الفصل السابع والثلاثون
عندما دخلَت إديث لونجوورث مكتب جورج ونتوورث، جعلها هذا الشابُّ المحترم تُفاجَأ بعض الشيء. لقد هبَّ واقفًا من كرسيه في اللحظة التي دخلَت فيها الغرفة، وأسرع إلى الباب، ونادى بأعلى صوته على الساعي، الذي رد عليه، وحينها عاد ونتوورث للغرفة، وهو على ما يبدو في حالته العقلية الطبيعية.
ثم قال، وهو يضحك: «أرجو المعذرة، آنسة لونجوورث؛ فالحقيقة هي أنني قد بعثتُ لتوي الساعيَ الخاص بي ليُرسل برقيةً إليك، وها أنا الآن، كما ترين، قد وفرتُ نصف شلن.»
ردت الفتاة: «إذن، لقد وصلَتك أخبارٌ من كندا؟»
لقد اشترينا المنجم؛ سأتولى إدارتَه لبعض الوقت.
قالت، وهي تُعيد إليه البرقية: «إذن، المال قد وصل إلى هناك في الوقت المناسب.»
قال جورج، بالثقة المطمئنة لشخصٍ لا يعرف على الإطلاق ما يتحدَّث عنه: «لقد كان لدينا متسعٌ من الوقت؛ كنت أعرف أنه سيصل إلى هناك دونَ أيِّ مشاكل.»
«أنا مسرورةٌ من أجل هذا؛ كنت أخشى أن نكون قد أرسلناه بعد فواتِ الأوان. لا يمكن للمرء أبدًا أن يعرفَ أسباب التأخير أو الإجراءات الشكلية التي قد يتعرض صرفه لها.»
«على ما يبدو، لم تكن هناك أيُّ مشكلة. والآن، آنسة لونجوورث، ما أوامرُك؟ هل سأكون وكيلَكِ هنا، في بريطانيا العظمى؟»
«هل كتبتَ للسيد كينيون؟»
«نعم، كتبتُ له فور أن أرسلتُ البرقية.»
«بالطبع، أنتَ لم …»
«لا، لم أقل أيَّ شيء يجعله يشكُّ في أنكِ مالكةُ المنجم. حتى إنني، في حماستي، ذهبتُ إلى حدٍّ بعيد بحيث أعطيتُك اسمًا. أنتِ من الآن سيُطلَق عليكِ في المراسلات السيد سميث، مالك المنجم.»
ضحكَت الآنسة لونجوورث.
قال لونجوورث: «و… أوه، بالمناسبة، يوجد هنا برميل خاصٌّ بك.»
ردَّت: «برميل!» وعندما نظرَت في الاتجاه الذي أشار إليه، رأت في ركن الغرفة برميلًا غِطاؤه منزوع. ثم أضافت: «إن كان هذا ملكي، فمن سمح لنفسِه بفتحه؟»
«أوه، لقد فعلتُ هذا باعتباري وكيلَكِ. يحتوي هذا البرميل على المادة المستخرَجة من المنجم، التي نأمُل أن تُثبِتَ أهميتها. لقد بدأ نقلُ البرميل من كندا منذ أكثرَ من ثلاثة أشهر، ولم يصل إلى هنا سوى قبلِ أيام. يبدو أن الأحمق الذي أرسله جعله يمرُّ بنيويورك، وقد احتُجز هناك من قِبَل موظفٍ صغيرٍ متغطرسٍ ينتمي إلى هيئة الجمارك الأمريكية. لقد واجَهْنا الكثيرَ من العناء وأرسلنا الكثير من المراسلات الدبلوماسية من أجلِ هذا البرميل أكثرَ مما يُمكنك أن تتخيَّلي، وها هو قد وصل بعد يومٍ من انتهاء الأمر، عندما أصبح في واقع الأمر غيرَ ذي جدوى لأحد.»
