الفصل الخامس والثلاثون
ركبَت إديث لونجوورث، ومعها تلك الورقةُ الغالية في جيبها، مرة أخرى عربتَها ذاتَ الخيول، وذهبت إلى مكتب ونتوورث. مرة أخرى، جلسَت على الكرسيِّ المريح الوحيد الموجود في الغرفة. وكان وجهُها تبدو عليه الجدِّية الشديدة، وقال ونتوورث، في اللحظةِ التي رآها فيها، لنفسه: «لقد فَشِلت في مهمتِها.»
سألته: «هل أرسلتَ البرقية للسيد كينيون؟»
«نعم.»
«هل تأكدتَ من قيامك بتوضيح المراد منه جيدًا؟ البرقيات تميل إلى أن تكون موجزة إلى حد كبير.»
«لقد أخبرتُه بأن يبقى على تواصلٍ معنا. ها هي نسخةٌ من البرقية.»
قرأت الآنسة لونجوورث البرقية باستحسان، لكنها قالت:
«لكنك لم تكتب كلمة «رد».»
«لا؛ لكنني ذكرتها في البرقية العاجلة التي أرسلتها. لقد تذكرت هذا الآن.»
«ألم تتلقَّ بعدُ ردًّا منه؟»
«أوه لا؛ كما ترين، إنها تأخذ وقتًا طويلًا حتى تصل إلى هناك؛ لأن هناك الكثيرَ جدًّا من التغييرات من نهاية كابل التلغراف وحتى المكتب الموجود فيه كينيون. ثم، أيضًا، كما ترين، ربما يكون عليهم أن يبحثوا عنه. إنه ربما لا يتوقَّع وصول برقيات إليه؛ في الواقع، من المؤكد أنه لا يتوقع وصولَ أيٍّ منها. ومن خلال برقيته التي أرسلها لي، من الواضح تمامًا أن اليأس تملَّك منه بشدة.»
«أرِني تلك البرقية، من فضلك.»
تردَّد ونتوورث في فعل هذا.
وقال: «إنها مكتوبة بلغةٍ لن تُعجِبَك على الإطلاق.»
«هذا لا يهم. أرِني إياها. يجب أن أرى كل المستندات الخاصة بالأمر.»
أعطاها الورقة، التي قرَأَتها في صمت، وأعادتها إليه دون أن تنبس ببنتِ شفة.
قال: «كنتُ أعرف أنها لن تعجبك.»
«أنا لم أقل إنها لم تعجبني. إن لغتَها لم تكن على الإطلاق حادةً جدًّا في ظل الظروف المكتوبة فيها. في الواقع، أنا لا أتصوَّر أنه كان يمكن أن يكتبَها بطريقةٍ أخرى غير تلك. إنها موجزة وفي صميمِ الموضوع للغاية.»
«نعم؛ لا يوجد أيُّ شكٍّ في هذا، خاصة أول كلمتين فيها: «لقد خُدِعنا.» إن هاتين الكلمتين هما ما جعَلاني أعتقد أن كينيون قد يئس تمامًا؛ لذا، قد تكون هناك بعضُ الصعوبة في إيجاده.»
«هل علمت ما إذا كان المال يمكن إرساله بالإبراق أو لا؟»
«أوه، نعم؛ لا توجد أدنى صعوبةٍ في ذلك. سيُودَع المال في بنكٍ هنا، وسيُنقل لكينيون في البنك في أوتاوا.»
قالت الآنسة لونجوورث، وهي تُعطيه الشيك: «رائع جدًّا، إذن، ها هو المال.»
أطلق ونتوورث صافرة طويلة بينما كان ينظر إليه. ثم قال: «اغفِري لي وقاحتي؛ فأنا لا أرى ورقةً مثل هذه كل يوم. هل تريدين، إذن، شراءَ المنجم؟»
«نعم، أريد شراءَ المنجم.»
«رائع جدًّا؛ لكن هناك عشرة آلاف جنيه هنا زائدة عن المطلوب.»
«نعم. أنا لا أريد شراء المنجم فقط، بل جعْله يعمل أيضًا؛ ولذا، ستكون هناك حاجةٌ إلى بعض رأس المال العامل. ما مقدارُه بحسَب اعتقادك؟»
رد ونتوورث: «أنا ليست لدي أيُّ فكرة عن هذا.» ثم أضاف: «أعتقد أنَّ خمسة آلاف جنيه ستكون كافية.»
