الفصل الثامن
كان هناك رجلٌ واحد على متن سفينة «كالوريك» يُكنُّ له ونتوورث بغضًا شديدًا. كان اسمه فليمنج، ويزعم أنه سياسي من نيويورك. وحيث إن أيًّا من أصدقائه أو أعدائه لم يُثبت أي شيء سيِّئ بشأنه، فيُمكن الزعم أنه أشار إلى مهنته على نحوٍ صحيح. وإذا سُئل ونتوورث عن أكثرِ شيء يكرهه في الرجل، فربما كان سيقول رفعه المزعج للكُلفة. بدا أن فليمنج يعتقد أنه رجل ظريفٌ ولطيف، وكان معروفًا على نحوٍ كبير وسط طبقة معينة في غرفة التدخين. لقد كان سخيًّا بشدةٍ في دعواته الآخَرين لتناول الشراب معه، ودائمًا في جيبه علبةٌ مليئة بأنواع السيجار الفاخر، التي كان يُعطي منها بكرمٍ شديد لمن حوله. وكانت لديه عادةُ ضرب أيِّ رجل برفقٍ وصخب على ظهره، ثم كان يقول له: «حسنًا، أيها الصديق العجوز، كيف حالك؟ كيف تسير الأمور معك؟» وكان كثيرًا ما يقول لمستمعيه إنه رجلٌ صنَع نفسه بنفسه؛ فقد ذهب لنيويورك وليس في جيبه سنتٌ واحد، وانظروا الآن إلى ما وصَل إليه من مكانة!
أبدى ونتوورث برودًا تجاه الرجل؛ لكن البرود لم يكن له أيُّ تأثير على المِزاج المرح للسياسي الأمريكي.
قال فليمنج عندما ذهب إلى ونتوورث وشبَّك ذراعه بذراعه على نحوٍ ودود: «حسنًا، أيها العجوز! يا له من طقس جميل ذلك الذي نَحْظى به في وقت الشتاء!»
قال ونتوورث: «إنه جيد.»
«جيد؟ إنه بديع! مَن كان سيعتقد، عند ترك نيويورك في عاصفة ثلجيَّة كما فعلنا، أننا سنسير إلى هذا الربيع؟ أرجو أن تكون مستمتعًا برحلتك، أليس هذا هو الحال؟»
«بلى.»
«حريٌّ بك أن تكون هكذا. بالمناسبة، لماذا أنت متحفِّظ بشدة هكذا؟ هل هذا طبعُك أم أنك تبدو هكذا «في هذه المناسبة فقط»؟»
«أنا لا أعرف ما تقصده بكلمة «متحفِّظ»؟»
«أنت تعرف جيدًا ما أقصده. لماذا تتظاهر بأنك جامدٌ ورسمي جدًّا في تعاملك مع الآخَرين؟»
«أنا لا أكون أبدًا جامدًا ورسميًّا في تعاملي مع أحد إلا إذا كنتُ غيرَ راغبٍ في رفقته.»
ضحك فليمنج بصوت عالٍ.
«أعتقد أن هذا تلميحٌ شخصي. حسنًا، يبدو لي، إن كانت تلك الرغبةُ في الانعزال أصيلةً فيك، أنك ستكون أكثرَ خوفًا من مشاهير الصِّحافة أكثرَ من أي أحدٍ آخر.»
«لماذا تقول هذا؟»
«لأنني لا أستطيع، على الإطلاق، أن أفهم لماذا تقضي الكثيرَ من الوقت مع دولي ديمبل. أنا لا أعرف بالتأكيد لماذا هي هنا؛ لكنني أعرف الآتيَ: إنك ستظهر، دون أدنى شكٍّ، في نحو عمودَين أو ثلاثة أعمدة في صحيفة «صنداي آرجوس».»
«أنا لا أفهمُ ما تقصد.»
«لا تفهم؟! إن الأمر واضحٌ وضوحَ الشمس. إنك تقضي كلَّ وقتك معها.»
«أنا حتى لا أعرف عمن تتحدث.»
