الفصل الثاني والثلاثون
على الرغم من أن السفينة البخارية التي كانت تُقِلُّ كينيون إلى أمريكا كانت واحدةً من أسرع السفن البخارية التي تُسافر عبر المحيط الأطلنطي، فإن الرحلة كانت كئيبةً على نحوٍ لا يُوصَف بالنسبة إليه. لقد قضى معظمَ وقته وهو يسير جَيئةً وذَهابًا على متن السفينة، ويُفكر في الرحلة الأخرى التي كان على متنها قبل أربعة أسابيع. إن العزاء الوحيد في الرحلة الحاليَّة هو سرعتها.
عندما وصل إلى فندقه في نيويورك، سأل إن كانت هناك أيُّ رسائل قد وصلَت له هناك، فأعطاه الموظَّف مظروفًا، وقد فتحَه على الفور. كانت برقيةً من ونتوورث، بها الكلمات الآتية:
«لونجوورث في ونزر. اذهب إلى أوتاوا على الفور. جدِّد عقد الخيار. إن لونجوورث يخدعنا.»
عقد جون حاجبَيه وتساءل عن مكان ونزر. لاحظ الموظفُ حيرته فسأله إن كان بإمكانه أن يُسدِيَه أي مساعدة.
«لقد تلقيتُ هذه البرقية، لكنني لا أفهمها تمامًا. أين تقع ونزر؟»
«أوه، هذا يعني فندق ونزر. إنه بعدنا في الشارع نفسِه.»
أنهى كينيون إجراءاتِ الدخول إلى الفندق وطلب من الموظَّف أن يُرسل متاعه إلى الغرفة التي سيُقيم بها عندما يأتي. ثم خرج من الفندق وأخذ يبحث عن فندق ونزر.
وجد ذلك الفندق الكبير، وكان قد بدأ لتوِّه يسأل الموظفَ إن كان يوجد شخصٌ يُقيم هناك باسم السيد لونجوورث، عندما ظهر هذا الرجلُ عند مكتب الاستقبال وأخذ بعض الرسائل ومفتاحه.
ربَّت كينيون على كتفه.
استدار لونجوورث الشابُّ بابتهاجٍ أكبرَ مما يُبديه في المعتاد، وأطلق صافرةً طويلة تنمُّ عن الاندهاش عندما رأى مَن يكون.
وقال: «باسم كل الآلهة، ما الذي تفعله هنا؟» ثم، وقبل أن يستطيعَ كينيون الردَّ، قال: «تعالَ إلى غرفتي.»
ذهبا إلى المصعد وصعدا بضعة أدوار، ومرَّا عبر ردهة بدا أنها لا نهايةَ لها، كانت مفروشةً بمادةٍ حاجزة للصوت تمنع صدورَ أيِّ صدًى لوقْع الأقدام. وضع لونجوورث المفتاح في باب غرفته وفتحه. ثم دخلا غرفة كبيرة ورائعة.
وقال: «حسنًا، هذه مفاجأة. ما السبب الذي جعلك تأتي إلى هنا؟ هل حدثَت أيُّ مشكلة في لندن؟»
«لم تحدث مشكلة، بحسَب علمي. لم نستقبل أيَّ برقية منك، وظننَّا أنه قد تكون هناك بعضُ العقَبات التي صادفتك في أداء مهمتك؛ ولذا، جئتُ إلى هنا.»
«آه، فهمت. أرسلتُ برقية على عُنوانك، وقلت فيها إنني أُقيم في ونزر لبضعة أيام. لقد أرسلت برقيةً يقترب طولها من طول الرسالة، لكن يبدو أنها لم تكن ذاتَ جدوى.»
«لا، لم أستلمها.»
«وما المشاكل التي تتوقع أن تحدث هنا؟»
«هذا ما لا أعرفه. علمتُ أنه قد مضى ١٢ يومًا منذ مجيئك من لندن إلى أوتاوا ومشاهدتِك للمنجم. ونظرًا إلى أنني أنا وونتوورث لم نستقبل منك أيَّ رسائلَ في غضون ذلك الوقت، ولأننا كنَّا نعلم أن مدة العقد على وشك الانتهاء، فقد شعرنا بالقلق ولذا جئتُ إلى هنا.»
«تمام. حسنًا، أخشى أن رحلتك كانت بلا جدوى.»
