العقول والقيم في الكون الكمِّي
مدينة كوبنهاجن هي خير مكان لعَقد نقاشنا حول المادة والمعلومات. لقد عُهِد إلينا ﺑ «استكشاف المفهوم الحالي للمادة من المنظور العِلمي والفلسفي والديني». ذلك العمل ينبني على نتاج خلافات فِكرية عنيفة وقعَت هنا في كوبنهاجن في عشرينيات القرن الماضي، أبرزها كان بين نيلز بور وفيرنر هايزنبرج وفولفجانج باولي. استبدلت تلك الخلافات بالمفهوم النيوتني للمادة الذي كان سائدًا آنَذاك باعتبارها «جسيمات صلبة جامدة ذات كتلة وغير قابلة للاختراق وقابلة للتحريك»، مفهومًا جديدًا أتاح، بل أوجب، إدخال تبعات القرارات التي يتَّخذها البشر في القوانين التي تحكم حركة المادة. هذا التغيُّر في القوانين أزاح فكرة الكون المجرَّد من المعنى الذي يُشبه طاولة البلياردو، ليحلَّ محله كون نستطيع فيه نحن البشر بجهود مقصودة إحداث فارق في سلوك «المادة» الموجودة في أجسادنا.
(١) دور العقل في الطبيعة
للأسف تَميل أغلب التوصيفات السائدة لنظرية الكم إلى إبراز أُحجياتها ومفارقاتها على نحو يجعل الفلاسفة واللاهوتيِّين وحتى العلماء من غير الفيزيائيِّين حذرين من توظيف التغيرات الجذرية التي طرأت على فهمنا لطبيعتنا نحن البشر نتيجة الثورة الكمية بطريقة جدية. بيد أن ميكانيكا الكم لو عُرِضَت بطريقة صحيحة فسنجد أنها متوافِقة تمامًا مع حدسنا البشري. إنما نشأ الارتباك تجاه عملية مُتوافقة تمامًا مع الحدس البشري الطبيعي نتيجة ٣٠٠ سنة من التلقين لأفكار خاطئة حول آلية عمل الطبيعة. لذا أستهلُّ بوصفٍ غير مُثقَل بالمفارقات للكون الكمي وموضع عقولنا منه.
قدم مؤسِّسو ميكانيكا الكم تلك النظرية لزملائهم في الأساس باعتبارها مجموعة من القوانين لكيفية التنبؤ بما سنراه — نحن الراصدين — أو نختبره بطريقة أخرى، تحت أنواع معينة من الظروف المحددة. بالطبع يمكننا أن ننظر إلى الميكانيكا التقليدية النظرة نفسها، لكن النظريتَين تختلفان جذريًّا في طبيعة تنبؤاتهما.
الفيزياء التقليدية تمنحنا إجابة بسيطة عن ذلك السؤال: الاحتمال المتنبَّأ به إما أن يُساوي الواحد الصحيح أو الصفر، استنادًا إلى اختلاف الحالة #٢ عن الحالة #١ أو مطابقتها لها. لكن ميكانيكا الكم تمنحنا إجابة لا تُساوي الواحد الصحيح أو الصفر بصفة عامة، بل تساوي قيمة ما بينهما.
إذا قَبِل المرء بفكرة الإمكان — النزوع الموضوعي — الأرسطي تلك يزداد استيعابه الحدسي للصورة الكلية للأمور. ليس ثمَّة شيء غير مفهوم بديهيًّا في فكرة «النزعات». فنحن نَبني حياتنا حول ذلك المفهوم. لكن ثلاثة قرون من التفكير الخاطئ جعلت العديد من الفيزيائيِّين والفلاسفة يتوقَّعون، بل يَنشُدون، فهمًا للطبيعة يكون فيه كل شيء مُقدَّرًا سلفًا من ناحية جوانب الطبيعة التي يُمكن للفيزياء وصفها «فقط». لكن الفيزياء المعاصرة تخالف تلك الفكرة الكلاسيكية. في رضوخ غير تام للتطورات التي حدثت في الفيزياء، أقر أولئك المفكرون ﺑ «العشوائية» — الاحتمال المُقيَّد رياضيًّا — باعتبارها مفهومًا يُمكنهم الالتزام به، بل حتى اعتناقه. لكن تظل هناك غُصة دفينة لدى أصحاب العقول التي توطنت على تصوُّر العالم الطبيعي الذي ساد في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر. وتتمثَّل في الاحتمال المُتمثِّل في أنه يمكن لعقولنا البشرية إدخال عناصر التحديد على وصف الطبيعة التي تتركها العمليات الطبيعية الموصوفة فيزيائيًّا دون تحديد.
