الفصل الثامن والثلاثون
عندما انتهَت عملية تحويل مِلْكية المنجم إلى مالكِه الجديد، ذهب جون كينيون إلى مكتب التلغراف، وأرسل رسالةً تلغرافية قصيرة إلى ونتوورث. ثم توجَّه إلى الفندق، وهو في قمة الإنهاك. إنَّ قلقَ اليوم وتوتره كانا كثيرَين عليه بشدة، وشعر أنه سيمرض إن لم يترك مدينةَ أوتاوا ويذهب إلى الريف، حيث يوجد بشرٌ أقلُّ وهواءٌ أكثر. وقرَّر أن يذهب إلى موقع المنجم بأقصى سرعةٍ ممكنة. هناك، كان سيُعيد ترتيب الأمور كما ينبغي أن تكون، ويُحافظ على سَير العمل حتى تصلَه تعليماتٌ من المالك. وعندما وصل إلى فندقه، كتب رسالة إلى ونتوورث، سرَد فيها باختصارٍ الظروفَ التي استطاع في إطارها امتلاكَ المنجم، وتناولَ أمورًا أخرى شخصيةً أكثر. وبعد أن أرسلها، بدأ يحزمُ أشياءه في حقيبة السفر الخاصة به، استعدادًا للمغادرة مبكرًا في صباح اليوم التالي. وبينما كان منهمكًا في فعل هذا، أتى خادمُ الفندق إلى غرفته، وقال:
«هناك سيد يرغب في رؤيتك.»
ظن على الفور أنه كان فون برينت، الذي أراد مقابلته بشأن أحد الإجراءات الرسمية المتعلقة بعمليةِ انتقال الملكية؛ ولذا اندهش بشدةٍ — في واقع الأمر، انعقد للحظةٍ لسانُه — عندما دخل السيد ويليام لونجوورث، وأخذ يتفحصُ بهدوء جوانبَ الغرفة المهلهلة بعض الشيء بنظارته الناقدة.
ثم قال: «آه، هذا هو مكانُ إقامتك، أليس كذلك؟ أعتقد أن هذا الفندق يندرجُ تحت الفئة التي يُطلِقون عليها الفنادق الرخيصة. حسنًا، بعض الناس قد يُحبونه، لكنني أُقر بأنه لا يُعجبني كثيرًا. أرى أن فنادقهم التي تتكلَّف ثلاثة أو أربعة دولارات في اليوم سيئةٌ بالقدر الكافي. بالمناسبة، تبدو متفاجئًا بشدة لرؤيتي؛ ونظرًا إلى أننا غريبان في بلدٍ غريب، فقد كنتُ أتوقَّع ترحيبًا أكبرَ من جانبك. لقد قلت ليلة أمس، أمام فندق راسل، إنك سيُسعدك كثيرًا أن تُرحِّب بي بشدة؛ ربما ستودُّ فِعلَ ذلك الليلة.»
سأله كينيون: «هل جئتَ إلى هنا لتفتعلَ مشاجرةً معي؟»
«أوه، يرحمك الله، لا! مشاجرة! لا شيء من هذا النوع. ما الذي من المفترض أن أرغب في الشِّجار بشأنه؟»
«إذن، هلا تتفضل وتخبرني بسبب مجيئك إلى هنا؟»
«طلبٌ معقول للغاية. معقول للغاية في واقع الأمر، وطبيعيٌّ تمامًا، لكنه مع ذلك غيرُ ضروري بعض الشيء. من غير المحتمل أن يأتيَ أحدٌ هنا إلى غرفتك، ثم لا يكون مستعدًّا لإخبارك بسبب مجيئه. لقد أتيتُ، في المقام الأول، لأهنئك على الطريقة البديعة والدرامية التي حصلتَ بها على المنجم في اللحظة الأخيرة، أو كما بدا في اللحظة الأخيرة. أعتقد أنك كنتَ تمتلك المال طوالَ الوقت؟»
«لا، أنا لم أفعل.»
«إذن، أنت ذهبتَ إلى فون برينت بمجرد حصولك عليه؟»
«حسنًا، الآن، أنا لا أعتقد أن هذا شأنُ أيِّ أحدٍ سواي. ومع ذلك، إن أردتَ أن تعرف، فيُمكنني القول إنني قد ذهبت إلى مكتب السيد فون برينت في اللحظة التي حصلتُ فيها على المال.»
«حقًّا! إذن، أظن أنه قد أُرسِل إليك عبر الإبراق؟»
«ظنُّك صحيح تمامًا.»
قال الشاب، وهو يجلس دون أن يسمح له، وينظر إلى جون بطريقةٍ وَدودة: «لقد أبديت بالفعل بعضَ الانفعال بشأن هذه المسألة الصغيرة الخاصة بك. والآن، إليك القصة بالكامل باختصار …»
«سيدي العزيز، أنا لا أرغب في معرفة القصة بالكامل، باختصار. أعرف كلَّ شيء بشأنها … أعرف كل شيء أرغبُ في معرفته.»
