الفصل الخامس عشر
أول الحرب
نُذِر أهل مصر بغزوة العرب، وسمع المقوقس (قيرس) بسير هؤلاء الأعداء أُولي البأس،
وكان قبل ذلك قد أعدَّ شيئًا من وسائل
الدفاع؛ فحفر خندقًا حول حصن بابليون العظيم بقرب ممفيس، وزاد في تحصين الحصون الأخرى،
ورمَّم أسوار كثير من المدائن التي
كانت غزوة الفرس هدمت منها.١ وليس من الصدق قول القائل إن «قيرس» اشترى العرب فصرفهم عنه بجزيةٍ وعدهم بها، وقد قال
هذا الخبر أو أشار إليه
المؤرخ «تيوفانز».٢ وإنه من سوء الحظ أن مؤرخي اليونان يتخبَّطون في ظلمة، لا يصفون حقيقة ما كان من الحوادث
في ذلك العصر، ولا
يعرفون ما كان منها أولًا وما كان منها بعد.
وأضلُّ من «تيوفانز» المؤرخُ «نيقفوروس»،٣ وأبعدُ من كلا الاثنين عن الحق «الديوان الشرقي»؛٤ فإنهم جميعًا لم يفحصوا الحوادث التي يصفونها، ولم يدركوا حقيقتها، فلا فائدة فيها؛
لأنها تخلط في التواريخ
خلطًا فاحشًا، وتقلب الحقائق وتمسخها، بل إنها قد أضلَّت كل من اهتدى بنورها من الكُتاب
المُحدَثين، وقذفت بهم في المجاهل.٥ وحسبنا في هذا المقام أن نقول إنه ليس ثَمة كلمة صِدق واحدة فيما رواه هؤلاء اليونانيون
عن دفع المقوقس غزوة
العرب بجزية من المال يُعطيهم إياها، ولا يرِد لفظٌ واحد يشير إلى هذا الأمر في كتابٍ
كتبه أحد أهل الشرق، سواء أكان
فارسيًّا أم سريانيًّا أم قبطيًّا أم من العرب، اللهم إلا «ساويرس» وقد نقل عن «الديوان
الشرقي». والقصة كلها قائمة على
خطأٍ وقع فيه مؤرخو اليونان؛ فهي صورةٌ مشوَّهةٌ ممسوخة مما وقع بعد ذلك بزمنٍ طويل،
وسيأتي ذكر ذلك في حينه. ولم يكن لنا
بد من أن نبدأ بدحض هذا القول، وإذ فعلنا ذلك فلنمضِ في سبيلنا من وصف مسير عمرو في الصحراء.
غادر العرب العريش وما حولها من بساتين النخيل وساروا في الطريق إلى الغرب بعيدين
عن البحر؛ فإن الطريق بعد العريش تسلك قطعة من الصحراء تتخلَّلها بعض عيون وقُرًى، وهي
الطريق القديمة المؤدية إلى مصر،
شهدت مَن قدِم مصر قبل أن يلوح فجر العُمْران، كما شهدت مَقدم إبراهيم ويعقوب ويوسف وقمبيز
والإسكندر وكليوبترا٦ وأسرة المسيح، ثم وطئتها جيوش الفرس في غزوتها منذ حين، وكانت فوق ذلك في كل الأوقات
طريق التجار وأهل الأسفار
والحاج تتردد عليها القوافل بين آسيا وأفريقيا، وقبل أن تبلغ الطريق مدينة الفرما ببضعة
أميال تنحدر إلى الشمال الغربي
فتقتحم الكُثبان، وهي التلال المتنقلة من الرمال، ولم يلقَ العرب أحدًا من جنود الروم
حتى اقتربوا من المدينة.
ومدينة «بلوز» اسمها بالقبطية «برمون»، ويُسمِّيها العرب «الفرما»، وكانت على نهد
من الأرض على نحو ميل ونصف من البحر،
وكان لها مرفأ لعله كان متصلًا بالمدينة بخليج من البحر، وكان فرع من النيل اسمه الفرع
«البلوزي» يهوي إلى البحر بقربها.
وكانت مدينةً قديمةً قوية الحصون، بها كثير من آثار المصريين القدماء كما كان بها كنائس
وأديرة.٧ وكان لها شأنٌ كبير؛ إذ كانت مفتاح مصر من الشرق تُشرِف على طريق القادم من الصحراء،
وتملك ناصية البحر، ويجري
إليها فرع من النيل يؤدي إلى مصر السفلى. ومع كل ذلك، فالظاهر أنها لم تكن مَنيعة؛ فإن
الفرس وقد كانوا مُبرزين في فنون
الحصار لم يُعانوا مشقةً كبرى في فتحها، ولعلهم دكُّوا أسوارها وخرَّبوا من حصونها كما
خرَّبوا كنائسها، ولكن الروم
نُذِروا بمجيء العرب منذ زمن، ولقد كان في استطاعتهم إذا شاءوا أن يُرمِّموا ما تهدَّم
من أسوارها.