إن عدم الاكتمال السببي للجوانب الموصوفة فيزيائيًّا من الطبيعة الذي يستلزمه ذلك الاحتمال هو أمر يَبذل العديد من الفيزيائيين والفلاسفة وعلماء الأعصاب أقصى وسعهم في سبيل الالتفاف حوله. لكن جميع تلك المُحاولات في الوقت الراهن تتلخص في «المادية الواعدة»؛ إذ لم يوضح أحد بعدُ سبيلًا للتخلُّص من تدخلات عقولنا — أو أدوات الرصد الأخرى — التي تستلزمها نظرية الكم التقليدية المعاصرة على نحو متَّسق منطقيًّا معها.
هذا الإدخال للحقائق الذهنية في قوانين الفيزياء، الذي يبدو أنه لا مفرَّ منه، يرتبط باختيار فعل الاستقصاء الذي سيُنفَّذ على النظام المرصود. ولا تفرض نظرية الكم شروطًا إحصائية أو غيرها على هذا الاختيار. من ثَم، توجد «فجوة سببية» في الفيزياء المعاصرة التقليدية. هذه الفجوة لا تَكمن في اختيار «نتيجة»، وهو ما يخضع لقيد رياضي، أو إحصائي على الأقل. وإنما تَكمُن في اختيار أحد أفعال الاستقصاء الممكنة فيزيائيًّا. لكنَّ الاختيارات الممكنة للأفعال التي يمكن للشخص القيام بها هي بالضبط الاختيارات التي يُعنى بها الدِّين، وفلسفة الأخلاق بصفة أعم. ومن ثَم تُقدم النظرية الفيزيائية التقليدية المعاصرة تصورًا للطبيعة يُعزز، بطريقة متَّسقة منطقيًّا ومؤكَّدة بقوة، كل ما تقوله الفيزياء عن بِنية التَّجربة البشرية، فيما تترك السؤال المحوري المُهم عن كيفية اختيارنا لأفعالنا من بين الاختيارات المُمكنة التي تضعها أمامنا قوانين الفيزياء غير المحدَّدة سببيًّا.
(٢) ما هو ضخم وما هو صغير
أحد المصادر الأساسية للتشوُّش فيما يتعلَّق بالتصور الشائع عن ميكانيكا الكم هو سوء الفهم الجوهري للعلاقة بين ما هو ضخم وما هو دقيق. لا ينفكُّ المرء يسمع المقولة: «ميكانيكا الكم تُعنى بالأشياء المُتناهية الصِّغَر، بينما يُعنى الوعي بالأنشطة الواسعة النطاق في الدماغ؛ ومن ثَم فإنه لا صِلة لميكانيكا الكم بمسألة العلاقة بين العقل والدماغ».
في الواقع، المسألة الأساسية التي تحلُّها نظرية الكم التقليدية هي بالتحديد مسألة العلاقة بين الأنشطة الضيِّقة النطاق غير المرئية، والأنشطة الواسعة النطاق الأوثق صلةً بالخِبرة الواعية. إذا نظرنا فقط إلى جوانب الطبيعة التي تقع على المقياس الذري، فسنجدها بسيطة؛ إذ تحكمها القوانين المحلية الحتمية المفهومة جيدًا والتي يَقدر على استيعابها المنطق. لكن حين تمتدُّ آثار العمليات التي تحدُث في المستوى الذري إلى المستوى المنظور (على سبيل المثال، قطة شرودنجر أو عدادات جايجر، أو الأدمغة البشرية) تظهر الخواص الكمية الجديدة كليًّا. حينها فقط يُواجه المرء انتقالًا مزلزلًا من العمَلية الحَتمية المتواصِلة إلى مفهوم «الإمكان» الهايزنبرجي/الأرسطي المتعلِّق بوقوع الأحداث النفسية المادية.
تختص الجوانب الأعمق لنظرية الكم على وجه الدقة بحقيقة أنَّ قوانين الحركة الفيزيائية البحتة التي تعمل بفاعلية على المستوى الذري لا تُفسر «الخواص المُشاهدة» للكتل الكبيرة من الذرات. تحلُّ نظرية الكم التقليدية «بالتحديد» مشكلة العلاقة بين الخواص الضيقة النطاق التي تصفُها الفيزياء والخواص الواسعة النطاق التي نَختبرها مُباشرة. وتجاهل ذلك الحل والتشبُّث بالمفاهيم الخاطئة للميكانيكا التقليدية التي تخرج العقل والوعي من دائرة السببية تمامًا يبدو مخالفًا للمَنطق تمام المخالفة. أي انبهار بما هو غريب وغير منطقي ذلك الذي يدفع الفلاسفة إلى الالتزام بنظرية معلوم خطؤها تُشير إلى أن جميع خبراتنا الفكرية التي تؤثر على أفعالنا هي محض «أوهام»، بينما يَرفُضون أطروحات خليفتها التي بطبيعة الحال تقدم لنا صورة لأنفسنا تتوافَق تمامًا مع حدسنا العادي، وبإمكانها أن تُفسِّر كيفية تأثر سلوكياتنا الجسدية ﺑ «تقييمات شعورية» مُنبثقة من جانب من الواقع غير متصوَّر بما يَكفي من ناحية مفهوم كرات البلياردو المُتصادمة للفلسفة الآلية؟
(٣) انعدام الاتساق
غالبًا ما يُستشهد بتأثيرات انعدام الاتساق باعتبارها سببًا آخر لنَفي الصلة بين التأثيرات الكمية وفهم الرابط بين العقل والدماغ. لكن في الواقع، تأثيرات انعدام الاتِّساق هي الأساس الذي تعتمد عليه الآلية التي تُمكِّن أفكارنا من التأثير على أفعالنا، وكذلك الأساس الذي يستند إليه التوفيق بين نظرية الكم وحدسنا الفِطري.
