الفصل الثامن والعشرون
في أحد الأيام، عندما دخل كينيون إلى المكتب، قال له السكرتير:
«لقد أتى الرجل الشابُّ هذا إلى هنا مرتين لرؤيتك. لقد قال إن الأمر مهمٌّ للغاية، يا سيدي.»
«مَن الرجل الشاب هذا؟»
«الرجل — ها هي بطاقته — الذي ينتمي لصحيفة «فاينانشال فيلد»، يا سيدي.»
«هل ترك أيَّ رسالة؟»
«نعم، يا سيدي؛ لقد قال إنه سيأتي إلى هنا ثانيةً في الساعة الثالثة.»
قال كينيون: «رائع للغاية.» وبدأ يُحضِّر خطابه للمساهمين المنتظَرين.
وفي الساعة الثالثة، حضر الصحفي الأنيق الهادئ المنتمي لصحيفة «فاينانشال فيلد».
وقال: «آه، سيد كينيون، أنا مسرورٌ للقائك. لقد أتيتُ إلى هنا مرتَين، لكن لم يُسعِدْني الحظُّ لإيجادك. هل يمكنني أن أتحدث إليك على انفرادٍ للحظات؟»
رد كينيون: «نعم.» ثم أردف: «هيا بنا إلى غرفة المديرين.» وذهب الاثنان إلى غرفة المديرين، وأغلق كينيون الباب وراءهما.
قال مندوبُ صحيفة «فاينانشال فيلد»: «والآن، لقد أحضرتُ لك مسوَّدة المقال الذي نريد نشره، والذي طلَب مني مالكُ الصحيفة أن أُرِيَك إياه، حتى يكون، إن كان هذا ممكنًا، خاليًا من الأخطاء. إننا نتطلَّع بشدةٍ في صحيفتنا لإخراج كلِّ شيء على نحوٍ صحيح.» وهنا، أعطى لجون قطعةَ ورق طويلةً بها عمودٌ من المادة المطبوعة.
كان عنوان المقال هو «الشركة الكندية المحدودة لمنجم الميكا». وتناول المقالُ حالَ المنجم، والدخل الذي كان يُدِره، والفرصَ المتاحة للمستثمرين للحصول على عائدٍ جيد على أموالهم من خلال شراء الأسهم. قرأ جون المقال بالكامل بعناية.
ثم قال: «هذا مقالٌ رائع للغاية، ولا يوجد به أي خطأ، بحسَب ما أرى.»
رد الشاب، وهو يَطْوي المسودة ويضعها في جيب المعطف الداخلي: «أنا سعيدٌ لرأيك هذا.» ثم أضاف: «والآن، وكما قلت من قبل، على الرغم من أنني لست مندوبَ إعلان لصحيفة «فاينانشال فيلد»، فقد أردتُ أن أراك بشأن عمل إعلان عن الشركة لصالح الصحيفة.»
«حسنًا، يجب أن تعلم أننا لم نعقد بعدُ اجتماعًا للمساهمين المنتظَرين، ومن ثَم لسنا في وضعٍ يسمح لنا بعمل أي إعلانات عن المنجم. أنا ليس لديَّ شكٌّ في أننا سنقوم بعمل إعلانات، وبالطبع، ستكون صحيفتك من أوائل الصحف التي سنضعُها في الاعتبار عند التفكير في ذلك.»
قال: «أوه، هذا ليس مُرضيًا لنا. لدينا نصف صفحة خالية لعدد يوم الإثنين، وهو أفضلُ مكان في الصحيفة، وقد كان مالكُ الصحيفة يظنُّ أنك سترغب في حجزِه.»
«كما قلتُ منذ لحظة، لسنا في وضعٍ يسمح لنا بحجزه. من السابق لأوانه الحديث عن الإعلان في ظل الوضع الحالي.»
«أعتقد أنه سيكون في صالحك أن تحجز نصف الصفحة. سيكون المقابل ثلاثمائة جنيه، وإلى جانب هذا المبلغ، نودُّ الحصول على بعض الأسهم في الشركة.»
«هل تقصد أن ندفع ثلاثَمائة جنيه من أجل إدراج إعلانٍ لمرة واحدة فقط؟»
«نعم.»
«ألا ترى أن هذا المقابل مبالَغٌ فيه بشدة؟ إن توزيع صحيفتك محدود نسبيًّا، ولا يُطلَب مثلُ هذا المقابل حتى في الصحف اليومية الكبيرة.»