ولم يكن عند العرب الذين جاءوا مع عمرو شيءٌ من عُدة الحصار، ولم يكن لهم علم
بطُرُقه، وما كانوا ليستولوا على المدينة إلا بالمهاجمة وفتح الأبواب، أو بالصبر عليها
إلى أن يضطرَّ الجوع أهلها أن
ينزلوا إليهم. وليس لنا علم بعدد جندها، ولكن من الواضح أن العرب كانوا فئةً قليلة، فما
كانوا ليقدروا على حصارها من كل
جوانبها، فكانت مسلحتها تهبط إليهم بين حين وحين لقتالهم، واستمرَّت الحرب متقطعةً مدة
شهر، ويقول أحد المؤرخين٨ بل شهرين، ثم خرج إليهم جنودها مرة ليُقاتلوهم، ولما عادوا لائذين إلى مدينتهم تبعهم
العرب فملكوا الباب قبل
أن يقتحموه، وكان أول من اقتحم المدينة من العرب «أسميقع بن وعلة السبائي».٩ وقد روى المقريزي وأبو المحاسن أن قبط الفرما ساعدوا العرب أثناء الحصار، ولكن ذلك غير
صحيح، ولعل هذا رجوع
إلى القصة القديمة التي تعزو إلى القبط ظلمًا مساعدتهم للفرس، ولم يرِد ذكر لهذه المساعدة
في كل ما كُتِب قبل القرن الرابع
عشر، ولعل ما ذكرناه من ذكر أخذها عنوةً يكفي لتفنيد هذا الزعم. ولو ساعد القبط العرب
لمَا أحرق هؤلاء السفن وهدموا الحصن،١٠ ولمَا فعلوا ما فعله الفرس من قبلهم من تخريب الكنائس الباقية في الفرما.١١ ولنا فوق ذلك دليلٌ آخر على كذب هذا الزعم، وهو ما قاله «حنا النقيوسي»١٢ في ديوانه، وكان حنا من الأحياء قرب ذلك العهد. قال: إن القبط لم يساعدوا المسلمين إلا
بعد أن استولوا على
الفيوم وإقليمها. ولسنا ندري على التحقيق في أي وقت كان هذا، ولكن من الجلي أنه لم يكن
إلا بعد فتح حصن «بابليون»، ولم تكن
تلك المساعدة إلا مساعدةً قليلة لا تعدو بعض الأمور.
فلمَّا ملك العرب الفرما صار في أيديهم مَعقلٌ يؤمِّن لهم الطريق المؤدية إلى بلادهم،
ويضمن لهم سبيل الرجوع إذا نزلت
بهم هزيمة. وقد فطنوا بعد فتح الفرما إلى ما هم مُقبِلون عليه من الأمر الخطير إذا أتيح
لهم فتح حصن بابليون والإسكندرية
العظيمة، ولا بد أن يكون عمرو قد أدرك أنه لن يستطيع شيئًا إذا لم يُوافِه عمر بن الخطاب
بما وعده من الأمداد، وكان يعرف
أن الأمداد لن تستطيع أن تخلص إليه إلا عن طريق الفرما.١٣ ولم يكن معه من الجند من يقدر على أن يخلفه في المدينة ليحرسها؛ وعلى ذلك لم يكن له
بد من هدم أسوارها وحصونها
حتى لا يستفيد بها العدو لو عاد إلى تملُّكها. ولسنا ندري ما كان يصنعه الروم في هذه
الأثناء، فأغلب الظن أن «قيرس» كان
مُوقنًا أن المسلمين لا بد لهم أن يسيروا إلى مصر بعد أن تخلص لهم الشام، وأن الأمر واقع
لا محالة؛ فكان الحزم يقضي عليه
أن يُقِيم الأرصاد والربط في الصحراء، حتى أكناف العريش على الأقل، حتى يأتيه العلم بمسير
القوم إليه في حينه، ليستطيع
التعبية ويسير للقائهم بمن معه جميعًا عند الفرما. ولو أرسل الروم عشرة آلاف من جندهم
ليُقاتلوا عمرًا أثناء سيره، أو
جمعوا ذلك الجيش تحت حصن المدينة؛ لمَا عجزوا أن يهزموا تلك الفئة القليلة من أعدائهم
العرب. على أن ذلك لو حدث لمَا حال
بين المسلمين وبين فتح البلاد أمدًا طويلًا، ولكن الروم لم يصنعوا من ذلك شيئًا، بل اعتمدوا
على من في المدينة من الجند في
أمر الدفاع عنها. وقد يقال إن العرب قد بغتوهم في أول الأمر، وإنهم لم يُنذروا بمسيرهم
عند ذلك، ولكن الروم لم يتحركوا في
أثناء الحصار وقد لبث شهرًا، فلم يبعثوا أحدًا لنجدة المدينة أو تخليصها؛ فكان قعودهم
عن الفرما وإسلامهم لها أول ما
ارتكبوه من خطل في تلك الحرب، وقد كانوا يستطيعون اتقاء هذا؛ وعلى ذلك يصح لنا أن نقول
إن ذلك القعود أول ما ارتكبه «قيرس»
من خيانته العظمى لدولته، فلعله كان عند ذلك قد عوَّل على أن يعمل على فصل بطرقة الإسكندرية
وشقها عن القسطنطينية بالاتفاق
مع العرب وإعانتهم على دولته، ولسنا نجد غير هذا الرأي ما نفسر به مسلكه، ولا سيَّما
ما وقع منه بعد ذلك.