«أوه، كُن معقولًا فيما تقول؛ فهذا غير مقبول تمامًا! هل من الممكن أنك لا تعرف أن الآنسة جيني بروستر هي تلك الفتاة التي تكتب مقالاتِ الأحد هذه وتُمهِرُها باسم «دولي ديمبل»؟»
تملَّك خوفٌ غريب من ونتوورث عندما ذكر رفيقه صحيفة «آرجوس». تذكَّر أنها صحيفةُ جيه كيه ريفرز؛ لكن عندما قال فليمنج إن الآنسة بروستر مراسلةٌ للصحيفة، أصابته دهشةٌ شديدة.
قال متلعثمًا: «أنا … أنا … أنا لا أعتقد أنني فهمتُ تمامًا ما تقصد.»
«حسنًا، قصدي واضحٌ بالقدر الكافي بحيث يمكن لأيِّ أحد معرفتُه. ألم تقل لك هذه المعلومة؟ إذن، يُبين هذا أنها تريد الإيقاعَ بك. إنك لست سياسيًّا إنجليزيًّا، أليس كذلك؟ أنت ليست لديك أيُّ أسرار سياسية تريد دولي الحصولَ عليها، أليس كذلك؟ إنها أمهرُ فتاة في كافة أنحاء الولايات المتحدة الأمريكية في اكتشاف ما لا يريد الرجلُ أن يعرفه أحد. هل تعرف أن وزير الخارجية …» وأخذ فليمنج يسرد إحدى الخبطات الصحفية البارعة بشدةٍ التي قامت بها دولي؛ لكن الشخص الذي كان يتحدث إليه لم يكن له عينان ولا أذنان. ولم يسمع شيئًا ولم يرَ شيئًا.
قال فليمنج، وقد اعتدل في وقفته وضرب برفقٍ رفيقه على ظهره: «يا إلهي! يبدو أنك مذهولٌ بشدة. أعتقد أنني ما كان يجب عليَّ أن أكشف دولي على هذا النحو؛ لكنها تظاهرَت طوال الرحلة بأنها لا تعرفني، لذا، قرَّرتُ أن أنتقم منها. خذ بنصيحتي، وأي شيء لا تريده أن يظهر على صفحات الجرائد، لا تُخبر الآنسة بروستر به، هذا كلُّ ما في الأمر. هل تريد سيجارًا؟»
رد الآخَرُ على نحوٍ آلي: «لا، شكرًا لك.»
«من الأفضل أن تدخل وتحصل على شراب.»
«لا، شكرًا لك.»
«حسنًا، إلى اللقاء. سأراك لاحقًا.»
«لا يمكن أن يكون هذا صحيحًا … لا يمكن أن يكون هذا صحيحًا!» هذا ما كرَّره ونتوورث لنفسه في فزعٍ شديد، لكنَّ هاجسًا داخليًّا حذَّره قائلًا إن هذا في النهاية قد يكون صحيحًا. أخذ يذرع المكان جَيئةً وذَهابًا مشبكًا يديه خلف ظهره، وهو يحاول جمع شتات نفسِه … وتذكَّر ما قاله وما لم يقله. وبينما كان يسير هكذا، دون أن ينتبهَ لأحد، أثاره صوتٌ رقيق آتٍ من أحد الكراسي، وجعله يتوقف عن السير.
«عجبًا، سيد ونتوورث، ما خطبك هذا الصباح؟ تبدو كما لو أنك قد رأيتَ شبحًا.»
نظر ونتوورث إلى الفتاة الجالسة على الكرسي، التي كانت تُحملِق فيه بابتهاج.
قال في النهاية: «حسنًا، أنا لستُ متأكدًا، لكنني رأيتُ بالفعل شبحًا. هلا أجلس إلى جوارك؟»
«هل تستأذن؟ بالطبع، يمكنك الجلوس. سأكون سعيدةً إن فعلت. هل ثَمة خَطْبٌ أصابك؟»
«أنا لا أعلم. نعم، أعتقد أن ثَمة خَطبًا أصابني.»
