السامريون
لا بد أن أسباط إسرائيل العشَرة المفقودة هم أكثرُ من يُعثَر عليهم بين جميع المفقودين. ففي القرن التاسع، ورَد أنهم في شِبه الجزيرة العربية. وبعد ذلك ببضعةِ قرون، كانوا على ما يبدو بالقرب من الهند؛ حيث أفادت إحدى خُرافات العصور الوسطى بحماسٍ أنهم كانوا في حراسة يأجوج ومأجوج ومَلكة الأمازونيات وكانوا يُخططون لتدمير المسيحية. حتى عندما كان الأوروبيون يستكشفون قاراتٍ جديدة، رأَوا الأسباط العشَرة في كل مكان، وكأنهم جيشٌ من الأشباح. واقترح البعض أنه ربما كان هذا هو الأصلَ الذي أتى منه الأمريكيُّون الأصليون؛ وسأل توماس جيفرسون عما إذا كانوا يرغبون في العودة إلى وطنهم في جبل صِهْيَون.
أنا نفسي وجدتُ الأسباط المفقودة عندما كنتُ أعيش في القدس، بين عامَي ۱۹۹۸ و۲۰۰۱. كنتُ هناك لغرضٍ مختلف تمامًا. بصفتي موظفًا سياسيًّا في القُنصلية العامة البريطانية في القدس، كانت مهمتي الرئيسية هي إقناعَ الفلسطينيين بدعم عملية السلام في الشرق الأوسط. وفي الوقت الذي كنتُ فيه هناك، بدا من الممكن التوصلُ إلى اتفاق من نوعٍ ما. لم يكن ليعطي أيًّا من الطرَفَين ما كانا يُريدانه بالضبط، لكنه كان سيُنهي دوراتِ التمرد والقمع التي اتَّسمَت بها التجرِبة الفلسطينية، وأتاح للفلسطينيين والإسرائيليين على حدٍّ سواء فرصةَ العيش في قدرٍ أكبر من السلام والكرامة.
على الرغم من أنه ثبَت لاحقًا أنه كان أملًا زائفًا، كان يعني أنه عندما وصلتُ إلى القدس لأول مرة في عام ۱۹۹۸ كان يوجد شعورٌ بالتفاؤل، وكان من المأمون بدرجةٍ كافية استكشافُ المنطقة الرائعة التي كنت أعيش فيها. رأيتُ مدن إسرائيل التي تكاد تكون إعجازية، حيث تطوَّرَت الدولة، واللغة، والاقتصاد الرائد في العقود القليلة التي تلَت تأسيس إسرائيل في عام ۱۹٤۸، في أعقاب الهولوكوست. (في الواقع وُضِعَت اللغة، العبرية الحديثة، بدءًا من ثمانينيات القرن التاسعَ عشر فصاعدًا، كنسخةٍ مبسطة من العبرية التوراتية على يدِ عالم يُدعى إليعازر بن يهودا. نشأ نَجْلُ بن يهودا على التحدُّث بالعبرية فقط، بِناءً على إصرار والده، وهي قاعدةٌ صارمة؛ لأنها كانت تعني أنه لا يمكن لأطفالٍ آخَرين فَهمُه. لكن في نهاية المطاف، بالرغم من الشكوك وبعض العَداء، نجح مشروعُ ابن يهودا واعتُمِدَت اللغة على نطاق واسع.) رأيتُ، أيضًا، المدنَ الفلسطينية في الضفة الغربية، التي احتلَّتها إسرائيل عام ۱۹٦٧. كان الفلسطينيون يمتلكون واحدةً من أكثر الثقافات حيويةً في أيِّ شعب عربي؛ حيث ألهَمَتهم رغبتُهم في الحرية تشكيلَ هُويةٍ قوية، يعبرون عنها من خلال السينما، والفن، والمسرح.
زُرت مدينة نابلس عدةَ مرات، وهي مدينة ذات منازل من الحجَر الجيري الأبيض كانت تشتهر ذاتَ يوم بجمالها وبزيت الزيتون، وكانت على بُعدِ نحو ثلاثين ميلًا شمال القدس. جاء اسمُها من الاسم الذي أطلَقه عليها الرومان، نيابوليس، والذي يعني «مدينة جديدة». وكان يُطلق على المدينة القديمة التي كانت موجودةً في الجوار، والتي دمرها الرومان، اسم شِكيم، وتعني «السرج»؛ لأنها كالسرج تمامًا تنخفض من المنتصَف وتحدُّها من الجانبَين سلسلةٌ جبلية، حيث يوجد هنا جبلان يُحيطان بِوادٍ. وهذان الجبلان هما جبل جرزيم غربها، وجبل عيبال شرقها. وهما قريبان بما يكفي حتى إنه كان يومًا ما يمكن لحيوانات ابنِ آوى أن يعوِيَ أحدُها للآخَر عبر الوادي بين الجبلين. يشغل موقعَ مدينة شكيم القديمة الآن مخيمٌ للاجئين تابعٌ للأمم المتحدة يُسمى بلاطة، وأتيحت لي فرصةُ زيارته عندما موَّلَت القنصلية مشروعًا مسرحيًّا هناك.
في عام ۱۹٥۰، استقر هنا في خيامٍ فلسطينيُّون من قُرًى قريبة مما يعرف الآن بتلِّ أبيب، هاربين أو مطرودين من قِبَل الجيش الإسرائيلي المنتصر. حاليًّا حلت محلَّ الخيام منازلُ خَرسانية، وأصبح المكان ضاحيةً فقيرة من ضواحي نابلس، رغم أن أهلها لم يتقبَّلوا أبدًا مُصادَرة بيوتهم الأصلية. أخذتني مجموعةٌ من شبان المخيَّم الذين شارَكوا في المشروع المسرحي في جولةٍ في المنطقة المحلية. وتجوَّلْنا في مدينة نابلس وجرَّبنا بعضًا من الكنافة الحلوة الشهيرة، المصنوعة من الجُبن وتقطر بالعسل، والتي تُعدُّ إلى جانب صابون زيت الزيتون من السِّلع المميزة للمدينة.
يقع بئرُ يعقوب على أطراف بلاطة. وسواءٌ استخدم البطريرك اليهودي يعقوب هذا البئرَ أم لا، فمن المؤكد أنه يُعتبر موقعًا مقدَّسًا منذ آلاف السنين. ففي الأناجيل المسيحية، طلب يسوع من امرأةٍ أن تُخرج ماءً من البئر ليشرب. اندهشت المرأة، التي كانت سامرية، لأنه تحدث معها؛ لأن «اليهود لا يُعامِلون السامريِّين». يظهر الصراعُ ذاتُه بين اليهود والسامريين في مَثَلِ يسوع عن السامري الصالح: رجل يهودي يرقد جَريحًا على جانب الطريق، ويمرُّ به كاهنٌ يهوديٌّ ولاويٌّ ويتجاهلانه (ليس لأنهما قاسِيَا القلب، ولكن لأنه كان محرَّمًا على الكاهن أن يلمس جثة، وخشيَا أن يكون ميتًا). وسامريٌّ هو الذي يساعد اليهوديَّ الجريح، ولذلك فهو، كما يقول يسوع، من يجب أن يُحبَّه أتباعُه اليهود. وحقيقةُ أنه سامري هي التطورُ غير المتوقَّع في القصة؛ لأن السامريِّين واليهود كانوا أعداءً قُدامى. وكانت ممارساتهم الدينية شِبهَ متطابقة، لكن الاختلافات في تأويل التاريخ جعلَتهم في حالة حرب.
يمضي التأويلُ السامري على النحو التالي. في القرن الثامن قبل الميلاد، احتلَّت مملكتان، إسرائيل ويهوذا، قُرابةَ أراضي إسرائيل الحديثة. وتقاتلت المملكتان، لكن سكَّانهما كانوا يشتركون في دينٍ ونسل مشترَك؛ لأنهم كانوا جميعًا ينتمون إلى إحدى القبائل الاثنتَي عشرة التي كانت تنحدر من أبناء يعقوب الاثنَي عشر. وكانت مملكة إسرائيل هي الأقدمَ بين المملكتين وكانت في الأصل موقعَ الأماكن الدينية المقدَّسة. ولكن عندما غزا الآشوريون تلك المملكةَ في القرن الثامن قبل الميلاد، سُبِيَ عشَراتُ الآلاف من سكانها إلى شمال العراق. ونجَت مملكة يهوذا، وأصبح سكَّانها يُدعَون اليهوذيِّين، ثم اليهود. وسِيقوا، هم أيضًا، إلى السَّبيِ في بابل، وعادوا بأفكارٍ جديدة وتقاليدَ مختلفة. أما المنفيُّون من إسرائيل، فلم يُسمَع عنهم مرةً أخرى، وأصبح يُطلق عليهم اسم «الأسباط العشرة المفقودة».
ولكن، يقول السامريون، إن القبائل العَشر لم تُفقَد جميعُها حقًّا. فبالفعل رحَّل الآشوريُّون البعض، لكنْ آخَرون بَقُوا. وكان تبجيل جبل جرزيم هو الوصيةَ الأخيرة من وصاياهم العشر. وفي العقيدة السامرية، خُلق آدم من ترابٍ مُجمعٍ من جبل جرزيم. وهنا استقرَّت سفينة نوح، وليس على جبل أرارات، وهنا أُعطي موسى الشريعة، وليس على جبل سيناء، وهنا أخذ إبراهيمُ إسحاق ليُقدمه قربانًا، وليس على جبل المُريا في القدس. كان لديهم ثلاثةَ عشر اسمًا مختلفًا تكريمًا له، مثل آر جرزيم، «جبل الوصايا»، جابات أولام، «جبل العالَم»، وآر أشيكينا، «جبل مسكن الرب». وقد بنَوا عليه معبدًا، وفي كل عام ينصبون الخيامَ على قمة الجبل، ويُعيدون تمثيل قُربانِ عيد الفِصح وفقًا للطقوس الواردة في سِفْر الخروج.
لم يُسموا أنفسهم يهودًا، ولكن بدلًا من ذلك سمَّوا أنفسهم العبرانيِّين أو الإسرائيليين. كما أطلَقوا على أنفسهم اسم «الشمارين»، وهي كلمة آرامية تعني «الأوصياء»؛ أصل كلمة «السامريين». اعتبر السامريون أنفسَهم ملتزمين حرفيًّا بالتقاليد القديمة التي كان قد تخلَّى عنها جيرانُهم الجنوبيون من اليهود. واعتبروا الهيكل اليهوديَّ في القدس بدعةً آثمة من الملك داود، وهو شخصية يُكنُّون لها بُغضًا خاصًّا؛ وحتى يومنا هذا، لم يحمل أيُّ سامري اسمَ داود. والقدس، من وجهة نظر السامريين، مدينةٌ وثنية غير صالحة لتكون موقعَ الهيكل.
تتطابقُ النسخة اليهودية فيما يتعلق باختفاء الأسباط العشرة، لكنها بعد ذلك تتطوَّر بشكلٍ مختلف. فقد أقرَّت السلطات الدينية اليهودية بأن القبائل العشر كانت مفقودةً حقًّا. وكان السامريون ينحدرون من نسل شعوبٍ من أجزاء أخرى من الإمبراطورية الآشورية، واستقرُّوا هناك مكان الأسباط العشرة (فوَفقًا لسِفر الملوك «وأتى مَلِكُ أَشُّور بقومٍ من بابِل وكُوث وعَوَّا وحَماةَ وسَفَرْوايم، وأسكَنهم في مُدن السَّامرة عِوضًا عن بني إسرائيل») واتبَعوا فيما بعدُ الممارسات اليهودية. أقنَع هؤلاء المستوطنون في النهاية كاهنًا مُنشقًّا من الهيكل في القدس بإنشاء معبدٍ لهم على جبل جرزيم. من الممكن أن يُقبَل السامريون باعتبارهم على قدَم المساواة مع اليهود؛ ولكن فقط «عندما يُنكرون جبل جرزيم ويعترفون بأورْشَليم وبقيامة الموتى»، كما يقول التلمود البابلي؛ لأنهم «يتزوجون من نساءٍ غير شرعيات»، وهو ما يعني على الأرجح الزواجَ بنساءٍ من أعراق أخرى. وطالما حافَظوا على هذه العادات غيرِ المقبولة، فلن تكون ثمة أيُّ صلة بين اليهود والسامريين.
كان من المحتَّم أن يتسبَّب حُكم التلمود في حدوثِ توتُّر، لكن الخصومات السياسية جعلَت العلاقاتِ أسوأ؛ فوَفقًا لنمطٍ يعود إلى مملكتَي إسرائيل ويهوذا القديمتين، تميل المجموعتان إلى دعم فريقَين متضادَّين في صراعات السلطة الإقليمية. عندما حارب الإسكندرُ الأكبر اليهودَ سانده السامريُّون؛ وعندما غيَّر الإسكندرُ رأيه ودعم اليهود، انتهى به الأمر إلى الدخول في حربٍ مع السامريين. وعندما تمرَّد اليهود على خلفاء الإسكندر الإغريق في الحروب المكابية في القرن الثاني قبل الميلاد، دعم السامريون الجانب الآخَر؛ وانتقامًا، أحرق المتمرِّدون اليهودُ المعبد السامري. ولكن في أعقاب تلك الحروب، قُمع اليهود وازدهَر السامريون.
وبحلولِ زمن يسوع، ربما يكون عددُ السامريين قد بلغ نِصف مليون شخص تقريبًا. ومع ذلك كانت العلاقاتُ أسوأ من أي وقتٍ مضى. في سنة ۹ ميلادية تسلَّلَت عصابةٌ سامرية إلى أورشليم ودنَّسَت الهيكل اليهودي ببعثرةِ عِظام بشَريةٍ فيه. وفي سنة ٥۰ ميلادية، قُتل يهوديٌّ كان مسافرًا من الجليل لزيارة الهيكل في أورشليم على يدِ سامريين في قرية في موقع جِنين الحالية. وكان يسوع يُكَرِّز بين هذين التاريخَين، وأخبر رسله في البداية ألا يدخلوا بلدات السامريين عندما يمضون في مهماتهم التبشيرية؛ إما لهذا السبب أو بسبب الخوف على سلامتهم. ومع ذلك، رجَع في وقتٍ لاحق عن قراره وخطَّط للسفر عبر الأراضي السامرية في طريقه إلى أورشليم. يُظهِر لقاء يسوع بالمرأة السامرية عند بئر يعقوب وحكاية السامري الصالح موقفًا أكثرَ ودِّيةً تجاه السامريين. في الواقع، اتُّهِم يسوع في مرحلةٍ ما بأنه سامري. وربما لهذا السبب، اجتَذبَت المسيحية في وقتٍ مبكر السامريين الذين غيَّروا دينهم.