كان عند ذلك قد مضى نصف شهر يناير من عام ٦٤٠ للميلاد، وذلك العام الميلادي يكاد
يتفق مع سنة١٤ ١٩ من الهجرة، ثم سار عمرو في سبيله، ولم ينقص عدد جيشه؛ إذ لحق به من البدو من عوَّض
عليه الذين قُتلوا في
المناجزة الأخيرة أو لقد زاد عليهم، وقد لحق به هؤلاء البدويون حبًّا في القتال وطمعًا
في الغنيمة.١٥ وسار من السبخة التي حول الفرما إلى أرضٍ تليها يُغطيها رمل قد خالطه الصدف الأبيض،
حتى بلغ مدينة «مجدول» القديمة،١٦ وهي في الجنوب الغربي من الفرما، ومن ثَم سار إلى موضعٍ يقع على قناة السويس مكانه الآن
«القنطرة»، وفي ذلك
الموضع تصير الأرض فدفدًا صلبًا يُغطيه المدر، تعترضه مواضع ينبت فيها العشب، أو غياض
من ماءٍ أجاج ينبت فيها القصب
والغاب. وقد لزم العرب جانب الصحراء، ولعلَّهم قصدوا إلى مدينة الصالحية، مُخالفين في
ذلك أكثر من عداهم من فاتحي مصر؛ فإن
قمبيز مثلًا سلك طريقًا أخرى؛ إذ ضرب إلى الغرب من بعد الفرما إلى «سنهور» و«تانيس»،
ومن ثَم إلى «بوباستيس» في مصر السفلى.١٧ ولكن في وقت غزو العرب كانت مياه بحيرة المنزلة قد طغت على ما حولها، فأصبحت الطريق
من هناك صعبة المسالك،
وكان جيش عمرو كله من الفُرسان، ولم يكن عندهم شيء من وسائل بناء القناطر على الترع والأنهار،
ثم سار عمرو من الصالحية أو
«القصاصين» إلى الجنوب، فاجتاز تلال وادي الطميلات١٨ في موضعٍ قريب من مكانٍ اشتهر اليوم بوقعةٍ كانت فيه، وهي وقعة التل الكبير. فلما خرج
من الوادي لم يبقَ دونه
إلا سيرٌ هيِّن حتى يبلغ بلبيس.
وقد بدا من الروم في ذلك الموضع شيء من المقاومة، وكانت طلائعهم قد خرجت ترقب قدوم
العرب من الصحراء، ولكنها لم تُحاول
إلا مُناوشة ليس فيها كبير قتال. والظاهر أن قصة بعث المقوقس باثنين من الأساقفة، وهما
أبو مريام (أو أبو مرتام)
وأبو مريم، لمفاوضة العرب لم تكن سوى قصةٍ بعث بها الوهم؛١٩ فلم يكن بين الأساقفة أحد بتلك الأسماء، ولعل تلك القصة لم تنشأ إلا من الخطأ العظيم
الذي وقع
فيه مؤرخو العرب عندما قرءوا أخبار هذه الحوادث، وقد اختلطت فيها حوادث التاريخ
بالخرافات اختلاطًا فاحشًا، ومسخها النسَّاخون عند نقلهم منها لم يتحرَّوا فيها الدقة،
ولكننا مع ذلك نستطيع أن نقول إنه
قد جاءت جماعة عليها أحد الأساقفة، وإنهم فاوضوا عمرًا في ذلك الوقت. ويقول الطبري فوق
هذا إن عمرًا طلب إلى القبط أن
يساعدوا المسلمين لِما كان بينهم وبين العرب من قرابة في النسب؛ إذ تجمعهم «هاجر»، ولكن
القبط قالوا إن هذه قرابةٌ ما
أبعدها. فأمهلهم عمرو أربعة أيام ليأتوا إليه بما استقروا عليه، ولكن ما كان قائد الروم
لينظر في مثل هذا القول. ولعل ذلك
القائد الذي يُسمِّيه العرب أرطبون، وصحة اسمه «أريطيون»، هو نفسه حاكم بيت المقدس،٢٠ وكان قد هرب إلى مصر كما رأينا قُبيل تسليم المدينة لعمر بن الخطاب. وقد عزم أريطيون
قائد جيش الروم على أن
يُناجز العرب، فلم يشعروا في اليوم الثاني بعد المفاوضة إلا وقد بيَّتهم بياتًا شديدًا،
ولكن الدائرة دارت عليه فهُزم
وتمزَّق جيشه.٢١ غير أن العرب لبثوا عند بلبيس مدة شهر جدث في أثنائه قتال كثير، وقُتل من العرب فيه
عدد ليس بالقليل، ويقال إن
الروم خسروا ألف قتيل وثلاثة آلاف أسير.٢٢
وصار عمرو بعد ذلك على مسيرة يوم من مفترق فرعَي النيل، فمرَّ بمدينة «هليوبوليس»
سائرًا على جانب الصحراء، ثم هبط إلى قرية على النيل اسمها «أم دنين»، وكانت إلى الشمال
من حصن «بابليون»، وموقعها اليوم
في قلب «القاهرة».٢٣ ولكن جيش الروم كان عند ذلك قد تنبَّه إلى الخطر، وما كان ليرضى أن تقع تلك القرية في
يد الغزاة، وهي موضعٌ
حصين يُجاوره مرفأ على النيل فيه سفنٌ كثيرة، وفي ذلك ما فيه من القيمة في الحرب. وكان
أمير الجيوش الرومانية في مصر واسمه
«تيودور» رجلًا نكولًا عاجزًا في الحرب، ولم يتبين له إلا عند ذلك أن تلك الحرب لم تكن
غارة من غارات البدو، بل كانت حربًا
مخطرة. ولعل «قيرس» المقوقس حاكم مصر وبطريق الإسكندرية الإمبراطوري أسرع عند ذلك مع
«تيودور» إلى حصن بابليون، وجمعا فيه
جندًا ليعبئا فيه جيشًا لحرب العرب، وكانت في أم دنين مسلحةٌ قوية؛ ولهذا كان في استطاعة
الجيش الرومي الأكبر الذي في
الحصن أن يهبط في أي وقت شاء إلى العرب، ثم يعود إذا شاء إلى حصنه آمنًا وراء أسواره
العظيمة، ومضت على ذلك أسابيع عدة في
مُناوشة وقتالٍ خفيف لم يؤذِ الروم أذًى كبيرًا، ولكنه قلَّل من عدة المسلمين بمن كان
يُقتَل منهم، ولا سيَّما وقد أجهضهم
القتال من قبلُ حتى صاروا في قلةٍ لا تستطيع إتمام ما جاءت له من الفتح.