«حسنًا، أخبرني به؛ فربما أستطيع مساعدتك. أنت تعرف مدى مكرِ المرأة. ما الأمر؟»
«هل لي أن أطرح عليكِ بضعة أسئلة، يا آنسة بروستر؟»
«بالتأكيد. ألف، إذا أردت، وسأردُّ عليها جميعًا إن استطعت.»
«شكرًا لكِ. هل يمكن أن تُخبريني، آنسة بروستر، إن كانت لكِ علاقةٌ بأي صحيفة؟»
ضحكَت الآنسة بروستر ضحكتها الرقيقة المرحة الصافية.
«مَن أخبرك؟ آه! عرَفتُ كيف سار الأمر. إنه ذلك الكائن الذي يُدعى فليمنج. سوف أنتقم منه بسبب هذا يومًا ما. أعرف المنصب الذي يسعى وراءه، وفي المرة التالية التي يُريد فيها مقالًا جيدًا من صحيفتي عنه، سيُعاقَب على ما فعَل؛ إن هذا سيحدث بطريقةٍ ما. إنني أعرف بعض الأشياء عنه التي سرعان ما سيَراها على صفحات الجرائد. أوه، يا له من رجلٍ أحمق! أعتقد أنه قال لك هذا رغبةً في الانتقام مني؛ لأنني لم أتحدث إليه في ذلك المساء. لا عليك؛ يمكنني الانتظار.»
«إذن … إذن، آنسة بروستر، هذا صحيح، أليس كذلك؟»
«بالتأكيد، هذا صحيح؛ هل هناك أيُّ مشكلة في هذا؟ أرجو ألا تعتقد أنه من المخزي العملُ مع صحيفة جيدة؟»
«مع صحيفة جيدة، لا؛ أمَّا مع صحيفة سيئة، فنعم.»
«أوه، أنا لا أعتقد أن صحيفة «آرجوس» صحيفة سيئة. إنها تدفع لي راتبًا جيدًا.»
«إذن، أنتِ تعملين مع صحيفة «آرجوس»؟»
«بالتأكيد.»
«هل لي أن أسالَكِ، آنسة بروستر، إن كان هناك أيُّ شيء قلتُه لكِ تنوين نشره في صحيفتكِ؟»
ضحكت الآنسة بروستر ثانيةً.
«سأكون صريحةً بشدةٍ معك. أنا لا أكذب أبدًا؛ فلا جدوى من ذلك. نعم. إن سبب وجودي هنا هو وجودُك هنا. أنا هنا لمعرفة خلاصة تقريرك وكذلك تقرير صديقك عن تلك المناجم. وقد عرَفتُ ما أريد.»
«وهل تنوين استخدام هذه المعلومات التي حصلتِ عليها — إن جاز لي القول — بالخداع؟»
«سيدي العزيز، إنك تنسى نفسك. يجب أن تتذكر أنك تتحدث إلى سيدة.»
صرخ ونتوورث في أسًى: «سيدة!»
«نعم، سيدي، سيدة؛ ويجب أن تكون حذرًا وأنت تتحدثُ إلى «هذه» السيدة. ليس هناك أيُّ خداع في الأمر، إذا كنتَ تتذكر. ما قلتَه لي في كلامنا أنا لم أسألك عنه. أنا حتى لم أسعَ للتعرُّف عليك.»
«لكن يجب أن تعترفي، آنسة بروستر، أنه ليس من العدل تمامًا أن تجعلي رجلًا ينخرطُ في حديثٍ يعتقد أنه خاص، ثم تنشري ما قاله.»
«سيدي العزيز، إن كان هذه هي الحال، فكيف سيُمكننا الحصولُ على أيِّ شيء للنشر لا يريد الناسُ أن يعرفه الآخرون؟ عجبًا، أتذكر ذاتَ مرة، عندما كان وزير الخارجية …»
قاطعها ونتوورث بضجر: «نعم، لقد ذكر لي فليمنج تلك القصة.»
«أوه، هل فعل؟ حسنًا، أنا ممتنةٌ له بشدة. إذن، أنا لن أحتاج إلى تَكْرارها.»