«إذن، سنترك خمسة آلاف جنيه في البنك هنا لأيِّ طارئ، ونرسل الخمسة والعشرين ألف جنيه للسيد كينيون. أتوقَّع منه أن يُحضر لي شخصًا خبيرًا لإدارة المنجم. أنا متأكدةٌ أنه سيكون مسرورًا لفعل ذلك.»
«إنه بالتأكيد سيكون كذلك. إن جون كينيون، بعد أن يرى أن المنجم لم يَؤُلْ للشخصين اللذَين حاوَلا خِداعه، سيكون على استعدادٍ لفعل أيِّ شيء من أجل مالكِه الجديد. إنه لن يُهِمَّه على الإطلاق فقْدُ ماله إن عرَف أنكِ قد امتلكتِ المنجم.»
«آه، لكن هذا هو الشيء الوحيد الذي يجب ألا يعرفَه. أما فيما يتعلق بفقدِ المال، فلا أنت ولا السيد كينيون ستفقدان أيَّ بنس. إن كان المنجم كما تعتقدان، فسيكون استثمارًا مربحًا بشدة؛ وأنوي أن يحصل كلٌّ منا على نصيبِ الثلث، كما لو كنتَ قد أسهمتَ أنت بثلث المبلغ والسيد كينيون بالثلُث الآخر.»
«لكن، يا عزيزتي آنسة لونجوورث، هذا غيرُ معقول. نحن لا يُمكننا أبدًا قَبولُ هذا.»
«أوه لا، بل يمكنكما فعلُ هذا. لقد تحدثتُ إلى جون كينيون نفسِه بشأن أن أصبح شريكةً في هذا المنجم. أخشى أنه لم يهتمَّ كثيرًا بالعرض في ذلك الوقت. أنا لا أريد أن أجعله يعلم أيَّ شيء على الإطلاق عن مِلْكيتي للمنجم الآن. لقد اكتشف المنجم؛ أقصد أنت وهو معًا. إن لم يكن ذا قيمة، فستكون أنت وهو اثنين من الخاسرين؛ وإن كان تمامًا كما تعتقدان، إذن فستكونان الرابحين. العامل مستحِقٌّ أجرتَه، وأنا متأكدة أنك أنت والسيد كينيون قد عمِلتُما بكدٍّ بالقدر الكافي في هذا المشروع. لو عرَف أنني قد اشتريتُه، فالاحتمال الأكبر أن ضميره لن يقبل بهذا وسيتصرف بعنادٍ وحُمق، وسيرفض أن يجنيَ ثمار عمله.»
«وهل تعتقدين، يا آنسة لونجوورث، أن ضميري سيسمح لي بقَبول هذا؟»
«أوه، لا؛ إن ضميرك حي، لكنك عقلاني. أما السيد كينيون، فليس كذلك.»
«أعتقد أنكِ مخطئةٌ في هذا. إنه أحدُ أكثرِ الرجال عقلانيةً في العالم؛ ربما هو عقلاني على نحوٍ مبالَغ فيه.»
«حسنًا، أعتقد أن السيد كينيون لو عرَف أنني امتلكتُ المنجم، فلن يأخذ بنسًا واحدًا كنصيبٍ له. لذا، أثق في أنك لن تجعلَه يعرف أبدًا أنني الشخصُ الذي دفع المال الذي اشتُري به المنجم.»
«لكن ألن يعرف أبدًا بالأمر، يا آنسة لونجوورث؟»
«ربما لا. وإن كان له أن يعرف، فيجب أن أكون أنا الشخصَ الذي يُخبره.»
«أتفق معك بشدةٍ في هذا، ولن أُفشِيَ سرَّك.»
قالت الفتاة، وهي تنظر في ساعتها: «والآن، ما الوقت الذي من المفترض أن نحصل فيه على ردٍّ من السيد كينيون؟»
«آه، هذا، كما قلت من قبل، ما لا يُمكن لأحدٍ تحديدُه.»
«أعتقد، إذن، أن أفضل سبيل هو إرسال المال على الفور، أو السعي لإرساله إلى أحد البنوك في أوتاوا.»
«نعم، أعتقد أن هذا هو أفضل سبيل؛ رغم، بالطبع، أن جون كينيون لو لم يكن هناك …»
«لو لم يكن هناك، ماذا سنفعل؟»
«أنا لا أعرف على وجه التحديد. يمكنني إرسالُ برقية إلى السيد فون برينت. إن فون برينت هو مالكُ المنجم، وهو الشخص الذي أعطى لجون عقدَ خيارِ الشراء. أنا لا أعرف إلى أيِّ مدًى هناك اتفاقٌ ملزم بينه وبين الآخرين. إن كان أمينًا كما أحسَبُه، فسيقبل المال، بشرط أن يُرسَل قبل الساعة الثانية عشرة، وحينها سنحصل على المنجم. إنني لا أعرف شيئًا على الإطلاق عن هذا؛ لأنني لا أعرف أيَّ تفاصيل سوى ما جاء في برقية جون.»