يكون لتفاعُل الأجزاء المختلفة من الدماغ مع بيئتها أثر اختزال تصوُّر بالغ التعقيد لحالة الدماغ إلى صورة يمكن للجميع فهمها بسهولة. يختزل هذا التفاعل الحالة الكمية للدماغ إلى مجموعة من «الإمكانات المتوازية»، كل منها حالة للدماغ يمكن تصورها من الناحية الجوهرية بالمنهج الكلاسيكي. تعبير «من الناحية الجوهرية» يُبرز حقيقة أن كل احتمال من الاحتمالات الكلاسيكية لا بدَّ أن تتَّسع رقعته قليلًا ليصير متوافقًا مع مبدأ عدم اليقين لهايزنبرج: تتناثَر احتمالات موقع مركز كل جُسَيم وسرعته لتُغطي نطاقًا صغيرًا. هذا التصور للعقل الكمي قريب للحدس، وانعدام الاتساق (الناجم عن البيئة) هو الذي يُسوغه. ذلك التصور للعقل يجسد جيدًا جوهر البنية الرياضية الأساسية له، ويمكن استخدامه بيقين.
وفق تلك الصورة، يعدُّ عقلك الذي تصفه الفيزياء غيمة من الاحتمالات التي تتطور والتي يُمكن حسابها بالطريقة التقليدية. بسبب اتِّساع رقعة الاحتمالات وَفق مبدأ عدم اليقين، يُمكن أن تتَّسع غيمة الاحتمالات سريعًا لتشمل الأنماط العصبية المُرتبطة بالعديد من التجارب المُتنافية المُحتملة. كل خبرة إنسانية هي جانب من حدث نفسي مادي، شقُّه النفسي هو هذه الخِبرة نفسها، وشقه المادي هو اختزال غيمة الاحتمالات في الاحتمالات ذات النمط العصبي المرتبط بهذه الخبرة.
يوجد نوعان من تلك الأفعال أو الأحداث النفسية المادية. يُعدُّ الفعل من النوع الأول اختيارًا لكيفية استقصاء النظام المرصود. كل فعلٍ من ذلك النوع يُفكِّك غيمة الاحتمالات المتصلة إلى مجموعة من المكوِّنات المُنفصلة المتنافية لكنها مجتمعةً تشمَل جميع الاحتمالات. أما الفعل من النوع الثاني فهو اختيار «تتَّخذه الطبيعة» لتحديد أيٍّ من الممكنات المحتملة سوف «يتحقَّق». يُتوقع أن الأفعال من النوع الثاني ستخضع لقواعد معينة من قواعد الاحتمال الكَمي. يسمي بور الأفعال من النوع الأول «اختيارًا حرًّا يتَّخذه صاحب التجربة». وهي لا تحكمها قاعدة أو قانون معروف، سواء إحصائي أو غير إحصائي.
يَلعب انعدام الاتساق دورًا محوريًّا آخر. تَسمح قواعد نظرية الكم لشخص أن يسأل: «هل حالتي الآن مُماثلة لحالة معيَّنة سبق أن اختبرتها؟» في الحالات المهمة التي يُريد فيها شخص أن يقوم بفعل مُعين، تسمح حرية الاختيار التي تُتيحها نظرية الكم لذلك الشخص بأن يسأل: «هل حالتي الآن هي الحالة نفسها التي عادةً ما كانت تُؤدِّي في مرات سابقة إلى رد فعل يُشير إلى نجاح أداء ذلك الفعل؟» قد تكون الإجابة «نعم»، أو قد لا تكون كذلك. إذا كانت الإجابة «نعم»، فسيتحقَّق النمط العصبي المُرتبط بها. من المنطقي أن نَفترض أن ذلك النمط العصبي سيكون نمطًا واسع النطاق من النشاط الدماغي الذي إن تحقَّق، فسيَنزِع إلى إحداث الفعل المقصود.
