الفصل السادس والعشرون
كان لويليام لونجوورث عينان تُقدِّران الجمال. إن إحدى عينيه كانت بوجه عامٍّ تُغطَّى بقرص مستدير من الزجاج، إلا عندما كان القرص يسقط من مكانه ويتدلَّى أمام صدريته. وسواءٌ أكانت النظارة الأحادية تساعد ويليام في النظر أم لا، فمن المؤكد أنه كان يعرف الفتاةَ الجميلة بمجرد أن يراها. إن إحدى الخادمات في منزل لونجوورث قد تركَت العمل به فجأة، دون أيِّ سبب أو استفزاز واضح، كما يُقال، وقد حلَّت محلَّها فتاةٌ كانت جميلةً للغاية لدرجة أن ويليام لونجوورث عندما وقع بصرُه عليها، سقطت نظارته الأحادية من مكانها المعتاد، وأخذ يُحملق فيها بكلتا عينَيه الطبيعيتين، دون أن يحتاج إلى أيِّ مساعدة من نظارته الطبية. ولقد حاول الحديثَ إليها في المرة أو المرتين اللتين الْتقاها فيهما بمفردها؛ لكنه لم يحصل على ردٍّ منها؛ ذلك لأنها كانت خجولةً ومحتشمة للغاية، وتعرف حجمها، كما يُقال. كل هذا زاد من قيمتها في نظر لونجوورث الشاب، وقد أُعجِب بشدةٍ بقدرات ابنة عمه لاختيارها تلك الفتاةَ لنفضِ الغبار عن الأثاث.
كان لدى ويليام غرفةٌ في المنزل كانت جزئيًّا غرفةَ جلوس وجزئيًّا غرفةَ مكتب، وهناك، كان يحتفظ بالكثير من الأوراق الخاصة به. وقد كان من المفترض أن ينظر في مسائل العمل في تلك الغرفة، وقد أعطاه هذا عذرًا جيدًا لذَهابه متأخرًا إلى المكتب في الصباح. لقد كان يقول لعمه إنه يظل مستيقظًا حتى ساعاتِ الصباح الأولى؛ على الرغم من أنه أحيانًا كان يُغيِّر العذر ويقول إنه مِن الأهدأ العمل في المنزل مقارنةً بالعمل في حي السيتي وإنه قد قضى الجزءَ المبكِّر من الصباح في قراءة المستندات.
إن أول مرة حصَل فيها ويليام على ردٍّ من الخادمة الجديدة كانت عندما عبَّر عن قلقه بشأن العناية بغرفته. لقد قال إن الخدمَ بوجهٍ عام مهمِلون للغاية، وإنه يأمُل أن تعتنيَ بكل شيء، وأن تحرص على ترتيب أوراقه على نحوٍ دقيق. ووعدَت الفتاة، دون أن تنظر إليه، بأن تفعل هذا، ووجد ويليام بعد ذلك أن غرفته منظَّمة بشدة، الأمر الذي كان سيُسعد أكثرَ الأشخاص تدقيقًا.
في صباح أحد الأيام، بينما كان يجلس أمامَ طاولته، يستمتعُ بسيجارة بعد تناول الإفطار، انفتح البابُ برفق، ودخلَت الخادمة الجديدة. وعندما رأته هناك، بدا الارتباكُ عليها وكانت على وشك الخروج عندما وقف فجأةً على قدميه، ملقيًا سيجارته بعيدًا.
ثم قال: «لا، لا تذهبي؛ كنت على وشك استدعائك.»
توقفت الفتاة ويدها على الباب.
وأضاف: «نعم، كنتُ على وشك استدعائك، لكنك وفَّرتِ عليَّ عناءَ ذلك؛ لكن، بالمناسبة، ما اسمك؟»
ردَّت الفتاة بخجل: «سوزي، يا سيدي.»
«آه حسنًا، يا سوزي، فقط أغلقي الباب للحظة.»
لقد فعلَت الفتاة هذا، لكن على ما يبدو ببعض الممانعة.
قال ويليام بتبختُر: «حسنًا، يا سوزي، أعتقد أنني لست أولَ شخص يُخبركِ بأنك جميلة للغاية.»
قالت سوزي، بتورُّد وهي تنظر إلى البِساط: «أوه، يا سيدي!»
