الرسالة الرابعة
بسم الله الرحمن الرحيم
(١) فصل
اعلم أيها الأخ البار الرحيم — أيَّدك الله وإيانا برُوح منه — أنه لما فرغنا من ذكر الأركان الأربعة، أردنا أن نذكر في هذه الرسالة الملقَّبة بالآثار العلوية حوادث الجو وتغييرات الهواء وكيفية حدوثها بتأثيرات الأشخاص الفلكية فيها، ولكن من أجْل أن كثيرًا من الناس العقلاء يظنون أن المطر ينزل من السماء من بحر هناك، وأن البرد يقع من جبال، ثم يستشهدون على صحة ظنونهم بقوله — عز وجل: وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا، وقوله تعالى: وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ، ولا يعرفون معاني قوله — سبحانه — ولا تفسير آيات كتابه — جلَّ ثناؤه — احتَجْنا أن نذكر فيها طرفًا لنزول الشكوك والشبهة.
واعلم يا أخي بأن معنى السماء في لغة العرب هو: كل ما على الرءوس، وأن المطر إنما ينزل من السحاب، والسحاب يُسمَّى سماءً لارتفاعها في الجو، ويُسمى أيضًا السحاب جبالًا لتراكُمِه بعضه فوق بعض كتراكُم أركان الجبال، وركود أطوادها بعضها فوق بعض، كما يُرى ذلك في أيام الربيع والخريف كأنها جبال من قطن مندوف متراكم بعضه فوق بعض.
(٢) فصل في ماهية الطبيعة
كان الذين يتكلمون في الحوادث الكائنات التي دُون فلك القمر من الحكماء، والفلاسفة ينسبون هذه الآثار والأفعال كلها إلى الطبيعة، وكما أن أقوامًا من العلماء ينكرون أفعالها وينكرون الطبيعة أيضًا أصلًا احتجنا أن نذكر معنى قولهم الطبيعة، ونبيِّن أن الذين أنكروا أفعالَها ذهب عليهم معنى الطبيعة ولم يعرفوها، فمِن ذلك أنكروا أفعالَها.
واعلم يا أخي — أيَّدك الله وإيانا بروح منه — أن الطبيعة إنما هي قوة من قوى النفس الكلية منبثَّة منها في جميع الأقسام التي دون فلك القمر، سارية في جميع أجزائها كلها، تُسمَّى باللفظ الشرعي الملائكة الموكَّلين بحفْظ العالَم وتدبير الخليقة بإذن الله، وتُسمى باللفظ الفلسفي قوًى طبيعية، وهي فاعلة في هذه الأجسام بإذن الباري — جلَّ ثناؤه — والذين أنكروا فعل الطبيعة إنما ذهب عليهم معنى هذه التسمية، وظنوا أنها متوجِّهة نحو الجسم، والجسم من حيث هو جسم لا فعل له البتة بالإجماع من الفريقين، بدلائل قد صحَّتْ وبراهين قد قامتْ.
واعلم يا أخي بأن الذين أنكروا فعل الطبيعة يقولون إنه لا يصح الفعل إلا مِن حيٍّ قادر — وهو قول صحيح — ولكنْ يظنون أن الحي القادر لا يكون إلا بجسم إذا كان على هيئة مخصوصة بأعراض تحلُّه بزعمهم مثل الحياة والقدرة والعلم وما شاكلها، ولا يدرون أن مع هذا الجسم جوهرًا آخَر روحانيًّا غير مرئي، وهي النفس، وأن هذه التي وصفوها من الأعراض بأنها حالَّة في الجسم هي التي تظهرها فيه، أعني النفس بفعلها في الجسم.