ولكن ماذا حدث للسامريين بعد ذلك؟ كما اتضح، كان لدى أصدقائي من بلاطة مفاجأةٌ لي. صعدنا طريقًا ملتويًا على جانب جبل جرزيم، ودخلنا قريةً صغيرة على قمته. تميَّزَت الأبنيةُ بأحرفٍ عبرية قديمة كخيوط العنكبوت، وكان رجلٌ يرتدي حُلة بيضاء وطربوشَ رجلِ دين لونه أحمر وأبيض يسير في الشارع. وشرَح مُتحف صغير هُويةَ الرجل وغيره من سكان القرية. كانت هذه القرية الواقعة على قمة الجبل، التي أطلَقوا عليها اسم «اللوز»، وشارعٌ في إحدى ضواحي العاصمة الإسرائيلية، تل أبيب، هما المكانَين المتبقِّيَين اللذَين لا يزال يمكن فيهما العثورُ على اﻟ ٧٥۰ سامريًّا الموجودين في العالم.
نجا السامريون من المصير الذي تعرض له اليهود سنة ٧۰ ميلادية عندما هزَمت الجيوشُ الرومانية ثورةً يهوديةً ونهبَت مدينة أورشليم ودمَّرَت هيكلها إلى الأبد، والكارثة الأسوأ التي حاقت باليهود بعد ثورةٍ أخرى في ثلاثينيات القرن الثاني الميلادي، عندما قُتل نصفُ مليون يهودي ونُفي الباقون نفيًا تامًّا من موطنهم. وفي الواقع انتعش السامريون في غيابِ مُنافسيهم القدامى. وذُكِر زعيمهم في هذا الوقت، بابا رابا، بعد ذلك في الأساطير بوصفه مصلحًا وصانعَ معجزات. ربما يكون العمل التبشيري المسيحي قد أثار سلسلةً من حركات تمرُّد السامريين في القرن السادس، دمَّر بعدها الإمبراطور جستينيان جميعَ معابد السامريين، ومنعهم من العمل في الحكومة ومن الانضمام للجيش الإمبراطوري، وحظر عليهم الشهادةَ ضد مسيحيٍّ في المحكمة، ومنعهم حتى من نقل ممتلكاتهم إلى ذريتهم. وليس غريبًا أن السامريين أصبحوا مُعادين للغرباء؛ حيث ذكَر حاجٌّ مسيحي يُدعى أنطونينوس من بياتشينزا أنه عندما زار البلدات السامرية، «أخفَوا آثار أقدامنا بحرقِ القش، وسواءٌ كنا مسيحيين أو يهودًا، كان لديهم خوفٌ كبير من الاثنين.» وبالمثل، لا عجَب في أن السامريين رحَّبوا بقدوم العرب المسلمين عام ٦۳٧.
قد يبدو غريبًا، باعتبار أن الصراع العربيَّ الإسرائيلي أصبح يُحدد العلاقة بين المسلمين واليهود، أن تلك العلاقة كانت يومًا ما وثيقةً ومحترَمة. ففي وقتٍ من الأوقات، كان اليهود والمسلمون يستقبلون القِبلةَ ذاتَها في صلاتهم، شَطْر أورشليم، قبل أن يتحول المسلمون صوبَ مكة بدلًا منها. وعلى الرغم من أن المسلمين الأوائل حارَبوا القبائل اليهودية في شِبه الجزيرة العربية، فإن العديد من الآيات القرآنية تدعو إلى احترام اليهود والتسامُح معهم. وعمومًا اعتبر المسلمون واليهودُ بعضُهم بعضًا موحِّدين بصورةٍ أشمل من المسيحيين لأن كِلتا المجموعتَين رفضَت فكرة أن يسوع هو تجسُّد الله، ورفَضوا تصوير الله بأي صورة. أكد العالم اليهودي العظيم موسى بن ميمون (الذي عرَف الإسلام من الداخل، بعد أن أُجبر على ممارسته بوصفه مُسلمًا في مرحلةٍ ما من حياته قبل السماح له بالعودة إلى اليهودية) أن المسلمين، «في إسناد الوحدانية إلى الله؛ ليس لديهم أيُّ خطأ على الإطلاق». فقد استقى العلماءُ المسلمون من العلم اليهوديِّ عند وضع الفقه الإسلامي الأول، وكانوا يُدخِلون أحيانًا عقوباتٍ تلموديةً بدلًا من العقوبات القرآنية الأقلَّ شدة (على سبيل المثال، انتهاج مُمارسة الرَّجْم في حالة الزنى). لم يضمن أيٌّ من هذا معاملةً جيدةً لليهود، الذين يمكن دائمًا استخدامُ رفضهم لاعتناق الإسلام ضدَّهم. وبعد الفتح الإسلامي، واجَهوا تمييزًا قانونيًّا وكانوا دائمًا عُرضة لنوبات الاضطهاد. لكنهم ظلُّوا طويلًا مُوالين لحُكامهم المسلمين حتى الحملة الصليبية الأولى، عندما قاتَلوا إلى جانب المسلمين للدفاع عن القدس من المسيحيين الفرنجة.
شكَّك الحكامُ المسلمون الأوائل فيما إذا كان السامريون من أهل الكتاب حقًّا، وفرَضوا عليهم ضرائبَ إضافية مقارنةً بجيرانهم المسيحيين واليهود. ومع ذلك، فقد استفاد السامريون من الفتح الإسلامي، حتى أكثر من اليهود. فقد كتَب المؤرخ الإسرائيلي ناثان شور أن «الفتح العربي ساعد حقًّا المجتمعَ السامري الداخلي، ومنَحه حريةَ العبادة التي لم يكن يعرفها منذ قرون وجعل ازدهارَ دين المجتمع السامري وأدَبِه في العصور الوسطى أمرًا ممكنًا.» تخلى السامريون عن الآرامية وبدَءوا يتحدَّثون العربية، وابتكَروا أسماءً مميزة لأنفسهم (على سبيل المثال، عبد يهْوه، بدلًا من النسخة الإسلامية، عبد الله؛ فخلافًا للنسخة اليهودية من الوصايا العشر، لا تُحرم نسخة السامريين من الوصايا استخدامَ اسم الله).
ودون اضطهاد، ظلَّ السامريون يعتنقون الإسلام؛ من أجل المكاسب الاقتصادية، والرقيِّ الاجتماعي، ولأسبابٍ دينية. لذلك استمرَّ المجتمع في التقلُّص، ولم تدُم المعاملة الجيدة. وأصدر الحكامُ المسلمون المتشدِّدون، أحيانًا تحت ضغطٍ من رجال الدين، قوانينَ عقابية ومُهينة تهدف إلى تشجيع السامريين على تغيير دينهم، ولم يكن بمقدور أولئك الحُكام الذين كانوا ليبراليين أو وَدودين أن يفعلوا أكثرَ من منح الإغاثة المؤقَّتة. وتقلَّصَت مجتمعات السامريين في القاهرة، وغزَّة، وحلَب، ودِمَشق تباعًا واختفَت، حتى أصبحَت نابلس المكانَ الوحيد الذي يمكن العثور عليهم فيه. وبحلول القرن السادسَ عشر، عندما ظهر سامريُّون مُعاصرون في السجلات الغربية لأول مرة، كانوا يتوقون إلى العثور على أيِّ عددٍ منهم قد يظل موجودًا، مبعثرًا في أنحاء العالم. وخدَعَهم عالمٌ فرَنسي يُدعى جوزيف اسكاليجيه في ذلك الوقت وجعَلهم يظنون أنه قد يكون هو نفسُه عُضوًا في جماعة مفقودة منذ زمنٍ طويل في أوروبا؛ ولذا كتَبوا إليه آمِلين: «نسألك بحقِّ الرب، ونستحلفك باسمه المقدَّس، ألَّا تردَّ طلبنا دون إجابة … هل يوجد بينكم كهنة ينحدرن من نسل لاوي، أو هارون، أو فينحاس، أو هل لديكم كهنة على الإطلاق؟» (كان هارون، من سِبْط لاوي، جَد جميع الكهنة اليهود في العصور التوراتية، وكان فينحاس حفيدَ هارون.) كانت تلك نُسختَهم الخاصة من أسطورة الأسباط العشرة.
على الرغم من تضاؤل عددِهم، اعتبر السامريون أنفسَهم ورثةً لتاريخٍ مشرفٍ وقديم. وفي رسالتهم إلى اسكاليجيه تفاخَروا بأنه لا يزال لديهم رئيسُ كهنة ينحدر من نسل فينحاس (أضاف كاتب الرسالة بصيغة تنافسية: «لا يملك اليهود كهنةً منحدِرين من فينحاس»). لقد تذكَّروا، على عكس معظم اليهود، السِّبط الذي ينتمون إليه؛ فالكهنة السامريون مثل الكهنة اليهود، «الكوهينيم»، من نسل لاوي، بينما يُرجِع السامريون العاديون نسَبَهم إلى يوسف. وفي عشرينيات القرن التاسع عشر قال سامريٌّ يُدعى إسرائيل الشلبي للمبشر جوزيف ولف إن السامريين لم ينسَوا أنهم من نسل يوسف، الذي تعرَّض للخيانة والبيع في سوق العبيد بسبب إخوته. وقد ورث السامريون عنه مظلمتَه؛ ومِن ثَم كانوا يستاءون من اليهود، ويقول تعقيبًا على ذلك: «نحن أبناؤه، لا يمكننا أبدًا أن ننسى أن إخوة يوسف، أبينا، عامَلوه بقسوة شديدة.»
حتى عام ۱٧٧۲، كانت قوانينُ نابلس تفرض على السامريين ارتداءَ أجراسٍ في الأماكن العامة ومنَعَتهم من ركوب الخيول (في حالات الطوارئ، يمكنهم ركوب البغال). وكانت السياسات المحلية في نابلس عنيفةً وسريعة التغير؛ حيث انتهز العديدُ من الديماجوجيين الفرصَ لمهاجمة السامريين كوسيلة لتلميع مؤهِّلاتهم الإسلامية. ونجح أحدُ هؤلاء في بدء شَغْب في خمسينيات القرن التاسع عشر، وأثناء ذلك أخَذ بعض الرجال في الهتاف بأن السامريين يجب أن يُمنحوا خيارَ اعتناق الإسلام أو الموت. وجاء حاخام اليهود الأكبر من القدس في الوقت المناسب ليتَّقيَ حدوث كارثة بأن صَدَّق على أنهم مُوحِّدون حقيقيون (وهي خطوة ذاتُ أهمية تاريخية، بالنظر إلى العلاقة السيئة التقليدية بين اليهود والسامريين).
سجَّل القس بليني فيسك، وهو مبشر أمريكي نُشرت مذكراته بعد وفاته عام ۱۸۲۸، لقاءه مع السامريين: «استفسروا عمَّا إذا كان يوجد أيُّ سامريين في إنجلترا، وبدَوْا غيرَ راضين على الإطلاق عندما أجبناهم بالنفي. وعندما علموا أنني من أمريكا، استفسَروا عمَّا إذا كان يوجد سامريون هناك. فأجبتُهم بالنفي، لكنهم بثقةٍ أكَّدوا عكس ذلك، وأنه يوجد الكثير منهم في الهند أيضًا.» توجَّه رجل ويلزي، يُدعى جون ميلز، كان قد علَّم نفسه العبرية، واللاتينية، واليونانية، إلى نابلس في خمسينيات القرن التاسع عشر. علَّق ميلز بقوله إنه وجد السامريين شعبًا جذابًا: «كمجتمع، لا يوجد شيء في فلسطين يمكن مقارنتُه بهم … فهم طِوالُ القامة ويتَّسمون بالرُّقي في المسلك.» وبعبارة ذاتِ مغزًى، أضاف أنه كان بينهم «شبَه لا تُخطئه عينٌ كالشَّبه بين أفراد العائلة الواحدة.» وقد استمرَّ ذلك حتى اليوم، بما في ذلك شحمة الأذن الكبيرة بشكل مميز. عندما سألوه عما إذا كان يوجد عبرانيِّون في بلده، ظن ميلز أنهم يقصدون اليهود وقال: نعم. ومجددًا أصبحوا متحمسين بشدةٍ لفكرة أنهم قد يجدون مستوطنةً مفقودة من السامريين. لكن الحقيقة أنهم كانوا وحدهم في العالم.
كانوا يأمُلون في العثور على المسيا، أو التاهب، كما يُطلقون عليه. كتب جون ميلز أنهم يعتقدون أن المسيا الذي ينتظرونه سوف يأتي «ليس لِسَفك الدم، وإنما لشفاء الأمم؛ وليس لشنِّ الحرب، بل لجلب السلام». لقد توقَّعوا، لأسبابٍ لا يوضِّحها ميلز، أن المسيا سيأتي في عام ۱۹۱۰، لكنه لم يفعل. من ناحيةٍ أخرى، كان الانتدابُ البريطاني، الذي دخل حيِّز التنفيذ في فلسطين عام ۱۹۲۰، نقطةَ تحوُّل. فمِن تلك اللحظة بدأ المجتمع في التعافي، بتشجيعٍ من المسيحيين البريطانيين الذين كان لديهم انطباعٌ جيد عن السامريين بسبب صلاتهم التَّوراتية. وقد جاء العون في الوقت المناسب؛ حيث كان المجتمع قد وصل إلى انخفاضٍ لم يسبق له مثيلٌ وهو ۱٤٦ عضوًا.