«ماذا تقصد؟ أليس كلُّ ما قلتُه عن المنجم صحيحًا؟»
«أوه، المنجم رائع؛ كل ما قصدتُه أنه لم تكن هناك ضرورةٌ حقيقية لمجيئك.»
«لكن، كما تعرف، عقد الخيار سينتهي بعد مدَّة قصيرة جدًّا.»
«حسنًا، عقد الخيار، شأنه شأن المنجم، لا مشكلة فيه. أعتقد أنه ما كان سيحدث شيءٌ لو تركتما الأمر في يدي.»
يجب الإقرارُ بأن جون كينيون قد بدأ يشعر أنه تصرَّف بتهور غيرِ مقبول عندما قام بتلك الرحلة الطويلة.
«هل السيد ميلفيل معك هنا؟»
«لقد عاد ميلفيل إلى الوطن. لم يكن لديه وقتٌ للبقاء لمدة أطول. كل ما أراده هو أن يتأكَّد من المعلومات التي لديه عن المنجم. وقد تأكَّد منها، وعاد إلى الوطن. لو كنتَ الآن في لندن، لاستطعتَ أن تراه.»
«هل قابلت السيد فون برينت؟»
«نعم، لقد أخذَنا إلى المنجم.»
«وهل قلت له أيَّ شيء عن عقد الخيار؟»
«حسنًا، تحدثنا قليلًا عنه. لن تكون هناك أيُّ مشكلة بشأنه. ما يُريده فون برينت هو بيع منجمه، هذا كل ما في الأمر.» مرت بضع لحظات من الصمت، ثم قال لونجوورث: «متى ستعود؟»
«لا أعرف. أعتقد أن عليَّ رؤيةَ فون برينت. أنا لست مرتاحًا على الإطلاق لترك الأمور على ما هي عليه الآن. أعتقد أنني يجب أن أحصل على تجديدٍ لعقد الخيار. ليس من الحكمة تلك المخاطرةُ التي نقوم بها الآن. قد يحصل فون برينت في أي وقت على عرضٍ لبيع منجمه، بينما نقوم نحن بتأسيس الشركة، وبالطبع، إن لم يجرِ تجديد عقد الخيار، فإنه سيبيعه لأولِ رجل يُعطيه مقابله نقدًا. كما قلت، إن كل ما يريده هو أن يبيعَ منجمه.»
كان لونجوورث منشغلًا بفتح رسائله، وعلى ما يبدو لم يكن يُبدِ اهتمامًا كبيرًا بما كان يقوله كينيون. لكنه في النهاية قال:
«لو كنتُ مكانك — إن أردتَ أن تحصل على نصيحتي — لَعدتُ مباشرةً إلى إنجلترا. لن تستفيد أيَّ شيء بالبقاء هنا. لقد قلتُ ذلك فقط حتى أوفر عليك الجهد والوقت والمال.»
«ألا تظن أنه سيكون من الأفضل الحصولُ على تجديدٍ لعقد الخيار؟»
«أوه، بالتأكيد؛ لكن، كما قلتُ لك من قبل، لم يكن من الضروري على الإطلاق مجيئُك إلى هنا. بالإضافة إلى ذلك، أستطيع القول إن فون برينت لن يُجدد عقدَ الخيار دون دفع مبلغٍ محترم مقدمًا، وهو الذي سيضيع إن لم تُؤسَّس الشركة. هل لديك المال الذي ستدفعه له؟»
«لا، ليس لدَي.»
«رائع جدًّا، إذن، لماذا تُضيع الوقت والمال بالذَّهاب إلى أوتاوا؟» عقد السيد لونجوورث الشابُّ حاجبيه وحدَّق في جون عبر نظارته. ثم أضاف: «سأدَعُك تحصل على نصيبي في الصفقة، إن كان هذا سيُجدي نفعًا.»
«كم من المال يريده فون برينت؟»
«كيف لي أن أعرف؟ لِأَصدُقَك القول، سيد كينيون — والصدق لا يُؤذي، أو يجب ألا يفعل هذا — أنا لا يعجبني على الإطلاق تلك الزيارةُ لأمريكا. أنت والسيد ونتوورث كنتما تشكان فيَّ من البداية. ولم يسعَ أيٌّ منكما قط لإخفاءِ ذلك. إن وجودك في أمريكا في هذا التوقيت ليس سِوى إهانةٍ لي. أنا أعتبرها كذلك.»