«آه، سيدي العزيز، الصحف الكبيرة مختلفةٌ إلى حدٍّ كبير. صحيح أن لها توزيعًا كبيرًا، لكن توزيعها ليس من النوع الذي لدينا. لا توجد أيُّ صحيفة تُوزَّع على نحوٍ كبير بين المستثمرين مثل صحيفة «فاينانشال فيلد». إنها تُقرَأ من قِبَل نوعية الأشخاص الذين ترغب في الوصول إليهم، وأستطيع القول إنك لا يُمكنك، إلا من خلال صحيفتنا، الوصولُ إلى بعضٍ من أفضل الرجال في حي السيتي.»
«حسنًا، مع التسليم بكل هذا، وكما قلت قبل ذلك مرة أو مرتين، نحن لسنا بعدُ في وضعٍ يسمح لنا بعمل إعلان.»
«إذن، يُؤسفني بشدة أن أقول إننا لا يُمكننا، في يوم الإثنين، نشرُ المقال الذي أريتُك إياه.»
«رائع جدًّا؛ لا حيلة لي في هذا. أنتم لستم مجبرين على نشره إلا إذا كنتم ترغبون في ذلك. وأنا لستُ متأكدًا أيضًا من أن نشر المقال يوم الإثنين سيُفيدنا بأيِّ نحو. سيكون هذا سابقًا لأوانه، كما قلت. نحن لسنا مستعدِّين بعدُ للسعي وراء الإعلان حتى نعقد أول اجتماع لمساهمينا المنتظرين.»
«متى سيكون أولُ اجتماع للمساهمين؟»
«يوم الإثنين، في الساعة الثالثة.»
«رائعٌ للغاية، يمكننا وضع هذا الإعلان في عمودٍ آخر، وأنا متأكد من أنك ستجد أن عدد الحاضرين في اجتماعك سيزيد على نحوٍ كبير وملائمٍ جدًّا.»
«ربما؛ لكنني لن أفعل أي شيء إلا بعد الاجتماع.»
«أعتقد أنك ستستفيد الكثيرَ إن أخذت نصف الصفحة هذه.»
«أنا لا أشك في صحةِ ذلك على الإطلاق. أنا فقط أقول ما قلتُه للآخَرين، وهو أننا لسنا على استعدادٍ للتفكير في مسألة الإعلان.»
«أنا حزينٌ لعدم استطاعتنا التوصل إلى اتفاق، يا سيد كينيون … حزينٌ للغاية، في واقع الأمر.» وبعد أن قال هذا، أخرج مسودة أخرى من جيبه، وأعطاها لكينيون. ثم أضاف: «إن لم نستطِع الوصولَ إلى اتفاق، فالمدير مُصرٌّ على نشرِ هذا، بدلًا من المقال الذي أريتُك إياه. هلا تتكرَّم وتلقي نظرة عليه؛ لأننا نودُّ أن يكون صحيحًا قدْرَ الإمكان؟»
فتح كينيون عينَيه، وبسط الورقة. لم يتغيَّر العنوان، لكنه ما إن قرأ جملة أو اثنتين حتى اكتشف أن المقال يقول إن منجم الميكا كان يُعَد إحدى كُبرى عمليات الاحتيال التي يتعرض لها أهل المال الأبرياء المساكين في لندن!
قال جون، وهو ينظر إليه، بغضبٍ شديد: «هل تقصد القول إنني إن لم أَرْشُكم بدفع ثلاثمائة جنيه، إلى جانب إعطائكم عددًا غيرَ محدَّد من الأسهم، فستنشرون هذا التشهير؟»
قال الشاب بهدوء: «أنا لا أقول إن هذا تشهير؛ إذ إن هذا أمر تُقرره المحاكم. يُمكنك مقاضاتنا بتهمة التشهير، إن ظننتَ أننا عاملناك بطريقةٍ سيئة. أستطيع القول إن هذا قد جرَت محاولته عدة مرات، لكن دون تحقيق أيِّ نجاح ملحوظ.»
«لكن هل تقصد أن تقول إنكم تنوون نشر هذا المقال إن لم أدفع لكم الثلاثمائة جنيه؟»
«نعم؛ دعني أصُغْ بصراحة، هذا تمامًا ما أقصده.»
قام كينيون غاضبًا وفتح الباب بقوة.
«يجب أن أطلب منك ترك هذا المكان، وعليك تركُه في الحال. إن جئتَ إلى هنا مرة أخرى بينما أكون موجودًا، فسأستدعي أحد رجال الشرطة وأجعله يطردك!»