«هل تقصدين القول بأنكِ تنوين إرسال ما قلتُه لكِ سرًّا إلى صحيفة «آرجوس» كي يجريَ نشرُه؟»
«بالتأكيد. كما قلتُ قبل ذلك، هذا ما جئتُ إلى هنا من أجله. بالإضافة إلى ذلك، لا توجد أيُّ «سرية» في الأمر.»
«وهل ما زلتِ تتظاهرين بأنكِ سيدةٌ صادقة وأمينة وشريفة؟»
«أنا لا أتظاهر بذلك؛ أنا كذلك بالفعل.»
«إذن، ما مدى صحةِ قصتك التي تقول إنكِ ابنة مليونير على وشك زيارة أبيها في باريس، ثم مرافقته من هناك إلى منطقة الريفيرا؟»
ضحكت الآنسة بروستر بابتهاج.
«أوه، أنا لا أعتبر الكذبَ الأبيض، الذي على المرء أن يختلقه من أجل العمل، كذبًا.»
«إذن، أنتِ ربما لا ترَين أن زميلك المبجَّل، السيد جيه كيه ريفرز، قد تصرف على نحوٍ مُخزٍ في أوتاوا؟»
«أوه، لا على الإطلاق. أعتقد أن ريفرز لم يكن مُحقًّا فيما فعل لأنه لم ينجح في مهمته، هذا كل ما في الأمر. أراهن أنني لو كنتُ قد حصلت على الأوراق، لكانت ستُرسَل إلى نيويورك؛ لكن جيه كيه ريفرز رجل غبي.» ثم أضافت وهي تنظر نظرةً خبيثة إلى ونتوورث: «ومعظم الرجال أغبياء.»
«أنا على استعدادٍ للاعتراف بهذا، آنسة بروستر، إذا كنتِ تقصدينني. لا يوجد أبدًا رجلٌ أكثرُ غباءً مني.»
«سيدي العزيز ونتوورث، سيُفيدك كثيرًا لو أصبحتَ واعيًا بهذه الحقيقة. في الواقع، أنت تقسو على نفسك بشدة. أنت لن يَضُرك قِيدَ أنملةٍ نشرُ ما سأرسله في صحيفة «آرجوس»، ولكنه سيُساعدني بشدة. رجاءً انتظرني هنا لبضع لحظات.»
وهنا، ألقَت كتابها بقوةٍ على حِجره، وقامت، واختفَت بسرعة عبر الدرَج. وبعد وقت قصير جدًّا، ظهرت مرة أخرى ومعها بعضُ الأوراق في يدها.
«سترى الآن مدى نزاهتي وأمانتي. سأقرأُ عليك ما كتبت. إذا كان هناك أيُّ شيء فيه غيرَ صحيح، فلن أمانع في حذفه؛ وإذا كان هناك أيُّ شيء آخر يجب إضافته، فلن أمانع في إضافته. أليس هذا عدلًا؟»
كان ونتوورث مندهشًا بشدةٍ من وقاحة المرأة لدرجة أنه لم يستطِع الرد.
بدأت القراءة: «في سبقٍ صحفي غيرِ مسبوق، استطاعت صحيفة «نيويورك آرجوس» هذا الصباحَ أن تُقدم لقرائها عرضًا وافيًا وحصريًّا لما جاء في التقرير الذي كتَبه الخبيران الإنجليزيان، السيد جورج ونتوورث والسيد جون كينيون، اللذان أُرسِلا من قِبَل شركة لندن سينديكيت للتعرف على القيمة الحقيقية لمناجمِ نهر أوتاوا وفحص حساباتها.»
رفعَت بصرَها من الورقة ثم قالت، بنبرة واثقة ودودة:
«ما كنتُ سأرسل هذا لو ظننتُ أن الناس في الصحيفة في نيويورك ستكون لديهم الكفاءةُ الكافية بحيث يكتبونه بأنفسِهم؛ لكن حيث إن الصحيفة يُحرِّرها رجالٌ أغبياء وليس سيدةً ذكية، فعليَّ أن أجعلَهم يدفعون خمسة وعشرين سنتًا عن كلِّ كلمة مقابلَ الترويج لبراعتهم. حسنًا، دعني أستمرَّ في القراءة: «عندما نتذكر أن القرار الذي ستتخذُه شركة لندن سينديكيت سيعتمد بالكامل على تقريرِ هذين الخبيرين …»»
قاطعها ونتوورث في يأس: «ما كنتُ سأصوغ هذا على هذا النحو.» ثم أضاف: «كنتُ سأستخدم كلمة «إلى حدٍّ كبير» بدلًا من «بالكامل».»