واعلم يا أخي أنما ذهب على الذين أنكروا فعل الطبيعة علم النفس، وخَفِي عليهم معرفتها من أجْل أنهم طلبوا إدراكها بالحواس فلم يجدوها، فأنكروا وجودها، وأما الذين أقرُّوا بالنفس وأدركوا وجودها فإنما عرفوا ذلك بالأفعال الصادرة عنها في الأجسام، وذلك أنهم اعتبروا أحوال الجسم فوجدوه لمجرده لا فعل له البتة ولا للأعراض الحالَّة فيه، وإنما الأفعال كلها للنفس، وأما الجسم وأعراضه فإنها للنفس بمنزلة أدوات وآلات لصانع يُظهِر بها ومنها أفعالَه كما يُرى ذلك من الصُّنَّاع البشريين، فإنهم بأدوات جسمانية يُظهِرون صناعاتهم في الأشياء، مثال ذلك: النجار؛ فإنه يُظهِر أفعاله في الخشب الذي هو جسم طبيعي بآلات وأدوات جسمانية كالفأس والمنشار والمثقب وما شاكلها، وكلها أجسام صناعية، وأجسام الصناع هي أيضًا من الأجسام الطبيعية، وهي آلات لنفوسهم وأدوات لها يُظهِرون بها صناعتَهم وأفعالَهم، كما بينَّا في رسالة تركيب الجسد ورسالة الصنائع العملية.
وإذ قد بان ما الطبيعة وأنها قوة من قوى النفس الكلية الفلكية، وأنه لا فعل إلا للنفس، وأنها تفعل أفعالَها بقوتها في الأجسام، وأن الأجسام كلها آلات وأدوات ومفعولات لها، كما أن الفِكْر والعلم آلات للنفس في إدراك المعلومات والمعقولات، وإخراجها من القوة إلى الفعل، فنرجع الآن إلى ذكر الأجسام البسيطة التي دون فلك القمر، ونقول إنها الهَيُولَى الموضوع للطبيعة، وهي فاعلةٌ فيها الأشكالَ والصورَ، صانعةٌ منها الحيوان والنبات والمعادن، وإن الأشخاص الفلكية لها كالأدوات للصانع، وذلك أن الفلك يدوم دورانه حول الأرض في كل أربع وعشرين ساعة دورة واحدة وبحركات كواكبه ومطارح شعاعاته في سمك الهواء على سطح الأرض والبحار، وإسخانها لها يُحلِّل المياهَ فيُصيِّرها بخارًا، ويُلطِّف أجزاءَ التراب فيُصيِّرها دخانًا، وتختلطان ويكون منهما المزاجات كما يكون من أصباغ المصورين.
ثم إن قوى النفس الكلية الفلكية السارية في جميع الأجسام المسماة الطبيعة تنقش وتصوِّر وتصوغ من تلك المزاجات والأخلاط أجناس الكائنات التي هي الحيوان والنبات والمعادن بإذن الله — عزَّ وجل، ولما كان أول اختلاط ومزاج يحدث في هيئة هذه الأركان هو تغييرات الهواء وحوادث الجو لسهولة انفعاله وسرعة استحالته، احتجْنا أن نذكر حال الهواء أولًا، ثم حال المياه، ثم حال بقاع الأرض، فنقول: إنا قد بينَّا في رسالة السماء والعالم أن كرة الهواء محيطة بكرة الأرض من جميع جهاتها، وأن سمكها من ظاهر سطح الأرض إلى أدنى فلك القمر مثل قطر الأرض ست عشرة مرة ونصفها، وذلك أن قطر الأرض ألفان ومائة وسبعة وستون فرسخًا، فيكون سمك الهواء ٣٥٧٥٨ فرسخًا.