والحق أن عمرًا كان عند ذلك في حرجٍ مخطر، وكان قد أرسل يتجسَّس البلاد، وعرف أنه
لن يستطيع أن يفتح حصن «بابليون»، أو
أن يُحاصره بمن بقي معه من الناس، بل رأى أنه لن يستطيع فتح مدينة مصر، وكانت متصلة بالحصن
تكاد تُحيط بجوانبه. وكان
المسلمون قد جاءوا إلى مصر راغبين في القتال واثقين في شجاعتهم وحُسن بلائهم في الحروب،
غير أنه لم يلقوا فوزًا متصلًا في
جميع المواقف الأخيرة كما كانوا يتوقعون. وكان عمر بن الخطاب قد وعدهم بالأمداد، فأرسل
عمرو إليه يستحثُّه على إرسالها،
ولكنها أبطأت عنه، وكان كل يوم من أيام إبطائها غُنمًا لأعدائه، حتى أصبحت كفَّتا الحرب
مُترددتين، وخُيِّل إلى الناس أن
النصر في إحداهما لا يدري أحدٌ أيتهما ترجح.٢٤ ولكن ذلك الخطر ما كان ليردَّ القائد العربي عن قصده، فلم تكن من شيمته أن ييئس أو يفرَّ.
فلما رأى أنه لن
يستطيع فتح حصن بابليون بمن معه وهو ما كان يرمي إليه، عزم على أن يسير إلى وجهٍ آخر
كان فيه من الجرأة، ولم يكن ذلك سوى
إقليم الفيوم، وهو إقليمٌ خصب على نحو خمسين ميلًا إلى الجنوب في الجانب الغربي للنيل،
وهو العدوة القصوى، ولم يكن له على
ذلك بد من أخذ «أم دنين» ولو لوقتٍ ما، فعوَّل على أن يفعل ذلك مهما لقي في سبيله. ولسنا
نعلم كيف أخذ ذلك الموضع، ولكنا
نعلم أنه كلَّف من معه من الناس مشقةً كبرى. نعلم ذلك من قصةٍ تُروى عن ذلك العصر؛٢٥ إذ قيل إن عمرًا رأى جماعة يُخيمون في القتال، فجعل يذمرهم ويحثُّهم، فقال له رجل منهم:
«إنا لم نكن «حجارة»٢٦ أو حديدًا.» فقال له عمرو: «اسكت فما أنت إلا كلب!» فقال الرجل: «إذن فأنت أمير الكلاب.»
فكان جوابه هذا
باعثًا على ضحك من حوله، وأعرض عنه عمرو فلم يُجازِه على ذلك.
ولكن مهما كان من أمر القتال وشدته، فقد أتم العرب ما قصدوا إليه وأخذوا «أم دنين»،
فملكوا بذلك منزلًا على النيل جعلوا
فيه مسلحة منهم، واستطاع عمرو أن يأخذ من السفن ما يكفي بقية جنده لاجتياز النهر.٢٧
١
هذا ظاهر من نص النبوءة في تاريخ حياة شنودة Mem. Misc. Arch. Franc. (الجزء
الرابع (١)، صفحة ٣٤٠).
٢
Corp. Hist. Scrip. Byzant.، الجزء ٤٤، صفحة ١٦٧:
ثم يُورِد بعد ذلك قصة مجيء منويل وحلوله محله، وسنعود إلى ذكر ذلك في آخر هذا الكتاب.
«ثم ساروا إلى مصر، ولما سمع قيرس أسقف الإسكندرية بغزوتهم نهض واتفق معهم على صلح خوفًا من طمعهم، فوعدهم أن تدفع مصر جزيةً قدرها ٢٠٠٠٠٠ دينار كلَّ عام، فأنجى مصر من تخريبهم مدة ثلاث سنوات، ثم اتهمه الإمبراطور بأنه يدفع الذهب المصري إلى العرب.»
٣
يقول إنه «بينما كان هرقل لا يزال في الشرق، أرسل حنا قائد «برقينة» ليُقاتل العرب في
مصر.» وهو يذكر بعض مواقع،
ويذكر طلب الصلح من عمرو. وقد قال إنه عرض على عمرو أن يتزوج من ابنة الإمبراطور ويتنصَّر.
