الفصل السابع
في صباحِ أحد الأيام، عندما ذهب كينيون إلى غرفته عند سَماعه جرسَ الإفطار، وجدَ شاغلَ السريرِ العُلويِّ الكسولَ لا يزال في فِراشه.
صرَخ فيه قائلًا: «استيقِظ يا ونتوورث؛ هذا لن يُجدِيَ نفعًا، كما تعلم. انهض! انهض! الإفطار، يا صاح! الإفطار! إنه أهمُّ وجبةٍ في اليوم بالنسبة إلى الرجل الذي يُحافظ على صحته.»
تثاءبَ ونتوورث ومدَّ ذراعَيه فوق رأسه.
وسأله: «ما الأمر؟»
«الأمر هو أنه قد حان وقتُ الاستيقاظ. لقد دق الجرسُ الثاني.»
«يا إلهي! هل تأخَّر الوقتُ هكذا؟ أنا لم أسمعه.» جلس ونتوورث في فراشه ونظر بأسًى إلى المسافة الكبيرة بينه وبين الأرض. ثم سأل: «هل استيقظتَ منذ وقت طويل؟»
رد كينيون: «طويل؟ لقد ظللتُ على سطح السفينة لمدة ساعة ونصف الساعة.»
«إذن، لا بد أن الآنسة التي لا أعرفُ اسمها كانت هناك أيضًا.»
رد كينيون، دون أن ينظر إلى رفيقه: «اسمها الآنسة لونجوورث.»
«هذا اسمها، أليس كذلك؟ وهل كانت على سطحِ السفينة؟»
«نعم.»
قال ونتوورث: «كان ظنِّي في محلِّه؛ ألاحظتَ التأثير المدهش للمرأة؟ تستيقظُ الآنسة لونجوورث مبكرًا، فيستيقظ جون كينيون مبكرًا هو الآخَر. وتستيقظ الآنسة بروستر متأخرًا، فلا يُرى جورج ونتوورث حتى مجيءِ وقت الإفطار. إذا انعكس الأمر، فأعتقد أنَّ وقت استيقاظ الرجلَين كان سيتغيَّر تبعًا لذلك.»
«ليس هذا صحيحًا على الإطلاق، يا جورج، هذا ليس صحيحًا. كنت سأستيقظُ مبكرًا سواءٌ أكان هناك أحدٌ على السطح أم لا. في الحقيقة، عندما صعَدتُ على السطح هذا الصباح، توقعتُ أن أكون هناك بمفردي.»
«أعتقد، رغم ذلك، أنك لم تشعر بخيبةِ أملٍ كبيرة عندما وجدتَ أنك لم تكن وحدك على السطح؟»
«في الواقع، وإحقاقًا للحق، هذا صحيح؛ فالآنسة لونجوورث فتاةٌ شديدة التعقُّل.»
قال ونتوورث بنبرةٍ مرحة: «أوه، إنهنَّ جميعًا هكذا.» ثم أضاف: «أنت لم تُبدِ أيَّ تعاطف معي بشأن فتاتي في ذلك اليوم. والآن عرَفتَ بنفسك ماهيَّةَ الأمر.»
«أنا لم أعرف ماهية الأمر. الحقيقة أننا نتكلَّم في شئون العمل.»
«حقًّا؟ هل ذهبتما بعيدًا إلى هذا الحد؟»
«نعم، ذهَبْنا بعيدًا إلى ذلك الحد؛ هذا إذا كان ذلك يُمثل أيَّ تقدم. لقد أخبرتها بشأن منجم الميكا.»
«أوه، لقد فعلت! ماذا قالت؟ هل ستستثمرُ فيه؟»
«في واقع الأمر، عندما قلتُ لها إننا نريد أن نؤسِّس شركةً برأس مال خمسين ألف جنيه، قالت إنه مبلغٌ صغير للغاية، وشكَّكَت في قدرتنا على إيجادِ شخصٍ يهتمُّ بالاستثمار فيها في لندن.»
أطلق ونتوورث، الذي قد وصل الآن إلى مرحلة متقدمة في ارتداءِ ملابسه، صافرةً طويلة.