وأضاف ويليام: «نعم، يا سوزي، وأنت تعتنين بشدةٍ بهذه الغرفة لدرجة أنني أريد أن أشكركِ على هذا.»
وهنا، أخذ يتحسَّس جيبَه للحظة، وأخرج منه نصف جنيه ذهبي.
«هذا، يا فتاتي، مقابل تعبك. احتفظي به لنفسك.»
قالت الفتاة، وهي تتراجع للوراء: «أوه، أنا لا يمكنني أخذُ أي مال، يا سيدي.» ثم أردفت: «أنا لا يمكنني ذلك، يا سيدي!»
قال ويليام: «هراء! أليس هذا كافيًا؟»
«أوه، إن هذا كثيرٌ جدًّا. إن الآنسة لونجوورث تدفع لي مقابلًا جيدًا نظيرَ ما أقوم به من عمل، وإن من واجبي الحفاظَ على ترتيب الأشياء.»
«نعم، يا سوزي، هذا صحيح جدًّا؛ لكن القليل جدًّا منا يقوم بواجبه، كما تعلمين، في هذا العالم.»
ردت الفتاة، بنبرةٍ تنمُّ عن توبيخٍ مهذَّب جعلَت الرجلَ الشاب يبتسم: «لكنْ حريٌّ بنا أن نفعل ذلك، يا سيدي.»
رد: «ربما، لكننا لسنا جميعًا على نفس قدرك من الجمال والصلاح. أنا حزين لأنك لن تأخذي المال. وأرجو ألا تتضايقي مني لعرضه عليكِ.» وعدل نظارته، وأخذ ينظر باهتمام شديدٍ إلى الفتاة التي كانت تقف أمامه.
قالت: «أوه، لا، يا سيدي، أنا لست متضايقة على الإطلاق، وأشكرك شكرًا جزيلًا، في واقع الأمر، يا سيدي، وأود أن أسالك سؤالًا، راجيةً ألا تعتقد أنني أتجاوزُ حدودي.»
رد ويليام: «تتجاوزين حدودك؟» ثم أردف: «أعتقد أنكِ أخجل فتاة رأيتها في حياتي. يُسعدني كثيرًا الإجابة عن أي سؤال قد تطرحينه عليَّ. ما سؤالك؟»
«دعني أوضِّحْ لك، يا سيدي، أنني أمتلكُ القليل من المال.»
«في الواقع، أعتقد، يا سوزي، أن هذا مثير جدًّا للاهتمام. لم أكن أعرف أنك وارثة.»
قالت سوزي، وهي تنحني له احترامًا انحناءةً بسيطة خجولة، ظن أنَّها رائعةٌ للغاية: «أوه، لستُ وارثة، يا سيدي … الأمر بعيد كل البعد عن هذا. إنه فقط مبلغٌ صغير يصل إلى أربعمائة أو خَمسمائة جنيه، يا سيدي.» ثم أردفت: «إن هذا المبلغ مودعٌ في البنك، ولا يُدِر أيَّ عائد، وأودُّ استثماره في شيء يُدِر عائدًا لي.»
«بالتأكيد، يا سوزي، وتلك رغبةٌ من جانبك تستحقين عليها الثناء الشديد. أعَنْ هذا كنتِ تودين سؤالي؟»
«نعم، إذا سمحت، يا سيدي. رأيتُ تلك الورقة على مكتبك، ورأيت أن أسألَك ما إذا كان وضعُ أموالي في تلك المناجم استثمارًا آمنًا بالنسبة إليَّ، يا سيدي. اعتقدت، عندما رأيت تلك الورقة هنا، أنَّ لك علاقةً بهذا الأمر.»
أطلق ويليام صافرة طويلة متشكِّكة، ثم قال:
«إذن، أنتِ كنتِ تطَّلعين على أوراقي، أليس كذلك، يا آنسة؟»
ردَّت الفتاة، ناظرةً إليه بفزع: «أوه لا، يا سيدي.» ثم أردفت: «أنا فقط رأيتُ اسم «منجم الميكا الكندي» على هذه الورقة التي كانت تقول إنه سيُدِر ربحًا قدرُه عشَرةٌ بالمائة، وظننت، إن كانت لك أيُّ علاقة بهذا الأمر، أن استثمارَ أموالي فيه سيكون آمنًا بشدة.»