ويقول إن كل هذا كان
قبل أن يُبارح هرقل بلاد الشام؛ أي قبل سبتمبر سنة ٦٣٦، في حين أن العرب كانوا عند ذلك
لم يفكروا بعدُ في غزو
مصر.
٤
جاء في هذا الديوان أن العرب عندما أتَوا مصر أجلى هرقل كل الجنود الذين كانوا فيها حتى
أسوان، ودفع للمسلمين
الجزية لمدة عشر سنوات حتى استنفد كل ما كان في الخزائن. وإنه لمن الصعب أن نعرف أي سنوات
عشر يقصدها ذلك الديوان،
ولعل هذه العبارة تشير إلى الشام. وإذا كان المقصود منها أن هرقل دفع عن مصر الجزية لمدة
عشر سنوات، كان لنا أن
نقول إن هذا القول لا أساس له. ومن العجيب أن نجد النسخة المخطوطة التي في القاهرة من
كتاب «ساويرس» تُورِد هذا
الخبر عينه بلفظه، إلا أنها تجعل المدة ثماني سنوات بدل عشر، والقصة التي في النسخة المخطوطة
بالمتحف البريطاني
بالغةٌ حدَّ السخف. وإنه من الواضح أن الكاتب القبطي للديوان الشرقي كان ينقل عن «ساويرس»،
ولا بد أن «ساويرس» نقل
عن بعض مؤرخي اليونان قصة هذه الجزية، ولكنه لم يُكلف نفسه عناء التوفيق بينها وبين ما
ذكره عن غزوة العرب ولا عن
اضطهاد قيرس. وهذه القصة التي تُذكر فيها هذه الجزية لا ترِد في أي تاريخ من تواريخ العرب.
٥
لعل خير مثل لهذا التضليل هو كتاب ليبو Hist. du Bas Emp.؛ فإنه لا يمكن أن
يُعتمد عليه من صفحة ٢٧٢ في الجزء الحادي عشر؛ فهو يجعل حوادث «منويل» قبل غزوة عمرو.
وقد ضل
Drapeyron كذلك في كتابه L’Empereur Herac.
(صفحة ٣٩٦). وكذلك المؤرخون الإنجليز من «جبون» إلى «بيوري»، وقد أخذ ثانيهما عن «ليبو»
خبر غزوة منويل
(Later Rom. Emp.، الجزء الثاني، صفحة ٢٦٩، هامش ٣). وكذلك المستر «ملن» في
كتابه Eg. Under Rom. Rule (صفحة ١١٥)؛ فإنه يقول إن العرب دُفع غزوهم في أول
الأمر بما كان يُدفع إليهم من المال، ويذكر نص ما قاله Paulus Diaconus (الجزء
الثامن عشر، صفحة ٥٧٩)، في حين أن كتاب Paul لا قيمة له، ولا يصح الاعتماد عليه،
وقصته في هذا الشأن منقولة عن «تيوفانز»، وهو كما بيَّنَّا عديم الدقة في كل ما يتعلق
بفتح العرب. وقد لُخِّص في
مقال بمجلة Asiatic Quarterly Rev. كل ما كان يُحسب تاريخًا لغزوة عمرو، لخَّصه
كاتبٌ شرقي لا بأس بمقدرته، وهو «س. خدابخش»، يوليو سنة ١٩٠١، وقد قال: «ولم يُقابَل
عمرو كما يُقابَل العدو، بل
رحَّب به الناس كمُخلِّص. وقد كان البطريق قيرس بالاتفاق مع المقوقس يأملان أن يدرآ شرور
الحرب بدفع جزية سنوية
للعرب. وكان هذا منهما سخفًا وبلاهة، ولكن هرقل أبى هذا وأرسل منويل للدفاع عن ذلك الإقليم
… إلخ.» وإنه لا يكاد
يوجد بهذه العبارة حرفٌ واحدٌ صحيح، ويمكن أن نقول ذلك عن رواية «أوكلي» عن فتح العرب،
ولعل تلك الرواية هي السبب
في أكثر الروايات الفاسدة في التواريخ الحديثة. وإنك لتجد في «درابيرون» مثالًا لِما
يمكن أن تؤدي إليه هذه الآراء
الفاسدة عن قيرس وهذه الأخبار الكاذبة عن الجزية إذا ما وصلت إلى كاتبٍ واسع الخيال؛
فإنه يذكر أن قيرس كان
«سوريًّا ماكرًا»، استطاع أن يوقف غزو العرب عند برزخ السويس بأن دفع جزيةً مقدارها ٢٠٠٠٠٠
دينار استُدين بعضها
باسم المقوقس! (انظر كتاب L’Empereur Heraclius، صفحة ٣٩٦).
٦
حنا النقيوسي، صفحة ٤٠٧.
٧
انظر كتاب «أبي صالح»، صفحة ١٧٦، وما كتبناه هناك تعليقًا، ويمكن أن نُضيف هنا أن قبر
جالينوس الطبيب بالفرما
كما ذكر الإصطخري Bibl. Geog. Arab. ed. Goeje (الجزء الأول، صفحة ٥٣). وفي الوقت
الحاضر توجد في موضع الفرما تلالٌ حمراء يمكن أن تظهر عن بُعد من قناة السويس، وتوجد
بعض أطلال أبنية يُقال إنها
رومانية، وإننا لنرجو أن يُكشف موضع هذه المدينة كشفًا علميًّا.
٨
جاء في ياقوت أن المدة كانت شهرين، وأما ابن بطريق والمقريزي وسواهما فيقولون إنها كانت
شهرًا.
