ثانيًا: الموضوع والمنهج
موضوع الكتاب هو «الشخصية العربية الإسلامية والمصير العربي»
والعنوان على هذا النحو ليس ترجمة حرفية للعنوان الأصلي باللغة
الفرنسية، وإن كان أفضلَ الترجمات؛ فصفة «العربي الإسلامي» في
الأصل الفَرنسي للشخصية والمصير على حد سواء، وليس للشخصية وحدها،
واختصار الصفة إلى «العربي» للمصير، كما أن «المصير» اختيارٌ لأحد
جوانب لفظ
Devenir الذي يُفيد معنى
المسار والصيرورة أكثرَ مما يُفيد معنى المصير
Destinée ومع ذلك يظل العنوان
المقترح في الترجمة العربية معبرًا من حيث جمالياتُ اللغة عن معنى
العنوان الأصلي وإن لم يكن مطابقًا له مطابقة حرفية تامة. والترجمة
المعنوية في النهاية أحد ضروب النقل. وبالرغم من الجهد المبذول في
الترجمة ومراجعة المؤلف تدقيقًا وتنقيحًا إلا أن الأسلوب العربي ما
زالت تغلب عليه بعض مظاهر العجمة والتي تبدو أحيانًا في النقل
الصوتي الذي لا لزوم له مثل «الكلاسيكي»، «المُجَدْلَن»، «الميثي»
١ أو في الترجمات العربية مثل «الجنسية المِثْلية»
ترجمةً للشذوذ الجنسي أو «الأستاذية» ترجمةً للمدرسة.
٢ كما أن بعض الهوامش تتضمَّن إحالاتٍ إلى ترجمات عربية
مع ذكر المراجع الأصلية،
٣ وأخرى تتضمن عباراتٍ ناقصةً وجُملًا غير مفيدة من حيث
التركيبُ اللغوي.
٤ كما تغيب عن الترجمة فهارسُ بأسماء الأعلام أو
الموضوعات أو الأماكن مما يُسهل على الباحث والقارئ معا التعرف على
العناصر الرئيسية المكونة للكتاب.
ويضم الكتاب في الأغلب مجموعة من المقالات كُتِبت في ظروف
مختلفة، وتم العثور لها على بِنْية عامة تضمُّها في موضوعات مختلفة
ست؛ هي: (١) الشخصية العربية الإسلامية. (٢) نحو مصير مشترك. (٣)
جدَلية الاستمرار والتغير. (٤) الإصلاح والتجديد في الدين. (٥)
الإنسان العربي المسلم. (٦) تنظيم المجتمع الدولة. وواضحٌ أنه يصعب
إيجاد بِنْية متسقة تُعبر عن موضوع الكتاب. فالموضوعان الأول
والثاني يُعبران عن العنوان الرئيسي للكتاب. والموضوعان الثالث
والرابع يتناولان موضوع الأصالة والمعاصرة، القديم والجديد.
والموضوعان الخامس والسادس يعرِضان لموضوع الفرد والدولة. ومع ذلك
تظل الموضوعات الستة متفرقة ينقصها التماسك الداخلي، وتغيب عنها
البِنية الواحدة التي تكشف عن المكونات الداخلية للشخصية العربية
الإسلامية في التاريخ. ونظرًا لهذا الغياب للبِنية الواحدة
للموضوع؛ فقد بدا عدم تناسب كمِّي بين الموضوعات الستة خاصة
الموضوع الثالث «جدلية الاستمرار والتغير» والذي لا يتجاوز ثماني
صفحات في مقابل الموضوعات الخمسة الأخرى التي بلغ كلٌّ منها حوالي
أربعين صفحة، كما أنه أقربُ إلى الموضوع الثاني «نحو مصير مشترك»
إذ يتناول موضوعَي الشخصية والمصير أولًا، والبحث عن أيديولوجيا
ثانيًا، وقد تم تناولُهما من قبل في الموضوع الثاني «نحو مصير
مشترك».
ويبدو أن صعوبة البحث ومظاهر الاضطراب فيه إنما تنشأ من عدم
استقرار الباحث على علم معين يضع موضوعَه فيه، علم الاجتماع أو علم
التاريخ أو علم السياسة أو علوم الثقافة والحضارة. لقد حاول الباحث
الجمع بين كل هذه العلوم وجعل الدراسة أقربَ إلى علم الاجتماع
التاريخي أو علم التاريخ الاجتماعي، مما جعله يستقر أخيرًا على نهج
التحليل الاجتماعي للتاريخ.
٥ ومع ذلك فالمنهج كثيرًا ما يتوارى أمام كثير من
الأحكام المسبقة؛ مما جعل الكتاب يبعد عن العلم ويقرب من
الأيديولوجيا، ويكشف عن موقف سياسي غير معلَن تحت ستار أكاديمي
معلن. ظهر الكتاب كله وكأنه خلط بين الموضوعية العلمية والرغبة في
التأكيد على الذات، بين الوصف المتجرد والبحث عن الهوية. كما يكشف
الكتاب أحيانًا عن خلط بين وصف ما هو كائن والدعوة لما ينبغي أن
يكون، مستعمِلًا عبارات «يجب»، «لا بد».
٦ وأخيرًا يقع الكتاب في كثير من التعميمات والأحكام
الجائرة تتعلق بالأخلاق الإسلامية وبالعالم المعاصر يأباها البحث
العلمي الرصين.
٧