«خمسون ألف جنيه مبلغٌ صغير؟ لا بد أنها يا جون ثريةٌ للغاية! ربما أكثر من المليونيرة الأمريكية.»
«حسنًا، كما ترى يا جورج، الاختلاف بين الفتاتين هو الآتي: بينما تفخر الوريثاتُ الأمريكيات بثرواتهن الهائلة، لا تقول الفتياتُ الإنجليزيات شيئًا عنها.»
«إذا كنتَ تقصد الآنسة بروستر بحديثك هذا، فأنت مخطئٌ تمامًا. إنها لم تُلمِّح على الإطلاق إلى ثروتها، باستثناءِ قولها إن أباها مليونير. لذا، لو كانت الفتاة التي تتكلَّم عنها قد تحدثَت بأي نحوٍ عن ثروتها، فقد فعلَت أكثرَ مما فعلته الفتاة الأمريكية.»
«إنها لم تقل شيئًا للإشارة إلى أنها ثرية. أنا فقط استنتجتُ الأمر عندما وجدتُ أنها تنظر إلى مبلغ الخمسين ألف جنيه على أنه مبلغٌ تافه.»
«حسنًا، الخطأ يمكن تصحيحُه بسهولة. يمكننا رفعُ سعر المنجم إلى مائة ألف جنيه إن كان بإمكاننا إيجادُ أشخاص يُمكنهم الاستثمارُ فيه. ربما قد يهتمُّ والد الفتاة بالاستثمار فيه إذا كان هذا سعره.»
قال كينيون: «أوه، بالمناسبة، يا ونتوورث، نسيتُ أن أخبرك بأن والد الآنسة لونجوورث أحدُ ملاك شركة لندن سينديكيت.»
«يا إلهي! هل أنت متأكِّد من هذا؟ كيف عرَفت؟ أنتما لم تتحدَّثا عن مهمتِنا هناك، أليس كذلك؟»
رد كينيون متوردًا: «بالطبع لا.» ثم أضاف: «أنت بالطبع لا تعتقد أنني سأتحدث عن هذا مع شخصٍ غريب، أليس كذلك؟ أو عن أيِّ شيء متعلِّق بالتقريرين الخاصَّين بنا؟»
استمر ونتوورث في ارتداء ملابسه، وقد نما في داخله إحساسٌ بالذنب.
«أريد أن أسألَك سؤالًا في هذا الشأن.»
قال ونتوورث باقتضاب: «عن أيِّ شأنٍ تتحدَّث؟»
«عن هذه المناجم. افترض أنَّ والد الآنسة لونجوورث بصفته أحدَ مُلَّاك شركة لندن سينديكيت سألني عن رأيي أنا وأنت في الأمر، هل يحقُّ لنا أن نُخبره بأي شيءٍ حيالَه؟»
«إنه لن يسألني لأنني لا أعرفُه؛ إنه قد يسألك، وإن فعل، فسيكون عليك تحديدُ الإجابة عن هذا السؤال بنفسك.»
«هل كنت ستقول أيَّ شيء عن الأمر إن كنتَ مكاني؟»
«أوه، لا أعرف. إذا كنا متأكدَين أن كل شيء على ما يُرام … إذا كنتَ متأكدًا بأنه أحدُ ملاك الشركة، وصادف أنه سألك عن الأمر، فأنا أرى أنه مِن الصعب أن تتجنَّب إخبارَه.»
«سيكون الأمر محرجًا؛ لذا أتمنى ألا يسألني. يجب ألا نتحدث عن الأمر حتى نُسلِّم تقريرينا. لكنه يعرف أنك مراجعُ الحسابات المسئول عن الجانب المالي من المهمة.»
«أوه، إذن، أنت تحدثتَ معه؟»
«فقط لدقيقة أو اثنتَين، بعد أن قدَّمَتني ابنتُه له.»
«ما اسمُه؟»
«جون لونجوورث، حسبَما أعتقد. أنا متأكِّد من اسم لونجوورث، ولكني لستُ متأكدًا من اسم جون.»