«آه، بالضبط؛ بالطبع، أنت تعرف بالتأكيد؛ لكن، مع ذلك، دعني أُخبرك بالأمر. إليك القصةَ بالكامل. لقد حاولتُ … حسنًا، حاولت خِداعَك. ظننتُ أن بإمكاني كسْبَ بعض المال بفعل هذا، ومسعايَ فشل. والآن، إن كان يجب أن يكون أحدٌ في حالة مِزاجية سيئة، فإنه أنا، وليس أنت. ألا تعي ذلك؟ أنت لا تُمثل دورك جيدًا على الإطلاق. أنا مندهشٌ منك!»
«سيد لونجوورث، أنا لا أود أن أتحدث معك على الإطلاق. إن كان هناك أيُّ شيء تريد أن تسألني عنه، فأودُّ أن تفعل هذا بأسرعِ ما يمكن، ثم تتركني بمفردي.»
قال لونجوورث، وهو يضع ساقًا على الأخرى، ويقبض يديه حول ركبته: «أكبرُ عيب وجدتُه فيك … أكبر عيب فيك هو افتقارك المؤلم إلى روح الدعابة. والآن، أنت تتذكَّر بالطبع الليلة السابقة عندما عرَضتُ عليك إدارةَ المنجم. لقد ظننت، بالتأكيد، أنني بحلول هذا الوقت اليوم سأُصبح مالِكَه، أو، على الأقل، أحدَ ملَّاكه. والآن، أنت لا يبدو أنك تُقدِّر مدى هَزْلية الموقف. ها أنت الآن مالكُ المنجم، وأنا خارج السباق … «كمٌّ مُهمَل»، كما يقولون هنا في أمريكا. أنا الرجل الذي يُعَد كَمًّا مهمَلًا …»
قال كينيون بجدية: «إن كان هذا هو كلَّ ما تودُّ قوله، فيجب أن أطلب منك أن تدَعني أنتهي من حزمِ أشيائي. أنا سأذهب إلى المنجم غدًا.»
«بالتأكيد، يا صديقي العزيز؛ اذهب على الفور ولا تُبالِ بشأني. هل يمكنني أن أساعدك بأيِّ نحو؟ يتطلب حزمُ الأشياء جيدًا في حقيبة سفر، كما تعرف، عبقريةً من نوع خاص. لكن ما أردتُ قوله كان هو الآتي: لماذا لم تَستدِر، عندما امتلكتَ المنجم، وتعرض عليَّ إدارتَه؟ حينها، كنت ستحظى بانتقامِك مني. كلما فكرتُ في تلك الواقعة التي حدثَت في مكتب فون برينت، اعتقدتُ أنك فَشِلتَ تمامًا في إدراك الاحتمالات الدرامية للموقف.»
صمتَ كينيون.
«والآن، أنت تتساءل كلَّ هذا الوقت عن سبب مجيئي إلى هنا. أنت بلا شك تودُّ معرفةَ ما أريد.»
قال كينيون: «أنا ليس لديَّ أدنى اهتمامٍ بالأمر.»
«هذه فظاظة، لكنني، رغم ذلك، سأستمرُّ في حديثي. من الأفضل، كما أرى، أن يكون المرءُ صادقًا معك، إن أراد أن يعرف أي شيء منك. والآن، أنا أريد معرفةَ معلومة صغيرة منك. أريد أن أعرف مِن أين حصلتَ على النقود التي اشتريت بها المنجم.»
«حصلت عليها من البنك.»
«آه، نعم، لكنني أريد أن أعرف مَن أرسلها لك.»
«أرسلها لي جورج ونتوورث.»
«بالتأكيد؛ لكنني أريد الآن أن أعرف مَن أعطى النقود لونتوورث.»
«ستكون لديك فرصةُ معرفة ذلك عندما تعود إلى إنجلترا، من خلال سؤاله.»
«إذن، أنت لن تُخبرني، أليس كذلك؟»
«أنا لا يمكنني إخبارُك.»
«أنت تقصد بهذا، بالطبع، أنك لن تُخبرني.»
«أنا أقصد دائمًا، سيد لونجوورث، تمامًا ما أقوله. أنا أقصد أنني لا يُمكنني إخبارك. أنا لا أفهم نفسي تمامًا.»
«حقًّا؟»
«نعم، حقًّا. يبدو أن لديك بعضَ الصعوبة في تصديق أن أيَّ شخص يُمكنه أن يقول الحقيقة.»
«في الواقع، إن قول الحقيقة ليس رذيلةً شائعة. يجب أن تغفر لي اندهاشتي البسيطة.» رفع ركبته إلى أعلى للحظة، ونظر بتأمُّل في السقف. ثم قال: «والآن، هل تود معرفة مَن قدم هذا المال؟»
«أنا ليس لدي أيُّ فضول لمعرفة هذا.»
«هل هذا صحيح؟ أنت رجلٌ غريب. يبدو لي أن شخصًا هبطت عليه من السماء عشرون ألفَ جنيه سيكون لديه بعضُ الفضول لمعرفة مصدر هذا المال.»
«ليس لديَّ أي فضول لمعرفة هذا.»
