ماذا وجدت؟
وفي الصباح جاء ياسر يدعو سعيدًا إلى الناصر، فنهض ومعه كتاب التنجيم وياسر يحرضه على الإيقاع بالزهراء، فمضى حتى دخل على الخليفة وهو لا يزال في فراشه، فدعاه إلى الجلوس، فجلس وهو يتجاهل، فقال له الناصر: «هل علَّمت جاريتنا الزهراء شيئًا؟»
قال سعيد: «كلا يا مولاي؛ لأني لم أجدها في غرفتها بالأمس.»
فقال الناصر: «ألم يدلك تنجيمك على سبب غيابها؟»
قال سعيد: «لم أبحث عن سبب ذلك، ولو أمرتني لفعلت.»
فأخرج الكتاب وأخذ يقلِّب فيه ويتأمل في بعض سطوره، كأنه يحسب ويستخرج، والناصر ينتظر ما يقول، فلما أبطأ في الكلام قال له: «ماذا وجدت؟»
قال سعيد: «يأمر مولاي بمبخرة؟»
فصفق وأمر له بما أراد، فجيء إليه بمبخرة من ذهب فيها جمرة، فأخرج من جيبه قطعة من البخور، ووضعها في المبخرة وجعل يتفرَّس في الدخان المتصاعد منها، ثم ترك الكتاب وجعل يده على حاجبه كأنه يستظل بها من الشمس، وهو ينظر إلى الدخان ويقول: «ماذا أرى؟ أليس هذا هو الأمير عبد الله؟»
فلما سمع الناصر قوله تيقَّن من قدرته على استطلاع الغيب، وظل ساكتًا ليرى ما يبدو منه، فأنزل سعيد يده وأعاد التفرس في الدخان وهو يتصاعد من المبخرة إلى السقف وقال: «بلى، هذا هو الأمير عبد الله ابن أمير المؤمنين في الحديقة والزهراء إلى جانبه، هذا يا سيدي ما أراه. ولا أدري إذا كان البخور يخدعني.»
قال الناصر: «وهل خدعك من قبل؟»
قال سعيد: «كلا، وإنما استبعدت ذلك لأني تركت الأمير عبد الله في قصره، ولم أسمع أنه جاء إلى هذا القصر.»
قال الناصر: «ينبغي لك أن تعرف كيف جاء!»
فعاد إلى المبخرة ووضع عليها قطعة أخرى من البخور، ونظر إلى دخانها، وقال: «هو، هو بعينه، وعليه ملابس النساء والزهراء إلى جانبه تحادثه.»
قال الناصر: «ماذا كان حديثها؟»
قال سعيد: «لم أسمع شيئًا.»
قال الناصر: «أحب أن أعرف الحديث الذي دار بينهما.»
قال سعيد: «وهذا ما أحب أن أعرفه أنا، ولكني لا أسمع شيئًا الآن.»
قال الناصر: «هل ترجو أن تسمع شيئًا في فرصة أخرى؟»
قال سعيد: «نعم يا سيدي.»
قال الناصر: «يكفي الآن، فاكتم ما رأيت، ومتى تمكنت من سماع الحديث فأخبرني، وما الذي يساعدك على سماعه؟»
قال سعيد: «يساعدني أن أسمع صوتها تتكلم.»
قال الناصر: «فأنت اليوم مأمور بتعليمها الغناء، وسأبعث إليها بأنك آتٍ لهذه الغاية في العصر.»
فأشار برأسه إشارة الطاعة وقال: «الأمر لمولاي، ولكن الأفضل أن لا يكون ذلك في غرفتها؛ لكثرة من فيها من الخدم والوصيفات، أو يأمر مولاي أن تكون هناك منفردة، ومعها وصيف أو وصيفة فقط.»
قال الناصر: «حسنًا، وإنها تفضِّل ذلك أيضًا، فمتى ذهبت إليها تجدها في غرفتها منفردة.»
قال سعيد: «هل أذهب إليها في أصيل هذا اليوم؟»
قال الناصر: «افعل»، وتزحزح الخليفة من مكانه، فنهض سعيد واستأذن وخرج.
وفي العصر أصلح شأنه واصطحب ياسرًا إلى غرفة الزهراء، فأوصله إلى باب الغرفة ودخل فأخبرها بمجيئه وانصرف، فدخل سعيد من باب الغرفة فوجد في وسطها ستارًا منصوبًا خرج إليه من ورائه جوهر، وأظهر أنه لم يره إلا في تلك الساعة وقال له: «أنت معلم الغناء؟»
قال سعيد: «نعم.»
قال جوهر: «إن مولاتي في انتظارك وراء هذا الستار بأمر الخليفة، تفضل واجلس.» وثنى وسادة وقدَّمها له، فجلس ثم ذهب فأتاه بعود، وقال: «هذا عود لتدلَّها به على ما تريد أن تفعله.»