وكانوا قد استمرُّوا عبر القرون في نَسخ نصوصهم التوراتية القديمة على الرقوق، التي اعتقدوا أنها تُثبت الادِّعاءات بأن جبل جرزيم هو جبل الرب المقدَّس. وتذكَّروا أيضًا النزاعَ القديم بين إسرائيل ويهوذا. وعندما اقتُرِحَت إقامةُ الدولة اليهودية الجديدة في الأربعينيات، أوضح كاهنٌ سامري لمسئول بريطاني بكلِّ عزة بوصفه آخِرَ ورَثةِ بيت إسرائيل: «أنا لا أعادي اليهود في استردادهم مملكتَهم مرةً أخرى. أنا غاضب من أنهم سيستقرون على أرضٍ مِلك لإسرائيل، ولم تكن مِلكًا لهم من قبلُ مطلقًا!» لم تردَعْه حقيقةُ أن عدد السامريين في ذلك الوقت كان مائتي شخص واليهود نحو أحدَ عشر مليونًا. وكما علَّق كاتبُ الرحلات البريطاني إتش في مورتون في الآونةِ ذاتِها تقريبًا: «أظن أن السامريين يعتبرون العربَ الذين كانوا موجودين هناك منذ عام ٦۳۸ بعد الميلاد مجردَ متطفلين!»
•••
أثناء إجراء البحث المتعلق بهذا الكتاب، عاودتُ النظر، في عام ۲۰۱۲، في العناصر التي كنتُ قد احتفظت بها منذ كنتُ قنصلًا في القدس. كانت بمنزلةِ مجموعةٍ من الذكريات. فقد كانت توجد تذكرةٌ لحضور قُدَّاس عيد الفِصْح في كنيسة القيامة، حيث نظرتُ إلى أسفلَ من قبَّة الكنيسة لأرى البطريَرْك الأرثوذكسيَّ يجلب النار، حسب الظاهر بمعجزة، من الكشك الصغير الذي يقال إنه يُئوي قبر المسيح. وكانت توجد صورة فوتوغرافية للحائط الغربي، حيث لا يزال اليهود يذهبون لينوحوا على تدمير الهيكل عام ٧۰ بعد الميلاد على يدِ الرومان، الذين كانوا مُصرِّين على القضاء على الديانة اليهودية؛ لأنها أظهرَت مقاومةً شديدة لحكمهم. (والحائط الغربي هو في الواقع الجسر الذي بُني عليه المعبد، وليس جزءًا من المبنى الأصلي نفسِه.) وكانت توجد أيضًا صورةٌ لقبة الصخرة الذهبية، التي بُنِيَت على موقع الهيكل القديم بعد الفتح الإسلامي.
وعثرت على تذكار من السامريين: نشرة إخبارية مطبوعة بأربع لغات؛ العربية، والإنجليزية، والعبرية، والخط ذاته الشبيه بخيوط العنكبوت الذي كنت قد رأيته على مباني قريتِهم سنة ۱۹۹۸. كان هذا هو الخطَّ السامري القديم، وهو نسخة أقدمُ من الكتابة العبرية. ومدوَّن أسفل كلِّ صفحة من الكُتيب الصغير الرمز الاصطلاحي «إيه بي — ذا سماريتان نيوز [أخبار الطائفة السامرية]». سجَّل الكُتيِّب أن عيد الفِصح الذي أقيم عام ۲۰۰۱ في ذروة الانتفاضة الفلسطينية جرى بطريقة سلمية. وكان الفلسطينيون قد وافقوا على تجنب أيِّ مواجهة مع القوات الإسرائيلية. تلقَّيت الشكر على تدخلي؛ فبعد زيارتي الأولى للسامريين، زرتُهم عدة مرات أخرى، بما في ذلك تلك المرة التي طلَبوا مني فيها تشجيع الفلسطينيين على تعليق القتال أثناء عيد الفِصح.
لا يعني ذلك أنهم كانوا يواجهون أيَّ صعوبة في التعامل مع الفلسطينيين، فكما أوردَت النشرة: «تلقَّى السامريون، الذين نزلوا من الجبل إلى نابلس لشراء البقالة من أجل العيد، ترحيبًا حارًّا من السكان … فسكان نابلس يتعاملون مع الوجوه الغريبة بارتياب … ومع ذلك، عندما عَرَّف الزبائنُ أنفسَهم بأنهم سامريون، سرعان ما تحولَت الشكوك إلى ابتسامة عريضة مصحوبةٍ بالمصافحات.» أثناء قراءتي لهذه الكلمات، تساءلت عمَّا إذا كان من المحتمل أن السامريين يُمثلون شيئًا أكثر روعةً من أسباط إسرائيل العشرة المفقودة؛ إذ يمكن أن يكونوا جسرًا بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
لذلك كنت آمُل أن يشكلوا فصلًا جيدًا في هذا الكتاب. فأفكارهم وعاداتهم، التي تُشبه أفكار اليهود وعاداتهم، ستكون مألوفةً لدى معظم القراء أكثرَ من تلك الموجودة في فصول الكتاب الأخرى. لكن وجود هذه الطائفة، التي وصفَها الباحث الإسرائيلي ناثان شور بأنها «ربما تكون أصغرَ مجموعةٍ من الناس احتفَظوا على مدى قرون عديدة بوعيٍ وطني خاص بهم»، قد يساعد في إلقاء الضوء على ما يجعل مجموعةً من الناس يعتبرون أنفسَهم أمَّة. فما الذي يجعلنا نرسم الخط الخفيَّ بيننا وبينهم؟
عندما زرتُ السامريين للمرة الأولى، كان الكثيرون لا يزالون يأمُلون في إمكانية تحقيق السلام الدائم. وبعد أكثرَ من عقدٍ من الزمان، تلاشت تلك الآمال. كنتُ خائفًا مما قد أجده إذا عُدت. لكنني كنتُ عازمًا على الذهاب؛ لأنني كنت قد تلقيتُ دعوة. كنت قد كتبتُ إلى محرر نشرة إيه بي الإخبارية، بنياميم تسيداكا (التهجئة السامرية لاسم بنيامين)، آمِلًا في أن يتذكرني من المدة القصيرة التي أمضيتُها في القرية. لم يردَّ في البداية. لكن بعد بضعة أسابيع تلقيتُ رسالةَ بريد إلكتروني غريبةً من حسابه: «سيُقام قربان الفِصح هذا العامَ ظُهر يوم الجمعة، الموافق الرابع من مايو ۲۰۱۲.» كان مُوقَّعًا على الرسالة باسم «بيني»، ويبدو أنها قد أُرسلت إلى قائمةٍ طويلة من الأطراف التي يُحتمَل أن تكون مهتمَّة. تلَت ذلك قائمةُ قراءاتٍ من سِفر اللاويين وتعليماتٌ بشأن متى ينبغي قراءتها. وفيما يخص وقتَ عيد الفطير [الفِصح]، أوصت الرسالة بتناوُل ماتزوث كوشير (فطير غير مخمَّر) وحرَّمَت المعكرونة. وحتمت ضرورةَ أن يصلِّي المرء في اتجاه الشرق؛ إلا إذا كان في الهند أو روسيا، ففي هذه الحالة يجبُ عليه مواجهةُ جهة الجنوب الغربي. من الواضح أن قُربان الفِصح وعيد الفطير كانا عيدَ الفِصح، على الرغم من اختلاف التاريخ السامريِّ عن التاريخ اليهودي. (لدى المجموعتَين تقويمان مختلفان قليلًا، ويمكن أن يكون العيد السامريُّ قبل النسخة اليهودية بيومين أو ما يصل إلى شهر بعدها.)
قرَّرتُ أن الرابع من مايو سيكون وقتًا مناسبًا لزيارة بِيني والسامريين. ومع ذلك، يجب أولًا أن أتمكَّن من اجتياز سُلطات الحدود الإسرائيلية. كان لديَّ سببٌ لأن أعتقد أن هذا سيكون صعبًا. فجواز سفري كان يحتوي على أختام من كل دولة تقريبًا يمكن أن تُثير شكوكَهم: العراق، وإيران، والمملكة العربية السعودية، وأفغانستان، وباكستان. كان ذلك قد تسبَّب في احتجازي لدى وصولي إلى مطاري شيكاغو ولندن؛ لا أستطيع إلا أن أتخيَّل ما سيحدث في تلِّ أبيب ذاتِ الوعي الأمني. ومع ذلك، فقد قضَيت، قبل وقتٍ طويل، بضعةَ أسابيع في تعلُّم العبرية، أثناء عملي في القدس. وظننتُ أن هذا قد يساعدني في التخفيف من حدة التوتر قليلًا مع السلطات، لكنني أدركتُ بعد ذلك أن كل ما كنت أتذكَّره هو أغنية عاطفية. وشككت في أن ينجح ذلك في استمالة أيِّ شخص.
كانت حارسةُ الحدود في مطار بن جوريون في حيرة من أمرها. قالت: «هل أنت قادم لعيد الفِصح؟ لكن عيد الفصح انتهى.» حاولتُ أن أوضح أنه كان يوجد عيدُ فصح آخَر، تحتفل به في قرية صغيرة في الضفة الغربية مجموعةٌ تُسمَّى السامريين، وعندما قلتُ ذلك، أدركتُ أنها لم تكن قد سمعَت بهم من قبل. رافقَني أحدهم جانبًا إلى غرفة انتظار خاصة في زاوية من صالة الوصول، مخصَّصةٍ للأفراد المشتبَه بهم الذين يلزمهم استجوابٌ مكثَّف. جلستُ على مقعد. وكانت مجموعةٌ من النساء الفلسطينيات على المقعد المقابل لي. وبجواري كان يجلس صبي ذو بشَرة داكنة له «بيئوت» (سوالف طويلة) ويضع كِبَّة (غِطاء رأس، يُسمى أيضًا يارمولكه) اليهود الأرثوذكس ومعه كيسٌ ضخم من السِّلَع الاستهلاكية عليه ملصقات باللغة العربية. أخبرني أنه من اليمن، وقد عاد لتوِّه من زيارة لعائلته في قرية بالقرب من عاصمة ذلك البلد، صنعاء. منذ أشهُر قليلة، كان واحدًا من أربَعِمائة يهودي متبقِّين في اليمن؛ وكان الآن ينتظر الحصول على الجنسية الإسرائيلية.
لحسنِ الحظ كان الاستجوابُ قصيرًا؛ لأن أحدَ العاملين في المطار كان قد سمع عن السامريِّين وجاء لنجدتي. وهكذا في غضونِ بضع ساعات كنتُ قد ركبت حافلةً متَّجِهة إلى القدس وكنتُ أحاول أن أصفَ لراكبةٍ أخرى، سائحةٍ من الدول الإسكندنافية، المعالمَ السياحية التي عاودتُ تذكُّرها على الفور. خلفنا كانت مدينةُ تل أبيب الساحلية التي بَناها مهاجرون يهودٌ في القرن العشرين، وهنا على اليسار كانت قريةَ أبي غوش العربية، وأمامنا كانت القدس، «أورشليم الذهبية»، كما وصفَتها أغنيةٌ إسرائيلية ناجحة من الستينيات. وكان أكثرُ شيء ذهبيٍّ في المدينة هو قبَّة مَزارها الإسلامي الرئيسي. ولكن مثلَما كان الحجر الأبيض لمباني القدس يعكس ضوء الشمس المتغيِّر، كانت شخصية المدينة تتغير وَفقًا للزاوية التي يراها منها المرء. فهي مكانُ الحكومة الإسرائيلية، لكنها أيضًا وِجهة رئيسية للسيَّاح المتديِّنين والعلمانيين على السواء؛ وجوهرة مِعمارية لا تزال أسوارُ مدينتها مَعلمًا بارزًا يمكن رؤيتُه من على بُعد أميال، لكنها أيضًا مدينةٌ حدودية، في كثير من الأحيان يجد فيها المتديِّنون والعلمانيون، اليهودُ والعربُ أنفُسَهم في منافسة حزينة على المكان، وعلى التحرُّر من الخوف.
بعد وصولي إلى فندقي في ذلك المساء، اتصلتُ ببِيني تسيداكا وسألتُه عن أفضل طريق للوصول إلى قرية اللوز، على جبل جِرزيم. أجاب بأن المسألة سهلة؛ فكل ما كان عليَّ فِعلُه هو رُكوب حافلةٍ فلسطينية صغيرة من عند باب العامود، في البلدة القديمة بالقدس. وستُقلُّني شمالًا إلى مدينة رام الله في الضفَّة الغربية التي يُسير شئونَها الفلسطينيُّون؛ وهناك يُمكنني ركوبُ حافلة أخرى، تحمل لوحةَ أرقام فلسطينية، لتُقلَّني إلى نابلس. ومن نابلس يمكنني أن أستقلَّ سيارة أجرة. بدا هذا مناسبًا؛ إذ كنت قد ركبتُ حافلات فلسطينية صغيرة من قبل. ولكن كان ثمة شيءٌ آخَر أردتُ التحقُّق منه قبل بدء الرحلة. كنتُ أعلم أنه في بعض الأحيان كانت توجد قيودٌ على سفر المركَبات الفلسطينية في الضفة الغربية. لذلك اتصلتُ بالمحافظ الفلسطيني لمدينة نابلس للتأكُّد من أنني سأتمكن من الوصول إلى القرية. بدا المحافظ مذعورًا. وقال: «لقد أغلقوا كلَّ الطرق من أجل عيد الفِصْح السامري. لن تنجحَ أبدًا في الوصول. تعالَ الأسبوعَ المقبل.» حاولت أن أقول إنني كنتُ قادمًا من أجل عيد الفِصح تحديدًا، لكنه كان قد أنهى المكالمة. وصِرتُ في حيرةٍ من أمري. لكن عندما فكرتُ في البدائل، أدركت أنه كانت توجد طريقة أخرى للوصول إلى السامريِّين.
عندما استولَت إسرائيل على القدس الشرقية وما وراءها من أراضٍ، حتى نهر الأردن، في حرب سنة ۱۹٦٧، كان يوجد العديدُ من اليهود، بما في ذلك في حكومة إسرائيل، ممَّن أرادوا الانسحابَ في أسرع وقت ممكن. كان لدى الآخرين رؤيةٌ أكثرُ توسعيةً وأرادوا الاحتفاظ بالأراضي المحتلة. وجادلوا بأن حدود إسرائيل السابقةَ لا يمكن الدفاعُ عنها. كانت المشاعر الدينية في جانبهم؛ فقد صارت البلدة القديمة في القدس، إلى جانبِ ما تبقَّى من الهيكل القديم، في قبضة اليهود لأول مرة منذ عام ٧۰ بعد الميلاد. تمسكَت إسرائيل بذلك، ومنذ ذلك الحينِ اتخذَت سلسلةً من الإجراءات المصمَّمة بوضوح لجعلِ القدس الشرقية جزءًا لا يتجزَّأ من إسرائيل.
