والمواطن، بين حق
العلم وواجب المواطَنة هو السبيل إلى الجمع بين التراث والفلسفة
وحال الأمة.
ثم إنها مسئولية الطلاب ثانيًا الذين يُشكِّلهم الأساتذة، سواء
في الدراسات العامة أو في الدراسات العليا، كعلماء ومواطنين يجمعون
أيضًا بين حق العلم وواجب المواطنة، يتأثَّرون بهم ويردُّون عليهم،
ويُكوِّنون مذاهبَ بديلة، في حوار صريح وعلني. فقد نشأت الفلسفة
كما نشأ التراث كلُّه نتيجةً لحوار بين المذاهب وخلاف بين العقائد.
فالكل رادٌّ والكل مردودٌ عليه. وما من حُجةٍ إلا ولها حُجةٌ
مناقضة، وما من موقف إلا وله موقف بديل، ليس الطلاب نسخةً منا،
ولكنهم تطوير لنا، وزيادةٌ علينا، أو قلبٌ وتغييرٌ لفكرنا رأسًا
على عقب.
وإنها لمسئولية الدولة ثالثًا أن تقف على الحياد التام في الخلاف
الفكري بين العلماء وفي حرية الاختيار بين المذاهب. فالسلطة ليست
حُجة، والفكر ناصح والسلطة سامعة. ليس للسلطة مُفكروها ولكنَّ
المفكرين يُخاطبون الناس الذين يختارون ممثليهم، ويُبايعون أئمتهم،
ويعقدون على ولاة أمورهم، فالإمامة عقد، وبيعة، واختيار.