الفصل الثالث عشر
دخلت جيني بروستر، بعد أن تركتها إديث لونجوورث، في نوبةٍ هيستيرية قصيرة. لكنَّ تعقُّلَها سرعان ما أنقذها؛ وعندما أصبحت أكثرَ هدوءًا، بدأت تسأل نفسَها لماذا لم تُهاجم الفتاةَ التي جرؤت على حبسِها. لقد تذكرت بالكاد أنها قد فكرت في القيام بهجوم شديد في ذلك الوقت، وتذكرَت أيضًا أن خوفها من مغادرة القارب أثناء المشاجرة قد منعَها من القيام بها. ولكنها الآن، وبعد أن غادر القارب، ندمت بشدةٍ على سلبيتها، وحزنت دون جدوى على حقيقة أنها توقفت لكتابة القصة الخاصة بالكارثة التي حاقَت بسفينة «كالوريك». ولو لم تكن قد فعلت هذا، لسار كلُّ شيء على ما يُرام، لكنَّ طموحها الكبير كي تُعَد أفضلَ صحفية في نيويورك وكي تُثبت لمدير التحرير أنَّ بإمكانها مواجهةَ أيِّ طارئ قد يظهر، دمَّرَها. وبينما كان بإمكانها إرسالُ البرقية الأولى، فقد أدت رغبتُها في كتابة البرقية الثانية إلى عدم إرسال أيِّ شيء على الإطلاق. وعلى الرغم من أنها انتقدت سلوكَها بلُغةٍ ما كان لأحد أن يتوقع سماعها من ابنةِ مليونير، فإنَّ غضبَها تجاه إديث لونجوورث أصبح أكبر، وتملكَت من المراسلة الشقراء رغبةٌ عنيفة في الانتقام. وعزمَت على الصعود إلى سطح السفينة وفضحِ تلك الفتاة أمام الجميع. كانت ستجذب انتباه الركابِ للأمر بدفع إديث لونجوورث من كرسيها على السطح، وفي حالتها المِزاجية الحاليَّة، لم يكن لديها أدنى شكٍّ في قدرتها على فعل ذلك. وضعَت الصحفيةُ القبعة على رأسها وغادرت إلى السطح، وهي تتطلَّع لانتقام عنيف وقوي. ومرَّت بأعلى أحد الجانبين ثم نزلت للآخر، لكنَّ ضحيتها المنتظَرة لم تكن موجودة. زاد غضب الآنسة بروستر عندما لم تجد ضحيتها حيث توقعَت وجودَها. وكانت تخشى أن يسيطر عليها توجُّهٌ مختلف، عندما تهدأ، ويذهب انتقامها أدراجَ الرياح. وأثناء سيرها جَيئة وذهابًا بطول السطح، قابلت كينيون وفليمنج وهما يسيران معًا. كان فليمنج قد لحق لتوِّه بكينيون، الذي كان يَذْرع بهدوءٍ السطحَ بمفرده، وضربه برفقٍ على كتفه طالبًا منه أن يشرب كأسًا معه.
وقال: «يبدو لي أنني لم أحظَ قطُّ بمتعةِ عرض كأسٍ من الشراب عليك منذ أن صعدنا على متن هذه السفينة. أريد أن أشرب مع الجميع هنا، وخاصةً الآن، عندما حدث شيء جعل ذلك أمرًا جديرًا بالاهتمام.»
قال جون كينيون ببرود: «أنا ممتنٌّ لك بشدة، لكنني لا أشرب الخمر أبدًا.»
«عجبًا، لا تمسُّها على الإطلاق؟ ولا حتى الجعة؟»
«ولا حتى الجعة.»
«حسنًا، أنا مندهشٌ لسماع ذلك. ظننت أن أيَّ رجل إنجليزي يشرب الجعة.»
«هناك على الأقل رجل إنجليزي واحد لا يفعل هذا.»