رد ويليام: «أوه، هذا لا شكَّ فيه، لكنني لو كنتُ مكانك، يا عزيزتي، لم أكن لأضعَ أموالي في منجم الميكا.»
«أوه، إذن، أنت ليس لك أي علاقة بالمنجم، أليس كذلك، يا سيدي؟»
«بلى، يا سوزي، أنا لي علاقةٌ بالأمر. كما تعلمين، الحمقى يبنون البيوت، والحكماء يَسكنون فيها.»
قالت سوزي متأملة: «لقد سمعتُ هذا من قبل.»
قال الرجل الشاب، بابتسامةٍ جميلة: «في الواقع، هناك شخصان أحمقان يَبنيان المنزلَ الذي سنَدْعوه منجم الميكا الكندي، وأنا الشخص الحكيم، ألا ترَيْن ذلك، يا سوزي؟»
«أخشى أنني لا أفهم تمامًا، يا سيدي.»
ردَّ الشاب، وهو يضحك: «أنا لا أظن أن هناك الكثيرين الذين يُمكنهم فعلُ هذا؛ لكنني أعتقد أنني في غضون شهر سأمتلك منجمَ الميكا هذا، وحينها، يا عزيزتي، إن كنتِ لا تزالين تريدين الحصولَ على سهم أو اثنين فيه، فسيُسعدني بشدة إعطاؤك بضعةِ أسهم دون أن تدفعي أي أموال على الإطلاق.»
قالت سوزي باندهاش وسعادة: «أوه، هل ستفعل، يا سيدي؟ ومَن يملك المنجم الآن؟»
«أوه، رجلان؛ لن تعرفي اسمَيهما إن أخبرتُكِ بهما.»
«وهل سيبيعانه لك، يا سيدي؟»
ضحك ويليام بشدة، وقال:
«أوه لا! إنهما نفسيهما سيُباعان.»
«لكن كيف يمكن أن يحدث هذا إن كانا لا يملكان المنجم؟ كما ترى، أنا فقط فتاةٌ غبية جدًّا، ولا أفهم في أمور الأعمال. وهذا ما جعلني أسألك عن أموالي.»
«أنا لا أعتقد أنكِ تعرفين ما هو عقدُ خيار الشراء، أليس كذلك، يا سوزي؟»
«نعم، يا سيدي، لا أعرف؛ أنا لم أسمع به قطُّ.»
«حسنًا، هذان الشابان لديهما ما يُسمَّى بعقد خيار شراء على المنجم، وهذا يعني أن عليهما دفْعَ مبلغٍ معيَّن من المال في غضونِ وقتٍ معيَّن حتى يتَملَّكا المنجم؛ لكن إن لم يدفعا هذا المبلغ في غضون الوقت المحدد، فلن يتملكاه.»
«ألنْ يدفعا هذا المبلغ، يا سيدي؟»
«نعم، يا سوزي، إنهما لن يفعلا ذلك؛ لأنهما لم يحصلا عليه. ثم إن هذين الأحمقَين سيُباعان؛ لأنهما يعتقدان أنهما سيحصلان على المبلغ، ولكن هذا لن يحدث.»
«وأنت لديك المالُ اللازم لشراء المنجم عندما تنتهي مدة عقد خيار الشراء، يا سيدي.»
قال ويليام باندهاش: «يا إلهي! لديك عقلية جبارة تصلح لمجال الأعمال، يا سوزي؛ لم أرَ قطُّ أحدًا فهم هذا الأمرَ بتلك السرعة. سيكون عليكِ الحصولُ على بعض الدروس على يدي، ثم دخول السوق وتجرِبة نفسك.»
«أوه، أودُّ أن أفعل هذا، يا سيدي … أود ذلك بالفعل.»
رد ويليام بلطف: «حسنًا، كلما توفَّر لديك الوقت، تعالَي إليَّ، وسأُعطيكِ دروسًا.»
اقترب الشاب منها، وأمسك بيدها، لكن الفتاة انسلَّت منه وفتحت الباب.
قال لها هامسًا: «أعتقد أنَّ عليكِ أن تُعطيني قُبلةً بعد كل تلك المعلومات القيِّمة التي أعطيتها لكِ.»
صاحت سوزي، بفزع: «أوه، سيد ويليام.»
تقدَّم باتجاهها، وحاول الإمساك بها، لكن الفتاة كانت سريعة الحركة بشدةٍ مقارنةً به، وخرجَت بسرعةٍ إلى الممر.