«رغم ذلك، سأُخبرك بالشخص الذي أعطى المال لونتوورث. لقد كان هو صديقي العزيز ميلفيل. أنا لم أُخبِرْك في نيويورك، بالطبع، أنني وميلفيل وقعَت بيننا مشاجرة بسيطة حول هذا الأمر، وقد عاد هو إلى الوطن وهو غاضبٌ بالتأكيد. لم أتصور أنه سيستخدم تلك الطريقةَ في الانتقام؛ لكنني اتضحَ لي الأمر تمامًا الآن. لقد كان يعرف أنني حصلتُ على حقِّ شراء المنجم. وكان هناك خلافٌ بسيط حول نصيب كلٍّ منا من الأسهم فيه، وظننت، بعد حصولي على عقد حقِّ الشراء، أنني لدي الحقُّ في إملاء شروطي. وفكَّر هو بطريقة مختلفة. كان سيذهب إلى فون برينت لشرح الأمر برُمَّته له؛ لكنني أوضحتُ له أن مِثل هذا المسار لن يُجدي؛ نظرًا إلى أنَّ عقد حقِّ الشراء قد أُبرِم قانونًا باسمي، بحيث يبدأ حقي في شراء المنجم بمجرد انتهاء مدةِ عقدك. وعندما أدرك هو ذلك، أبحرَ وعاد إلى إنجلترا. والآن، يُمكنني رؤية دورِه في ذلك الختام الدرامي للأمور. لقد كانت خدعةً ماكرة جدًّا من جانب ميلفيل، وأنا أُهنِّئه عليها. إنه رجل يمتلك مهارةً ومكرًا أكثرَ بكثير مما ظننت.»
«يبدو لي، سيد لونجوورث، أن غرورك الشديد يجعلك دائمًا تُقلِّل من قدْرِ أصدقائك، أو حتى أعدائك، فيما يتعلق بهذا الأمر.»
«هناك شيءٌ من الصحة في هذا، يا كينيون؛ أعتقد أن كلامك صحيحٌ بنسبة كبيرة؛ أعتقد أنني قد أفيدك إن أسديت لي معروفًا في هذا الأمر. أعتقد أنه لا يوجد لديك أيُّ اعتراض على كتابةِ وثيقة قصيرة مفادُها أن المال لم يصل في الوقت المناسب، ومن ثَم فقد حصلت على المنجم. ثم، إن كان لك أن تُوقِّعها، فسآخذها إلى ميلفيل وأتوصَّل إلى اتفاقٍ معه. بالطبع، إن عرَف أنني امتلكتُ المنجم، فستكون هناك فرصةٌ أكبرُ لتوصُّلي إلى اتفاق معه.»
«لا يُمكن عقدُ أيِّ اتفاق معي، سيد لونجوورث، يتضمن جعلي أَحيدُ عن الصدق.»
«آه، حسنًا، هذا ما شككتُ فيه؛ لكنني ظننت أن الأمر يستحقُّ المحاولة. لكن، يا سيدي العزيز، قد أتوصل إلى اتفاق مع ميلفيل في النهاية، وحينها، كما أتصوَّر، لن يكون لك أيُّ علاقة بالمنجم.»
«أنا لن يكون لي أي علاقة به إن كان لك ولميلفيل نصيبٌ فيه؛ وإن، كما تشكُّ، كان ميلفيل هو مالِكَ المنجم، أعتقد أنك في وضعٍ سيِّئ. أرى أنه عندما يتغلب وغدٌ على وغدٍ آخر، فإن الوغد الآخرَ سيكون، كما قلتَ، «كمًّا مُهمَلًا».»
فكَّر لونجوورث بتدبُّر في هذا للحظة، ثم قال:
«نعم، أخشى أن ما تقوله صحيح؛ في الحقيقة، أنا متأكدٌ من ذلك. حسنًا، هذا كلُّ ما أردتُك أن تعرفه. والآن، وداعًا. ولن أراك ثانيةً في أوتاوا، حيث إنني سأبحر قريبًا جدًّا إلى إنجلترا. هل لديك أيُّ رسائل تودُّ إيصالها إلى أصدقائك هناك؟»
«لا، شكرًا لك.»
«حسنًا، إلى اللقاء!» وهكذا تُرِك جون لينتهيَ من حزم أشيائه. وبعد انتهاء هذه العملية الضرورية، جلس كينيون وأخذ يُفكر فيما قاله له لونجوورث الشاب. إن انتصاره، في النهاية، كان قصيرَ الأجل. وقد شعر أنه لا يُهمه مَن منهما قد امتلك المنجم لأنَّ الاثنين وغدان. وبينما كان يتأمَّل هذا الموضوع الكريه، تذكَّر فجأة طلبًا قد طلب من ونتوورث عرضه على المالكِ الجديد للمنجم. إنه لم يكن يريد أيَّ معروف من ميلفيل؛ لذا، كتب رسالةً أخرى، يطلب فيها تجاهُلَ الطلب الذي قدَّمه في الرسالة الأولى، وبعد أن أرسلها، عاد إلى فندقه، وخلَد للنوم، وهو على الأرجح أكثرُ شخصٍ مرهق في مدينة أوتاوا.