قامت الآنسة لونجوورث وذهبَت إلى البرميل. والتقطت بعضًا من العيِّنات البيضاء الجميلة التي كانت موجودة فيه.
سألته: «هل هذه هي المادة؟»
ضحك ونتوورث.
«كيف لشخصٍ أن يشتريَ منجمًا بثمن كبير، دون أن يعرف ماذا يُنتج؟ نعم، هذه هي المادة.»
«هذه ليست ميكا، بالطبع؟»
«لا، إنها ليست ميكا. إنها المادة المستخدَمة في صناعة الخزف.»
«يبدو وكأنها ستحتاج إلى كثيرٍ من التلميع. هل تعرف إن كانت ستحتاج إلى ذلك أو لا؟»
«أنا لا أعرف. يُمكنني بسهولة معرفة ذلك من أجلك.»
«أرجو أن تفعل، وتُلمع لي قطعةً منها، حيث سأستخدمُها كثقالةٍ للورق.»
«ما أوامرُكِ فيما يتعلق بباقي محتويات البرميل؟»
قالت السيدة الشابة: «ما الذي تنوي فعله بها؟»
«حسنًا، أعتقد أن أفضل سبيلٍ سيكون إرسالَ بعضٍ منها إلى كلٍّ من أصحاب مصانع الخزف في هذا البلد، والحصولَ على طلباتهم من هذه المادة، إن أرادوا استخدامها.»
«أعتقد أن هذه فكرةٌ جيدة للغاية. فهمتُ من البرقية أن السيد كينيون يقول إنه سيتولَّى أمر المنجم لبعض الوقت.»
«نعم؛ أتصوَّر أنه قد ترك أوتاوا على الفور، بمجرد أن أنهى الصفقة. بالطبع، لن نتأكَّد من هذا تمامًا حتى يكتب إليَّ.»
«رائع جدًّا، إذن، يبدو لي أن أفضل شيء يُمكنك فِعله هنا هو تسجيل الطلبات التي يُمكن الحصولُ عليها في إنجلترا على المادة. ثم، أعتقد أنك يُمكنك أن تكتبَ إلى السيد كينيون وتطلبَ منه أن يُعيِّن شخصًا ملائمًا لإدارة المنجم.»
«نعم، سأفعل هذا.»
«عندما يعود، يُمكنك أنت وهو التشاورُ بشأن الخطوة التالية التي يجب اتخاذُها. أعتقد أنه لا شيء محدَّدًا يمكن القيامُ به حتى يعود. يمكنك اختلاقُ أيِّ عذر تريده لغياب شخصية السيد سميث الخياليَّة، وإخباره بأنك تنوب عنه. ثم يُمكنك إخبار السيد كينيون، بأي طريقة تشاء، أن السيد سميث يُريد أن يُشارِكَكما أنت وهو في المنجم بحصصٍ متساوية. أرى أنك لن تجد أي مشكلة في جعل جون — أي، في جعل السيد كينيون — يُصدِّق أن السيد سميث هذا شخصيةٌ حقيقية، إن نجحتَ بالقدْر الكافي في إقناعه بالأمر. اجعله يفهم أن السيد سميث ما كان ليسمعَ قط بالمنجم ما لم تكتشفه أنت والسيد كينيون، وأنه سيكون سعيدًا للغاية بالفعل لاستغلال تلك الفرصة الطيبة لاستثمار أمواله؛ بحيث يكون من الطبيعيِّ أن يرغب في أن يُشاركه في الأرباح التي ستعود من المنجم على كلِّ مَن كان له دورٌ حاسم في إرشاده لهذا الاستثمار. أتصور أنك يُمكنك جعلُ كل هذا واضحًا بالقدْر الكافي، بحيث لن يشكَّ صديقُك في أي شيء. ألا تعتقد هذا؟»
«حسنًا، بالنسبة إلى أيِّ رجل آخرَ غيرِ جون كينيون، يجب أن يكون لديَّ شكٌّ في هذا؛ لأنني لا أعتقد أنني ماهرٌ بشدة في اختلاق الأمور وخداعِ الآخرين؛ لكن مع جون، فأنا ليست لديَّ أيُّ مخاوف. إنه سيُصدق أي شيء أقوله. إنه لمن المثير للشفقة أن تخدعَ رجلًا يثقُ في الآخرين بشدة، ولكن هذا سيكون في صالحه للغاية مما يجعلني لا أتردَّد في القيام به.»