«أوه، جون لونجوورث العجوز من حيِّ السيتي اللندني! أنا أعرفُه جيدًا. صحيحٌ أنني لم أرَه من قبل، لكنني أعتقد أنه لا ضررَ على الإطلاق من إخباره بأيِّ شيء يريد معرفتَه، إنْ طلب هو ذلك.»
قال الخادم، مقحِمًا رأسه في باب الغرفة: «الإفطار، أيها السيدان.»
بعد الإفطار، كانت إديث لونجوورث تسير مع ابن عمها على سطح السفينة. كان لونجوورث الشابُّ، على الرغم من أنه كان في مِزاجٍ أفضلَ من الليلة السابقة، لا يزال بعضَ الشيء موجزًا في ردودِه، ومزعجًا في أسئلته.
سأل ابنةَ عمه: «ألا تتعبين من هذا السير الدائم بأعلى وأسفل؟» ثم أضاف: «يبدو الأمر لي كعملٍ روتيني؛ كما لو أن على المرء أن يعملَ من أجل الحصول على طعام وسكن.»
ردَّت: «دعنا نجلس إذن، على الرغم من أنني أعتقد أن السيرَ قبل الغداء أو العشاء يَزيد من جاذبية هاتين الوجبتَين على نحوٍ مدهش.»
قال على نحوٍ مشاكس: «لم أشعر قط بالحاجة إلى فتحِ شهيتي للطعام.»
قالت: «حسنًا، كما قلتَ من قبل، دعنا نجلس.» وعندما وصلَت الفتاة إلى كرسيها، رفعَت الغطاء الذي كان عليه، وجلست مكانه.
بعد أن وقف الشابُّ للحظاتٍ وهو ينظر إليها عبر نظارته أحادية العدسة اللامعة، جلس في النهاية بجوارها.
وقال: «إن أكثرَ شيء مزعج في العيش على مَتْن سفينةٍ هو أن المرء لا يستطيع لعبَ البلياردو.»
ردَّت: «أنا واثقةٌ أنك لعبتَ ألعاب الورق بالقدر الكافي الذي يُرضيك في الأيام القليلة التي رَكِبنا فيها هذه السفينة.»
«أوه، ألعاب الورق! أنا سرعان ما مللتُ منها.»
«إنك تمَلُّ بسرعة شديدة من كل شيء.»
«أنا بالتأكيد أشعرُ بالملل من الوجود على سطح السفينة، سواءٌ كنتُ ماشيًا أو جالسًا.»
«إذن، من فضلك لا تبقَ معي.»
«أنت تريدين مني أن أرحل حتى يُمكنَكِ المشيُ مع صديقكِ الجديد، رجل المناجم هذا؟»
«إن رجل المناجم هذا يتحدَّث مع أبي الآن. ومع ذلك، إذا كنتَ تريد أن تعرف، فأنا لن أتردَّد في إخبارك بأنني أُفضِّل كثيرًا رُفقتَه على رفقتِك إذا كنت ستستمرُّ في مِزاجك الحالي.»
«نعم، أو في أيِّ مِزاجٍ آخر.»
«أنا لم أقل هذا؛ لكن إذا كان سيُريحك أن أقول هذا، فأنا سأكون سعيدةً لفعلِ ما تريد.»
«ربما، إذن، عليَّ أن أذهب لأتحدث مع والدك وأجعلَ رجل المناجم يأتي إلى هنا ويتحدث إليكِ.»
«رجاءً لا تدْعُه برجل المناجم. إن اسمه هو السيد كينيون. وهو اسمٌ ليس من الصعب تذكرُه.»
«أعرف اسمه جيدًا بالقدر الكافي. هل أُرسله إليكِ؟»
«لا. أنا أريد أن أتحدث إليك أنت على الرغم من سخافتك. والأكثرُ من ذلك، أنني أريد أن أتحدثَ معك عن السيد كينيون. لذا، أريد أن تتحلَّى بأكثرِ سلوك مهذَّب لديك. وقد يكون هذا لصالحك.»
أطلق الشابُّ ضحكة ساخرة.