كما اعتقدَت مجموعةٌ من الإسرائيليين المتدينين أن بقية الأرض الواقعة بين الحدود الشرقية السابقة لإسرائيل ونهر الأردن — المنطقة المعروفة باسم الضفة الغربية — يجب أن تظلَّ إلى الأبد جزءًا من دولة إسرائيل. فأقاموا مستوطنات هناك، في كثير من الأحيان على الأراضي التي كانت إسرائيل في الأصل قد صادَرَتها لأغراض عسكرية. ولأن هذا كان يُمثل انتهاكًا لاتفاقيات جنيف، التي تحظر على سلطةِ الاحتلال استخدامَ الأراضي المصادَرة للاستيطان المدني، على الفور أثارت هذه الخطوةُ جدلًا كبيرًا. كذلك جعلت إسرائيل في مواجهةٍ مستمرة مع القرويين الفلسطينيين الذين يعيشون بالقرب من المستوطنات، بينما كان المستوطنون أهدافًا سهلةً للهجمات الإرهابية. ومع ذلك، فقد انضمَّ إلى المستوطنين المتديِّنين آخَرون جذبَتهم دوافعُ اقتصادية؛ حيث أُتيحَت الأراضي الجديدة، التي وقعَت قطعٌ كثيرة منها فوق مصادرِ مياه قيِّمة وفي مواقعَ استراتيجية، بتكلفةٍ منخفضة للإسرائيليين اليهود. وكان لدى المستوطنين سياراتٌ وحافلات تحمل لوحاتِ أرقام إسرائيلية، مستثناة من إغلاق الطرق والقيود المفروضة على تنقُّل الفلسطينيين. فحتى لو كانت الطرقُ مغلقة في وجه الفلسطينيين، فستمرُّ هذه السيارات؛ ومن ثَمَّ كان من الواضح أنني كنت بحاجةٍ إلى أن أستقلَّ إحداها. توجهتُ إلى محطة الحافلات المركزية في القدس لمعرفةِ ما إذا كان بإمكاني العثورُ على واحدة قد تأخذني إلى أي مكان بالقرب من قرية السامريين.
كانت محطة الحافلات مزدحمة، لكن غالبية الناس فيها كانوا متَّجهين إلى أماكنَ تقليدية؛ تل أبيب، ونتانيا، وإيلات. بعد مراجعة دليلِ الحافلات، وجدتُ أن حافلات الضفة الغربية كانت في ركنٍ خاص عند أبعدِ نقطة في المحطة. وكانت الحافلة، كما لاحظتُ عندما استقلَلتُها، مصفَّحة، وكان معظم الركاب جنودًا ببنادقَ آلية. رأى مُنظِّرو حركة الاستيطان مجتمعاتهم المحليةَ عودةً إلى أرض كانت توراتيًّا مِلكًا لليهود، وتحديًا عنيفًا للإرهاب. أما مِن منظور الفلسطينيين، فقد مثَّلَت المستوطنات استغلالًا عنصريًّا للاحتلال العسكري الإسرائيلي للضفة الغربية، وعملية سلبٍ تتقدم ببطءٍ من شأنها أن تعوق طموحاتهم في إقامة دولة مستقلَّة. وعلى مدى السنوات كانت الاشتباكاتُ بين المستوطنين والفلسطينيين متكررةً ودموية.
اتجهَت الحافلة شمالًا ومرَّت عبر «جدار الفصل»؛ سياج من جهة، وجدارٌ مرتفع من جهة أخرى، بُني لتقليل الهجمات الإرهابية على الإسرائيليين. عزَل الجدارُ الفلسطينيين عن القدس، مما قيَّد جدلًا إمكانيةَ وصولهم إلى أماكنهم المقدسة، سواءٌ كانوا مسيحيين أو مسلمين. على الجانب الآخَر من الجدار، كنتُ داخل إسرائيل وخارجَها في آنٍ واحد. فقد كنتُ في حافلة إسرائيلية، تتَّجه إلى بلدةٍ تبدو مثل أيِّ بلدة إسرائيلية، على طريقٍ بَناه الإسرائيليون. ومع ذلك، كنتُ رسميًّا خارج إسرائيل؛ فالمنطقة التي دخلتُ إليها لم يكن يُديرها مدَنيون منتخَبون بل حاكم عسكري، والأطفال غير اليهود المولودين هناك لا يحقُّ لهم الحصولُ على الجنسية الإسرائيلية. كان طريقٌ للفلسطينيين، وعْرٌ إلى حدٍّ ما ومليءٌ بالحفر، يمضي بمحاذاة الطريق الإسرائيلي في نقاطٍ معيَّنة ثم يختفي. وصلتني رسالةٌ على هاتفي الخلوي، الذي كان يُبدل الشبكات تلقائيًّا: «مرحبًا، استنشَقوا رائحة الياسمين، وتذوَّقوا طعم الزيتون، فلسطين تُرحِّب بكم!» لم تسمح النوافذ ذاتُ الزجاج السميك بدخول الرائحة أو الطعم، لكن لم يكن من السهل حظرُ الإشارات اللاسلكية، تمامًا مثل الذكريات والشعور بالذنب. حتى شبكات الهاتف الخلوي الفلسطينية والإسرائيلية، بدَت متداخلةً ومتنافسة.
مدينة نابلس، التي كنتُ متجِهًا إليها، معروفةٌ للإسرائيليين باسم شِكيم؛ فهذا هو اسمها التوراتيُّ القديم. وهي مدينة بها مساجدُ إسلامية تاريخية ولكنها تضمُّ أيضًا أماكنَ مقدَّسة يهودية مثل قبر يوسف. وبالمثل، تشتمل ضواحي تل أبيب على مدينة يافا الفلسطينية التاريخية؛ حيث تعود أصول العديد من اللاجئين الذين يعيشون في ضواحي نابلس إلى هناك. وهذا التداخُل لا يقتصر على جغرافيا الشعبَين فحسب. فاللغات أيضًا متداخلة؛ فعندما اخترَع ابن يهودا اللغةَ العبرية الحديثة ولم يتمكَّن من العثور على الكلمات التي يحتاج إليها في الكتاب المقدَّس، استعاض عن ذلك بأنِ استعارها من العربية. واستمرَّت العملية منذ ذلك الحين، مع تبني الإسرائيليين للمصطلحات العامية العربية مثل «ياللا»، والتي تعني «هيا بنا»، واستخدام الفلسطينيين للكلمة العبرية «محسوم» للدلالة على نقطة تفتيش. وكذلك يرتبط الحمض النووي للشعبَين. فقد خلَصَت دراسةٌ نُشِرَت في عام ۲۰۱۰ — مع إقصاء التأثيراتِ الأوروبية الجنوبية على الحمض النووي اليهودي، والتي ربما قد حدَثَت نتيجةً لحالات اعتناق الديانة اليهودية — إلى أن «الجيران الأقرب جينيًّا لمعظم السكان اليهود هم الفلسطينيون، والبدو، والدروز».
حتى لو كان اليهود والفلسطينيون ينحدرون من أسلافٍ مشترَكين، فإن اختلافاتهم الدينيةَ قد طغَت على روابط القرابة. وأصبح الشعور بالثقة المكتسَب من خلال الصلاة معًا ومشاركة المعتقدات مهمًّا أكثرَ من الثقة المكتسَبة من خلالِ تشارك العائلة أو القبيلة ذاتِها. يومًا ما حدث شيء مشابهٌ بين اليهود والسامريين. أظهرَت دراسةٌ جينية في عام ۲۰۰٤ أن اليهود الكوهينيم والسامريين مرتبطون ارتباطًا وثيقًا؛ وهو الأمر الذي يدعم الزعمَ السامري بأنهم بالفعل من نسلِ قبائلَ إسرائيلية أفلتَت من أذى الآشوريين.
لم يكن من السهل الوصولُ إلى قرية السامريين. فقد كانت المستوطنةُ الأقربُ إلى السامريين، كما أخبرني رفاقي الركاب، هي هار براخا. وهي مستوطنةٌ صغيرة ومتعصبة دينيًّا. والوصول إليها يعني ركوب ثلاث حافلات مختلفة. أوصلَتني أولُ حافلة إلى آرييل، وهي مدينة جامعية كبيرة ولطيفة أنشأها المنظِّرون الأيديولوجيون في السبعينيات من أجل منع إقامة دولة فلسطينية من خلال المكوث وسط الضفة الغربية؛ وقد تمكنَت منذ ذلك الحين من جذبِ عددٍ كبير من السكان، الذين أراد الكثير منهم مساكنَ رخيصة. تجوَّلتُ في شوارعها الهادئة التي تصطفُّ على جانبَيها الأشجار، جائعًا أبحث عن مركز المدينة الذي لم أتمكَّن من العثور عليه. تخليتُ عن فكرةِ شراء الطعام وانتظرتُ الحافلة التالية. كانت أقلَّ ازدحامًا من الأولى، والآن أثناء سفرنا رأيتُ كُروم العنب والحدائق التي تعهَّدَها المستوطنون اليهود المحليُّون بالرعاية في محاولةٍ لعيش حياة توراتية أكثرَ أصالة. فلو كانت علاقاتهم بالفلسطينيِّين أكثرَ سِلمية، ربما كانوا سَيَّروا مشاهدَ توراتية في قرية فلسطينية خلال موسم حصاد الزيتون، أو في مخيَّم بدوي مع شيخ يجلس عند مدخل خيمته في منتصف النهار. بدلًا من ذلك، كان وجودهم حدوديًّا بكل ما في الكلمة من معنًى.
نزلتُ من الحافلة الثانية خارج نابلس مباشرةً، عند ظُلة على جانب الطريق محميةٍ بجدران خرسانية بالقرب من محطة وقود؛ كان ذلك عند سفح جبل جرزيم الذي تقع على قمته مستوطنةُ هار براخا. كان العثور على أي تاريخ أو قَداسة هناك أمرًا يستلزم أن يمتلك المرء خيالًا واسعًا، لولا مجموعةُ الأطفال الواقفين بجانبي في انتظار الحافلة التالية. كان لديهم «بيئوت» مثل اليهود المتزمِّتين، كالرجل اليمني الذي تعرَّفتُ إليه في المطار، ونظَروا إلى بنظراتٍ فضولية. من الواضح أن الغرباء لا يسلكون عادةً هذا الطريق. وصلَت الحافلة التالية، واستقلَلْناها — صِبْيان صاخبون في المقدمة، وفتيات رَزينات في الخلف — صاعدين الجبلَ إلى مجموعة المنازل التي كانت تتألَّف منها هار براخا. ومن حافَة المستوطنة، كان بإمكاني رؤيةُ قرية السامريين على بُعد ثلاثمائة أو أربعمائة ياردة؛ وكان يوجد طريقٌ يؤدي إليها، تصطفُّ الأشجار على أحدِ جانبَيه ويمتدُّ حقلٌ مفتوح على الجانب الآخر. ترجَّلتُ من الحافلة وبدأتُ أسير.
يسمِّي الإسرائيليون القرية السامرية كريات لوزة، في حين أن اسمها الفلسطينيَّ هو الطُّور. كان السامريون يُطلقون عليها اسمًا ثالثًا أيضًا: اللوز. وفي هذا الأمر كما هو الحال في كثير من الأمور الأخرى، حاولوا بجِدٍّ أن يكونوا مُحايدين بين الجانبَين. يحمل سكان اللوز أوراقَ هُوية من الحكومتَين الفلسطينية والإسرائيلية — ويمكنهم أيضًا حملُ جوازات سفرٍ من الأردنِّ المجاورة. ومن الواضح أنهم ليسوا مسلمين، لكنهم ليسوا يهودًا أيضًا. وقد تمكَّنوا، في معظم الأحيان، من البقاء منفتِحين على كِلا المجموعتين. كنتُ قد أتيت إلى القرية لأول مرة في عام ۱۹۹۸ مع مجموعةٍ من اللاجئين الفلسطينيين. هذه المرة، دخلتُ القرية بصُحبة رجل يهودي، أوقف شاحنتَه أمامي بينما كنت أسير وعرض عليَّ توصيلة. كانت تتناثر على مقعده الأمامي أوراقٌ أزاحها جانبًا. وقال مازحًا: «غالبًا لا يأتي أحدٌ هنا سوى أنا والرب»، وأوضح أنه بائعٌ متجول يزور المستوطنات والبلدات الفلسطينية. وقال إن الوضع لم يكن خطيرًا جدًّا؛ فقد أصبحت الأمورُ هادئة الآن.
بدَت القرية ذاتُها وكأنها صُمِّمَت لتكون واجهةً للتنوع. فقد كان بها شارع واحد فقط، حيث كان شباب القرية من المراهقين يتواصلون اجتماعيًّا. وكانت مجموعةٌ من الفِتيان تتحدث بالعربية؛ بعض الطلاب من جامعة نابلس يلتَقون بصديقٍ سامري. وفتيات يرتدين تنُّورات قصيرةً جالساتٌ على طاولة في المتجر الرئيسي ويتحدَّثن العبرية. كنَّ سامريات من ضواحي تل أبيب وكنَّ أكثرَ اندماجًا في المجتمع الإسرائيلي (بدا ذلك واضحًا من ملابسهن؛ فقد كان سكانُ القرية العاديون يرتدون ملابسَ أكثر تحفظًا). خمَّنت أن هذه الزيارات قد تكون فرصةً جيدة لهن للعثور على أزواج، حيث لا يُسمح للسامريين — وخاصة النساء السامريات — بالزواج من أشخاص من خارج دينهم.