قال ويليام متذمرًا: «هذا بالتأكيد هو الحصول على معلومات بالخداع؛ أنت تعلمين أنني أنتظر أجري.»
ردَّت الفتاة وهي تضحك بصوت خفيض: «وسوف تحصل عليه عندما أحصلُ على الأرباح التي تبلغ نسبةَ عشرةٍ بالمائة على أموالي المستثمَرة.»
قال لنفسه بينما كان يدخل غرفته ثانيةً: «يا إلهي! سأعمل لضمان حصولكِ عليها. إنها ماهرة مثل سمسار خارجي.»
عندما غادر لونجوورث الشابُّ المنزلَ متجهًا إلى مكتبه، كنست سوزي غرفتَه ثانيةً ونفضت الغبار عنها، ثم نزلت إلى الطابق السفلي.
وسألت أحد الخدم: «أين سيدة المنزل؟»
كان الرد: «في المكتبة.» لذا، ذهبَت سوزي إلى المكتبة، ودخلَت الغرفة دون أن تطرق الباب، مما أثار بشدةٍ دهشةَ إديث لونجوورث التي كانت تجلس بالقرب من النافذة وعلى حجرها أحد الكتب. لكن كان هناك المزيدُ من الاندهاش في انتظار سيدة المنزل. لقد أغلقت الخادمة الباب، ثم اختارت أحد الكراسي المريحة وألقت بنفسِها عليه ثم قالت متأوهة:
«أوه، يا إلهي! لقد مللتُ بشدة.»
قالت الآنسة لونجوورث: «سوزي، ما معنى هذا؟»
ردت سوزي: «هذا يعني، يا سيدتي، أنني سأُنهي هذا.»
قالت الآنسة لونجوورث، باندهاش: «ستفعلين ماذا؟»
«سأنهي هذا. ألا تفهمين؟ سأُنهي هذا الوضع. لقد مللت منه.»
قالت السيدة الشابة، وهي تقف: «رائع جدًّا؛ عليكِ أن تُخطِريني بذلك بالطريقة اللائقة. ولا يحقُّ لكِ الدخولُ إلى هذه الغرفة بتلك الطريقة الوقحة. هلا تتكرَّمين بالذَّهاب إلى غرفتكِ؟»
ردت سوزي: «يا إلهي! يُمكنكِ تصنُّعُ فعلِ الشيء المحترم! يجب أن أتمرَّن وأرى إن كان بإمكاني اتخاذُ موقفٍ مثل هذا. إن كنتِ أجملَ قليلًا، يا آنسة لونجوورث، لكان يجب أن أصفَ هذا بأنه مذهل.» ومالت الفتاة برأسها للخلف وضحكت.
أثارت الضحكةُ شيئًا في ذاكرة الآنسة لونجوورث، وانتابتها قُشَعريرة من الخوف؛ لكنها عندما نظرَت ثانيةً إلى الفتاة، وجدَت أنها مخطئة. أخذَت سوزي تقفز لأعلى، وهي لا تزال تضحك، وفكَّت دبوسًا من القبعة الصغيرة التي كانت ترتديها، ورمَته على الكرسي؛ ثم خلعت شعرها المستعار، وكشفَت عن شخصيتها الحقيقية لإديث لونجوورث.
قالت إديث المندهشة بصوت لاهث: «آنسة بروستر!» ثم أضافت: «ما الذي تفعلينَه في بيتي بهذا التنكُّر؟»
ردَّت جيني: «أوه، أنا خادمةٌ هاوية. ما رأيك في تمثيلي لهذا الدور؟ والآن، اجلسي، يا مَن تدَّعين الاحترام، وسأُخبرك بشيء بشأن أُسرتك. كنت أعتقد أنكم مجموعةٌ من الأوغاد، والآن، بإمكاني إثباتُ ذلك.»
صاحت إديث، في غضب: «هلا تتركين بيتي فورًا؟» ثم أردفَت: «لن أستمع إليكِ.»
ردت جيني: «أوه لا، ستفعلين؛ إذ إنني سأحذو حذْوَك، ولن أسمحَ لكِ بالخروج حتى تسمعي ما أود أن أخبركِ به.»
وبعد أن قالت الخادمة الهاوية هذا، جرَت برشاقة إلى الباب، وأسندت ظهرها إليه.