قالت إديث بهدوء، وهي تقوم من كرسيِّها: «أوه، إذا كنتَ ستقوم بهذا، فلن أقول أيَّ شيء.»
«أنا لم أقصد أيَّ إساءة. اجلسي واستمري في حديثك.»
«استمع، إذن. إن السيد كينيون لديه عَقدُ خيارِ شراء بشأن منجم في كندا، ويعتقد أنه سيكونُ استثمارًا رائعًا. وهو ينوي تأسيسَ شركة عندما يصل إلى لندن. والآن، لماذا لا تُكوِّن صداقةً معه وإذا وجدتَ المنجم استثمارًا جيدًا كما يظنُّ هو، تساعده في تأسيس الشركة وتربَحان أنتما الاثنان معًا بعض المال؟»
«إنكِ تسعَين من أجلِ صالح كينيون أكثرَ مما تسعين من أجل صالحي.»
«لا، سيكون الأمر لصالحك تمامًا كما هو الحالُ بالنسبة إليه، ومن ثم سيفيدُكما الأمر أنتما الاثنين.»
«إنكِ مهتمَّة به بشدة.»
«ابنَ عمي العزيز، أنا مهتمة بشدةٍ بالمنجم، ومهتمةٌ بشدة بك أنت أيضًا. إن السيد كينيون لا يتحدث عن شيء سِوى المنجم، وأنا متأكدةٌ أن أبي سيَسْعد عندما يراك تهتمُّ بشيءٍ كهذا. أقصد أنك تعرف أنك إذا قمتَ بشيء من تِلْقاء نفسك — شيء لم يُشِر عليك به — فإنه سيسعَد به.»
«حسنًا، إنكِ أشرتِ عليَّ به، وهذا تقريبًا الشيء نفسُه.»
«لا، هذا ليس الشيءَ نفسَه على الإطلاق. أبي سيكون سعيدًا بلا شكٍّ إذا قمتَ بأي عملٍ لحسابك وحققتَ نجاحًا فيه. لماذا لا تقضي بعضَ وقتك في الحديث مع السيد كينيون ومناقشة الترتيبات، بحيث عندما تعود إلى لندن، تكون مستعدًّا لعرض المنجم للبيع وتأسيس الشركة؟»
«لو كنتُ أظن أنك تتحدَّثين معي من أجل صالحي، لفعَلتُ ما أشَرتِ به عليَّ؛ لكنني أعتقد أنك تتحدثين معي في هذا الشأن فقط لأنك مهتمةٌ بأمر كينيون.»
«هذا هُراء! كيف يمكن أن تكون سخيفًا لهذه الدرجة؟ أنا لم أعرف السيد كينيون إلا من عدة ساعات؛ يوم أو اثنين على الأكثر.»
عبَث الشابُّ بشاربه للحظات، وعدل وضعَ نظارته، ثم قال:
«رائع جدًّا. أنا سأتحدث مع كينيون عن هذا الموضوع إذا أردتِ هذا، لكنني أقولُ لكِ إنني لن أساعده.»
«أنا لا أطلب منك أن تُساعده. أنا أطلب منك أن تساعد نفسَك. ها هو السيد كينيون. دعني أُقدِّمْك إليه، وبعد ذلك يُمكنك أن تتحدثَ معه حول المشروع وقتَما يُلائمك.»
قال الرجل الشابُّ متذمرًا: «أنا لا أعتقد أن هناك حاجةً إلى تقديمك إياي له»؛ ولكن حيث إن كينيون كان يقترب منهما، قالت إديث لونجوورث:
«نحن، سيد كينيون، مجلس إدارة منجم الميكا الكبير. هلا تنضم إلى مجلس الإدارة الآن أو بعدَ تحديد الحصص؟» وقبل أن يُجيب، قالت: «سيد كينيون، أُقدِّم لك ابنَ عمي، السيد ويليام لونجوورث.»
لونجوورث، دون أن يقوم من كرسيِّه، سلَّم عليه بطريقةٍ فظة بعض الشيء.
قالت الفتاة: «سأذهب للتحدُّث مع أبي وسأترككما لتتحدثا بشأن منجم الميكا.»