رد كينيون: «لا أنوي توجيه أيِّ إهانة لك إن كنتَ تتعامل بأمانةٍ معي.»
«ها هو ذا الأمر قد برَز ثانيةً. تلك الملاحظة تُعَد إهانة. إن كل شيء تقوله يُشير إلى رأيك فيَّ. أود ألا أقول لك المزيد. لقد أعطيتك نصيحتي بأنه من الأفضل لك، ومن الأرخص أيضًا، أن تعود إلى لندن. أنت لا تحتاج إلى اتباعها إلا إذا كنتَ تريد ذلك. أنا ليس لديَّ أيُّ شيء آخر لأقوله لك؛ ولذا، فيُمكنك اعتبارُ هذا اللقاء منتهيًا.»
«وماذا عن المنجم؟»
«أعتقد أن المنجم سيُسيِّر أموره بنفسه.»
«هل تعتقد أن تلك معاملة مهذَّبة لشريكٍ في العمل؟»
«سيدي العزيز، أنا لا آخذ دروسي عن التهذيب منك. إن رضاءك أو عدمَ رضائك عن معاملتي لك أمرٌ لا يعنيني على الإطلاق. لقد سئمتُ من الوجود في جوٍّ من الشك، وقد طفح بي الكيلُ من ذلك؛ هذا كل ما في الأمر. أنت تعتقد أنَّ هناك شيئًا يُدبَّر في الخفاء ضدك — أنت والسيد ونتوورث تعتقدان ذلك — ومع ذلك، ليس لديكم من «البراعة»، كما يُسمُّونها هنا، أو الذكاء ما يُتيح لك اكتشافَه. دعني أقُل لك إن على الرجل الذي لديه شكوكٌ لا يستطيع إثباتَ صحتها أن يحتفظ بها لنفسه حتى يُمكنه إثباتُها. هذه هي نصيحتي لك. أتمنى لك يومًا طيبًا.»
سار جون كينيون عائدًا إلى فندقه، ولديه هواجسُ أكثر من ذي قبل. كتب رسالة إلى ونتوورث ذكَر فيها تفاصيل الحوار الذي دار بينه وبين لونجوورث، وأخبره أن ميلفيل رحل عائدًا للوطن، ونصحه بأن يراه عندما يصل. ولقد بقي كينيون تلك الليلة في نيويورك، وأخذ قطار الصباح المتجهَ إلى مونتريال. وفي الوقت المناسب، وصل إلى أوتاوا، وتوجَّه لزيارة فون برينت. ووجد الرجل في مكتبه، وبدا كما لو أنه لم يُغادِرْه قط منذ أن تم التوقيع على عقد الخيار. لم يتعرف فون برينت في البداية على زائره، وبعد أن حملق فيه للحظة، قام من كرسيِّه وسلَّم عليه.
وقال: «أنا بالفعل لم أتعرَّف عليك؛ لقد تغيرتَ كثيرًا منذ آخر مرة رأيتُك فيها. تبدو متعبًا ولستَ على ما يُرام على الإطلاق. ما بك؟»
«لا أعتقد أنَّ هناك شيئًا بي. أنا في صحة جيدة جدًّا، شكرًا لك؛ لديَّ بعض المشاكل الخاصة بالعمل، هذا كل ما في الأمر.»
قال فون برينت: «آه، نعم؛ أنا حزين جدًّا في واقع الأمر على أنك فشلتَ في تأسيس شركتك.»
ردَّد كينيون ما قاله: «فشلت!»
«نعم؛ إنك لم تنجح في ذلك، أليس كذلك؟»
«حسنًا، أنا لا أعتقد أن هذا صحيح؛ إننا على الأرجح سننجح في ذلك. لقد قابلتَ لونجوورث وميلفيل، اللذين أتَيا لرؤية المنجم، أليس كذلك؟ لقد قابلتُ لونجوورث في نيويورك، وقال لي إنك قد أخذتَهما إلى هناك.»
«هل هما مهتمَّان معكما بأمر المنجم؟»
«بالتأكيد؛ إنهما يُساعداننا في تأسيس الشركة.»
بدا فون برينت مندهشًا.