«إذن، ستكتب إليه بشأنِ اختيار شخصٍ أمين ومُلائم لإدارة المنجم؟»
«نعم. أنا لا أعتقد أنه ستكون هناك أيُّ ضرورة لفعل هذا، لكنني سأتأكَّد من حدوث هذا. أتصور أن جون لن يرحلَ حتى يتأكد من أن كلَّ شيء كما ينبغي. إنه سيكون متلهِّفًا بشدةٍ بالفعل من أجل تحقيق المنجم للنجاحِ الكبير الذي طالما كان يطمح إليه، حتى ولو لم يكن يعلم، في الوقت الحاضر، أنه سيكون له نصيبٌ في أرباحه.»
«رائع جدًّا إذن، يجب أن أتركَكِ الآن. قد لا آتي إلى هنا ثانيةً، لكن عندما تسمع أيَّ أخبار من السيد كينيون، سأكون سعيدةً للغاية إن جعلتَني أعرف.»
«بالتأكيد؛ سأرسل إليكِ كل المستندات المتعلقة بالأمر، كما سبق أن طلَبتِ. أنت ترغبين دائمًا في رؤية الأوراق الأصليَّة، أليس كذلك؟»
«بلى، أعتقد أنني كذلك.» تلكَّأَت الآنسة لونجوورث قليلًا قبل الخروج من الباب، ثم قالت له وهي تنظر مباشرة في عينَيه: «هل تتذكر عندما تحدثتَ بحدةٍ شديدة مع أبي منذ بضعة أيام؟»
رد ونتوورث، وقد تورَّد وجهه: «نعم. أتذكر ذلك.»
«أنت رجلٌ صغير السن، وهو رجل عجوز. إلى جانب هذا، أعتقد أنك كنتَ مخطئًا تمامًا. إنه لا علاقة له على الإطلاق بأفعالِ ابن أخيه.»
قال ونتوورث: «أوه، أعرف هذا.» ثم أردف: «كنتُ سأعتذر إليه منذ مدَّة طويلة، فقط … حسنًا، كما تعلمين، لقد أخبرني بأنني لن يُسمَح لي بدخول مكتبه ثانيةً، ولا أعتقد أنه يجب السماح لي بهذا.»
ردَّت السيدة الشابة، وهي تنظر إلى الأرض: «إن كتبتَ خطابًا إليه، فلن يُمنَع من دخول المكتب.»
قال جورج: «بالطبع، إنه لن يُمنع؛ سأكتب إليه رسالةً على الفور وأعتذر إليه.»
قالت إديث، وهي تمدُّ يدها لتُسلِّم عليه: «هذا لطفٌ شديد منك.» ثم رحلَت على الفور.
عاد جورج ونتوورث إلى مكتبه وكتب رسالةَ اعتذار. ثم قال لنفسه وهو يتأمَّل الطبيعة الغريبة غيرَ المفهومة للنساء. «لقد جعلَتْني أعتذرُ إليه، وهذا صحيحٌ تمامًا؛ لكن لولا شجاري مع أبيها، ما كانت ستعرف أبدًا شيئًا عن الأمر، ومن ثَم ما كانت ستشتري المنجم، وهو الأمر الذي كانت متحمِّسةً لفعله من أجل كينيون؛ يا لك من شحاذ محظوظٍ يا جون، بعد كل شيء!»