شقَقتُ طريقي إلى أنقاض معبد السامريين، الذي كان في أعلى نقطة في القرية. أحاط سياج بالأطلال، التي لا يزال علماءُ الآثار يُنقبون فيها، وقد حقَّقوا بعض الاكتشافات الرائعة هناك. عرَض صبيٌّ أن يُريَني المكان مقابلَ مبلغ مادي. تركني أمرُّ عبر البوابة، التي كان معه مِفتاحها، وأراني الأساساتِ الصخريةَ لما كان يومًا ما مَزارًا مقدَّسًا رائعًا. كان علماء الآثار قد توصَّلوا إلى أن هذا المعبد السامريَّ قد بُني منذ خمسةٍ وعشرين قرنًا، داخل منطقة كبيرة مسيَّجة مساحتها ۳۱٥ × ۳۲۱ قدمًا. كان بإمكان آلافِ الزُّوار الصلاةُ في المعبد في مدةٍ زمنيةٍ ما. وقُدِّم العديدُ من الحيوانات قرابينَ هناك لدرجة أنه عُثِر على أربَعِمائة ألف قطعةِ عظام في الموقع. ونصَّت النقوش على أنه «بيت الرب». وتوصَّل كبيرُ علماء الآثار في الموقع إلى نتيجةٍ مثيرة للجدل مفادها أن المعبد السامري بُني قبل المعبد اليهودي الأول.
من حافَة السياج نظَرنا إلى نابلس في الوادي بالأسفل. كان بإمكاني رؤية كنيسةِ بئر يعقوب. كان ليعقوب اثنا عشَر ابنًا، وشَكَّل كلُّ واحد منهم سِبْطًا: أسباط إسرائيل الاثنَي عشر. سألتُ الصبي عن السِّبط الذي كان ينتمي إليه. قال: «ميناشي.» كان ميناشي أحدَ قِسمَي سِبط يوسف؛ لذلك كان يوسف، الذي كان قبره ظاهرًا أسفلَنا، هو الجدَّ الأكبر لهذا الصبي. وقد يكون، بالطبع، جدَّ العديد من الأشخاص الآخرين الذين ليسوا سامريِّين الآن. فلا بد أن العديد من السكَّان المسلمين في نابلس والقُرى المحيطة بها من أصلٍ سامري. ومن المعروف أن بعض العائلات لم تعتنق الإسلامَ إلا مؤخرًا. وانتُخِب أحد أفراد واحدةٍ من هذه العائلات، وهو عدلي يعيش، رئيسًا لبلدية نابلس بفارق ستةٍ وسبعين بالمائة، بوصفه مرشحًا لحماس. وادَّعى بيني تسيداكا فيما بعدُ أن أكثر من تسعين بالمائة من الفلسطينيِّين ينحدرون من نسل السامريين واليهود. «إذا سألتَ شخصًا متدينًا من أيٍّ من الجانبين، سيقول إن هذا هُراء. ولكنها الحقيقة!» (كان بيني نفسُه مدرِكًا للتاريخ الطويل الذي ربَطه بالأرض التي يعيش عليها. وفي مناسبةٍ لاحقة، كنتُ معه في بريطانيا عندما سأله رجلٌ يهودي عن المدة التي عاشت فيها عائلةُ بيني في إسرائيل. ولم يسمع ردَّ بيني جيدًا وقال: «مائةٌ وسبعٌ وعشرون سنة؟ هذا وقتٌ طويل!» قال بيني: «لا، مائة وسبعةٌ وعِشرون «جيلًا».»)
•••
اتضح أن منزل بيني على بُعد مسافة قصيرة سيرًا على الأقدام من أنقاض الهيكل. وكان نوعًا ما المتحدثَ الرسمي باسم السامريين؛ وكانت فيلته الصيفية المريحة تُستخدَم أيضًا مَقرًّا لصحيفة الطائفة. كان المنزل مُغطًّى بحجَرٍ خشن باللون الأبيض المائل للصفرة يستخدمه غالبًا الإسرائيليُّون والفلسطينيون على حدٍّ سواء لتغطية الأسمنت الرمادي الذي يستخدمونه لبناء منازلهم وإضافةِ لمسةٍ جمالية له. عاش بيني في الطابَقِ العُلوي الذي يُطل على سفح التل. وبالإضافة إليَّ استَقْبَلَ هنا عددًا لا حصر له من الزوار — حاخامًا، وزوجَين مسيحيَّين إنجيليين، وطاقم تصوير فيلم — وأجاب عن جميع أسئلتنا. كانت أسئلتي تتعلَّق بمعتقدات السامريين. يرفض السامريون النصوص الدينية اليهودية مثل سِفْرَي دانيال وإشِعْياء؛ فعندهم، لا يوجد نظيرٌ لأسفار موسى الخمسة (أسفار العهد القديم الخمسة الأولى، التي تُسمى أحيانًا بالتوراة). والتوراة السامرية تختلف قليلًا عن التوراة اليهودية. وكما ذُكر سابقًا، لا تتضمَّن النسخةُ التي تحويها من الوصايا العشر أيَّ حظر على النطق بِاسْمِ الربِّ باطلًا، ولكنها تتضمَّن وصيةً لبناء مذبحٍ على جبل جرزيم. يزعم بيني أن التوراة السامرية هي النسخةُ الأكثر مصداقية. ويرى أن قومه قد حافَظوا على النص بشكلٍ أفضلَ على مَرِّ القرون؛ لأنهم بَقُوا في مكان واحد، ونسَخوا بدقةٍ الكتاباتِ المقدسةَ الثمينة من المخطوطات القديمة إلى المخطوطات الجديدة.
لكن الاختلاف الأكبر في الشعائر بين السامريِّين واليهود يأتي مِن رفض السامريِّين لجميع التقاليد اليهودية التي نشأتْ بعد كتابة التوراة. فعلى سبيل المثال، بما أن التوراة لا تطلب صراحةً من الرجال تغطية رءوسهم طوال الوقت، فإن السامريين لا يرتدون «الكِبَّة» عمومًا، كما يفعل اليهود الأرثوذكس، ولا ترتدي النساء السامريات الشعرَ المستعار أو الحجاب لتغطية شعورهن. ونظرًا إلى أن التوراة تأمرُهم بأن يُقدِّموا الحُمْلان قرابينَ في عيد الفِصح وأن يضَعوا دمها أعلى إطارات أبوابهم وعلى جوانبها، فهذا هو ما يفعلونه بالضبط؛ كما سأرى لاحقًا. ولا يحتفلون بعيدَي البوريم والحانوكا اليهوديَّين، اللذَين ظهرا بعد تاريخ نزول التوراة.
وكذلك يرفضون أيَّ إجراءات يهودية للتخلِّي عن قواعدِ التوراة أو تخفيفها. ويُحافظون على التقاليد القديمة للكهنوت. وعندما كان الهيكل اليهودي قائمًا، كان يخدمُه الكهنة، الذين كان يقودهم رئيسُ كهنة. ولا يزال يوجد في اليهودية دورٌ لكهنة سِبْط لاوي بالوراثة، الكوهينيم؛ فهؤلاء، على سبيل المثال، يُقدمون البرَكة الكهنوتية في الصلاة اليهودية الأرثوذكسية، ويَحظر عليهم القانونُ اليهودي الزواجَ من النساء المطلقات أو اليهوديات اللاتي كنَّ يعتنقنَ دياناتٍ أخرى. ومع ذلك، فهم لا يُقدمون القرابين، واستحوذ الحاخاماتُ إلى حدٍّ كبير على دورهم القيادي في المجتمع اليهودي. لكن عند السامريِّين لا يزال دَور الكهنة كما كان منذ ألفَي عام. أخبرني بيني أنه يوجد ثمانيةٌ وعِشرون رجلًا سامريًّا من الكهنة، وهم رجالٌ راشدون من عائلات تدَّعي انحدارَها من نسلِ لاوي. وهم يُشرفون على عمليات الختان، وقراءات التوراة، والخِطبة، والزواج، والطلاق (أكد لي بيني أن الطلاق «نادر جدًّا، حيث يحدث خمسَ مرات في المائة عام»)، ويقودون الصلاة. كما أنهم يُقدمون حيواناتٍ قرابينَ مرةً في السنة في عيد الفصح. ويلعب رئيس كهنة السامريين دورَ المحكمة العليا في الشئون الدينية.
الرجال السامريُّون، مثل الرجال اليهود الأرثوذكس، لا يلمسون زوجاتهم أثناء مدة الحيض. وتتضمَّن القواعدُ السامرية ما هو أكثرُ من ذلك إلى حدٍّ ما؛ فحتى الأشياء التي تلمسها المرأةُ الحائض تعتبر غيرَ نظيفة؛ مما يعني أنه يجب عزلُها تمامًا. أوضح بيني: «للمرأة أثناء مدة الحيض غرفة خاصة، حيث تقيم فيها مدةَ سبعة أيام. وبعد ولادة ذكَر، تُفصل مدةَ أربعين يومًا، وبعد ولادة أنثى، تكون المدةُ ثمانين يومًا. لا يُسمَح باللمس، لكن يُسمح لها بالتحدُّث؛ وتجلس على طاولةٍ أخرى.» وعلى حد زعمه: «لكن الفائدة الكُبرى هي أن يقوم الزوجُ بواجباتها في المنزل! فالأُسرة تُساعدها. وهذا يُقلل من الإجهاد الطبيعي.» وفي نهاية هذه المدَّة، تأخذ المرأة حمَّامًا شعائريًّا لتطهير نفسِها.
يبدأ السبت السامريُّ من غروب شمس يوم الجمعة حتى غروب شمس يوم السبت، تمامًا مثل السبت اليهودي؛ ولكن بتشدُّدٍ أكبر. وهم لا يصِلون في تشدُّدهم إلى درجةِ تشدُّد الإسينيين، وهي طائفةٌ يهودية متشدِّدة فرَض أتباعُها على أنفسِهم قاعدةً (مؤلمةً بالتأكيد) تقضي بأن لا يتَغوَّطوا يوم سبتِهم. لكن السامريين لا يستطيعون إشعالَ النار في يوم السبت، وفي زمان الشموع والفوانيس كان هذا يعني الجلوسَ في الظلام؛ وعلى عكس اليهود، لا يجوز لهم أن يطلبوا من أشخاص من خارج دينهم أن يُضيئوا لهم الشموع. وكتبوا في رسالتهم إلى اسكاليجيه في القرن السادسَ عشر أنهم يُعاشرون زوجاتهم يوم السبت. ولم يتركوا منازلَهم إلا للصلاة. وحتى اليوم، لا يخرج السامريُّون من القرية يوم السبت، ولا يُدخِّنون في ذلك اليوم أيضًا. ولا يزالون يرتدون يومَ السبت ملابسَ يعتقدون أنها تُحاكي تلك التي كان يرتديها اليهودُ الذين شارَكوا في الهجرة الجماعية التوراتية من مصر. أخبرني بيني أنه كان يرتدي هذه الملابس في أيام السبت حتى عندما كان طالبًا في الجامعة العبرية.
وأخبرَني بيني أن السامريين كان يتعيَّن عليهم العيشُ في أرض إسرائيل، التي يُفسِّرونها بأنها تشمل مصر. (في الواقع، كان السامريون يعيشون على الجزُر اليونانية في القرن الثاني قبل الميلاد، ولكن جرى تشديدٌ للقواعد منذ ذلك الحين.) يستطيع بيني السفرَ إلى الخارج، وهو ما يفعله لحضورِ المؤتمرات، ولكن لا يجوز له أكلُ اللحوم من خارج الطائفة؛ فاللحم ليس حلالًا للسامريِّ ما لم يُذبَح الحيوان على يدِ سامريٍّ بما يتفق تمامًا مع تعاليم سِفْر التثنية، التي تُطالب بتقديم ساق الحيوان اليُمنى الأمامية لكاهن. ومع ذلك، يمكن أن يأكلَ بيني طعامًا نباتيًّا في مطعم حلال أو كوشير (أي طعامًا مُعَدًّا حسَب تعاليم الشريعة اليهودية).
بالإضافة إلى ذلك، حَدَّثَ بِيني معرفتي بتاريخ السامريِّين. فعائلته كانت تمتلكُ تاريخًا طويلًا من الشعراء والروَّاد. فجَدُّه الأكبر غادر نابلس عام ۱۹۰٥ وأسَّس مجتمعًا ثانيًا من السامريين في يافا. كانت يافا مدينة ساحليةً تضم الكثيرَ من الجنسيات وبها طائفةٌ يهودية كبيرة، مقارنةً ببُعد نابلس واتجاهها المحافظ، ووفَّرَت فرصَ عمل أكثرَ تنوعًا. وكان هناك أيضًا المزيدُ من شركاء الحياة المحتمَلين في هذه المدينة حيث كان يعيش الكثير من اليهود. وبسبب تقلُّص عدد العرائس السامريات المتاحات — لأسباب لم تُحَدَّد بشكل قاطع، كانت الطائفة تُعاني لعدة أجيال من نقص عدد المواليد الإناث — قرَّر ابنه يفيت إتيانَ أحدِ المحرمات القديمة وهو: الزواج من امرأة يهودية. (كان مَن أقنع يفيت بذلك هو رئيسَ إسرائيل المستقبَلي، إسحاق بن تسفي، الذي كان قد أصبح مُهتمًّا بالسامريين عندما التقى والد يفيت الذي خاطَبه بالعبرية القديمة.)
نجح يفيت رغم كل الصعاب. وتزوَّج امرأة يهودية من روسيا اسمها ميريام. كان بيني حفيدَهما. وأثناء جلوسه على أريكةِ غرفة معيشته بينما كانت زوجتُه تُحَضِّر العشاء، أشار بفخرٍ إلى رأسه ذي الشعر الأبيضِ المجعَّد بشدةٍ الشبيهِ برأس أينشتاين — الذي ورثه من الجانب الروسي من عائلته، على حد قوله. وقال لي: «إذا سألتني، فهذا يجعلني أيضًا أكثرَ هدوءًا»، وأظن أنه كان يقصد أكثرَ صبرًا. لكن لماذا كان لدى السامريين قاعدةٌ تمنع الزواج من خارج طائفتهم؟ كان أحد الأسباب هو حمايتهم من التورط مع طوائفَ أقوى. ففي الشريعة الإسلامية (والتقاليد السامرية أيضًا) يأخذ أطفالُ الزوجَين ديانة الأب. والمرأة التي تتزوج من خارج طائفتها تأخذ معها أطفالها المستقبَليِّين أيضًا، وتحرم رجلًا أو آخَر في تلك الطائفة من عروس محتملة. لذلك حاولَت (وتُحاول) الطوائفُ في الشرق الأوسط أن تمنع نساءها من الزواج من رجالٍ من ديانات أخرى؛ باستخدام العنف في بعض الأحيان. وحتى وقتٍ قريب، كان من شأن استفزازِ طائفة أخرى من خلال زواج الرجل السامري، وهو عضوُ أصغرِ أقلية في المنطقة، من إحدى نسائها؛ أن يُعرِّض جميع السامريين للخطر. وكان من شأن زواج امرأةٍ سامرية من خارج طائفتها أن يعنيَ ببساطة أن الطائفة سوف تتضاءل. ويضمنُ الحظر المفروض على الزواج من آخَرين بقاءَ ثقافةِ السامريين وسُلالتِهم، وعدمَ تأثُّرهم بالثقافات الأوسع نطاقًا التي تُحيط بهم. بالإضافة إلى ذلك، يُقَدِّر السامريون سلسلةَ نسَبِهم باعتبارها رابطًا وثيقًا بأسلافهم التوراتيين.