«أنا لم أفهم ذلك على الإطلاق. في الواقع، لقد فهمتُ العكس تمامًا. ظننت أنكما قد حاولتما تأسيس الشركة، وفشلتما في ذلك. لقد أراني هجومًا في إحدى الصحف المالية عليك، وقال إن هذا قد قضى على فرصِكما في تأسيس شركة في لندن. وقد حضرا إلى هنا، على ما يبدو، من أجل مصلحةٍ خاصة بهما.»
«ماذا كانت هذه المصلحة؟»
«شراء المنجم.»
«هل اشترياه؟»
«عمَليًّا، نعم. بالطبع، ما دام عقدُ الخيار الخاص بك ساريًا، لا يمكنني بيعه، لكنه، كما تعلم، سينتهي في غضون بضعة أيام.»
بعد أن وجد كينيون أن أسوأ شكوكه قد تحقَّق، انعقد لسانُه من الدهشة، ومن شدة ضيقه انهمرَت من جبينه قطرات العرق التي تجمَّعَت هناك.
قال فون برينت: «يبدو أنك قد اندهشتَ من هذا.»
«أنا مندهشٌ بشدة.»
«حسنًا، أنت لا يمكن أن تُلقي باللوم عليَّ. لقد تعاملت بأمانةٍ تامة في هذا الأمر. أنا لم أكن أعرف أن لونجوورث، والرجل الذي كان معه، لهما أيُّ علاقة بك. لقد قالا لي إن ذلك المقال قد جذب انتباههما للمنجم. وقد تفحَّصاه وبدَوَا مقتنِعَين بأن هناك شيئًا فيه … أقصد، في المنجم، وليس في المقال. لقد قالا إنهما قد حضرا اجتماعًا قد دعَوتَ أنت له، لكن كان من الواضح للغاية أنك لن تكون قادرًا على تأسيس الشركة. لذا، أتَيا إلى هنا وقدَّما لي عرضًا بدفع ثمن عقد الخيار الخاصِّ بالمنجم نقدًا. ولقد أودعا عشرين ألف جنيه في البنك هنا، وفي يوم انتهاء مدة عقد الخيار، سيُعطيانني شيكًا بالمبلغ.»
رد كينيون: «أنا الملوم في هذا الأمر.» ثم أضاف: «لقد تعرضتُ للغشِّ والخداع. لقد كانت لديَّ شكوكٌ كبيرة في الأمر طوال الوقت، لكنني لم أسعَ للتأكُّد من صحتها. لقد كنتُ جبانًا ورِعْديدًا بشدة. لقد تظاهر هذا الرجل الذي يُسمى لونجوورث بمساعدتي في تأسيس الشركة. وكل ما فعله كان يهدف لإضاعة الوقت عليَّ. لقد أتى إلى هنا، في الظاهر، من أجل صالح الشركة التي كنتُ أؤسِّسها، وقد حصَل الآن على عقد الخيار لنفسه.»
رد فون برينت: «نعم، لقد فعل.» ثم أضاف: «دعني أقُل إنني أشعر بحزنٍ شديد بالفعل على المسار الذي اتخذَته الأمور. بالطبع، وكما قلتُ لك، أنا لم تكن لديَّ أدنى فكرةٍ عن حقيقة الوضع. كما ترى، أنت لم تُودِع لي أيَّ عربون، ويجب أن أهتمَّ بمصلحتي. لكن عقد الخيار ما زال ساريًا لبضعة أيام أخرى، ولن أبيع المنجم لهما حتى آخرِ دقيقة فيه. هل هناك أيُّ فرصة لحصولك على المبلغ قبل هذا الوقت؟»
«على الإطلاق.»
«حسنًا، كما ترى، في هذه الحالة أنا لا حيلة لي. أنا مقيد بوثيقة قانونية لبيع المنجم لهما عند استلام مبلغ عشرين ألفَ جنيه في اللحظة التي ينتهي فيها عقدُ الخيار. لقد تم التوثيق القانوني لكلِّ شيء، وأنا لا حيلة لي تمامًا في الأمر.»
رد جون: «نعم، أفهم ذلك.» ثم أردف: «وداعًا.»
ذهب إلى مكتب التلغراف وأرسل برقية.
تسلَّم ونتوورث البرقية في لندن في صباح اليوم التالي. وكان نصُّها:
لقد خُدِعنا. لقد حصَل على عقد الخيار الخاصِّ بالمنجم لنفسه.