عندما ذهبَت، سأل لونجوورث الشابُّ كينيون:
«أين يوجد المنجم الذي تتحدث عنه ابنةُ عمي؟»
كان الرد: «إنه يوجد بالقربِ من نهر أوتاوا بكندا.»
«بكم تتوقَّع أن تبيعه؟»
«خمسين ألف جنيه.»
«خمسين ألف جنيه! هذا لن يترك شيئًا ليتمَّ اقتسامه بين … بالمناسبة، كم عددُ الأشخاص المشتركين في هذا الأمر؛ أنت وحدك؟»
«لا؛ صديقي ونتوورث شريكي فيه.»
«هل الشراكة بينكما متساوية؟»
«نعم.»
«بالطبع، أنت تعتقد أن هذا المنجم يستحقُّ المقابل الذي تطلبه؛ ألا يوجد أيُّ تلاعب بشأن ذلك؟»
اعتدل كينيون بشدةٍ في وقفته عندما ذُكِرَت هذه الملاحظة. وأجاب ببرود:
«إن كان هناك أيُّ تلاعب بشأنه، فما كان لي أن أشارك فيه.»
«في الواقع، كما ترى، أنا لا أعرف؛ إن التلاعباتِ بشأن المناجم ليست أمورًا نادرةً كما قد تتخيَّل. إذا كان المنجم مهمًّا بشدة، فلماذا يتلهَّف أصحابُه على بيعه؟»
«الملَّاك في أستراليا، والمنجم في كندا، لذا، فهم بعيدون عنه، إلى حدٍّ ما. إنهم يبحثون عن الميكا، لكن المنجم أهمُّ في جوانبَ أخرى أكثر من كونه منجمَ ميكا. إنهم قد حدَّدوا مبلغًا لبيع المنجم أكثرَ من المبلغ الذي تكلَّفوه فيه حتى الآن.»
«هل تعرف قيمته في تلك الجوانب الأخرى؟»
«نعم، أعرف.»
«هل يعرف ذلك أحدٌ غيرك؟»
«أعتقد أن لا أحد يعرف ذلك؛ فيما عدا صديقي ونتوورث.»
«كيف أمكنَك معرفةُ قيمته؟»
«بزيارة المنجم. ذهبتُ أنا وونتوورث معًا لرؤيته.»
«أوه، هل ونتوورث أيضًا خبيرُ تعدين؟»
«لا؛ إنه مراجعُ حسابات في لندن.»
«لقد أُرسِلتما من قِبَل شركة لندن سينديكيت، كما أفهم، لإلقاءِ نظرةٍ على مناجمها، أو المناجم التي تُفكر في شرائها، أليس هذا صحيحًا؟»
«بلى، هذا صحيح.»
«وقد قضيتما وقتَكما في النظر في مناجمَ أخرى من أجل صالحكما الخاص، أليس كذلك؟»
احمرَّ وجه كينيون عند طرح هذا السؤال.
وقال: «سيدي العزيز، إذا كنتَ ستتحدث بهذا الأسلوب، فأنا لن أسمحَ بالاستمرار فيه. لقد أرسلَتْنا شركة لندن سينديكيت للقيام بمهمة معينة. وقد قُمنا بها، وبكلِّ دقة. وبعد قيامنا بها، كان الوقتُ مِلكَنا، تمامًا كما هو الآن. لم تكن طريقةُ الاستعانة بخِدْماتنا باليوم، لكننا أخَذْنا مبلغًا محددًا من المال مقابلَ القيام بعملٍ معين. يُمكنني الذَّهاب لما هو أبعدُ من ذلك وأقول إن الوقت كان مِلكَنا في أيِّ وقت من زيارتنا، ما دمنا قد أوفَيْنا بما طلَبَته منا شركةُ لندن سينديكيت.»
قال لونجوورث: «أوه، أنا لم أقصد أيَّ إساءة.» ثم أضاف: «لقد بدَوتَ فقط أنك تدَّعي أنك رجلٌ فاضل عندما تحدثتُ عن التلاعبات التي تحدثُ في المناجم، لذا أردتُ فقط أن أُباغتك. كم كان عليك أن تدفعَ من أجل المنجم؛ أقصد منجم الميكا؟»
تردَّد كينيون في الرد للحظة.