٩
الكندي، ونقل عنه السيوطي. (المؤلف)
وصحة الرواية ليست عن الكندي، ونقل عنه السيوطي مباشرةً، بل إن القضاعي نقل عن الكندي، وأخذ السيوطي قول القضاعي في كتابه «حسن المحاضرة»، وقد جاء فيه ما يلي: «وقد لخَّص القضاعي في كتابه الخطط قصة فتح مصر تلخيصًا وجيزًا، فقال ومن خطه نقلت: لما قدِم عمرو بن العاص … كان أول موضع قُوتِل فيه الفرما قتالًا شديدًا نحوًا من شهر، ثم فتح الله عليه. قال أبو عمرو الكندي: كان أول من شد على باب الحصن حتى اقتحمه أسميقع بن وعلة السبائي، واتبعه المسلمون فكان الفتح.» (المعرِّب)
ملاحظة: جاء في الأصل عقب ذكر ابن وعلة هنا: «وقد روى عنه المقريزي»، ولكنا لم نجد لهذا الرجل روايةً نقلها أحد عنه. والظاهر أن المؤلف لا يشير إليه بقوله: «وقد روى عنه المقريزي»، بل يشير إلى الاسم الذي جاء في الهامش، وهو الكندي. (المعرِّب)
وصحة الرواية ليست عن الكندي، ونقل عنه السيوطي مباشرةً، بل إن القضاعي نقل عن الكندي، وأخذ السيوطي قول القضاعي في كتابه «حسن المحاضرة»، وقد جاء فيه ما يلي: «وقد لخَّص القضاعي في كتابه الخطط قصة فتح مصر تلخيصًا وجيزًا، فقال ومن خطه نقلت: لما قدِم عمرو بن العاص … كان أول موضع قُوتِل فيه الفرما قتالًا شديدًا نحوًا من شهر، ثم فتح الله عليه. قال أبو عمرو الكندي: كان أول من شد على باب الحصن حتى اقتحمه أسميقع بن وعلة السبائي، واتبعه المسلمون فكان الفتح.» (المعرِّب)
ملاحظة: جاء في الأصل عقب ذكر ابن وعلة هنا: «وقد روى عنه المقريزي»، ولكنا لم نجد لهذا الرجل روايةً نقلها أحد عنه. والظاهر أن المؤلف لا يشير إليه بقوله: «وقد روى عنه المقريزي»، بل يشير إلى الاسم الذي جاء في الهامش، وهو الكندي. (المعرِّب)
١٠
النسخة المخطوطة بالمتحف البريطاني من كتاب «ساويرس» (صفحة ١٠٥). وقد أعيد بناؤها فيما
بعد، ولم تُدمَّر
نهائيًّا إلا على يد بلدوين الأول؛ إذ دمَّرها قبل تقهقره في سنة ١١١٨ للميلاد.
١١
أبو صالح، صفحة ١٦٨.
١٢
صفحة ٥٥٩. وإن Weil الذي ينقل هذا الخبر ويُبالغ فيه ضد القبط في كتابه
Geschichte der Chalifen لم يرَ كتاب «حنا النقيوسي»، وهو على أي حال مُصنفٌ،
وليس بالباحث أو الناقد في تاريخ ذلك العصر.
١٣
هذا الرأي ينقض قول ابن خلدون العجيب إذ يقول: «فحاصَر العرب عين شمس (هليوبوليس)، وأرسلوا
أبرهة بن السفاح
لحصار الفرما وعوف بن مالك لحصار الإسكندرية» (كتاب العِبر وديوان المبتدأ والخبر في
أيام العرب … إلخ، ملحق الجزء
الثاني، صفحة ١١٤). ولكن رواية ابن خلدون لا يُصدقها أحد؛ فهو مثلًا يقول إن أول موضع
أتى إليه هو «باب اليون»،
ومن هناك يقول إن عمرًا سار إلى مصر. فهو يخلط بين الفرما وبابليون، ثم بعد ذلك يجعل
عين شمس موضع حصار طويل؛ فهو
يخلط بينها وبين بابليون كذلك. والظاهر أنه نقل عن عدة كتب مخطوطة، ولعله صحَّحها بغير
أن يفهم شيئًا من تاريخ تلك
المواضع أو مواقعها. ويقول ابن الأثير: «وأول موضع فُتح هو بابليون، ثم سار عمرو إلى
مصر» (انظر طبعة تورنبرج،
الجزء الثاني، صفحة ٤٤٠).
ويجدر بنا أن نذكر هنا أن المقريزي يروي عن سيف بن عمر أنه قد أُرسلت من عين شمس سريةٌ إلى الإسكندرية. ولكن يظهر أن مثل هذه السرية تكاد تكون مستحيلة، ولو كانت ممكنة لكانت عملًا في نهاية الحمق من الوجهة الحربية.
ويجدر بنا أن نذكر هنا أن المقريزي يروي عن سيف بن عمر أنه قد أُرسلت من عين شمس سريةٌ إلى الإسكندرية. ولكن يظهر أن مثل هذه السرية تكاد تكون مستحيلة، ولو كانت ممكنة لكانت عملًا في نهاية الحمق من الوجهة الحربية.
١٤
أول عام سنة ١٩ للهجرة هو ٢ يناير سنة ٦٤٠، وآخرها يوم ٢٠ ديسمبر سنة ٦٤٠.