رد عليه الآخر بلباقة: «سيدي العزيز، إنها فقط مسألةٌ خاصة بالعمل. إن وجدتَ أنه من المستحيل التعاملُ معنا، فلا مشكلة في ذلك. إن كانت صحيفتنا لا تأثير لها، فلن نستطيع بأيِّ حال أن نضرَّك. هذا، بالطبع، متروك لك الحكم عليه بالكامل. وفي أيِّ وقت من الآن وحتى ليلة الأحد، إنْ قررتَ أن تتصرف على نحوٍ آخَر، فإنَّ برقيةً لمكتبنا ستُؤجل الأمور حتى تُتاح لنا الفرصةُ للوصول إلى اتفاق معك. وفي حالة عدم حدوث هذا، فسيُنشَر هذا المقال صباحَ يوم الإثنين. أتمنى لك يومًا سعيدًا جدًّا، يا سيدي.»
لم يقُل جون شيئًا، لكنه راقب زائره حتى وصل إلى الرصيف، ثم عاد لإعداد تقريره.
وفي صباح يوم الإثنين، بينما كان كينيون آتيًا بالقطار، لمحت عيناه ملصقًا جذابًا على واحدةٍ من اللوحات الإعلانية بالمحطة. كان عُنوانه «فاينانشال فيلد»، وكان مكتوبًا في السطر التالي، بأحرف سوداء سميكة، «عملية الاحتيال الخاصة بمنجم الميكا»، ونادى كينيون على بائع الصحف واشترى منه نسخةً من الصحيفة. وجد أمامه، بمسافةٍ رأسية كبيرة بين السطور، المقال. لقد بدا، على نحوٍ ما، أكثرَ أهمية بكثيرٍ في الصفحة المطبوعة مما بدا في المسودة.
وبينما أخذ يقرؤه، لاحظ فيه بعضَ الصدق الذي كان قد فاته أثناء النظرة السريعة التي ألقاها عليه يومَ الجمعة. لقد ذكر المقالُ أن شركة المناجم النمساوية قد خَسِرت قدرًا كبيرًا من المال في المنجم، وأنها لم تدفع قطُّ أيَّ أرباح؛ وأنها واصلَت فقط تحمُّلَ الخسارة على أمَل أن تستطيعَ الاحتيال على بعض المستثمرين الواثقين فيها؛ لكن حتى تلك المخطَّطات لم تكن لتُقارَن بالفعل الشديدِ الحقارةِ الذي يسعى جون كينيون للقيام به. لقد توقف لالتقاطِ أنفاسه عندما رأى اسمه في الصحيفة. كانت هذه صدمةً لم يكن مستعدًّا لها؛ لأنه لم يُلاحظ اسمه في المسودة. ثم تابع القراءة. بدا أن هذا الرجل، كينيون، قد حصل على حقِّ شراء المنجم بمبلغٍ يصل لنحو عشرة آلاف جنيه، وكان يُحاول أن يُقنع البريطانيِّين العاثِري الحظ بشرائه بزيادة هائلة في الثمن بحيث يصل إلى مائتي ألف جنيه؛ لكن تلك المحاولة البشعة ستُحبَط بلا شك ما دامت هناك صحفٌ نزيهة مثل «فاينانشال فيلد» يُمكنها تحمُّلُ مُخاطرة وتكلفة كشفٍ، كالذي هو مذكورٌ هنا.
كان المقال يتضمَّن تركيزًا شديدًا على كينيون. لقد أخذ كينيون يقرؤه ويُعيد قراءته في ذهول، كما لو كان يتحدث عن شخصٍ آخر، ولم يستطِع منع نفسه من الحزن على هذا الشخص.
كان لا يزال يحمل الصحيفة في يده بينما كان يسير في الشارع، وكان يشعر بالخَدر والدُّوار كما لو أن شخصًا قد ضربه على رأسه. كان على وشك أن يُصدَم أثناء عبوره لأحد الشوارع، وسمع سيلًا من السباب موجَّهًا إليه من سائق إحدى عربات الأجرة ورَجُلٍ في إحدى الحافلات؛ لكنه لم يُعِرهما انتباهًا، وأخذ يسير وسط الحشود وكأنه واقعٌ تحت تأثير سحر.
تجاوَز بابَ مقرِّ عمله الفخم لدى وصوله إليه، وسار بعض المسافة للأمام في نفس الشارع قبل أن يُدرك ما فعله. ثم عاد أدراجَه مرة أخرى، وعند عتبة الباب تمامًا، توقف وهو يشعر بوخز في صدره.
وقال لنفسه: «ماذا لو قرأَت إديث لونجوورث هذا المقال؟»