«ليس لي الحقُّ في ذكر المبلغ حتى أرجع إلى صديقي ونتوورث.»
«حسنًا، كما ترى، إذا كان لي أن أُساعدك في هذا الأمر، فسأحتاج إلى معرفة كل التفاصيل.»
«بالتأكيد. سوف أتشاور مع ونتوورث لأرى إن كنا سنحتاج إلى أي مساعدة أم لا.»
«أوه، سرعان ما ستكتشف أنك تحتاج إلى كل المساعدة التي يُمكنك الحصولُ عليها في لندن. ربما ستعلم أنَّ هناك المئاتِ من مثل هذه المناجم المعروضة الآن للبيع، ومن المحتمل أنك ستجد أنَّ منجم الميكا هذا من ضمنها. كم تعتقد القيمة الحقيقية لهذا المنجم؟»
«أعتقد أنها تتراوح ما بين مائة ومائتي ألف جنيه، وربما أكثر.»
«هل هو حقًّا يستحقُّ مائة ألف جنيه؟»
«وَفْق تقديري، هو كذلك.»
«هل يستحقُّ مائة وخمسين ألف جنيه؟»
«نعم، يستحق.»
«هل يستحقُّ مائتي ألف جنيه؟»
«أعتقد ذلك.»
«ما نسبة الرِّبح التي سنَجْنيها من المائتي ألف جنيه؟»
«ربما ستكون عشرةً بالمائة، وربما أكثر.»
«باسمِ كلِّ ما هو رائع، لماذا لا تجعل ثمنه مائتي ألف جنيه؟ إذا كان سيعود علينا هذا المبلغُ برِبْح عشرة بالمائة أو أكثر، إذن فهذا هو المبلغ الذي ينبغي أن تَبيعه به. والآن، دعنا نُناقش هذا الأمر، إذا أردتَ، وإذا أردت أن تجعلَني شريكًا لك في الأمر، وترفع الثمن حتى مائتي ألف جنيه، فسأرى ما يُمكن فعلُه بشأنه عندما نصل إلى لندن. بالطبع، هذا سيَعْني إرسالَ شخصٍ إلى كندا ثانية لإعداد تقرير عن المنجم. لن يُؤخَذ بتقريرك بطبيعة الحال في هذه الحالة، فأنت صاحبُ مصلحةٍ بشدة.»
رد كينيون: «بالطبع، أنا لا أتوقَّع أن يكون لتقريري أيُّ أهمية.»
«حسنًا، يجب إرسال شخصٍ لإعداد تقريرٍ عن المنجم. هل أنت متأكد من أنه سيُثبِت قيمته بعد الفحص الدقيق؟»
«أنا واثقٌ من ذلك.»
«هل أنت على استعدادٍ لتقديم هذا العرض للمستثمرين؛ إنك ستدفعُ تكاليفَ سفر الخبير إذا جاء تقريره بعكس ما قلت؟»
قال كينيون: «سأكون على استعدادٍ لفعل هذا إذا كان لديَّ المال اللازم لذلك، لكنني ليس لديَّ هذا المال.»
«إذن، كيف تتوقع أن تطرح المنجمَ للبيع في سوق لندن؟ إن هذا لا يمكن أن يتمَّ دون مال.»
«ظننتُ أنني قد يكون بإمكاني أن أُثير اهتمامَ أحد أصحاب رءوس الأموال فيه.»
«أخشى كثيرًا، سيد كينيون، أنَّ لديك أفكارًا غيرَ واضحة عن كيفية تأسيس الشركات. ربما يعرف صديقك ونتوورث الكثير عن الأمر، نظرًا إلى كونه مراجعَ حسابات.»
«نعم، أعترف أنني أعتمد على نحوٍ أساسي على مساعدته.»
«حسنًا، هل تُوافق على جعل سعر المنجم مائتي ألف جنيه، ونتقاسَم ما سنربحه نحن الثلاثة معًا؟»
«إنه سعرٌ عالٍ.»