«لا بأس، إذن؛ أرجو ألا أكون قد تسبَّبتُ في أي إساءة أو ضرر. لكن يحقُّ لي أن أقول لك إنك يفوتك الكثيرُ من المرح في هذا العالم.»
«أعتقد أنني يفوتني القليلُ من حالات الشعور بالصداع أيضًا.»
«أوه، ليس بالضرورة. لديَّ وصفةٌ رائعة لعدم الإصابة بالصداع. كما ترى، هذه هي فلسفةُ تجنُّب الصداع.» وهنا، ولخيبة أمَلِ جون، شبك الرجل ذراعه بذراع جون وغيَّر من سرعة خطوته لتتناسبَ مع تلك الخاصة بجون، وأخذ يتحدَّث طوالَ الوقت كما لو كانا أكثرَ صديقَين حميمَين في العالم. وأردفَ قائلًا: «لديَّ خُطةٌ فعالة لتجنُّبِ الصداع. كما ترى، عندما تُفكر في الأمر، فستجده كالتالي: يأتي الصداع فقط عندما تكون غيرَ ثَمِل. رائعٌ جدًّا، إذن. إن هذا بسيط للغاية. لا تُفِق أبدًا؛ هذه هي خُطتي. إنني ببساطةٍ أستمرُّ في تناول الشراب، ولا أُفيق أبدًا، ومن ثم لا أُصاب بالصداع أبدًا. إذا كان هؤلاء الذين يَسْكرون يتجنَّبون الضرورة غيرَ السارةِ المتمثلةَ في ألا يُفيقوا، فسيُصبح حالهم على ما يُرام. ألا تفهم ما أقصد؟»
«وماذا عن عقولهم في تلك الأثناء؟»
«أوه، عقولهم تكون في خيرِ حال. الشراب الجيد يشحذُ عقل المرء على نحوٍ رائع. والآن، فلتُجرِّب هذا الأمر لبعض الوقت. أتسمح لي أن أدعَهم يمزجوا لك كوكتيلًا؟ دَعْني أخبِرْك، يا جون، أن الكوكتيل يُعَد واحدًا من أفضل المشروبات التي صُنِعت على الإطلاق، وهذا الرجل القائم على الحانة — عندما جئتُ على متن هذه السفينة، كان يظن أنه يُمكنه عملُ كوكتيل، لكنه حتى كان لا يعرف الأساسيات — لقد علَّمتُه كيف يصنعه؛ ودعني أخبرك أن هذا السرَّ سيكون بمنزلةِ كَنزٍ له؛ لأنه إذا كان الأمريكيون يُحبون شيئًا، فإنه أن تُمزَج مشروباتُ الكوكتيل الخاصة بهم على نحوٍ صحيح. لا يوجد رجلٌ في إنجلترا بأسْرِها يُمكنه فعلُ ذلك، ويوجد عددٌ قليل جدًّا من الرجال على متن الخطوط البحرية الأطلنطية الذين يُمكنهم ذلك. لكنني أُعلِّمهم بالتدريج. لقد شرحتُ هذا ستَّ مرات. إنهم يدَّعون أنهم يُعطونكم في إنجلترا مشروباتٍ أمريكية، لكن لا بد أنك تعرف كيف أنها لا تَرْقى إلى المستوى المطلوب.»
«أنا متأكد أنني لن أعرفَ هذا؛ لأنني لم أتذوَّقْ أيًّا منها.»
«آه، صحيح؛ لقد نسيتُ هذا. حسنًا، لقد درَّبتُ رجلَ الحانة هذا، وهو يعرف الآن كيف يصنعُ كوكتيلًا جيدًا على نحوٍ معقول؛ وكما قلت، فإن هذا السرَّ سيجلب له الكثيرَ من المال من الركاب الأمريكيين.»