ذلك النزوع يمكن تعزيزه باستغلال قدرة الشخص على «طرح سؤال يختاره في أي لحظة يختارها»، وذلك في إطار قوانين نظرية الكم. تلك الحرية يُمكن استخدامها في تفعيل أحد تأثيرات انعدام الاتساق والذي يُدعى «تأثير زينو الكمي». من شأن ذلك التأثير أن يجعل النمطَ العصَبيَّ المرتبط بنتيجة الإجابة «نعم» يستمر لوقت أطول مما كان ليستمرَّ بدونه، بافتراض أن الجهد الذي قام به الشخص بقصد أداء الفعل يتسبَّب في طرح السؤال بصفة متكرِّرة في تتابعٍ سريعٍ بما يكفي. قواعد فيزياء الكم تُتيح حرية القيام بذلك. تأثير زينو الكمي هو أحد تأثيرات انعدام الاتِّساق، ولا يَهدمه انعدام الاتِّساق الناتج عن البيئة؛ بل ينجو منه سالِمًا داخل الدماغ الكبير الآمن.
ثمرة ذلك كله هي أن الحُجَج التي كان من المُفتَرض أن تُبرهن على أسباب عدم وجود صلة بين ميكانيكا الكم ومسألة العقل والجسد أدَّت إلى نتائج عكسية؛ إذ أدَّت في النهاية إلى ترجيح إمكانية وجود حلٍّ ميكانيكي كميٍّ مُتوافق تمامًا مع حِدسنا الطبيعي. ما على المرء سوى أن يَقبل ما تُؤكد عليه ميكانيكا الكم التقليدية — قبولًا يَتجاوز الموقف اللاأدري أو البراجماتي — وهو أن العالم الموصوف فيزيائيًّا ليس عالمًا مُكونًا من عناصر مادية ثابتة، كما هو التصوُّر السائد، بل عالم تتعدَّد فيه إمكانات الخبرات التي لم تقَع بعد.
باعتبار تلك المساحة الجديدة، ربما نبدأ نقاشات مُتعلِّقة بباقي المسائل الأساسية؛ ألا وهي منشأ ودلالة التقييمات الشعورية التي يبدو أنها تسوق أفعالنا. تبدو تلك التقييمات نابعةً من الجانب الخبراتي أو الرُّوحي، وقطعًا تسمح لها نظرية الكم بأن يكون لها التأثيرات التي يبدو أنها تُحدثها. لكن قبل أن نَلتفِت إلى تلك المسائل الأساسية، ربما يُفيد أولًا أن نُفصِّل بعض جوانب الملاحظات السابقة.
(٤) الطابع الحدسي لنظرية الكم
سبق أن ذكرت أن ميكانيكا الكم، إن عُرِضَت بطريقة صحيحة، وعلى وجه التحديد تصورها للطبيعة، مُوافقة للحدس. بل تكون الفيزياء الكلاسيكية هي المنافية للحدس. إنما ما يجعل التصور الكمِّي يبدو مُنافيًا للحدس هو النظر إلى التفسير الكمي للطبيعة من المنظور التقليدي، الذي هو نتاج ثلاثة قرون من التلقين.
غير أن بعض مُؤلِّفي هذا الكتاب الآخرين، ممَّن يتبنُّون الرأي السائد، قالوا بعكس ذلك.
سرد لنا إرنان ماكمولين في الفصل الثاني من ذلك الكتاب مُلخصًا لتاريخ دلالة مصطلح «المادة» في الفلسفة والفيزياء. كان أرسطو هو أول مَن استعمل ذلك المُصطلح بمعنى «المواد الخام» مثل الألواح الخشبية. واستخدمه الأفلاطونيون الجُدُد نقيضًا للجوانب «الرُّوحية» من الواقع. في القرون السابع عشر والثامن عشر والتاسع عشر، صار يُستخدَم للدلالة على الشيء الذي يحمل المجموعة الصغيرة من الخواص التي كانت تَعتبرها «الفلسفة الآلية» السائدة آنَذاك لازمة لتفسير جميع التغيُّرات التي تحدث في العالم المنظور. تلك الخواص التي سُميت «الخواص الفيزيائية» كانت تُعتبَر «موضوعية»، في مقابل «الخواص الذاتية» التي «تَعتمِد بطريقة أو بأخرى على المتلقي».