١٥
قال المقريزي إن قبيلة راشدة وبعض قبائل لخم لحقت بعمرو عند جبل الجلال. في القرن الماضي
في سنة ٥٦٥ ذكر
أنتونيوس الشهيد، وقد مر بهذا الطريق في حجه إلى الأماكن المقدسة، أن هناك صنمًا عظيمًا
للعرب، وأنهم يقيمون عيدًا
في جبل «هريب»، ويذكر القبائل المغيرة وضربها في الصحراء بقرب «فرا»، ولعلها هي الفرما
(انظر كتاب
Pal. Pil. Text Soc. الجزء الثاني، صفحة ٣٠–٣٣). وأما قبائل لخم فكانت غير
عربية (انظر ابن دقماق، الجزء الرابع، صفحة ٥).
١٦
الظاهر أن Jacques de Vitry يقصد «مجدول» في قوله: «ووراء الفراميا (الفرما)
مدينةٌ أخرى قديمة في الصحراء بقرب الساحل.» ولكنه كثير الخلط؛ إذ يقول بعد ذلك: «وبعدها
مدينة بلبيس، وهي التي
تُسمى «بلوز»، وهي على خمسة بُرُد من الساحل» (انظر Pal. Pil. Text Soc.، الجزء
الحادي عشر، صفحة ١٤).
١٧
حنا النقيوسي، صفحة ٣١٢. والأسماء العربية الحديثة لهذه البلاد هي «سنهور» و«صان» و«تل
بسطة» أو
الزقازيق.
١٨
هذه العبارات من «ساويرس» (النسخة المخطوطة بالمتحف البريطاني) صفحة ١٠٥، ونقل عنه أبو
صالح، صفحة ٧١. ولا أرى
تلالًا أخرى هناك يمكن أن يقصدها غير تلال وادي الطميلات. وقد جاء في النسخة الخطية التي
بالقاهرة أنهم أخذوا
التلال «الجبل»، وقد يكون معنى ذلك أنهم ساروا في الصحراء.
١٩
يظهر أن ابن الأثير صاحب هذه القصة، وقد بحثتها ونقضتها في ذيل الكتاب في الباب الذي
أفردته بالمقوقس.
(المؤلف)
ولكن هذه القصة موجودة في غير ابن الأثير؛ فمثلًا نجدها في تاريخ ابن جرير الطبري وهو قبل ابن الأثير، ولكنه يجعلها عند ذهاب العرب إلى قصر بابليون. (المعرِّب)
ولكن هذه القصة موجودة في غير ابن الأثير؛ فمثلًا نجدها في تاريخ ابن جرير الطبري وهو قبل ابن الأثير، ولكنه يجعلها عند ذهاب العرب إلى قصر بابليون. (المعرِّب)
٢٠
انظر ما سبق في (مصير العرب في مصر) وظاهر في الاسم تحوير «أريطيون» إلى «أرطبون». وقد
ذكر أبو المحاسن الاسم
الصحيح.
٢١
ابن خلدون.
٢٢
يمكننا أن نُصدق ما يأتي من القصة اللذيذة، قصة أرمنوسة ابنة المقوقس التي ذكرها الواقدي؛
فإنه يذكر أنها كانت
في طريقها إلى قيصرية لتُزَف إلى قسطنطين بن هرقل، فلما علمت أن قيصرية قد حاصرها العرب
عادت إلى مصر بما كان معها
من الخدم والمال، فما وصلت إلى بلبيس حتى جاءتها جيوش عمرو وحاصرتها، وقيل إن عمرًا أكرمها
وأعادها إلى أبيها بما
كان معها من الجواهر. ولا حاجة بي إلى إضاعة الوقت في تفنيد هذه القصة؛ فإن مجرَّد العلم
بأن المقوقس كان بطريق
الإسكندرية كافٍ لدحضها. وقد جاءت القصة في كاترمير (Mem. Hist. et Geog.، الجزء
الأول، صفحة ٥٣). وقد بنى عليها القس المحترم «ش. ﻫ. بوتشر» روايته التاريخية «أرمنوسة
المصرية». ويجدر بنا هنا أن
نذكر أن أبا صالح قال إن «أرمنوسة» هي الاسم المصري القديم لمدينة أرمنت (صفحة ٢٧٩).
وقد ذكر ابن عبد الحكم بغيرِ
دقةٍ أنها امرأة المقوقس، وذكر كرمًا كان لها أغرقته فصارت منه بحيرة مريوط. وإنه لمِمَّا
يؤسف له أن هذه القصص
التي يُمليها خيال ألف ليلة وليلة مما يجب علينا إبعاده عن التاريخ.
٢٣
نظن أنه ليس من شك في أن هذا الموضع الذي يُسميه العرب «أم دنين» هو الذي يُسميه «حنا
النقيوسي» «تنونديس»؛ فإنه
إذا أزيل الحرف الأول منها وهو دليل على المؤنث في اللغة القبطية صار التشابه بين الاسمين
عظيمًا. وقد أخطأ
زوتنبرج (صفحة ٥٥٧، هامش ٢) بأن جعل «تنونديس» إلى جنوب حصن بابليون؛ فإن سياق الخبر
يجعل ذلك غير محتمل. ولكن قد
جاء في ياقوت والمقريزي صراحةً أن «أم دنين» هي المقس على الضفة الغربية للخليج (خليج
تراجان) وعلى نهر النيل.