كان جون كينيون يُفكر في حلٍّ لمشكلة التخلصِ من هذا الشخص الثَّرثار والكريم، عندما رأى الآنسةَ جيني بروستر الأنيقةَ تقترب منهما؛ وتساءل في نفسه عن سبب نظرةِ الحَنْق المرير التي كانت باديةً في عينَيها. ظنَّ أنها كانت تنوي الحديثَ مع السياسي الأمريكي، لكنه كان مخطئًا. لقد أتَت إليه مباشرةً، وقالت في نبرة ثائرة، تنمُّ عن غضبٍ شديد:
«حسنًا، يا جون كينيون، ما رأيك في صنيعك؟»
سأل الرجل المتحيِّر: «أي صنيع؟»
«أنت تعرف جيدًا أيَّ صنيع أقصد. يا لك من رجل بارع! إنك لم تكن لديك الشجاعةُ الكافية لمنعي من إرسال تلك البرقية، لذا فقد حرَّضتَ صديقتك على الذَّهاب لغرفتي ومنعي بوقاحةٍ من إرسالها.»
إن النظرة الخاليةَ من التعبير التي تنمُّ عن اندهاشٍ تامٍّ والتي كانت باديةً على وجه جون كينيون الصادقِ كانت ستُقنع أيَّ امرأة حكيمة بأنه لا يعرف أيَّ شيء على الإطلاق عما تتحدث عنه. تولَّد بالفعل انطباعٌ مضجِرٌ بهذا في عقل تلك الفتاة الغاضب. لكن قبل أن تستطيعَ التحدث، قال فليمنج:
«لا، لا، يا فتاتي العزيزة! إنكِ تتحدثين بصوت عالٍ للغاية. هل تريدين جذبَ انتباه كلِّ مَن على سطح السفينة؟ يجب ألا تصنعي فضيحةً بهذه الطريقة على متن السفينة.»
صرخَت قائلة: «فضيحة! سرعان ما سترى أتكون هناك فضيحةٌ أم لا. جَذْب انتباه كلِّ مَن على سطح السفينة! هذا على وجه التحديد ما سأفعلُه، حتى أكشفَ عن دناءة هذا الرجلِ الذي تتحدَّث إليه. إنه كان مدبرَ الأمر، وهو يعرف ذلك. إنها ليس لديها قطُّ من الذكاء ما يُمكِّنها من التفكير فيه. لقد كان شديدَ الجُبن بحيث لا يُمكنه أن يفعلها بنفسه؛ ولذا، حرَّضها على تنفيذ تدبيره الخسيس.»
قال فليمنج: «حسنًا، حسنًا، حتى لو فعل كلَّ هذا، أيًّا ما كان، فلا فائدةَ من جذب الانتباه إليه هنا على سطح السفينة. انظري كيف أن الجميع يستمعون لما تقولين. فتاتي العزيزة، أنتِ غاضبة بشدة ولا تستطيعين أن تتحدَّثي الآن؛ لذا، فإن أفضل شيء يُمكنكِ فعله هو أن تذهبي إلى غرفتكِ.»
ردَّت، مهاجمةً إياه بغضب: «مَن طلبَ منك أن تتدخل؟ أرجو أن تهتمَّ بشأنك، وتدعَني أهتم بشأني. كنتُ أعتقد أنك لا بد اكتشفتَ قبل ذلك أنَّ بإمكاني تدبُّر شئوني.»
رد السياسيُّ محاولًا تهدئتها: «بالتأكيد، بالتأكيد، يا عزيزتي، أنا آسفٌ أنني لا أستطيع دعوتَكما لتناول كأسٍ معي والتحدث بشأن هذا الأمر بهدوء. هذه هي الطريقة الصحيحة للتعامل مع الأمور، وليس الوقوفُ هنا للتعنيف على سطح السفينة، والكل يستمع إليكما. والآن، إذا كنتِ ستتناقشين بهدوء حول هذا الأمر مع جون هنا، فأنا متأكد أن كلَّ شيء سيكون على ما يُرام.»
