مصرع مروان ومصرع الدولة الأموية
انتزعت الدولة الأموية الخلافة انتزاعًا بفضل دهاء معاوية وانتفاعه باستغلال الظروف، ولم يكد يستقر أمرها حتى قامت أمامها عقبات شتى، ونازعها الملك ثوار قادرون، فلم يكد يخلو عهد واحد من عهودها من فتن وقلاقل.
كان يناوئها الشيعة ودعاة بني العباس والخوارج وأتباع عبد الله بن الزبير والمختار وغيرهم. فلم يكن لخلفائها بد من اليقظة التامة والحذر الدائم، وبهاتين الخلتين استطاع الأقوياء منهم أن يخمدوا نيرانًا مستعرة، ما كانوا ليقدروا على إخمادها لولا ما امتازوا به من حكمة وسياسة وما عرفوا به من الانصراف لشئون الملك، وافتنانهم في التنكيل بأعدائهم.
(١) تفرق كلمة الأمويين
هكذا تفرقت كلمة بني أمية، واشتغلوا بقتال أنفسهم عن قتال أعدائهم، فلم يصغ مروان الجعدي إلى نصائح نصر بن سيار وتحذيره من استفحال دعوة العباسيين لأنه كان مشغولًا بالانتقام من أقاربه وأبناء أسرته.
(٢) توحيد الدعوة ضد الأمويين
كان من أكبر الطامحين إلى الخلافة أسرتان عظيمتان، الأسرة العلوية والأسرة العباسية، وكان كل منهما يدعو إلى نفسه، وقد فطن العباسيون إلى ما في ذلك من تفرق الكلمة، مع حاجتهم إلى الاتحاد ضد عدوهم المشترك، فأعملوا جهودهم في حل هذه العقدة، حتى وفقوا إلى حيلة عجيبة — كما يقول الأستاذ نيكلسون — واهتدوا إلى نداء شامل تنضوي تحته دعوتا الأسرتين.
فالعلويون أبناء علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم!
والعباسيون أبناء العباس بن عبد المطلب بن هاشم.
فالعباس وعبد المطلب أعمام النبي يلتقيان معه في جدهم هاشم، ففيم الخلاف وتشتيت الكلمة؟ لتكن الدعوة إذن باسم جدهم هاشم. وقد نجح العباسيون في هذه الحيلة حتى إذا أدركوا غايتهم، انفردوا بالأمر وحدهم.
(٣) أسباب أخرى
- (١)
توفق العباسيين إلى أبي مسلم الخراساني الذي قام بأكبر قسط في تنشيط الدعوة إلى العباسيين.
- (٢)
ترفع الأمويين عن مخالطة الأجناس الأخرى غير العرب، وإطلاقهم عليهم اسم الموالي، مما يبغضهم فيهم وجعلهم ينضمون إلى مناوئيهم ليتخلصوا من دولتهم المبغضة إليهم.
- (٣)
تغالي الأحزاب المناصرة لآل البيت والشيعة وما تركه شعر دعاتهم من الأثر الديني في نفوسهم (اقرأ شعر الكميت مثلًا).
- (١)
التي أشعل نارها يزيد ضد الوليد.
- (٢)
التي أشعل نارها مروان الجعدي ضد يزيد.
- (٣)
التي أشعل نارها سليمان بن هشام ضد مروان.
وزدنا على ذلك تخاذل الأمويين في موقعة الزاب وسوء رأي مروان الجعدي وقواده، سهل علينا فهم الأسباب التي أودت بهذه الدولة العظيمة وأزالتها من عالم الوجود.