ويقول المقريزي إنها كانت ميناء مصر في وقت الفتح. ومن المعلوم أن المقس كان في الموضع
الذي فيه اليوم حديقة
الأزبكية، وقد كان النيل عند ذلك يجري بجوار حصن بابليون ودير «أبي سيفين»، فكان مجراه
إلى شرق المجرى الحالي
بكثير، وكان بعد مروره بالكبش يتجه شمالًا إلى ذلك الموضع (المقس)؛ وعلى ذلك فقد كان
الحصن الروماني «تنونديس»
هناك قرب الأزبكية ومعه ميناء مصر ومراسيها، وكان هناك ميدان القتال الذي حدث. ولعل اسم
«تنونديس» مُشتق، كما ذكر
المسيو «كزانوفا»، من اللفظ القبطي ⲧⲁⲡⲧⲱⲛⲓⲁς. وقد كان الاسم
العربي صدًى لذلك الاسم الذي لم يُفهم معناه. وليس من العجيب أن يكون النيل قد غيَّر
مجراه هكذا في مدة اثني عشر
قرنًا. وإن ابن دقماق لا يترك في ذلك الأمر شكًّا (انظر كذلك كتاب Cairo للأستاذ
«لين بول»، الشكل في صفحة ٢٥٦).
٢٤
ويُقرُّ كُتاب العرب بذلك، فيقول المقريزي: «إنه قد كان قتالٌ شديد عند «أم دنين»، وإن
الفتح أبطأ على
المسلمين.» وجاء في كتاب أبي المحاسن قولٌ أشد من هذا: «كان قتالٌ شديد، ولم يدرِ الناس
لمن تكون الغلبة.»
(المؤلف)
راجعنا كتاب أبي المحاسن فلم نجد إلا اللفظ نفسه: «فأبطأ عليهم الفتح.» ولعل المؤلف اطلع على ترجمة فيها تصرُّف. (المعرِّب)
راجعنا كتاب أبي المحاسن فلم نجد إلا اللفظ نفسه: «فأبطأ عليهم الفتح.» ولعل المؤلف اطلع على ترجمة فيها تصرُّف. (المعرِّب)
٢٥
لم نعثر على مصدرٍ يعزو هذه القصة إلى وقعة أم دنين، ولم يذكر المؤلف مصدره الذي أخذ
عنه هذا، وكل ما عثرنا عليه
يدل على أنها وقعت في قتال العرب مع الروم وكان المقوقس حاضرًا فيه؛ فأغلب الظن أن ذلك
كان أثناء حصار بابليون.
وبعض المؤرخين يذكر صراحةً أن تلك القصة وقعت أثناء الحرب في عين شمس، ومن هؤلاء ابن
الأثير. (المعرِّب)
٢٦
هذه زيادة عن النص الإنجليزي زِدناها؛ إذ هي تتفق مع الاصطلاح العربي، وقد جاءت في كتاب
«النجوم الزاهرة».
(المعرِّب)
٢٧
نجد أن ديوان «حنا النقيوسي» عمدتنا الأعظم يبدأ هنا بوصف حركات العرب، مع أنه لا يذكر
شيئًا قبل ذلك عن أول غزو
العرب. ومما يؤسف له أن ذلك الجزء الذي أغفله يقع فيه تاريخ حكم هرقل كله من أول توليته
إلى هذه النقطة، وإنه لمن
أعظم الخسائر أن تضيع كل الصحائف التي فيها وصف حروب الفرس والاحتلال الفارسي لمصر وسِني
الاضطهاد الأعظم العشر،
وإن ما بقي بعد ذلك مُختلطٌ مشوَّه الترتيب. ومن المؤكد أن بعض فصول الكتاب أُقحمت في
غير مكانها، وأن بعض الجمل
قد نُقلت من موضعها في بعض الفصول، وأن التكرار والحذف في بعض المواضع يزيد الحيرة والارتباك،
ولكن يظهر أنه لا شك
في أن غزوة الفيوم حدثت في الوقت الذي وصفناه وعلى الصورة التي أوردناها، وليس ذلك موجودًا
في أي كتاب عربي. حقًّا
إن السيوطي ذكر نقلًا عن ابن عبد الحكم على ما يظهر أن عمرًا بعد فتح مصر أرسل جرائد
الخيل إلى القرى التي حولها،
ولكن الفيوم بقيت سنة لا يعلم المسلمون عنها شيئًا (حسن المحاضرة، صفحة ٨٥). وهذا نقض
لِما جاء في كتاب حنا،
ولكننا لا نتردد في أن نأخذ عن الكاتب المصري الذي كتب في القرن السابع. وأما البلاذري
(وقد كُتِب في القرن
التاسع؛ أي بعد حنا بمائة وخمسين سنة)، فإنه يجعل فتح هليوبوليس وفتح الفيوم والأشمونين
والصعيد كلها بعد سقوط حصن
بابليون (فتوح البلدان، صفحة ٢١٧). ولكن الخطأ واضح فيما يخصُّ هليوبوليس، ويمكن أن نقيس
عليه خطأً مثله فيما
يتعلق بسواها. وقد ذكر كاترمير خبر المقريزي الذي رواه عن ابن عبد الحكم عن فتح الفيوم
(Mem. Hist.
et Geog.، الجزء الأول، صفحة ٤٠٧ وما بعدها).