«إذن، أنا لا يمكنني فعلُ شيء آخر الآن؟»
«بلى، يُمكنك. سيكون عليك كتابةُ شيك بخمسة وعشرين ألف جنيه. كما تعلمين، هذا الشيك مسطَّر، وسيدخل في حسابك المصرفي. وستجب كتابة شيك آخرَ لسحب المال.»
«آه، فهمت. أنا ليس معي دفتر شيكاتي، لكن ربما يُمكنك إرسالُ هذا الشيك إلى البنك، وسأعود. أعتقد أنه سيكون هناك وقتٌ كافٍ قبل أن يُغلق البنك أبوابه، أليس كذلك؟»
«بلى، سيكون هناك متسَعٌ من الوقت. بالطبع، كلما أسرعنا في الحصول على المال، كان ذلك أفضل.»
«سأعود سريعًا بعد وقت الغداء. ربما تكون حينها قد تلقيتَ ردًّا من السيد كينيون. إنْ وصلك شيءٌ قبل هذا الوقت، فهلا ترسل لي برقية؟ ها هو عنواني.»
رد ونتوورث، وهو يُودعها: «سأفعل.»
بمجرد انتهاء وقت الغداء، زارت الآنسة لونجوورث، ومعها دفتر شيكاتها، ثانيةً مكتب ونتوورث. وعندما دخلت، هزَّ رأسه تعبيرًا عن عدم وصول أيِّ رد من كينيون.
وقال: «لم تصل أيُّ أخبار بعد.»
ردت: «هذا أمرٌ فظيع؛ هل تعتقد أنه قد غادر أوتاوا وهو الآن في طريق العودة للوطن؟»
«لا أعتقد أنه قد فعل هذا. ومع ذلك، أتصور أنه سيعتقد أنه لا داعيَ للبقاء في أوتاوا. ومع هذا، أنا أعرف كينيون جيدًا بالقدر الكافي بحيث أرى أنه سيبقى هناك حتى الدقيقةِ الأخيرة من مدة عقد الخيار، على أملِ حدوثِ شيء. إنه يعرف، بالتأكيد، أنني سأفعل كلَّ ما في وُسعي في لندن، وربما يكون لديه أملٌ ضعيف في أنني سأستطيع القيامَ بشيء.»
«سيكون من غيرِ المجدي إرسالُ برقية أخرى، أليس كذلك؟»
«بالتأكيد. إن لم تصله تلك الرسالة، فلن يصله شيء.»
لقد تلقَّيت البرقية.
قال ونتوورث: «حسنًا، هذا رائع؛ سأرسل له الآن برقيةً أقول له فيها إننا حصلنا على المال، وأنصحه بأن يُعلِمَ القائمين على البنك بنفسِه، بحيث لا تؤخِّره أيُّ إجراءات روتينية فيما يتعلَّق بسحبه.»
بعد أن قال هذا، قرَّب ونتوورث نماذجَ البرقيات إليه، وبعد جهدٍ كبير، استطاع كتابة برقية مُرضِيَة.
قالت له زائرته: «لا تسعَ لتوفير المال فيما يتعلق بالبرقية؛ أوضح له الأمورَ جيدًا.»
«أعتقد أن هذا سيفي بالغرض، أليس كذلك؟»
ردت، بعد أن قرأَت البرقية: «بلى؛ هذا سيفي بالغرض.»
ثم أضافت: «والآن، ها هو الشيك. هل عليَّ أن أنتظر هنا حتى تقوم بكلِّ ما هو ضروري لإرسال المال بالإبراق، أو من الأفضل أن أذهبَ وأعود ثانيةً لأرى إن كان كلُّ شيء على ما يُرام أم لا؟»
«إن لم تُمانعي، فاجلِسي هنا. يمكنك إغلاقُ هذا الباب، إن أردتِ، ولن يُزعِجَك أحد.»
عاد ونتوورث بعد ساعة، لكن وجهه كان مشرقًا.
وقال: «لقد قمنا بكلِّ شيء في استطاعتنا، والمال بانتظاره هناك، إن وصلَت البرقية إليه قبل الساعة الثانية عشرة غدًا، كما ستفعل بالطبع.»
قالت الفتاة بابتسامة، وهي تُسلِّم عليه: «رائع جدًّا، إذن، وداعًا.»