ردت الفتاة: «أنت لا تعرف ما تتحدث بشأنه. هل تعرف أنه كانت لديَّ رسالة مهمة كان عليَّ إرسالُها لصحيفة «آرجوس» وقد جاءت صديقة هذا الرجل، بالطبع بتحريضٍ منه، إلى غرفتي ومنعتني فعليًّا من الخروج منها حتى غادر القارب؛ وذلك حتى لا يُمكِنَني إرسالُ الرسالة؟ فكِّر في دناءةِ ذلك الفعل وخسَّتِه، ثم تحدث معي عن التحدث على نحوٍ عاصف!»
أقنعَ تعبيرُ الاندهاش البادي على وجه كينيون الصحفية، أكثرَ مما كانت ستفعل تأكيداتُه بأنه لا يعرف أيَّ شيء على الإطلاق عن هذا الفعل الطائش.
سألها فليمنج: «ومن منَعَكِ من الخروج من غرفتكِ؟»
ردت بحدة: «هذا ليس مِن شأنك.»
قال كينيون في النهاية: «أرجو أن تُصدِّقي أنني ليس لدي أيُّ علم على الإطلاق بكل هذا؛ لذا، كما ترين، ليس هناك فائدةٌ من الحديث معي بشأنه. أنا لن أتظاهرَ بأنني آسف؛ لأنني لستُ كذلك.»
أدى هذا إلى اشتعالِ الموقف أكثر، وكانت على وشك الحديث بحدةٍ مرةً أخرى، عندما تركَها هي وفليمنج في مواجهةِ بعضهما بعضًا، مبتعدًا عنهما بطريقةٍ سريعة ومفاجئة. ثم استدارت الفتاةُ ورحلت بسرعة، تاركةً السياسيَّ المندهش بمفردِه، بحيث لم يكن أمامه ما يُمكنه فعلُه سوى أن يذهب إلى غرفة التدخين وأن يطلب من شخصٍ آخرَ أن يشرب كأسًا معه، وهو ما فعله على الفور.
ذهبت الآنسة بروستر إلى غرفة القبطان وطرَقَت الباب. وعندما سُمح لها بالدخول، وجدت الرجلَ جالسًا على طاولته وأمامه بعضُ الخرائط وعلى وجهه نظرةٌ منهكة قد تُنذِر بأن هذا لم يكن الوقتَ المناسب للحديث بشأن أيِّ شكاوى شخصية.
قال باختصار عندما دخلَت: «ما الأمر؟»
قالت: «لقد جئتُ إليك، يا قبطان، لأنَّ شيئًا فظيعًا قد حدث على متن هذه السفينة، وأنا أرغب في الإنصاف. والأكثر من ذلك، أنني سأحصل عليه!»
سألها القبطان: «ما هو «الشيء الفظيع»؟»
«كانت هناك رسالتان كان عليَّ إرسالُهما إلى نيويورك إلى صحيفة «نيويورك آرجوس» التي أنا مِن ضمن طاقمها.»
قال القبطان باهتمام: «نعم، وهل كانت هاتان الرسالتان متعلقتَين بما حدث على السفينة؟»
«إحداهما متعلقةٌ بما حدث، أما الأخرى، فلا.»
قال القبطان: «حسنًا، آمُل ألا تكوني قد قدمتِ عرضًا مبالغًا فيه للوضع الذي نحن فيه.»
«أنا لم أقدِّم أي عرض على الإطلاق، ببساطة لأنني مُنِعتُ من إرسال الرسالتين.»
قال القبطان، وقد بدَت على وجهه نظرةُ ارتياح، رغم محاولاته إخفاءها: «آه، حقًّا، ولكن ما الذي منعَكِ من إرسال رسالتَيكِ؟ كان الضابط سيأخذ معه أيَّ رسائل تُعطى له.»