كما استعرض ماكمولين في ذلك الفصل ألفَي عام من الاستكشافات والتساؤلات الفلسفية حول ماهية «الشيء» الذي تتألَّف منه الطبيعة، والتي امتدَّت منذ زمن الفلاسفة الأيونيِّين إلى إنتاج إسحاق نيوتن للتصوُّر الكلاسيكي. يوضح ذلك السرد حقيقة أن التصور الكلاسيكي للطبيعة ليس نتاجًا مباشرًا للحِدس الفطري البشري. فتلاميذ المدارس يجب أن «يُلقَّنوا» حقيقة أن الطاولة التي تبدو صلبة هي «في الحقيقة» مكوَّنة في أغلبها من مساحة فارغة تحتشد فيها جُسيمات ذرية صغيرة. ذلك التصوُّر يترك دون إجابة — ودون قابلية للإجابة بأي طريقة تَستند منطقيًّا إلى التصور الكلاسيكي — السؤال: كيف تنبثق خبراتنا الذاتية للخواصِّ الظاهرة للعيان من ذلك الواقع المُكتفي بذاته من الناحية السببية والمفاهيمية الذي تُصوِّره النظرة الكلاسيكية؟
أعمق مُستويات الحدس لا تجعلنا ندرك الطابع الفيزيائي التقليدي للعالم الخارجي إدراكًا مباشرًا. إنما تجعلنا نُدرك أن جهود المرء الذاتية الواعية يُمكن أن تؤثر على التجارب اللاحقة لها. وأي تصوُّر للطبيعة يُنزل ذلك الحدس العميق منزلة الوهم يكون مُنافيًا للحدس. وأي تصور للطبيعة لا يُمكنه تفسير كيف تُؤثر جهودنا الواعية على أفعالنا الجسَدية هو مغلوط. ما يُخبرنا به الحدس العميق فعلًا هو الحقيقة التي تظلُّ تتأكد لنا باستمرار، وهي أن جهودنا الواعية من شأنها أن تؤثر على أنواع معينة من التقييمات الخبراتية. وكي تُعَد نظرية علمية ما مقبولة منطقيًّا ومتوافقة مع الحدس، على الأقل لا بدَّ أن تقدم تفسيرًا منطقيًّا لذلك الرابط.
أما بالنِّسبة إلى تصور ميكانيكا الكم، فإن ماكمولين يصفه بأنه «مُشكِل» و«مُنافٍ للحدس». وفي الفصل الخامس من الكتاب، يصفه سيث لويد بأنه «مُنافٍ للحدس» و«غريب». اسمحوا لي بأن أبيِّن لمَ العكس هو الصحيح؛ لمَ الرُّؤية المعاصرة، على النقيض، هي نتاج منظور مشوَّش هو نفسه مُنافٍ للحدس، أُقحِم، رغم ما يَعتريه من أوجه قصور ونقص تقنية خطيرة، في التفكير البشري «المُطَّلع» نتيجة ٣٠٠ سنة من التلقين المكثف.
كان التفسير الأصلي (تفسير كوبنهاجن) لنظرية الكم تفسيرًا براجماتيًّا وإبستمولوجيًّا؛ فقد استبعد الجانب الأنطولوجي. إذ تجنب أي التزام بتحديد ما هو موجود في الواقع! أكد فون نيومان على المبادئ الرياضية لتفسير كوبنهاجن ورسَّخها، لكنه وسع مفهوم التناظُر بين العقل والمادة في تصوُّر كوبنهاجن ليضمَّ جسد الراصد أو مُجري التَّجربة البشري ودماغه إلى العالم الذي يُعتَقَد أنه مُكوَّن من الذرات والجزيئات وما على شاكلتها. مهد نموذج فون نيومان (الذي يُسمِّيه فيجنر «التفسير التقليدي») لتضمين الجانب الأنطولوجي. ذلك الامتداد الذي صنعه فون نيومان هو الأساس الذي قامت عليه جميع محاولات الفيزيائيين لتجاوز موقف تفسير كوبنهاجن البراجماتي/الإبستمولوجي، وتوضيح الحقيقة التي تكمن وراء الظواهر.
سعى بور لتقديم فهمٍ وافٍ لنظرية الكم، وبيان مكاننا في ذلك الفهم، الذي لم يخرج عن الإطار الإبستمولوجي. لكن هايزنبرج كان لديه استعداد لإبداء رأيه حول «ما يحدث فعلًا».
اعتقد هايزنبرج أن الواقع مكون لا من المادة كما يُنظَر إليها وفق مفهوم الفيزياء التقليدية، بل من «الأحداث» النفسية المادية — وهي أحداث لها جوانب معيَّنة موصوفة بلغة علم النفس، وجوانب أخرى موصوفة باللغة الرياضية للفيزياء — وكذلك من «النزعات الموضوعية» لتلك الأحداث للوقوع. يقول في هذا الشأن: «دالة الاحتمال … تعكس نزوع الأحداث للوقوع ودرايتنا بتلك الأحداث» (هايزنبرج، ١٩٥٨، صفحة ٤٦). ويُضيف: «عملية الرصد … تُعزِّز الوصف في الزمان والمكان لكنها تقوض الاتصال الحتمي بتغييرها لمعرفتنا» (المرجع السابق، الصفحتان ٤٩-٥٠). ويُردف: «انتقال «الإمكان» إلى حيز «المتحقِّق» يحدث أثناء عملية الرصد. إذا ما أردنا وصف ما يحدث … فعلينا أن نُدرك أن كلمة «يحدث» لا يمكن أن تنطبق إلا على عملية الرصد، لا على ما يحدث بين عمليتي رصد» (المرجع السابق، صفحة ٥٤). ويُسهب: «تجمع دالة الاحتمال بين عناصر ذاتية وموضوعية. فهي تحوي عناصر تُعبِّر عن الاحتمالات أو النزعات الأقوى («الإمكانات» في الفلسفة الأرسطية)، وتكون تلك العناصر موضوعية تمامًا؛ فهي لا تعتمد على أي راصد؛ وكذلك تضم عناصر تعتمد على معرفتنا بالنظام، وتكون ذاتية بالطبع، طالَما يُحتمَل أن تختلف باختلاف الراصد» (المصدر السابق، صفحة ٥٣).
