رصاص في المعبد!
انطلقت السيارة … وبعد سؤال بعض الأشخاص، وصلا إلى مكتب مفتش الآثار فقال لهما أحد الموظفين إنه ذهب إلى معبد حتشبسوت، وأسرعا إلى شاطئ النيل حيث تركا السيارة وركبا قاربًا في النيل … وقال الشاب الأسمر الذي يقود القارب: اليوم حار جدًّا … كان يجب أن تحضرا غطاءً للرأس. وإلا أصبتما بضربة شمس.
أحمد: لم يتسع وقتنا لهذا.
وانتهز «أحمد» فرصة فتح باب الحديث وسأل الشاب: هل ذهب أحد إلى البر الغربي اليوم؟
الشاب: نعم … مفتش الآثار الأستاذ «رستم» ومنذ لحظات ركب أربعة أشخاص قاربًا آخر إلى هناك.
أحمد: هل تعرفهم؟
الشاب: نعم … إنهم أجانب موجودون هنا منذ فترة طويلة.
وأدرك «أحمد» و«بو عمير» أنهم في الأغلب من رجال بعثة الآثار … ووصل القارب وقفز الصديقان إلى البر … وانطلقا إلى ناحية معبد حتشبسوت الضخم. لم يقابلا أحدًا في الطريق … فمن النادر أن يذهب السواح إلى الأماكن الأثرية في الصعيد في الصيف … خاصةً في شهر أغسطس.
وصلا إلى الطريق الواسع المؤدي إلى المعبد … وأحسا بالشمس تكاد تحرقهما فأخذا يجريان في اتجاه المعبد … ووصلا إلى مدخله الكبير وقد سال عرقهما … ولم يجدا أحدًا. وصاح «أحمد»: يا أستاذ «رستم».
ورددت الجدران والأعمدة صوته … والصدى يرن … «رستم» … «رستم» … دون أن يظهر «رستم» … وخيم الصمت على المكان الواسع … واختار «أحمد» أن يتجها يسارًا إلى جانب المعبد القريب من الجبل.
وقال «بو عمير»: لم تقل لي لماذا تريد المفتش؟
أحمد: أريد أن أسأله سؤالًا واحدًا … قد يكشف الكثير من الحقائق …
ولم يكد «أحمد» ينتهي من جملته حتى سمعا صوت طلقة وأزيزًا يمر بجوار آذانهما … وشيء يرتطم بالجدار بجوارهما، وانبطحا على الأرض … عرفا على الفور أنها رصاصة أُطلقت من مسدس … وأخرج كل منهما مسدسه … وأخذا يزحفان على الأرض بشكل متعرج كالثعبان …
لم يكن هناك مكان في صالة المعبد الواسعة للالتجاء إليه … وكان عليهما إذا شاءا الاختفاء خلف الأعمدة أن يقطعا مسافة عشرين مترًا دون ساتر يحميهما … وأزَّت رصاصة أخرى … وثالثة … وقال «بو عمير»: لقد حددت مصدر الإطلاق … إنه فوقنا إلى اليمين … سنقف معًا ونجري ونحن نطلق الرصاص على المصدر.
كان «بو عمير» أكثر الشياطين خبرة باستخدام الأسلحة خاصةً المسدسات … ولم يتردد «أحمد» ووقف ومعه «بو عمير» وصبَّا سيلًا من الرصاص على مصدر الإطلاق وأخذا يجريان حتى وصلا إلى جدار المعبد … وفجأة هوت عليهما قطعة ضخمة من الحجر … وجذب «أحمد» «بو عمير» جانبًا، وسقطت الصخرة … وأحدثت دويًّا هائلًا في المعبد الخالي.
أحمد: إننا مطاردون من العصابة.
بو عمير: إذن «لنك» ليس وحده!
أحمد: من المؤكد أنه ليس وحده … إنهم جميعًا مشتركون في العملية.
بو عمير: ما عدا «رينيه بلانكارد» طبعًا.
أحمد: و«رينيه بلانكارد» على رأسهم.
بو عمير: غير معقول!
أحمد: هذا هو المعقول الوحيد … لقد أراد «رينيه» أن يلقي بالتهم كلها على رأس «لنك» ليكون هو ومن معه أبرياء … إن اتهام واحد معناه تبرئة الآخرين … ولكنها حيلة لا تنطلي عليَّ …
بو عمير: وكيف شككت في «بلانكارد»؟
أحمد: سأشرح لك هذا فيما بعد … وسوف يؤكد تقرير رقم «صفر» عن البعثة شكوكي … المهم الآن كيف نخرج من هذا المعبد؟
وبرز «أحمد» لحظة … وانهالت عليه الطلقات … فقذف نفسه عائدًا خلف الجدار.
قال «بو عمير»: إننا محاصران … سأتركك هنا … وسأزحف بجوار الجدار وأتسلق في مكان منه لأكون خلف رجال العصابة، وعندما تسمع طلقتين متتاليتين اخرج من مكانك فورًا وتقدَّم.
وقبع «أحمد» في مكانه … وبدأ «بو عمير» يزحف سريعًا بجوار الجدار.
مضت فترة طويلة … وقرر «أحمد» أن يجرب مرة أخرى، فأخرج يده وسرعان ما انهالت الطلقات مرة أخرى فعاد مكانه وقد عرف أن رجال العصابة ما زالوا في أماكنهم.