قالت السيدة الشابة: «أعرف هذا، لكن عندما كنتُ في غرفتي أكتب آخِرَ الرسالتين، جاء شخصٌ مِن ركاب هذه السفينة — الآنسة لونجوورث — إلى غرفتي وحبسَني هناك حتى غادر القاربُ السفينةَ.»
انعقد حاجبا القبطان من الدهشة.
وقال: «سيدتي العزيزة، هذا اتهامٌ خطير جدًّا من جانبك. لقد سافرَت الآنسة لونجوورث عدة مرات معي، ويُمكنني القولُ إنني لم أصادف قط على متن سفينتي سيدةً شابة أكثرَ أدبًا منها.»
قالت الصحفية بغضب: «يا لها من سيدةٍ مؤدبة بشدة! لقد وقَفَت أمام بابي ومنعَتني من الخروج. لقد صرختُ طلبًا للعون، لكن صرخاتي لم يسمعها أحدٌ وسط هتاف الركاب عندما غادر القارب.»
«لماذا لم ترنِّي الجرس؟»
«لم أستطِع رن جرسي لأنها منعَتني من فعلِ ذلك. بالإضافة إلى ذلك، إن كنتُ قد استطعت الوصولَ إليه، فمن غير المحتمل أن أحدًا كان سيسمعه؛ إذ بدا أن الجميع كان يصرخ بصوت عالٍ بينما كان القارب يُغادر.»
«لا يُمكنك أن تلوميهم على ذلك. تعتمد الكثير من الأمور على سلامةِ هذا القارب. في الحقيقة، إذا فكَّرتِ في الأمر، فستجدين أن أيًّا كانت الشكوى التي قد تكون لديك، فإنها، في النهاية، شيءٌ تافه جدًّا مقارنةً بالحمل الذي يقع على كتفَيَّ الآن، وأنا أُفضل ألا يكون لي أيُّ علاقة بالخلافات التي بين الركاب حتى نخرجَ من مأزقنا الحالي.»
«المأزق ليس له أيُّ علاقة على الإطلاق بهذا الأمر. أنا أخبرك بحقيقة. أنا أُخبرك بأن أحد ركابك جاء وحبَسَني في غرفتي. وأنا آتيةٌ إليك من أجل أن تُنصِفَني. والآن، يجب أن يكون هناك قانونٌ ما على متن السفينة يحلُّ محلَّ القانون العاديِّ على الأرض. أنا أُقدم هذا الطلبَ رسميًّا لك. إذا لم تستمع لي ورفضتَ أن تُنصفني في شكواي، إذن، فيُمكنني أن ألجأَ إلى الرأي العامِّ عبر صحيفتي، وربما ستكون هناك أيضًا فرصةٌ للحصول على العدالة عبر قانون الأرض التي أنا ذاهبة إليها.»
قال القبطان بهدوء: «سيدتي العزيزة، يجب ألا تُهدديني. أنا لستُ معتادًا على أن يتحدث معي أحد بتلك النبرة التي أخذتِ على نفسك استخدامَها. والآن، أخبريني ما الذي تريدين مني أن أفعل.»
«أنت مَن سيقول ماذا سيفعل. أنا راكبةٌ على متن هذه السفينة، ومن المفترض أن أكون تحتَ حماية قبطانها. أنا أخبرك بأنني قد حُبِستُ قَسْرًا في غرفتي، وأطلب أن يعاقب الشخص الذي قام بهذا.»
«تقولين إن الآنسة لونجوورث هي الشخص الذي قام بهذا؟»
«نعم، هذا ما أقوله.»
«والآن، هل تُدركين أنك تُوجِّهين اتهامًا خطيرًا لتلك السيدة الشابة؛ وهو اتهام أجدُه صعبَ التصديق على نحوٍ ملحوظ؟ هل لي أن أسألكِ عن السبب وراء اضطرارِها إلى فعلِ ما تقولين إنها قد فعَلَته؟»
«إنها قصة طويلة. وأنا على أتم الاستعداد كي أوضح لك أنها حاولَت رِشْوتي حتى لا أُرسل إحدى الرسالتين، وعندما لم تنجح في ذلك، حبَسَتني قسرًا في غرفتي؛ حتى لا أتمكنَ من إرسال تلك الرسالة.»