ربما أهم تغيُّر في النظرية إذا ما قورنت بالفيزياء التقليدية، هو إدخال أفكار ومقاصد مُجري التجربة أو الراصد البشري في الديناميكية الفيزيائية: «كما قال بور … في مسرحية الوجود المأساوية، نحن نلعب دور المؤدين والمتفرجين … ويصير لأفعالنا نحن أهمية بالغة» (هايزنبرج، ١٩٥٨، صفحة ٥٨). ويضيف هايزنبرج: «لا يُمكن ربط دالة الاحتمال بالواقع إلا بتحقُّق شرطٍ أساسي؛ وهو إجراء قياس جديد لتحديد خاصية «معيَّنة» في النظام» (المرجع السابق، صفحة ٤٨، وعلامات التمييز من وضعي). يقول بور: «حرية إجراء التجربة … تُناظر حرية اختيار ترتيبات التجربة التي تُتيح لها البنية الرياضية لإطار ميكانيكا الكم مساحة المرونة الكافية» (بور، ١٩٥٨، صفحة ٧٣).
هذا «الاختيار الذي يقوم به «الراصد»» يُمثله في الإطار الرياضي ما أسماه فون نيومان تدخل «العملية ١» (فون نيومان، ١٩٥٥، الصفحات ٣٥١–٤١٨). ذلك هو الجزء الأول — والأساسي تمامًا — من العمَلية التي تُؤدي إلى تحقُّق حالة جديدة «مختزَلة» للنظام الذي يَستكشفُه الفاعل البشري. تلك العملية ١ تُقسِّم الحالة القائمة، المُتمثِّلة في غيمة متَّصلة من الاحتمالات التي يُمكن اختبارها، إلى مجموعة من الاحتمالات التجريبية المحدَّدة (القابلة للعد). لا يوجد في الوصف الرياضي ما يُحدد تفاصيل ذلك الاختزال «اللازم منطقيًّا» لكَم متَّصل في مجموعة من الاحتمالات المُنفصلة، كل منها مرتبط بدرجة محتمَلة من المعرفة. كذلك لا يُحدد إطار ميكانيكا الكم التقليدي «اللحظة» التي تقع فيها العملية ١. واختيار «التوقيت» هو أحد العناصر التي يَبدو أنها — بل هي بالفعل— تتحدَّد بالاختيار الحر الذي يقوم به الراصد. تلك السمات الأساسية لميكانيكا الكم تُعدُّ أساسًا لتفسير ديناميكي كمي منطقي وطبيعي لكيفية تأثير المقاصد المبذولة الواعية للشخص على أفعاله الجسَدية (بوريجارد وشوارتز وستاب، ٢٠٠٥؛ ستاب، ٢٠٠٥؛ ستاب، ٢٠٠٦).
تَرتبط العديد من تجاربنا الواعية بقصد وجهد معين، ويحتمل أن تكون ثمة درجة ما من تركيز الانتباه مُلازمة لكلِّ خبرة واعية، مهما بدَت عفوية أو غير فعالة. يؤدي زيادة تركيز الجهد القصدي المبذول المرتبط بفكرة ما إلى تعزيز الخِبرة المرتبطة بها. وعليه، من المنطقي أن نفترض أن بذل الجهد يزيد من معدَّل تكرار سلسلة من الأحداث المتكافئة في الأساس.
إذا كانت سرعة أحداث العملية ١ المرتبطة بقصد معيَّن كبيرة بالقدر الكافي، فستكون النتيجة المباشرة لقوانين التغير الكمية هي ثبات النمط العصبي المرتبط بذلك القصد. يسمى ذلك التأثير المعروف جيدًا والذي خضع لدراسات كثيرة «تأثير زينو الكمي».
بطبيعة الحال، يكون النمط العصبي المرتبط بقصد أو نية القيام بفعل معيَّن نمطًا من النشاط العصبي الذي ينزع إلى التسبب في حصول الفعل المقصود. والإبقاء على ذلك النمط لمدة طويلة ينبغي أن يُرجح بقوة حدوث ذلك الفعل. ومن ثَم يُمكن سد فجوة عميقة وهامة تقف في طريق اكتمال ديناميكية ميكانيكا الكم التقليدية بطريقة طبيعية جدًّا تجعل جهودنا الواعية مُؤثِّرة سببيًّا.