«إنه لن يكون كذلك إذا كان المنجم سيُحقق أرباحًا جيدة؛ إذا كان سيُحقق أرباحًا بنسبة ثمانيةٍ بالمائة. إن هذا المبلغ هو السعر الحقيقي للمنجم، وأنت تقول إنك متأكدٌ أنه سيُحقق أرباحًا بنسبة عشرة بالمائة.»
«أقول إنني أعتقد أنه سيُحقق أرباحًا بهذه النسبة. لا يمكن للمرء قطُّ أن يتحدث بتأكيدٍ تامٍّ عندما يتعلق الأمر بمنجم.»
«هل أنت على استعداد لجعلِ هذا المبلغ هو سعرَ المنجم؟ إذا لم تكن على استعداد لذلك، فلن تكونَ لي علاقةٌ بالأمر.»
«كما قلت، عليَّ استشارةُ صديقي بشأن هذا الأمر، لكن هذا يمكن أن يتمَّ في غضون وقتٍ قصير جدًّا، وسأرد عليك في المساء.»
«جيد؛ لا توجد مَدْعاة للعجَلة. تناقَشْ معه في الأمر، وبينما لا يُمكنني أن أعِدَ بشيء، أعتقد أن الأمر يبدو قابلًا للتحقيق، إذا كان المنجمُ جيدًا. تذكر أنني لا أعرفُ شيئًا عن الأمر على الإطلاق، لكن إذا وافقتَ على إشراكي فيه، فسيكون عليَّ معرفةُ التفاصيل الكاملة لما ستدفعه كمقابلٍ للمنجم وكذلك قيمته الحقيقية.»
«بالتأكيد. إذا وافقنا على أخذِ شريك، فسنعرِّف هذا الشريكَ بكامل التفاصيل.»
«حسنًا، لا يوجد شيءٌ آخر يمكن قولُه حتى تتشاورَ مع صديقك. طاب صباحك، يا سيد كينيون.» وهنا قام لونجوورث، وذهب إلى غرفة التدخين.
بقي كينيون في مكانه لبعض الوقت، آمِلًا في مجيء ونتوورث، لكنَّ الشابَّ لم يظهر. في النهاية، ذهبَ ليبحثَ عنه. سار بطولِ سطح السفينة، ولكن لم يجد أيَّ أثرٍ له، وبحثَ عنه للحظاتٍ في غرفة التدخين، لكن ونتوورث لم يكن هناك. نزل إلى أسفل للقاعة الرئيسية، لكن بحثه لم يكن مجديًا أيضًا. صعد على السطح ثانيةً، فوجد الآنسة بروستر تجلس بمفردها تقرأ روايةً غِلافُها ورقي.
سألها: «هل رأيتِ صديقي ونتوورث؟»
وضعَت الكتاب مفتوحًا على حجرها، ونظرت بسرعةٍ لأعلى إلى كينيون قبل أن ترد.
«لقد رأيتُه منذ مدَّة ليست بالطويلة، لكنني لا أعرف أين هو الآن. ربما ستجده في غرفته؛ في الواقع، أعتقد أنه مِن المحتمل بشدةٍ أن تجده هناك.»
بعد أن قالت الآنسة بروستر هذا، عاودَت القراءة في كتابها.
نزل كينيون إلى غرفته وفتحَ الباب ورأى رفيقَه يجلس على الأريكة المغطَّاة بالمخمل، ورأسُه بين يدَيه. وعند فتحِ الباب، جفَل ونظر للحظةٍ إلى صديقه، وبدا وكأنَّه لا يراه. كان وجهه شاحبًا ومريعًا للغاية، لدرجة أن كينيون استند على الباب حتى لا يقعَ عندما رآه.
صاح: «يا إلهي، جورج! ماذا بك؟ ما الذي حدَث؟ أخبِرْني!»
حدَّق ونتوورث أمامه بعينَين جامدتين للحظةٍ، لكنه لم يَرُد. ثم أخفض رأسه ثانيةً ووضعها بين يدَيه، ثم تأوَّه بصوت عالٍ.