قالت الآنسة بروستر باحترام: «أوه، شكرًا لك.» ووضعَت الورقة على رُكبتها وحذفَت، بقلمها الرصاص، كلمة «بالكامل» واستبدلت بها عبارةَ «إلى حدٍّ كبير». ثم تابعَت القراءة قائلةً: «عندما نتذكر أن القرار الذي ستتخذُه شركة لندن سينديكيت سيعتمد إلى حدٍّ كبير على تقرير هذين الخبيرَين، فلكم أن تتخيَّلوا مدى براعة صحيفتنا في الحصول على هذه المعلومات الحصرية التي ستُرسَل على الفور إلى لندن بالتلغراف.» هذه هي المقدمة، كما تُلاحظ؛ وكما قلت، ما كان سيكون من الضروريِّ إرسالُها بالتلغراف إذا كانت هناك نساءٌ على رأس الأمور في الصحيفة، وهو ما ليس الحال. ثم تابعَت القراءة: «لقد زار السيد جون كينيون، خبيرُ التعدين، كلَّ المناجم الموجودة بطولِ نهر أوتاوا، ويرى أن المناجم تستحق كلَّ ما قيل عنها؛ لكنه يعتقد أنها لا تعمل على نحوٍ ملائم، وأنها، إذا أُديرت على نحوٍ حكيم وتم التعدين فيها على نحوٍ أكثرَ دقةً، فيُمكن أن تُدِرَّ أرباحًا جيدة. أما السيد جورج ونتوورث، الذي يُعَد أحدَ أهم مُراجعي الحسابات في لندن …»
قال جورج ناخرًا: «ما كنت سأقول هذا.» ثم أضاف: «فقط عليكِ حذفُ الكلمات الآتية «الذي يُعد أحدَ أهم مُراجعي الحسابات في لندن».»
قالت الآنسة بروستر: «حسنًا، وماذا عليَّ أن أضع مكانها؟»
«ضعي مكانها «الذي يُعَد أغبى الأغبياء في لندن»!»
ضحكت الآنسة بروستر لقوله هذا.
«لا؛ سأستخدم الصياغةَ الأولى: «إن السيد جورج ونتوورث، الذي يعدُّ أحدَ أهم مُراجعي الحسابات في لندن، قد فحص الحسابات الخاصةَ بالمناجم المختلفة. وقد توصل إلى بعض الاكتشافات المثيرة. لقد تم ضبطُ الحسابات بحيث تُضلِّل المستثمرين تمامًا، وتلك الحقيقة سيكون لها تأثيرٌ كبير على رأي شركة لندن سينديكيت. كشفت حساباتُ المناجم المختلفة عن وجود أرباحٍ بنحوِ مائتي ألف دولار، في حين أن الحقائق الفِعلية للأمر هي أن هناك خَسارةً سنوية بنحو مائةِ ألف دولار …»»
صاح ونتوورث بحِدة: «ما هذا؟ ما هذا؟»
«دولار، كما تعلم. لقد قلتَ عشرين ألفَ جنيه. لقد جعلناها بالدولار، أتُصدق ذلك؟»
قال ونتوورث، راجعًا لهدوئه ثانيةً: «أوه.»
««مائة ألف دولار» … إلى أين وصلتُ؟ أوه، نعم. «زُعم أن خبيرًا أمريكيًّا قد فحص هذه الحسابات قبل السيد ونتوورث، وأنه أكد أنها صحيحة. ستكون هناك حاجةٌ الآن إلى تفسير هذا من قِبَل هذا الخبير.»»
