أبو العيد ذو السبع نقاط
ما إن يأتي فصل الربيع بطَلَّته الجميلة، وتكتسي الأرض والأشجار حُلَّتها الخضراء البهية، وتتفتَّح براعم الأزهار في كثيرٍ من نباتات الأرض، وتنتشر فيها الهوام والحشرات، حتى يدب في جسمي النشاط والحيوية، فأنهض من سُباتي الشتوي مع المئات من أخواتي، وأنتشر باحثًا عن غذائي المُفضَّل من الحشرات الضارَّة بمزروعاتكم، قريبًا منكم أمام نباتات شُرفة منزلكم، حيث تجذبني بعض النباتات المزروعة في حدائقكم المنزلية، كنبات الزعتر والأُقحوان والمريمية والشبت، والشمر، والكُزبرة والرُّمان، أو أطير منتقلًا بين الأزهار في الحدائق والبساتين المجاورة لكم.
وما إن يراني الأطفال على إحدى النباتات في شُرفات منازلهم، أو في الحدائق المجاورة لهم، أو على ساق شجرة أو جدار، حتى يسارعوا إلى الْتقاطي فرِحين مستبشرين بقدوم فصل الربيع، هاتفين: «يا لَحظَّنا السعيد! جاءت تزورنا أم عيد».
ويضعوني برفقٍ على أكُف أيديهم الناعمة، ويلتَفُّ حولي الصبيان والبنات يتناقلوني بينهم وهم يرقبون حركتي المتعرِّجة على أيديهم، تارةً لليمين وتارةً لليسار، يُغنُّون لي ويُنشدون أغاني وأهازيج سمعوها من جَدَّاتهم، أو والديهم وأقرانهم الأكبر سنًّا، يُشجِّعونني فيها على فَرد أجنحتي والطيران عاليًا وسط ضحكاتهم البريئة المُعبِّرة عن مرحهم وسرورهم.
فأنا من أكثر الحشرات جمالًا في أعينهم، ودلالًا واحترامًا عندهم، يدلُّ على ذلك كثرة أسمائي لديهم واختلافها من بلد إلى آخر؛ ففي سوريا يسمُّونني «طبَّاخة العنب والتين»، و«أم علي»، و«أم عيد»، و«صندوق النبي».
وفي الأردن يُطلقون عليَّ أسماءً عديدة منها: «أم حسين»، و«أم علي»، و«أم عيشة».
وأصدقائي في العراق كُثر، وتسمياتي عندهم كثيرة تختلف من منطقة لأخرى باختلاف لغاتهم ولهجاتهم، فيدعونني: «غزِّيل البر»، و«عيشة طيري»، و«حبوبة طيري»، و«دعسوقة»، و«أم السقة»، و«ست أبونا»، و«خال خالوكة».
أمَّا في ليبيا فأُسمَّى «حليمة الزياطة»، و«أبو قداح». وفي لبنان يدعونني «حبي الله وطيري».
وفي الجزائر يسمونني «جلول» و«أبو عمار». وفي فِلسطين أنا «أم سليمان».
أمَّا في بلاد الغرب البعيدة فأنا هناك السيدة، فيدعونني: «ليدي بيرد»، و«ليدي بق»، و«ليدي بيتل»، وقد أطلَق عليَّ فيلسوفهم المشهور أرسطو لقب «كليوباترا».
أمَّا أغاني الأطفال وأهازيجهم لي فمن الطبيعي أن تتعدَّد بتعدُّد مُسَمَّياتي عندهم، ولكنها جميعها تهدف إلى تشجيعي على الطيران من على أيديهم ليستمتعوا بمنظري وأنا أُحلِّق عاليًا مبتعدةً عنهم، وليطمئنُّوا على سلامتي، فيغنُّون لي في أنغام وترانيم جميلة توارثوها من أجيال قبلهم؛ فأسمعهم يردِّدون في سوريا: «أم عيد أرينا ثوبك.» أي افردي أجنحتكِ حتى نراها؛ فأنا لا أفرد أجنحتي إلا عند الطيران.
حيث يستر جسمي جناحان خارجيان على شكل الدرع، ملوَّنان بالأحمر، أو البرتقالي، أو الأصفر، ومنقَّطان بنقاط سوداء. يُخفيان تحتهما جناحان رقيقان شفَّافان مطويان بلون أسود أو رمادي يساعدانني على الطيران، وهما الثوب الذي يُريدون رؤيته.
وأسمعهم في العراق وهم يردِّدون: «أبو غزِّيل طِير طِير، طارن عنك الغزلان.»
وأطفال ليبيا يخاطبونني ويردِّدون: «يا بو قداح اقدح لي النار، عندي خطار في وسط الدار.» أي عندي ضيوف في وسط الدار. أمَّا أصدقائي الأطفال في الجزائر فيغنُّون لي: «يا جلول فت عليك الحال عالليكول.» أي على المدرسة.