بسدها لتلك الفجوة السببية، تُحقِّق الأنطولوجية الكمية على نحو وافٍ أهم ما يَستلزمه الحدس؛ وهو أن جهود المرء الواعية لها القُدرة على التأثير على أفعاله الجسدية. وفي عصرنا الحالي الذي هو عصر الحواسيب والمعلومات والبكسلات الوامضة، ليس ثمة ما ينافي الحدس في الفكرة الأنطولوجية القائلة بأن الطبيعة مبنية، لا مِن المادة الجامدة وَفق النظرة التقليدية، بل من أحداث وإشارات وموجات معلوماتية تجعل تلك الأحداث تنزع إلى الوقوع.
يتعامل وايتهيد مع سمة التمحور حول الإنسان غير المُستحسنة في موقف كوبنهاجن المعرفي، بجعل الأحداث الكمية المترابطة الموضوعية/الذاتية القائمة على الدماغ البشَري حالات خاصة من أنطولوجية عامة غير مرتكزة على الإنسان (وايتهيد، ١٩٧٨، الصفحتان ٢٣٨-٢٣٩).
ربما المبدأ الأساسي الذي يقوم عليه الادِّعاء بأن ميكانيكا الكم «غريبة» هو وجود ما أسماه أينشتاين «فعلًا شبحيًّا عن بُعد». تلك التأثيرات ليست «شبحية» فحسب، بل هي أيضًا مُستحيلة الحدوث في إطار الفيزياء الكلاسيكية. لكن لو تغيَّر تصور العالم الفيزيائي من كونه مكونًا من كيانات صغيرة صلدة كالصخر، إلى كونه بناءً معلوماتيًّا كليًّا شاملًا يُمثل نزوع الأحداث إلى الوقوع، فيه يتحكَّم البشر الفاعلون في اختيار أي الممكنات سيتحقق في الأماكن المختلفة، فستزول صفة «الشبحية» عن عمليات انتقال المعلومات التي تحدث. فالشبح الذي يقوم بتلك المُهمة هو البناء المعلوماتي الشامل المفترض الذي يُدعى الحالة الكمية للكون. لكنه يقوم بذلك بطريقة محدَّدة وقابلة للفهم تمامًا، وبهذا سيزول عنها تمامًا وصف الشبحية.
اختصارًا، التصور الكمي ليس «بذاته» مُنافيًا للحدس أو مُشكِلًا أو غريبًا. بل أُلصقَت به تلك الصفات حين نُظِر إليه من منظورٍ تقليدي هو نفسه «منافٍ للحدس»؛ لأنه يُنكر الفاعلية السببية لجهودنا القصدية، و«مُشكِل» لأنه لا يُقدِّم أساسًا منطقيًّا يُمكن أن يَنبني عليه فهم منطقي لحُدوث التجربة الذاتية، و«غريب» لأنه يَستثني الجوانب العقلية للطبيعة ويقسمها إلى أجزاء دقيقة مُنفصلة وجوديًّا غير قادرة على التواصُل والتفاعل إلا مع جيرانها المباشرين؛ ومن ثَم يسلب من الكل وأجزائه أي احتمال للتكامُل الجوهري أو المعنى. أفعال العملية ١ لدى فون نيومان هي التي تضُخُّ عنصر التكامل والمعنى في الكون الكمي؛ فدون تلك الأفعال لن يكون ثمة شيء سوى غيمة متَّصلة من الاحتمالات غير المتحقِّقة (ستاب، ٢٠٠٧أ، ٢٠٠٧ب).
(٥) المعلومات والإله والقيم
من المنظور الكمِّي النظري، تُحمَّل المعلومات بواسطة البِنية الفيزيائية التي تَنقُل المُمكنات التي خلقتها الأحداث النفسية المادية السابقة إلى تلك اللاحقة لها. ذلك النقل للاحتمالات هو جزء أساسي من العمَلية التي تُؤدِّي إلى وقوع وتحقُّق السلسلة المتزايدة من الأحداث المُكوِنة للتاريخ في الكون المُتحقِّق. تكمن المعلومات كذلك في الجوانب المتعلقة بالنفس (الذاتية) والجوانب المتعلقة بالفيزياء (الموضوعية) لتلك الأحداث نفسها، والتي تخلقها تلك الأحداث.
تُوجد المعلومات التي تنشأ من «عملية حوسبية» مُتوطنة في الطبيعة داخل البتَّات التي تتحقَّق في أثناء تلك العمَلية. تَعتمِد تلك المجموعة المُتزايدة من البتَّات على «تقسيم» غيمة الاحتمالات الكمية التي يتكوَّن منها الكون في لحظة ما (على مستوًى يشبه المكان في وصف نظرية المجال الكمي النِّسبي) إلى مجموعة من الممكنات المنفصلة المتحقِّقة أو غير المتحقِّقة التي لكلٍّ منها احتمال معين. تحدد البتَّات المتحققة النزعات المستقبلية لإنشاء البتَّات. ومن ثَم تكمن التقسيمات التي تحددها أفعال العملية ١ في أساس المفهوم الحوسبي للمعلومات.