فكَّر القبطان فيما قيل له.
«ألديكِ أيُّ دليل على هذه التهمة؟»
«إثبات! ماذا تقصد؟ أتشكُّ في كلامي؟»
«أنا أقصد تمامًا ما أقول. هل لديكِ أيُّ شخص يمكنه إثباتُ الاتهام الشديد الخطورة الذي تُوجِّهينه لها؟»
«بالتأكيد لا. ليس لديَّ دليل. إذا كان هناك شاهد، ما كان الأمرُ سيحدث. إن كان بإمكاني طلبُ المساعدة، ما كان هذا سيقع. كيف لي أن أمتلِكَ أيَّ دليل على مثلِ هذا الانتهاك؟»
«إذن، ألا ترَين أنه من المستحيل بالنسبة إليَّ أن أتخذَ إجراءً فيما يتعلَّق بكلامك الذي ليس عليه دليل؟ ألا ترين أن الآنسة لونجوورث ستطلب منك تقديمَ دليلٍ على ما قلتِه، إذا ما اتخذتِ خطواتٍ أخرى في هذه المسألة الغريبة؟ وإذا أنكرَت قيامها بما قلتِ إنها قد قامت به، وفَشِلتِ في إثبات ادِّعائك، فيبدو لي أنك ستكونين في موقفٍ صعب للغاية. إنك ستكونين معرَّضةً للمقاضاة بتهمة التشهير. فكِّري في الأمر بهدوءٍ لبقية اليوم قبل أن تتخذي أي إجراء آخر بشأنه، وأنصحُكِ بشدة بألا تذكري هذا الأمرَ لأي شخص على متن السفينة. ثم غدًا، إذا كنتِ لا تزالين على رأيك، فتعالي إليَّ.»
على إثر هذا، تركت السيدة الشابة غرفةَ القبطان وقابلَت فليمنج بالخارج الذي قال لها:
«آنسة بروستر، أريد أن أتحدثَ إليكِ. لقد كنتِ فظَّة جدًّا معي قبل قليل.»
«سيد فليمنج، أنا لا أريد أن أتحدث معك.»
«أوه، لا بأس … لا بأس؛ لكن دعيني أخبِرْك بالآتي: إنكِ شابة ذكية للغاية، وقد تسبَّبتِ في أذيتي بشدة مرةً أو مرتين في حياتك. وقد عرَفت كلَّ شيء عن هذا الأمر، وهو يُعَد من أطرفِ الأشياء التي سمعتُ بها.»
قالت السيدة الشابة بحدَّة: «طريف للغاية، أليس كذلك؟»
«بالطبع، إنه طريفٌ للغاية؛ لكن عندما يظهر بالتفصيل في الصحف المنافِسة لصحيفة «آرجوس»، ربما لن تُلاحظي مدى طرافته؛ رغم أن الجميع غيرَكِ في نيويورك سيفعل، وهذه إحدى سبُل العزاء.»
«ماذا تقصد؟»
«أقصد أن أقول يا جيني بروستر إن عليكِ أن تنسَيْ هذا الأمر إلا إذا أردتِ أن تَبْدي حمقاء. لا تدَعِي أحدًا، بحقِّ السماء، يعرف أنكِ عُوملتِ بالطريقة التي عوملتِ بها على يدِ فتاةٍ إنجليزية. خُذي بنصيحتي ولا تتحدَّثي عن هذا الأمر مرةً أخرى.»