صاحت السيدة الشابة: «ها أنا قد انتهيت! هذا هو صُلب المقال. بالطبع، قد أُسهب أكثرَ قليلًا قبل أن نبلغ كوينزتاون حتى أجعلهم يدفعون أكثر. إن الناس لا تُقدر الشيء الذي لا يُكلفهم الكثير. ما رأيك فيما كتبت؟ هل صُغته على نحوٍ صحيح؟»
رد الشاب البائس: «على نحوٍ صحيح تمامًا.»
«أوه، أنا سعيدة للغاية لأنه أعجبَك! أُحب أن أفعل الأشياء على نحوٍ صحيح.»
«أنا لم أقل إنني «أُعجِبت» به.»
«لا، بالطبع، لا يمكن أن يُتوقَّع منك أن تقول ذلك؛ لكنني سعيدة أنك رأيتَ أنه دقيق. سأضيف ملاحظةً مفادها أنك تعتقد أن هذا ملخَّص جيد لما ورَد في تقريرك.»
صاح ونتوورث: «بحق السماء، لا تُشركيني في هذا الأمر!»
«حسنًا، لن أفعل، إذا لم تكن تُريد مني أن أفعل.»
ساد الصمت لبضعِ لحظات، بدَا خلالها أن السيدة الشابة تُضيف فاصلاتٍ ونقاطًا ختاميةً للمسودة الموجودة على ركبتها. تنحنح ونتوورث مرتين أو ثلاث مرات، لكنَّ شفتَيه كانتا جافَّتَين للغاية لدرجة أنه ما كان يستطيع الكلام. وفي النهاية قال:
«آنسة بروستر، كيف يمكنني حثُّك على عدم إرسال هذا من كوينزتاون إلى صحيفتك؟»
نظرت إليه السيدة الشابة بابتسامةٍ مشرقة وبهيجة.
«تحثُّني؟ لا يمكنك فعلُ هذا؛ ولا يمكن أن يحدث هذا. ستكون هذه إحدى كبرى النجاحات التي حقَّقتُها في حياتي. فكِّر كيف أن ريفرز قد فشل في إنجازها، وأنجزتُها أنا!»
رد الرجل الشابُّ بيأس: «نعم، فكرتُ في هذا.» ثم أضاف: «قد لا تعرفين أن التقرير الكامل أُرسل بالبريد من أوتاوا لشركتنا في لندن، وأنني، عندما نصل إلى كوينزتاو، سأرسل برقيةً لشركائي لتسليم التقرير لمديري الشركة، هل تعلمين ذلك؟»
ردت الآنسة بروستر: «أوه، أعرف كل هذا. أخبرني ريفرز به. لقد قرأ الرسالة المتضمَّنة في المستندات التي أخذها من صديقك. والآن، هل قمتَ بأي حسابات بشأن رحلتك؟»
«حسابات؟ أنا لا أفهمُ ما تقصدين.»
«حسنًا، أنا أقصد ما يلي: إننا ربما سنصلُ كوينزتاون مساءَ السبت. وهذا الخبر، مراعاةً لفروق التوقيت، سيظهر في صحيفة «آرجوس» صباح الأحد. ستصلُ برقيتك إلى شركتك مساءَ السبت، حين لا يمكن فعلُ شيءٍ بشأنه. وفي يوم الأحد أيضًا لا يمكن فعل شيء بشأنه. في صباح الإثنين، قبل أن يصل تقريرُك إلى المديرين، سيكون صُلب ما ظهر في صحيفتنا قد ظهَر في الصحف الماليَّة، التي ستُرسل إلى لندن مساءَ الأحد. وأول شيء سيعرفه مديروك عن الأمر سيكون من خلال صحف لندن المالية في صباح الإثنين. هذا ما أقصده، يا سيد ونتوورث، بعمل حسابات الرحلة.»
لم يقل ونتوورث أيَّ شيء آخر. وقام على قدَميه وذهب بأفضلِ ما يُمكنه إلى غرفته، وهو يتلمَّس طريقه كالأعمى. وهناك، جلس واضعًا رأسَه بين يديه، وهناك وجده صديقه كينيون.