سألتُ بيني عما حدث لجَدته. قال إن السابقة لم تمرَّ دون إثارةِ بعض الجدَل والخلاف. «فالشيوخ لم يعترفوا بها في البداية.» أكمَل ضاحكًا: «لكنهم قَبِلوها بعد أن أنجبَت ستَّ بنات.» فقد كانت البنات أكثرَ ما يحتاج إليه السامريُّون. وأصبح الزواج المختلط أكثرَ شيوعًا بين السامريين في يافا على وجه الخصوص. فقد تزوج بيني ذاتُه من يهوديةٍ من أصل روماني كانت قد قبلت عادات السامريين الخاصةَ عندما تزوَّجَته. قال بيني: «من العنصريِّ بعض الشيء أن تسأل عن أصلك: «هل أنت يهودي أم مسيحي؟» لقد تغيرَت لتنضمَّ إلينا. وأصبحَت إسرائيليةً مثلنا.» أكمل حديثه قائلًا إن في هذه الأيام، كان نحوُ خمس وعشرين بالمائة من زيجات المجتمع بين رجال سامريِّين ونساء غير سامريات، معظمُهن يهوديات. بعضهن كنَّ من أوروبا الشرقية. وجاءت اثنتان من عائلات مُسلمة في آسيا الوسطى.
فيلم وثائقي عن السامريِّين أُجرِيَت في مقابلة مع امرأتَين أوكرانيَّتين تزوَّجتا من رجلَين سامريَّين — ويبدو أنهما تكيَّفتا جيدًا مع الحياة في مجتمعِهما الجديد — وأُجريَت فيه أيضًا مقابلة مع أحد أفراد الأسرة الكهنوتية الذي لم يُعجبه هذا التوجُّه الجديد. وقال: «عندما نتبنَّى نساء أجنبيات ونُدخِلهن في أمَّتنا، فهذا يجعلني أشعر بالخوف على المستقبل، وبالخوف من ألَّا نكون قادرين على السيطرة عليهن. فأمَّتُنا، التي احتفظت على مدى ۳٦٤۲ عامًا بتقاليدها وعاداتها الفريدة، يجب أن تستمرَّ في الاحتفاظ بها في المستقبل، وإلا ستنزلقُ إلى هاوية الفوضى.»
في الوقتِ ذاته، تعتبر الزِّيجات بين النساء السامريات والرجال غير السامريين من الأمور المحرَّمة أشدَّ التحريم. تناول فيلم وثائقيٌّ ثانٍ، أُنتج عام ۲۰۰۸، معاناةَ امرأة سامرية، هي صوفي تسادكا، التي نبَذَتها الطائفةُ لرفضها قواعدَها وزواجِها من رجلٍ يهودي. (وهي مُمثلة بارزة في التلفزيون الإسرائيلي.) في إحدى المقابلات، لم يُظهر الرجالُ السامريون أيَّ تعاطف معها. وعلَّق أحدهم أنه لو كانت أختُه تنوي الزواج من خارج الديانة وترك عقيدتها: «سأقول حسنًا … ولكن عندما تخلُد للنوم في الليل، ستنتهي حياتها. مثلما تُذبَح الشاة.» لا يوجد دليلٌ على أن أيَّ امرأة سامرية قد قُتِلَت بالفعل لهذا السبب، لكن هذه السلوكيات القاسية هي التي حمَتِ الطائفةَ من الاندماج في طائفة أخرى على مرِّ القرون؛ إنها الجانب المظلم من الدفء والروح الجماعية التي أظهَرها السامريون والتي افتقدَتها صوفي بوضوحٍ في الفيلم الوثائقي.
يتَّسم السامريون بأنهم تقليديون صارمون — ولو لم يكونوا كذلك، لما ظلُّوا موجودين — لكن بِيني، مثل جدِّه، كان يبحث عن طرق جديدة لتفسير التقاليد القديمة لعقيدته. وكان من ضمن أفكاره نشرُ رسالة السامريين وطريقة حياتهم حتى يتمكن غيرُ السامريين من تقليدها. وفي عام ۱۸٦٤، نشر جون ميلز مجموعةً من الجداول التي كان كاهنٌ سامريٌّ قد أرسلها منذ عدة عقود إلى الطائفة في إنجلترا. كانت نسخةً سامريةً من أسطورة الأسباط المفقودة، وتتَّسم بالقَدْر نفسِه من البؤس. قال ميلز إنه أضاف المخطَّط من أجل الأهمية التاريخية؛ «لأنه، على الأرجح، الوثيقةُ الأخيرة من نوعها التي سيُعدُّها كاهن سامري على الإطلاق.» وكم كان مخطئًا. فبيني الآن يُعِد مخططاتٍ مماثلةً ويرسلها حول العالم إلى الأشخاص الذين يريدون اتباعَ أسلوب حياةِ السامريين. «إنها ظاهرة جديدة للأشخاص الراغبين في الانضمام إلى الطائفة؛ عُزابًا، وعائلاتٍ، وقبائلَ. فأنا على اتصال بالآلاف منهم عبر الإنترنت. لكني لا أومن بضمِّ الآلاف على الفور. لذا نقبل عائلةً واحدة تِلْو أخرى. فهم يريدون العيش وفقًا للتوراة. ويرسلون لي الكثير من الأسئلة وأُرسل لهم كتبًا. ويجدون الأمر مثيرًا. فهم من جميع أنحاء العالم؛ الهند، الاتحاد السوفييتي السابق، أوروبا، أمريكا، أستراليا، البرازيل. وبعضهم من اليهود.»
أدْرَكتُ أن الرسالة الإلكترونية الجماعية من بيني كانت توجيهًا لأولئك الذين يتطلَّعون إلى انتهاج أسلوب حياةِ السامريين. وتُوضح رسائل البريد الإلكتروني هذه أيٌّ من قراءات من التوراة السامري يتوافقُ مع أيِّ تواريخِ سبتٍ في التقويم، وتُوضح أيضًا تواريخَ الاحتفال بالأعياد السبعة للسنة السامرية. تشمل هذه الأعيادُ الشُّبوعوت، عندما يحجُّ السامريون حول أماكنهم المقدسة على جبل جرزيم (على سبيل المثال، الأماكن التي يعتقدون أن آدم، وإسحاق، ونوحًا قد قدَّموا فيها قرابينَ لله)؛ وصيام يوم كيبور (يوم الغفران)، حيث تستمرُّ صلاة السامريين لمدة أربع وعشرين ساعة دون انقطاع؛ وعيد سوكوت (عيد العرش)، وهو عيدٌ للحصاد يحتفل به السامريون بتزيين منازلهم بالفاكهة (على عكس اليهود، الذين يبنون ظُلَّةً في الهواء الطلق، يحتفل السامريون بالسوكوت بالكامل داخل بيوتهم). قد تحتوي غرفةُ المعيشة لعائلةٍ سامرية عالية الهمة بشكل خاص على رُمَّان، وتفاح، وليمون، بأحجام كبيرة، بالإضافة إلى ما قد يصل إلى نصفِ طنٍّ من الفاكهة التي تتدلَّى من السقف فوق رءوس المحتفلين بالعيد، بعد ربطها بسعَفِ النخيل وأغصان الصَّفصاف. يجلس السامريون تحت هذه الكمية الكبيرة من الفاكهة، يشربون الجِعَة المصنوعةَ في المنزل ويأكلون الكعك واللوز المنقوع في الماء.
جاء بالفعل عددٌ قليل جدًّا من متابعي بيني عبر الإنترنت للعيش في القرية. «لا يتعين عليهم الانضمامُ بأنفسهم. يمكنك أن تعيش حياةً سامريةً في المنزل. وإذا أرسَلوا ممثلًا، فإنني أستضيفه. فالناس يبحثون دائمًا عن شيء يمنعُهم من الشعور بالملل. ولكن من دواعي اعتزازنا أن يعتبرنا الناسُ من أهل الحق.» وبقدرِ ما أعلم، فقد احتلَّ بيني مكانةً فريدة في طائفته المكونة من ٧٥۰ شخصًا فقط. لكن عندما سألته مَن الذي سينشر الصحيفة، ويحضر المؤتمرات، ويبحث في تاريخ السامريين عند رحيله، ابتسَم وقال: «عندنا مثَل يقول: يخلق الله بديلًا في كلِّ جيل. أظن أنهم سيعثرون على مجنونٍ مثلي في كل جيل.»
حتى الآن، جاءت عائلةٌ واحدة كان بيني قد راسلها لتعيش في اللوز. كانوا أمريكيِّين، وكانوا في السابق يعتنقون المسيحية. زار أحدُ أفراد العائلة، يُدعى ماثيو، بيني أثناء وجودي هناك، وأُتيحَت لي فرصة التحدث معه. قال لي ماثيو: «كان اهتمام والدتي بالعهد القديم يتزايد باطِّراد.» تساءلت والدته، شارون، عن سبب عدم التزام المسيحيين بالشريعة اليهودية؛ وبسبب رغبتها في الالتزام بها على نحوٍ أوثق، وأثناء بحثها على الإنترنت عن المعلومات، صادفَت اسم بيني. «منذ ستٍّ إلى ثَماني سنوات زارنا بيني، وبدأنا ببطءٍ في فعل كلِّ ما يفعله السامريون. بدءًا من فصل النساء أثناء مدة الحيض، إلى عدم الخروج من الحيِّ يوم السبت، وما إلى ذلك. ودعا رئيس الكهنة المسنُّ شارون للمجيء إلى الطائفة والانضمامِ إليها؛ لذلك بحَثَت عن برامج دراساتٍ دينية وقُبِلَت في الجامعة العبرية.»
بعد ثماني سنواتٍ من أول لقاء مع السامريين، كان ماثيو في منزل بيني يستعدُّ لقُربان عيد الفِصح. لم يواصل أفرادُ عائلته الآخرون المسيرةَ؛ فقد حاد إخوةُ ماثيو عن الطريق بعد أن سئموا من الحاجة إلى حضور الصلوات المنتظِمة في الكنيس، وانتقلَت شارون إلى القدس. وعلى الرغم من ذلك، دُعي ماثيو، قبل عامَين من زيارتي، للانضمام إلى احتفال الطائفة بعيد الفصح ولتناولِ لحم الحُمْلان التي قُدِّمَت قرابين، وكان هذا يُعتبر من أسمى علامات القبول. قال: «تعيش العائلاتُ معًا، وهذا ما أحبه في الطائفة.» ومن الناحية العملية، سيُساعده بقاؤه بين السامريين في تعلم اللغتَين العبرية والعربية، وهو ما لم يفعله بعد، لكنه خطَّط للاضْطِلاع بتلك المهمة، ثم دراسة الأعمال التِّجارية والاستقرار بشكل دائم في الحي الآخر للطائفة، في تل أبيب، بوصفه أولَ سامري أمريكي. (في العام التالي، سمعتُ أنه تخلى عن هذه الخطة وعاد إلى أمريكا. منذ ذلك الحين لم يحْذُ أيُّ غريب آخَر حذْوَه بالقدوم للعيش في القرية.)
أخذني بيني في جولةٍ بالقرية بعد ظهر ذلك اليوم، موضحًا الكيفية التي كانت العائلاتُ تستعدُّ بها لعيد الفصح. لاحظت أنه كان يتجول ببساطة في منازل الآخرين، دون الحاجة حتى إلى قرع الجرس أو الاستئذان. في مخزنٍ بالطابق السُّفلي لأحد المنازل، حيث كُدست أَسِرَّة الأطفال وعرَباتُهم على الحائط لتوفير مساحة، كان رجلٌ يحمل الاسم العربيَّ غيث (اسمه العبري موشيه) يفرد العجين، المصنوع من الدقيق والماء فقط، على صفيحةٍ معدنية مقوَّسة ساخنة تسمى «الطابون». كانت يلزم تحضيرُ مخزون كبير؛ فكما هو الحال في التقليد اليهودي، لا يمكن تناولُ شيءٍ إلا الفطير غيرَ المخمَّر خلال أيام عيد الفِصح السبعة، التي كانت على وشك أن تبدأ. وزع علينا بيني بِضعَ قطعٍ من الخبز الساخن، الهش، عديم النكهة. في المدةِ التي سبَقَت عيد الفصح وخلالَه، كان من المتوقع أن يتولى الرجالُ مهامَّ الطبخ وغيرَها من المهام. جلسَت زوجة غيث على مقربة، ومِزاجها سيِّئ بعضَ الشيء. وقالت بالعربية: «أتولى الطهي ۳٦٤ يومًا في السنة، ولا أحد يأتي لالتقاط صورٍ لي وأنا أفعل ذلك. وهو يفعل ذلك يومًا في السنة ويظنُّ الجميعُ أنه أمرٌ مذهل؟!»