وكثيرة كثيرة هي أغاني الأطفال لي، وذكرياتهم معي؛ فأنا صديقتهم وصديقة أبائهم من قبلهم. كانوا يُلاعبونني وأُلاعبهم. كما أنني صديقة جميع المزارعين والباحثين والمنظَّمات الدولية والأهلية العاملة في مجال حماية البيئة بالحد من استخدام المُبيدات الزراعية.
أنا صديقةُ البيئة بامتياز. أحتلُّ مكانةً مرموقة، وقدرًا كبيرًا من الاحترام والتقدير في المحافل الدولية وبين المزارِعين؛ فعلى الرغم من صِغر حجمي الذي لا يتجاوز نصف سنتيمتر، فأنا أستهلك خلال حياتي أكثر من ٥٠٠٠ حشرة ضارة بمزروعاتكم؛ حيث أنشط وأتكاثر في فصل الربيع وبداية الصيف عندما تنتشر حشرات المن والعناكب؛ ولذلك تمَّ إنشاء مخابر لتربيتي والعناية بي من أجل إكثاري وحفظي في عُلَب مع المئات من أخواتي؛ ليتم إطلاقنا في بساتين الأشجار والمحاصيل، فنتولَّى مهمَّة القضاء على الحشرات التي تتطفَّل على محاصيلكم، وتمتص عُصارتها، مُسبِّبةً ضعفها وموتها.
عبوات تحوي المئات من حشرات أبي العيد ذي السبع نقاط، يتم بيعها للمزارعين من أجل نثرها بين نباتات المزرعة؛ لتقضي على الحشرات التي تتطفَّل على النباتات والأشجار المزروعة فتُتلفها.
أمتاز بسرعة تكاثري؛ حيث يمكنني أن أضع ١٠٠٠ بيضة خلال الفترة الممتَدَّة بين الربيع وأوائل الصيف.
تكون بيوضي صغيرةً بحجم واحد ميليمتر، مغزلية الشكل، ذات لون برتقالي أو كريمي، ضمن مجموعات في أماكن محمية على الساق والأوراق، قريبًا من تواجد حشرات المن.
وبعد ٣–٧ أيام من وضع البيوض، تفقس عن يرقات صغيرة شبيهة بالتماسيح ذات جلد سميك أسود أو رمادي وعليه بُقَع حمراء أو سوداء، تتغذَّى على كل ما صادفها من حشرات صغيرة، وحورياتها وبيوضها، وعلى البق الدقيقي وأكاروس العنكبوت الأحمر والتربس، إضافةً إلى رحيق الأزهار وحبوب اللقاح، عاملةً على المساعدة في تلقيح أزهار النباتات وزيادة إنتاجها من الثمار.
تستمر يرقاتي في النمو، وتنسلخ أربعة انسلاخات خلال شهر، بعد أن تكون قد تغذَّت على حشرات المن وقضت على المئات منها. وفي طَورها اليرقي الأخير يتوقَّف نشاطها وتتحوَّل إلى عذراء سوداء أو صفراء برتقالية. تبقى في هذا الطور من ٣ إلى ١٢ يومًا حسب حرارة الجو المحيط.
لتخرج من هذا الطور حشرةً كاملة (أم عيد) تشبهني تمامًا، تبحث عن الحشرات الضارة، أو تحضِّر نفسها للتشتية مع الكثير من أخواتها لندخل في سُبات شتوي، فنجتمع كحشرات كاملة في مجموعات نختبئ تحت أوراق الأشجار المتساقطة، أو في شقوق جذوع الأشجار القديمة تحت اللحاء، وتحت القشور، أو تحت الحجارة والأماكن المحمية بانتظار الربيع القادم.
وعندما يأتي فصل الربيع ننهض من بَيَاتنا الشتوي، وننتشر في السهول، نحط على النباتات نبحث عن الفرائس من الحشرات الضارة بنباتات الزينة والورود والأشجار المثمرة ومحاصيل الخضار التي تزرعونها، ونتغذَّى عليها بشهية، نلتهمها واحدةً تِلوَ الأخرى.
ونبحث أيضًا عن حشرات البق الدقيقي الأسترالي التي تُصيب أشجار الحمضيات والخضار ونباتات الزينة فتسبِّب ذبولها وجفافها وموتها فنتغذَّى بها ونقضي عليها نهائيًا.
ونتغذَّى أيضًا على رحيق الأزهار، وحبوب اللقاح، عاملين على نقل غبار الطلع من زهرة لأخرى؛ فتتلقَّح الأزهار، ويزداد الإنتاج من البذور والثمار؛ ولهذا كُلِّه أصبحت صديقة البيئة بامتياز، وكسبت صداقة جميع العاملين في مجال الإنتاج الزراعي وحماية البيئة.
أنا صديقتكم خنفساء أبي العيد ذات السبع نقاط، الدعسوقة اللطيفة، أيقونة المكافحة الحيوية وأجمل حشرات الكوكب، من فصيلةٍ تضم أكثر من خمسة آلاف نوع من الدعسوقيات، ضمن رتبة الخنافس، طائفة الحشرات، شعبة مفصليات الأرجل، في المملكة الحيوانية.