عابدة وسالم
فعلم الناصر أنه تناول سمًّا، فصاح فيه: «ويلك! أتقتل نفسك؟! تمهَّل، إني أحب بقاءك وأضن بحكيم مثلك أن يموت، قد كنت أحب أن أستبقيك، ماذا فعلت؟»
فقال: «تستبقيني لأخدمك وأموت حسرة وقد يئست من حبيبتي؟ لا حياة لي إلا بالزهراء» قال الناصر: «أهديك مئات من الجواري أجمل منها.»
قال سعيد: «الحب يا عبد الرحمن لا يُستبدل، ولولا ذلك لكانت هذه — وأشار إلى عابدة — أولى الجميع بأن تكون بديلة، ولكن قلبي لا يرضى بأحد غير هذه — وأشار إلى الزهراء — فإني أحس كأنها شطر من قلبي، ولا يعيش الإنسان بنصف قلبه، فاهنأ بها، إنها جوهرة جمعت بين الصدق والإخلاص، ولكن لك وحدك فقط.»
فقال الناصر: «كيف تقتل نفسك بيدك؟!»
فقال سعيد: «هذا أفضل من أن يقتلني الجلاد.»
فصاحت عابدة: «إذا كان هذا دواء المحب إذا يئس من حبيبه فما أجدرني أن أقتل نفسي.» وأخذت تبكي، فأدركت الزهراء قصدها، فاقتربت منها وأشارت إليها أن تسكت.
أما سعيد فلم تمضِ لحظات حتى بدأ الألم في بطنه، واسترخى فأشار الناصر أن يُحمل من ذلك المكان، وقد شق عليه أمره لأنه كان يحبه ويحترمه، ولو بقي حيًّا لاستخدمه في بعض أموره.
فحملوه وقد كاد يغمى عليه، وبعد قليل مات فدفنوه.
أما الناصر فبعد خروج سعيد تراجع واعتبر، وزادت الزهراء رفعة عنده وازداد حبًّا لها، والتفت إليها وابتسم فرآها تنظر إلى الأرض كأنها تفكر فقال: «كل ذلك جرى لأجلك!»
قالت الزهراء: «إني حقيرة لا أستحق هذه العناية، ولكن الرجل قصير العمر رحمه الله.»
قال الناصر: «نعم، إنه دلنا على فضلك وصدق مودتك، فأنت اليوم أرفع منزلة عندنا من قبل، فاطلبي ما تشائين.»
قالت الزهراء: «إن نِعَم مولاي متوالية على جاريته، وقد تم حظي بعفوه عن أخي هذا، وإنما أشارك هذه المسكينة في شعورها؛ لأنها قاست العذاب في أثناء مساعي ذلك الرجل الغريب، وكانت تحبه وهو لا يحبها، وهي تخدمه وهو يخادعها، فأحب أن تنال تعزية تنسيها ذلك.»
فالتفت الناصر إلى سالم وقال: «يا سالم، هل أنت متزوج؟»
قال سالم: «كلا يا سيدي.»
قال الناصر: «أتتزوج عابدة؟ إنها أديبة عاقلة.»
فأشرق وجهه وحنى رأسه وقال: «ذلك حظ كبير لي، وكيف لا أختار نصيبًا اختاره لي أمير المؤمنين؟»
فأمر الناصر أن تزف عابدة إلى سالم، وأن يخصص لهما قصر يعيشان فيه في رغد وهناء.
فقالت الزهراء: «وهذا ساهر يكون في بطانة مولاي الناصر؛ فإنه أهل للمناصب الكبيرة.»
قال: «جعلناه من خاصتنا …»
وانقضى المجلس على تلك الحال …