كان ثمة التزامٌ سامري آخر لم أكن قد رأيتُه بعد، لكنني تلقيت مقدمةً مكثفةً عنه في صباح اليوم التالي. رُحت في غفوةٍ متقطعة في قاعة الضيوف حيث أجلسَني السامريون، واستيقظتُ على صوت غريب، همسٍ قويٍّ يتردد في الغرف الفارغة حولي. كان واضحًا أنه لم يكن أيَّ نوع من المحادثات أو المناقشات؛ لأنه كان نحو ثلاثين صوتًا يتحدثون بلا انقطاع، ولكن بلا تناغم. لبضع دقائق لم أتمكَّن من معرفة مصدرِ هذا الصوت. ثم أدركتُ أن قاعة الضيوف كانت بجوار الكِنشا، أي الكنيس السامري. ذهبتُ لأرى ما كان يحدث. وعند مدخل «الكِنشا» تعيَّن عليَّ أن أخلع حذائي وأضعَه في غرفة خارجية؛ فمثلما خلع موسى حِذاءه عند تلقِّيه الناموسَ على جبل سيناء (أو جبل جِرزيم، حسَب العقيدة السامرية)، كذلك يخلع السامريون أحذيتهم في حضرةِ ذلك الناموس.
كانت غرفةُ الصلاة جهةَ الشرق، وكان مِحرابٌ في أحد طرَفَيها مغلقًا بستارة صفراء، وأمامه جلَس رئيس الكهنة ذو الرداء الأبيض وأخوه. كانت هناك ساعةٌ صغيرة وبجانبها مينوراه، الشمعدان السُّباعي، على الحائط المطليِّ باللون الأبيض، وكانت الثُّريات ومراوحُ السقف معلَّقةً بالأعلى. شُيد المبنى في ثمانينيات القرن الماضي، ولكن المحراب كان يضمُّ لفائفَ رقِّية مكتوبةً منذ قرون، ربما حتى من آلاف السنين. أطلق عليها ميلز اسمَ «مُبتغَى العلماء الأوروبيِّين ومَبعَث يأسهم»، وكاد إصرارُه على رؤيتها «أن يتحول إلى حُمَّى». عندما اطلَع عليها في النهاية، وجد كتابةً على إحداها تزعم أن الوثيقة كُتبَت في العصور التوراتية. كان هذا مستبعَدًا — فحتى الورق الرقِّي لن يصمدَ كلَّ هذه المدة الطويلة — ولكن ربما نُسِخَت من وثيقةٍ من تلك الحقبة. توجد لفائفُ عمرها سبعُمائة عام في المكتبة البريطانية اشتُرِيَت من السامريِّين في القرن التاسع عشر. وفي المواضع التي تحتوي فيها اللفائفُ على صلَوات، يكون الرقُّ داكنًا وباليًا في الأماكن التي لمسها الكاهنُ وهو يتلو تلك الصلوات.
كان صوت الهمهمة القويُّ، الذي كنتُ قد سمعته، صادرًا من جميع الذكور السامريِّين في القرية، الذين كانوا يرتدون جلابيبَ قُطنية رقيقة تصل إلى أقدامهم، مجتمِعين في هذه الغرفة ويتلون الصلَوات، كلٌّ في وقته وبإيقاعه الخاص، مستخدِمين كلماتٍ مختلفة، دون أيِّ تناغم. بين الحين والآخَر كانوا يتوقَّفون ويسجدون على أيديهم ورُكَبهم ويلمسون الأرضَ بجِباههم. يُغطي السامريون رءوسَهم في وقت الصلاة، كما يفعل بعض اليهود المتديِّنين في جميع الأوقات بالكِبَّة. كان لدى السامريين ثلاثةُ أنماط مختلفة من أغطية الرأس؛ قبعة صلاة بيضاء مثل تلك التي يلبسها المسلمون، وطربوش أحمر، وبيريه أسود. فضَّل السامريون الذين كانوا يعيشون في تل أبيب البيريه؛ إذ كانوا يتَّبعون الموضات الأحدثَ قليلًا. وقد أحدثَ هذا التأثيرُ تغييرًا غريبًا. فالسترة الصوفية التي يلبسها رجلٌ فوق جلبابٍ وطربوش أحمر تجعله يبدو كأنه خرج من كِتابٍ عن الإمبراطورية العثمانية؛ أما الرجل الذي بجانبه، الذي يرتدي معطفًا واقيًا من المطر وبيريه، فيبدو كأنه فنانٌ فرنسي.
يُصلي السامريون صباحًا ومساءً مدةَ أسبوع قبل عيد الفِصح؛ وفي أيام السبت العادية، يصلي الناسُ إما في البيت أو في الكنيس. وكانت الصلوات عبارةً عن مقتطَفات من التوراة السامرية مختلِطة بقصائدَ دينية كتبها السامريون على مرِّ القرون. وبدا أن معظم الناس يعرفونها عن ظهر قلب، لكنَّ مراهقًا واحدًا يضع نظارةً كان يقرؤها من كتاب؛ وفي الخلف، كان الأطفال الصغار أقلَّ مشاركة، وغلَب النُّعاس أحدَهم في الزاوية، وسقط طربوشُه على أحد الجانبَين. طلب مني زملاؤه في المدرسة، ضاحكين، أن ألتقطَ صورته. كان هذا أقصى ما يُمكن أن يفعله المراهقون للتمرُّد على الوضع. فيبدو أن عدم الحضور للصلاة على الإطلاق كان أمرًا غيرَ وارد. أخبرني أحدُ المراهقين، الذي كان يحرص على التحدُّث بين الصلوات، قليلًا عن عائلته: كان لديه ابنُ أخٍ ستُلطَّخ جبهته بدماء القُربان في ذلك اليوم؛ وَفقًا للتقاليد، باعتباره الابنَ البِكر لعائلةٍ كهنوتية، وكان ابنُ أخٍ آخرُ يدرس علوم الكمبيوتر ويريد الخدمةَ في الجيش الإسرائيلي. كان الصبي يقطع قصةَ حياته بين الحين والآخر ليسجدَ مع الآخرين.
في وقتٍ لاحق من ذلك الصباح، بعد الصلاة، تجوَّلتُ في الشارع الرئيسي. وقرب نهايته كان يوجد متجرٌ لبيع الجِعَة والويسكي، يُديره رجلٌ سامري يُدعى جميلًا. جلسنا وشربنا القهوة وتحدَّثنا قليلًا؛ وانضم إلينا بعضُ الرجال الآخرون من القرية ونظَروا إلى الصور التي التقطتها. سألوا بارتيابٍ عن سبب التقاطي صورًا للصبي النائم. هل كنتُ أحاول السخرية منهم؟ قوطعَتْ محادَثتُنا عدة مرات بمكالمات هاتفية، من فلسطينيِّين في نابلس يطلبون طلبيات، بعدها ينطلق جميل لتجهيز بعض التوصيلات.
قال: «كان يوم أمسِ منهِكًا. كنتُ أعدُّ الفطير غير المخمر للعائلة. إنها حقًّا عائلة كبيرة!» كان والده كاهنًا، واحتلَّت صورةٌ ضخمة لمراسم قربانِ عيد الفِصح مكان الصدارة على أحد جُدران المحل. سألتُه عن أحوال السامريِّين. قال: «أنا قلقٌ بعض الشيء.» كان يوجد سلام في نابلس في الوقت الحالي، وهو أمرٌ جيد، لكنه قد لا يدوم. «لا بد أن تبقى الأشياء كما هي. فالانتفاضة كانت سيئة لكِلا الطرَفَين، الفلسطينيين والإسرائيليين. أما الآن فقد أصبح الوضع هادئًا وآمنًا. نحن بحاجةٍ إلى نابلس؛ إذ نأتي بكلِّ شيء من هناك، كل طعامنا.» وكان بها كذلك العديدُ من السامريِّين الذين يمتلكون متاجرَ وممتلكاتٍ أخرى. فقد عاش السامريون في نابلس حتى أواخرِ الثمانينيات، عندما أخافتهم الانتفاضةُ الأولى ودفعَتهم إلى الانتقال إلى قريتهم المنفصلة.
كثيرًا ما كان ياسر عرفات يتباهى بأن السامريين عُوملوا معاملةً طيبةً في ظل الحكم الفلسطيني، مما يُشير إلى أنها قد تكون مقدمةً للسيادة الفلسطينية على الضفَّة الغربية، التي ستكون في الوقت ذاتِه مفتوحةً لليهود. وأنشأ مقعدًا مخصصًا للسامريِّين في البرلمان الفلسطيني. فاز والد جميل في الانتخابات اللاحقة، في الغالب بسبب أصوات المسلمين؛ فقد كان معروفًا في نابلس، حيث أكسبه متجر الجِعَة والويسكي الذي يمتلكه العديد من الأصدقاء.
كان والد جميل متمسكًا بتقاليد السامريِّين العريقة المتمثِّلة في تقديم النُّصح للحكام المسلمين. وعلى الرغم من أن المجتمع في القرون الماضية كان ضعيفًا ومحرومًا بشكلٍ جماعي، فإنه غالبًا ما كان أفرادُه يُفضَّلون على غيرهم لِشَغل مناصبَ حساسة؛ لأنهم لم يكونوا يتدخَّلون في المنافسات القبَلية القاتلة التي أدَّت إلى انقسام المسلمين المحليِّين. ومع ذلك، يمكن أن تجعل هذه المنافساتُ الناصحَ السامري عُرضةً للخطر. كان رجل يُدعى يعقوب الشلبي سامريًّا غيرَ عادي: أظهر حُبًّا مبكرًا للمال والمغامرة، حيث قبِل المالَ من أحد المبشِّرين لينزل في بئر يعقوب ويستعيدَ الكتاب المقدس الذي أسقطه أحدُ الزائرين. ولاحقًا سافر إلى إنجلترا (فعل ذلك مخالفًا، على الأرجح، قواعدَ السامريين) وكتب مذكراته في عام ۱۸٥٥. وسجل فيها التجارِبَ التي خاضها عمُّه الأكبر بوصفه أمينَ خِزانةٍ لحاكم نابلس، خلال المرحلة التي استولَت فيها على الحكم إحدى الجماعات المنشقَّة، ثم حلَّت أخرى محلَّها. تلقى هذا العمُّ الأكبرُ تهديدًا بالقتل، وسُجن، وحُكم عليه بالإعدام؛ لكنه هرَب، أو أُطلق سراحه، أو مُنح إرجاءَ تنفيذ. وتمكَّن من أن يؤديَ خدمات لكلٍّ من العائلات المتحاربة المتنافسة تباعًا. لقد نجا، لكن شعره شاب قبل الأوان.
انتهى ترحيبُ عرفات بالسامريين في المشاركة السياسة في نابلس بشكل ألطف. إذ أُلغي المقعد المحجوز لهم، مما جعل المجتمعَ المسيحي الأكبر هو الأقليةَ الوحيدة التي تملك مقاعدَ محجوزةً في البرلمان الفلسطيني. بينما كنت جالسًا مع جميلٍ وانضمَّ إلينا عددٌ قليل من القرويين الآخرين، سألت إذا كان السامريون قد شعروا بالإهانة. أجابوا جميعًا في آنٍ واحد: لا؛ في الواقع، لقد شعروا بالارتياح. فمشاركةُ الطائفة في السياسة لم تتسبب إلا في مشاكل، وهم يُفضِّلون أن يكونوا محايدين.
قد يكون من الصعب الحفاظُ على الحياد، خاصةً في حالةِ طائفة تُمثل أقليةً ضعيفة. ومع ذلك، فقد نجَح السامريون حتى الآن في الحفاظ على مَسارهم المحايِد بمهارةٍ كبيرة. في وقتٍ لاحق من ذلك اليوم، تجوَّلتُ متجاوزًا نهايةَ القرية، مارًّا ببوابةٍ وُضعت هناك على ما يبدو لمنع الناس من دخول القرية يوم السبت. مشيتُ بجوار حقول البطاطس والمنحدرات القليلة الأشجار. على المنحدرات ذاتِها في عام ۱۸٥٥، سمع جون ميلز بناتِ آوَى يعوي بعضُها لبعضٍ في الليل «ويُنافِس بعضُها بعضًا بأصواتها المتعاقبة المزعجة». في ذلك الوقت لم يكن أحدٌ يعيش على الجبل، وعندما كان السامريُّون يصلُّون لتأدية مراسم قُربان عيد الفِصْح، كانوا ينصبون خيامًا يمكنهم الإقامةُ فيها طوال الليل. بدا مستبعَدًا أن يكون أيٌّ من حيوانات بنات آوى باقيًا هناك الآن. كانت المنازل تنتشر في كل مكان، بما في ذلك منزلٌ فخم فخامةً خاصة يخصُّ الملياردير الفلسطيني منيب المصري. كان بعض العمال المحليِّين مشغولين في أحدِ مشاريع البناء. ونظروا إليَّ برِيبةٍ بعضَ الشيء حتى تحدثتُ معهم باللغة العربية، وهو ما أسعدَهم. وقالوا إن الأمور كانت هادئة، وكانت تلك أنباءً سارَّة. سألتُهم عمَّا إذا كانت هذه البيوت لا تزال جزءًا من القرية السامرية. أجاب أحدهم: «لا؛ فالناس الذين يعيشون هنا فلسطينيُّون.» تساءلت: أليس السامريون أنفسُهم فلسطينيِّين؟ أجاب بتردُّد: «أظن ذلك، لا سيما كبار السنِّ منهم؛ لستُ متأكدًا بشأن الجيل الأصغر سِنًّا. حسنًا، إذن: لنقُل إن هذه المنازل ملك للعرب.»
كان ارتباك الرجل مُعبرًا؛ لأن وضع السامريين مبهَم. بحلول منتصف القرن العشرين، كان السامريون والمسلمون يتعايشون بشكلٍ أفضل مما كان عليه الوضعُ قبل مائة عام. في خمسينيات القرن الماضي، كتب مبعوثٌ من البارون إدموند دي روتشيلد رسالةً إلى البارون مفادها أن السامريين «يتمتعون بعلاقاتٍ جيدة مع المسلمين». أخبرتني أحلام، وهي مسلمةٌ من نابلس، أنها تتذكَّر الذَّهاب إلى بيوت السامريين لحضور عيد الحصاد «سوكوت» في أوائل الستينيات: «كنا نذهب إلى منازلهم للاحتفال بالأعياد، وكان ثمة عيدٌ خاص يُزينون فيه بيوتَهم بالفواكه. كانوا يبذلون جهدًا كبيرًا للتواصل، في الواقع، أكثرَ مما كان يفعل المسيحيون. فقد كانوا يدْعوننا لتناول الطعام معهم بالرغم من عدم قدرتهم على قَبول أيِّ طعام منا»؛ وذلك بسبب قواعد الكَشْروت، التي تنصُّ على أنه يجب على السامريين، مثل اليهود، أن يتناولوا طعامًا مُحضَّرًا بطريقة معينة فقط. اكتشفَت أحلام أنه كانت توجد حدودٌ لهذه الألفة. كانت تأخذ دروسًا خصوصية بعد المدرسة من أحد المعلِّمين في المدرسة، الذي كان يحبُّ زميلة مسلمة سرًّا. تجرأ على إخبار تلميذته بذلك، لكنه لم يستطع إخبارَ المرأة ذاتِها. تساءلتْ أحلام عن السبب. كانت في ذلك الوقت أصغرَ من أن تفهم القواعد الصارمة التي فصَلَت السامريين عن المسلمين وغيرهم من الغرباء.