لكن كيف يُمكن فهم أفعال العملية ١؟ يتطلَّب تقسيم ما هو متصل إلى مجموعات فرعية منفصلة ومحدَّدة (قابلة للعد) اختيارًا هائل الدقة والإمعان. يدعو ذلك إلى الافتراض القائل بأن الأوصاف التي «تبدو» متَّصلة في إطار نظرية الكم المعاصرة لا بد أن تكون في الواقع منفصلة في مستوى أساسي ما، هذا إن صمدت الأفكار الرياضية في ذلك المستوى الأساسي.
بطريقة ما تَتناظَر تلك العمليات مع عملية اختيار ظُروف الحد الأولية للكون وقوانينه. بمعنى أن الاختيارات الحُرة التي يتَّخذها البشر يُمكن اعتبارها نسخًا مُصغَّرة من الاختيارات التي يبدو أنها لازمة لخلق الكون. تفتح نظرية الكم الباب للقيام بتلك الاختيارات الحرة الأخيرة، بل تَقتضيها.
يتوافَق ذلك الوضع مع فكرة الإله القادِر الذي بدأ خلق الكون وأنشأ قوانينه، ثم منح جزءًا من قُدرته إلى مخلوقاته التي خلقها على صورته، على الأقل فيما يتعلَّق بقُدرتها على اتخاذ قرارات مُؤثرة فيزيائيًّا فيما يتعلَّق بالأسباب والتقييمات.
لا أرى أن للعلم المعاصر سبيلًا إلى دحض أو حتى استبعاد ذلك التفسير لنظرية الكم من المنظور الديني، أو لتقديم حُجة قوية تدعم رؤية مُغايرة لطبيعة تلك «الاختيارات الحرة». تلك الاختيارات «تبدو» مُتأصِّلة في الأسباب التي هي بدورها متأصلة في المشاعر المرتبطة بالقَدر أو القيمة. ومن ثَم يمكن القول بأن نظرية الكَم تفتح مجالًا لرؤية للطبيعة ودورنا فيها تتوافق بصفة عامة مع مفاهيم دينية معينة، لكنها في المقابل غير مُتوافقة مع المبادئ الآلية الحتمية للفيزياء التقليدية. وعليه، فإن استبدال منظور ميكانيكا الكم بالميكانيكا التقليدية يَفتح الباب لاحتمالات دينية كانت من قبل مُستبعَدة منطقيًّا.
ذلك التصور للطبيعة، الذي يكون فيه لاختياراتنا تأثيرات قريبة مُباشرة، بل أيضًا تأثيرات بعيدة غير مباشرة، يغير صورة الإنسان التي رسمتها له الفيزياء التقليدية. إذ يرسم له صورة تنزع أكثر إلى تقليل حس العجز والانفصال والعُزلة وتعزيز حسِّ المسئولية و«الانتماء». كل من ينظر إلى نفسه تلك النظرة، باعتباره شرارة الإله، والذي حباه الإله بشيء من قدرته، بحيث أصبح جزءًا لا يتجزَّأ من عملية خلق الكون النفسي المادي، سيتحمَّس للمشاركة في عملية تشكيل، وزيادة المُمكنات في الواقع الكَمي الذي لا ينفكُّ يتكشَّف، والذي تُعد مشاركته في صنعه حقًّا يكتسبه بالولادة.
المراجع
-
Beauregard, M., Schwartz, J., and Stapp, H. P. (2005), Quantum physics in neuroscience and psychology: A neurophysical model of mind-brain interaction, Philosophical Transactions of the Royal Society of London, Series B, Biological Sciences, 360(1458): 1309–1327.
-
Bohr, N. (1958), Atomic Physics and Human Knowledge, Reprinted in 1987 as The Philosophical Writings of Niels Bohr, vol. II. Woodbridge, CT: Ox Bow Press.
-
Heisenberg, W. (1958), Physics and Philosophy: The Revolution in Modern Science, New York: Harper and Row.
-
Stapp, H. P. (2005), Quantum interactive dualism: An alternative to materialism, Journal of Consciousness Studies, 12(11): 43–59.
-
Stapp, H. P. (2006), Quantum interactive dualism: The Libet and Einstein-Podolsky-Rosen causal anomalies, Erkenntnis, 65(1): 117–142.
-
Stapp, H. P. (2007a), Quantum approaches to consciousness, In The Cambridge Handbook for Consciousness, eds. P. D. Zelazo, M. Moscovitch and E. Thompson, New York: Cambridge University Press, 881–908.
-
Stapp, H. P. (2007b), Quantum mechanical theories of consciousness, In The Blackwell Companion to Consciousness, eds. M. Velmans and S. Schneider, Oxford: Blackwell Publishing, 300–312.
-
von Neumann, J. (1955), Mathematical Foundations of Quantum Mechanics, Princeton: University Press.
-
Whitehead, A. N. (1978), Process and Reality, corrected ed, eds. D. R. Griffin and D. Sherburne, New York: Macmillan.