أولًا: مقدمة: المراجعة كقراءة١
يصعب على الإنسان أن يعرض ويُحلل عملًا لأخٍ وصديق مثل د. هشام جعيِّط مؤلف «الشخصية العربية الإسلامية والمصير العربي»، وأحد المفكرين العرب البارزين، والأساتذة الجامعيين المرموقين من القُطر العربي التونسي الشقيق. ولولا تقديري له وإعجابي بشجاعته الفكرية لما أقدمت على هذا العرض التحليلي الناقد لعمله الفكري. إنما هي الرغبة في الحوار بين المفكرين العرب ولإقامة الجسور بين الأقطار العربية الشقيقة، وعقدِ أواصر الصلة بين جَناحَي العالم العربي في المشرق والمغرب هي التي دفعتني لهذا العرض. ومما يَزيدني حماسًا أن هذا أول مقال لي بعد انقطاع عدة سنوات عن كتابة المقالات والمشاركة الفكرية العامة؛ إيثارًا للأعمال العلمية الطويلة الأمد وإكمالًا لمشروع «التراث والتجديد». هذا العرض إذن يحتل شرفًا مزدوجًا للمؤلف والمراجع على حد سواء، فكلانا ينتسب إلى جيل واحد يُعاني من مأساة مشتركة ويُحاول جاهدًا إيجاد حلول قد تتباين بتباين المناهج والمذاهب الفكرية والمواقف الحضارية، وإن كانت تتوحَّد حول الموضوع والأزمة.
وكل مراجعة ليست فقط عرضًا موضوعيًّا لموضوعات الكتاب، وهو ما يستحيل عمليًّا؛ نظرًا للصلة بين القارئ والمقروء، بل هي قراءة جديدة من موقع مخالف، رغبة في الحوار وإثراءً للموضوع. ليست المراجعة بالضرورة الدخولَ في المشاكل نفسِها التي يعرضها المؤلف، بل رؤية مشكلات أخرى من خلالها توسيعًا للموضوع وإكمالًا لنظرته. المراجعة تقوم على طرح عدة تساؤلات أساسية، وتُحاول إعادة دراسة الأشياء ذاتِها التي درَسها المؤلف من إطار نظري مخالِف. وهذا هو الفرق بين العرض التَّكْراري والعرض الخلاق، الأول للاتفاق ولا يقول جديدًا والثاني للخلاف والحوار، الأول للمديح والتقريظ والثاني للنقد والإكمال. فكل قراءة لنص على هذا النحو الثاني هو خلق لنص جديد. وتدعيمًا للقراءة الجديدة للنصوص الأولى؛ أوردتُ كثيرًا منها كنماذجَ ممثلة لتيار عام دون إيثار أو افتعال، قد لا يراها المؤلف أفضل النصوص، وقد يراها مقطوعة السياق، وقد يراها معارَضة بنصوص أخرى، ومع ذلك فإنها وإن كان يبدو بعضها أحيانًا على هذا النحو، إلا أن مجموعها يُمثل روحًا عامة هي موضوع الحوار.
وقد تمت بناءً على طلب «المجلة العربية للعلوم الإنسانية» التي تُصدِرها جامعة الكويت. ونُشِر في المجلد الخامسَ عشر، العدد الثالث، خريف ١٩٨٧م.