ومضت فترة أخرى. ونظر «أحمد» في ساعته. كانت قد تجاوزت الحادية عشرة … وفجأة سمع طلقتين متتاليتين … وشاهد رجلًا يسقط من فوق الجدار المرتفع وهو يصيح في رعب، ثم هوى على الأرض … وخرج على الفور من مكمنه وبدأ يتقدم لم يبقَ في مسدسه إلا ثلاث رصاصات فقط … فلم يطلق منه شيئًا … وسمع صوت تبادل النيران فوق الجدار المرتفع … واتجه إلى مصدر الإطلاق وبرز بجوار الجدار … وشاهد «بو عمير» بعيدًا يرتكز على ركبته ويطلق النار. ثم شاهده ينبطح ويكف عن الإطلاق. لقد نفد الرصاص من مسدس «بو عمير» …
جرى «أحمد» بكل قوته … كانت حياة زميله معلقة بما يفعل … ومر في جريه بالرجل الذي سقط وشاهد مسدسه على الأرض … وفي لحظة انحنى والتقط المسدس ونظر إلى فوق … كان أحد رجال العصابة يتقدم من مكان «بو عمير» وهو شاهر مسدسه … ورفع «أحمد» يده وأطلق رصاصة واحدة، وصاح الرجل، وسقط … وصاح «أحمد»: «بو عمير»!
ورفع «بو عمير» رأسه … وأشار «أحمد» بالمسدس الذي حصل عليه … فوقف «بو عمير» وقذف «أحمد» بالمسدس … وطار المسدس في الهواء … وأحس «أحمد» بقلبه يخفق عندما استقر المسدس في يد «بو عمير». وتحول «بو عمير» على الفور وأطلق رصاصته.
كان «أحمد» يقف تحت الجدار المرتفع … و«بو عمير» فوقه … وصاح «بو عمير»: لقد نزلوا من الناحية الأخرى للجدار … انتظر.
وبدأ «بو عمير» ينزل بحذر مستخدمًا الأحجار البارزة في طرف الجدار. وبعد لحظات انضم إلى «أحمد» … كان العرق يغطي جسده كله، وينحدر في قطرات كبيرة على وجهه، ولكنه كان هادئًا كأن لم يحدث شيء.
أحمد: شيء غريب … المفتش ليس هنا … ولا الحارس!
بو عمير: ليس من المستبعد أن يكون رجال العصابة قد تخلصوا منهما إما بالأسر أو بالقتل!
أحمد: لم يعد هناك شك أن البعثة كلها مشتركة في هذه العملية، والمهم الآن أن نعود إلى البر الشرقي لنمنع «رينيه» من الفرار بغنيمته؟
بو عمير: تقصد أن الذهب معهم؟
أحمد: طبعًا. هذه السيارات الضخمة ليست لها مهمة في بعثة الآثار مطلقًا. إن لها مهمة مع عصابة من اللصوص والقتلة. هيا بنا.
مرَّا بالرجل الذي أصابه «بو عمير». فأخذ «أحمد» مسدسه … وأخذا يجريان. كانت المشكلة أنهما عندما يتركان المعبد ويبدآن السير خارجه … يكونان هدفًا سهلًا لمن بقي من رجال العصابة … ولكن «بو عمير» حل المشكلة قائلًا: اخرج أنت. سأقوم بحمايتك … وأمسك «بو عمير» بمسدسين في يديه … وبدأ إطلاق الرصاص في اتجاه أعضاء العصابة المختبئين بينما انطلق «أحمد» يجري … وبعد مسافة استدار وبدأ يغطي انسحاب «بو عمير».
في هذه اللحظة شاهدا من بعيد أشخاصًا يتقدمون في الاتجاه المضاد وقال «بو عمير» وهو يلهث، بعد أن انضم إلى «أحمد»: لو كانوا من رجال العصابة فسيحاصروننا.
وقد حدث ما توقعه … وبدأ الرصاص ينهال من الجهتين … وأشار «أحمد» إلى الجبل قائلًا: سنحاول الاختباء هناك.
وأسرعا يجريان، وعندما وصلا إلى الصخور قال «بو عمير»: كنت أتمنى أن يكون معنا مدفع رشاش الآن.
وجلسا في ظل صخرة، وقد علتهما الأتربة والعرق … وكانت الحرارة لا تطاق … وبدا «أحمد» مهمومًا وهو يفتح كل مسدس ويعد الرصاصات التي به ثم قال: ليس معنا في المسدسات الأربعة سوى خمس رصاصات … ولو هجموا الآن لما استطعنا صدهم.
ولكن أحدًا لم يهجم … واختفى الرجال الذين قدموا مؤخرًا … وساد الصمت معبد حتشبسوت الكبير … والجبال … والصخور … ومرت نصف ساعة، وقال «أحمد» وهو يقف: يجب أن نشق طريقنا بأي طريقة … إن كل دقيقة تمضي ليست في صالحنا.
وخرجا إلى العراء مرة أخرى … «بو عمير» أولًا وخلفه «أحمد» يحمي ظهره … وصلا مرة أخرى إلى المعبد … ولم يلتقيا بأحد … وواصلا سيرهما حتى وصلا إلى شاطئ النيل … وكانت المفاجأة لا أحد هناك … ولا قارب ليعبرا به النيل …
قال «بو عمير»: واضح جدًّا أنهم عادوا وتركونا وحدنا على الضفة الغربية.
أحمد: سنعبر النيل سباحة.
وخلعا ملابسهما … وأمسك كل منهما بملابسه في ربطة صغيرة حملها بيديه ثم ألقيا بنفسيهما في الماء البارد … وأحسا بانتعاش …
كانا يعومان ببطء بسبب الملابس التي يحملانها … ولكنهما في النهاية وصلا إلى البر الشرقي … ولحسن الحظ كان المكان الذي وصلا إليه خاليًا … فصعدا مسرعين وارتديا ملابسهما … وأخذا يجريان إلى حيث تركا السيارة فركباها وأسرعا إلى المعسكر …