بعد الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية سنة ۱۹٦٧، تحسَّن وضعُ السامريين أكثر لأن إسرائيل وجدَت أنه من المفيد توظيفُهم في المناصب الإدارية شبهِ الرسمية. تمكن السامريون في الوقت ذاته من البقاء على وِفاق مع الفلسطينيِّين. وبعد اندلاع الانتفاضة، كان من الصعب الهروبُ من العنف. فقد تعرَّض كاهنٌ سامري تعس الحظ لإطلاق النار مرتين في ليلة واحدة، مرة على يدِ مسلَّحين فلسطينيين ظنُّوا خطأً أنه مستوطن إسرائيلي، ثم على يد جنود إسرائيليين رأَوه يقود سيارته نحوهم بتهوُّر — حيث فقد السيطرة على عجلة القيادة — وظنوا أنه انتحاري. ولكنه نجا وتلقى بعد ذلك اعتذارًا من كِلا الجانبَين. يسود السلام الآن، والسامريون أفضلُ حالًا مما كانوا عليه منذ قرونٍ عديدة، لكنهم لا يعتبرون هذا أمرًا مفروغًا منه.
بالعودة إلى شقَّة بيني، بينما كانت الشمس تغرب وبداية الاحتفال بعيد الفصح تقترب، انتظرتُ بينما كانت امرأتان تُناقشان معه مشروعَ تسجيل موسيقى مقدَّسة (حيث أُصدِرَت تسجيلاتٌ مختلفة للموسيقى السامرية على قرصٍ مضغوط، يُغنيها أفراد المجتمع أنفسُهم). عندما انتهَوا سألتُه عن الأمور السياسية. قال: «نحاول أن نكون نوعًا ما جسرًا بين الفلسطينيين والإسرائيليين. فماديًّا ليس لدينا القدرةُ على الإسهام. نحن نكافح من أجل بقائنا. إذا أيَّدنا طرَفًا وفاز الطرفُ الآخر، فماذا سيلحق بنا؟ سيقولون إننا متعاونون مع العدو.» لكن لم يكن لدى السامريِّين رغبةٌ في إقامةِ دولةٍ خاصة بهم. «ليست لدينا مَطالبُ إقليمية؛ لم نَقُل أبدًا: «مرحبًا، كانت عائلتنا تمتلك هذه الأرض، إنها مِلكنا.» نرى مقدارَ البؤس الذي سبَّبه هذا الأمرُ للمنطقة بأكملها. وأظن أنني أنا نفسي أحظى بأكثرَ مما كنتُ أتوقع.»
في وقتٍ معين، كان عليَّ مغادرةُ منزل بيني لأنه كان عليه أن يحضر نفسه للمشاركة في القربان. بدأ الأمر في وقتٍ أبكر من المعتاد؛ لأن يوم السبت سيبدأ عند غروب الشمس في ذلك العام؛ ولذا يجب أن تتمَّ مراسم القربان قبل ذلك، في وقتٍ مبكر من بعد الظهر بدلًا من المساء كما هو معتاد. وتبعًا لتقليدِ ارتداء الملابس ذاتِها التي ارتداها أسلافُهم التوراتيون عند الفرار من مصر، ارتدى السامريون أردية، بكلٍّ منها أربعةٌ وعشرون زِرًّا (واحدٌ لكل حرفٍ من الأبجدية السامرية). وكان الكهنة يرتدون ألوانًا خاصة: الأحمر لدم الحمَل، والأزرق للسماء، والأبيض لنقاء القلب. كان الحدث يُشكل عنصرَ جذبٍ سياحي ضخم، وكان هذا نعمةً ونقمة على السامريين في آنٍ واحد. قال بيني: «لا أحب أن أكون غريبًا، لكن هكذا هو الأمر. فأي شخص يُحافظ على التقاليد هو شخصٌ غريب.» وأوضح أن الحفاظ على التقاليد أمرٌ مِحوري للهُوية السامرية.
أثناء انتظاري في الشارع بالخارج، شاهدتُ وصول حشودٍ من الزوار. كان بعضُ المسيحيين والكثيرُ من اليهود يأتون ليرَوا شيئًا لا يمكن رؤيته في أي مكان آخر؛ عيد فِصْح به تقديمُ حُملانٍ قَرابين، كما كان يحدث حتى تدمير الهيكل اليهودي منذ ما يقرب من ألفَي عام. كانت السيارات الواقفة تملأ الشوارع شيئًا فشيئًا، وكانت طواقمُ تصوير الأفلام تُعِد كاميراتها، وكان الوافدون مبكرًا يشغلون أفضلَ الأماكن لمشاهدة الحدث. تلقَّيت دعوةً لحضور حفل الاستقبال الذي يسبق تقديمَ القربان، الذي سيُقام في القاعة التي كنتُ قد نِمت فيها طوال الليل.
كان هذا الحفل يتكوَّن من مجموعةٍ من الخُطَب؛ التي كان يسهل أن تكون مملَّة، باستثناء أن جمهورها كان يُشكِّل مزيجًا غيرَ عادي. جلس قائد القوات الإسرائيلية في الضفة الغربية قبالةَ محافظِ نابلس الفلسطيني، وانخرَط الاثنان في مزاحٍ يمزج بين الجِدِّ والهزل. وتجلى في الطرَف الآخر من القاعة تقاربٌ أكثرُ غرابة، حيث جلس ممثِّلو حركة المستوطنين بجانب الفلسطينيين الذين ألقَوا لاحقًا خطاباتٍ حماسيةً حول أوجُه الظلم في الحكم الإسرائيلي (لا سيما القيودَ المفروضة على تنقل الفلسطينيين، التي كانت تعوق اقتصاد نابلس).
عبَّر جميعُ المتحدثين — المحافظ، وقائد القوات، ومنيب المصري الذي كان يرعى الحدَث — عن احترامهم للسامريِّين. ذكَّرني هذا بشيءٍ قاله بيني؛ إن السامريين هم المسألةُ الوحيدة التي يمكن أن يتفق عليها الفلسطينيون والإسرائيليون. أخيرًا، نهض رجلٌ سامري، وهو رجل قصير ذو وجه مميز تُوفِّي والده مؤخرًا، ليتحدَّث. قال: «كان شعبنا على وشك الانقراض، لكننا تمالَكْنا أنفسنا وبنَينا طائفتَنا، والآن لن نذهب إلى أي مكان، نحن باقون هنا.»
أظهر الحدث مدى حرص السامريين في موازنة علاقاتهم مع الفلسطينيين والإسرائيليِّين. من الواضح أنه كانت توجد بعضُ الآراء السياسية المختلفة داخل المجتمع؛ فأولئك الذين عاشوا في تل أبيب كانوا يرتاحون لاستخدام اللغة العبرية، وتحدَّثوا بحريةٍ أكبر عن ولائهم لإسرائيل، بينما كان بعضُ السامريين في جبل جرزيم أقربَ إلى الفلسطينيِّين. فَهِموا جميعًا الحاجة إلى الحفاظ على علاقاتٍ جيدة مع كِلا الجانبين. قدَّمَت إسرائيل فرصًا أفضلَ للتعليم والعمل، وكانت حكومتها سخيةً تجاه السامريين. وقيل إن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، لديه صورةٌ له مع رئيس الكهنة، وقد شاهدَها العديد منهم عندما زاروه. وقيل لي إن رئيس الكهنة كان قد تنبَّأ بصعودِ نتنياهو إلى السلطة. على الناحية الأخرى، كان السامريون أقلَّ ارتياحًا للتدرج الهرَمي الديني المحافِظ في إسرائيل. قال لي أحدُ السامريين: «نحن نُفضِّل الابتعادَ عن الحاخامات اليهود.» يُنظر إلى السامريِّين في القانون الفلسطينيِّ على أنهم مجتمعٌ ديني منفصِل، وهذا يعني (على سبيل المثال) أن الزيجات التي يعقدُها كهنتُهم معترفٌ بها قانونًا؛ أما في القانون الإسرائيلي فكان وضعُهم أكثرَ غموضًا.
انتهى التجمُّع، وبدأ الناس في الرحيل في صفوفٍ طويلة. فقد حان وقت بدء مراسم تقديم القرابين. اعتاد السامريون، منذ عقود، على التجمُّع في خيامٍ على الجبل من أجل تأدية المراسم، ولكن الآن كانت توجد منطقةٌ مصمَّمة خُصوصًا للحدث، مُحاطة بسياجٍ من الأسلاك الشائكة. وكان مئاتُ السياح يتدافعون نحو السياج، وحاول بعضُهم التسلُّق فوقه، مما أثار صيحاتِ حراس الأمن الأقوياءِ البِنْية. كان السامريون الآن متجمِّعين داخل المنطقة المسيَّجة، بعدما شقُّوا طريقهم بصعوبة عبر الحشود ليدخلوا تلك المنطقة. كان الكهنة يلبسون أرديتَهم التقليدية الملونة؛ وكان الرجال السامريون الآخرون يرتدون مآزرَ بيضاء وقبَّعات بيسبول استعدادًا للعمل الدموي الذي كانوا على وشك إجرائه. ووقفَت النساء بالخلف مع الأطفال الأصغرِ سنًّا. ووَفقًا لقواعد عيد الفصح المنصوصِ عليها في سفر الخروج، فإن كل عائلة كبيرة بما فيه الكفاية تجلب حَملًا لتقدمه قُربانًا. لذلك جُمِع قطيعٌ صغير من الحُملان وسَط حشد السامريِّين، بينما كانت تُملأ حفرٌ كبيرة في أحَد طرَفَي المنطقة المسيَّجة بالحطب المعدِّ للحرق، وتُجهَّز أكوام من التراب في مكانٍ قريب، مما كان يحمل نذيرًا بالسوء للحُملان.
كان كِبار الكهنة يُنشدون الأغانيَ بينما كانت الحُملان تُساق إلى مكان الذبح، حيث كانت الهياكل المعدنية جاهزة. ثم عندما ذُبِحَت الحُملان، أطلق السامريون صيحةً عظيمة. وبدأ الرجال الذين يرتدون المآزر في العمل، وعلَّقوا الذبائح على الهياكل المعدنية حتى يتمكنوا من سلخِها. وبدَءوا يهتفون بفرح، وهم يُغنون بالعبرية القديمة، «الرب إلهنا ربٌّ واحد!» وهم يتبادلون الإشارات والإيماءات فيما بينهم. وأنشَدوا أبياتًا من أغنية البحر، وهي الأغنية الاحتفالية التي غنَّاها بنو إسرائيل بعد خلاصهم من مصر: «مَرْكَباتُ فِرعونَ وجَيشُه ألْقاهُما في البحر.» جُمع دمُ الحملان، وجُهِّز للرسم به على عتباتِ أبواب القرية بعَصا نباتِ الزوفا. أخيرًا وُضعت الحملان المذبوحة في أسياخ للشَّيِّ. وبمجرد أن يحترق الحطب الموجود في الحُفَر كُليًّا ويتحول إلى فحم، تُطهى الحُملان وهي مغطَّاة بطبقةٍ من التراب فوقها للاحتفاظ بالحرارة. كان هذا، كما وعَدني بيني، مشهدًا مُستخرَجًا من الماضي البعيد.
لقد تحدَّى السامريون قرونًا من التوقعات المتشائمة التي أطلقَها أولئك الذين زاروهم خلال مرحلة انحدارهم الطويلة. علَّق كاتبٌ إنجليزي سنة ۱٧۱٤: «لقد استمرت طائفةُ السامريين حتى الآن في العالم نحوَ ۲٤۰۰ سنة، وتقريبًا في المكان ذاتِه حيث ظهرَت أولَ مرة. لذلك لا عجب في أن شيئًا ما بهذه الروعة يمكن أن يُثير الفضوليِّين.» لكنه خَلَص إلى أنه «بعد مدةٍ قصيرة لن يكون لهم وجودٌ في المكان الذي استمروا فيه مدةً طويلة جدًّا؛ وقريبًا لن يُعثَر على اسمهم في أيِّ موضع سوى التاريخ.» وفي خمسينيات القرن التاسع عشر، كان المبشِّر الويلزي ميلز متشائمًا بالقدر ذاتِه. وتنهَّد قائلًا: «قبل أن تُتوفَّى أجيالٌ كثيرة، على الأرجح ستكون هذه الأمةُ قد اندثرَت.» ولكن ثبت أنهم جميعًا كانوا مخطئين.
فهنا، على أحدِ الجبال المقدَّسة في الأرض المقدسة، كان رئيس الكهنة رقم ۱۳۲ (كان الأول هارون، شقيق موسى)، يرتدي ثيابًا زاهية، ويستريح مع زملائه بعد المجهودِ المبذول في قُربان عيد الفِصح. وجاءت نساءُ الطائفة لتقبيل أيديهم. وكانت جِباه الأبناء البكر مُعلَّمةً بدمِ الحُملان. وفوق هذا المشهد الذي يبدو يهوديًّا، أعلنَت لافتةٌ أن شركة الاتصالات الفلسطينية كانت ترعى هذا الحدث. ربما كان من السهل جدًّا تخيُّلُ أن التجرِبة السامرية، بما فيها من قيود وعدم استقرار واعتمادها على حُسن نيةِ كلٍّ من السلطات الإسرائيلية والفلسطينية، قد تُوفر أساسًا للتعايش المشترك بين جميع الطوائف المختلفة في هذا المكان المضطرب. لكن من المؤكد أنها تمنح على الأقل بصيصًا من الأمل.