«وما شأنك بهذا الأمر؟»
«لا شأن لي به على الإطلاق؛ وهذا هو سببُ تدخُّلي فيه. ألا تعرفيني بالقدر الكافي بحيث تُدركين أن لا شيء يُسعدني في هذه الدنيا أكثرَ من تدخلي في شئون الآخرين؟ لقد عرَفتُ كل شيء عن الفتاة التي حبسَتكِ، ويا له من فعلٍ شديد الشجاعة ذلك الذي قامت به. لقد رأيتُ تلك الفتاة على سطح السفينة، وأُعجِبتُ بسَمْتِها العام. لقد أُعجبتُ بطريقة مشيها. واستقلاليتُها تروق لي. إنها فتاة لن تُسبب لأي رجلٍ أيَّ مشكلة إن كان سعيدَ الحظ بالقدْرِ الكافي واستطاع اكتسابَ ثقتها. وأنا لستُ على استعداد لأن أرى هذه الفتاةَ تتعرض لأي مشكلة على يديك، أتُدركين هذا؟!»
«وهل لي أن أسأل كيف ستمنع ذلك؟»
«هل لكِ أن تسألي؟ بالطبع، لكِ هذا. سأُخبرك كيف سأمنعُ هذا. ببساطةٍ بمنعِك عن فعل أيِّ شيء آخرَ في هذا الأمر.»
«إذا كنت تعتقدُ أن بإمكانِك فعلَ هذا، فأنت مخطئٌ بشدة. أنا سأجعل تلك الفتاةَ تُوضَع في السجن، إذا كان هناك قانونٌ على الأرض.»
«حسنًا، أولًا: نحن لسنا على الأرض؛ وثانيًا: أنتِ لن تفعلي شيئًا من هذا القبيل لأنكِ إن فعلتِ، فسوف أذهب إلى مراسلي لندن التابعين لصحفِ نيويورك الأخرى وأُفصِح لهم عن قصتكِ اللعينة كاملةً. سأُخبرهم كيف أنَّ الآنسة دولي ديمبل الذكية والجميلة، التي خدعت العديد من الأشخاص في حياتها، قد حُبِسَت في غرفتها؛ وسأحكي لهم كيف حدثَ هذا. وسيكونون سعداءَ للحصول على هذه القصة، كوني واثقةً من هذا! سيكون هذا موضوعًا مثيرًا جدًّا للقراءة في الصحف المنافسة لصحيفتك في نيويورك في صباح أحدِ أيام الأحد الرائعة؛ وسيَظهر في عمودٍ ونصف، على ما أعتقد. ألن يكونَ هناك بعضُ الجدال في صحيفة «آرجوس» عندما يظهر هذا؟! إنه لن يكون بسبب عدمِ إرسالكِ للرسالة التي كان من المفترض أن تُرسليها، ولكن بسبب غبائك الشديدِ في نشر هذه القصة وجعل الصحف الأخرى تستغلُّها. إنَّ أفضل شيء يُمكنك فعله — وهو الشيء الوحيد الذي عليكِ فعلُه — هو أن تتكتَّمي قدرَ الاستطاعة على الأمر. أنا مندهشٌ من أن فتاةً ذكية مثلك، يا دولي، تُحدث جدلًا كبيرًا كهذا، عندما يجب أن تكون أولَ من تُحاول إبقاءه سرًّا.»
فكَّرَت المراسلةُ الصحفية في هذه الكلمات.
«وإذا تكتمْتُ على الأمر، فهل ستفعل أنت الشيء نفسَه؟»
«بالتأكيد؛ لكن يجب أن تتذكَّري أنكِ إن حاولتِ يومًا القيامَ بإحدى حِيَلِك للحصولِ على معلوماتٍ مني ثانيةً، فستخرج تلك القصةُ بالكامل للنور. لا تنسَي ذلك.»
قالت الآنسة جيني بروستر: «لن أفعل.»
وفي صباح اليوم التالي، بينما كان القبطان ينتظر بقلقٍ مجيئها إلى غرفته، لم تأتِ.