واعلم يا أخي بأن سمك الهواء ينفصل بثلاث طبائع متباينات، إحداها مما يلي سطح الأرض، والأخرى هي الوسط بينهما، وذلك أن الهواء الذي يلي فلك القمر هو نار سموم في غاية الحرارة يُسمَّى الأثير، والذي في الوسط بارد في غاية البرودة يُسمَّى الزمهرير، والذي يلي سطح الأرض معتدل المزاج في موضع دون موضع يسمَّى النسيم، والعلة في اختلاف هذه الطبائع الثلاث هو أن الهواء المماسَّ لفلك القمر لدوام دورانه معه وسرعة حركته قد حَمِي حميًا شديدًا حتى صار نارًا سمومًا، ثم إنه لما كان منهبطًا إلى أسفل كان أبطأ لحركته وأقل لحرارته، وكلما قلَّتِ الحرارة غلبت البرودة، فلا يزال كذلك إلى أن يَصِير في غاية البرودة التي تُسمَّى زمهريرًا، والذي يلي سطح الأرض معتدل المزاج في موضع غير موضع، ولا يكون سمك كرة الأثير بالإضافة إلى كرة الزمهرير إلا شيئًا يسيرًا، ولولا مطارح شعاعات الشمس والقمر والكواكب على سطح الأرض وانعكاسها في الهواء وإسخانها له لكان المماسُّ لظاهر سطح الأرض أشد بردًا ممَّا سواه، كما يعرض ذلك تحت قطب الشمال، وذلك أنه يصير هناك ستة أشهر ليلًا كله فيبرد الهواء بردًا شديدًا وتجمد المياه ويظلم الجو ويغلظ ويهلك الحيوان والنبات، وأما في مقابلة هذا الموضع مما يلي قطب الجنوب يكون في هذه الأشهر الستة نهارًا كله، فيدوم إشراق الشمس على تلك البقاع، ويتصل انعكاس شعاعاتها في الهواء، فيحمى ويسخن إسخانًا شديدًا، حتى يصير نارًا سمومًا محرقة للحيوان والنبات، وعلةٌ أخرى هي أن الشمس في وقت مسامتتها لهذه البقاع تكون قريبة من الأرض؛ لأن حضيضها في آخر القوس، وأما إذا كانت في البروج الشمالية فإن تحت قطب الشمال يكون أيضًا ستة أشهر نهارًا كله، ولكن لا تسخن تلك البقاع كإسخانها البقاع التي تحت قطب الجنوب؛ لأنها تكون بعيدة من الأرض مرتفعة في الفلك؛ لأن أوْجَهَا في آخِر الجوزاء.
ثم اعلم يا أخي بأن بين بُعدها في الأوْج وبين قُربِها في الحضيض مقدار قطر الأرض مائة مرة، وهذا مقداره ٢١٦٧٥٥ فرسخًا، ومن أجْل هذا صار العامر من الأرض في الربع الشمالي من خط الاستواء إلى نيف وست وستين درجة، وهو بين ممر رأس الحمل على سمت الرأس إلى حيث ممر الكف الخضيب على سمت الرأس، وفي هذا الربع الأقاليم السبعة، كما بينَّا في رسالة جغرافيا، ووصفنا فيها ما في كل إقليمٍ من المدن والجبال والبحار والأنهار.
واعلم يا أخي أن على سمت هذه الأقاليم يخترق من الهواء النسيم أكثر، وفي هذه البلدان تعتدل الطبائع، ونريد أن نذكر سمك كرة الغيم والنسيم وأكثر ما ترتفع، وذلك تارةً يزيد في سمكه وارتفاعه، وتارةً ينقص من ذلك بحسب زوايا شعاعات الشمس والكواكب المنعكسة في طرفَيِ النهار وأنصافه وأيام الشتاء والصيف، وذلك أيضًا بحسب ارتفاعات الشمس والكواكب من الآفاق وممراتها على سمت البقاع.
فصل
واعلم يا أخي بأن الزوايا التي تحدث من انعكاس شعاعات الكواكب والشمس من وجه الأرض ثلاثة أنواع: حادَّة وقائمة ومنفرجة، وهذه الزوايا كلها مسخنة للمياه والأرض والهواء محركة لها، ولكن أشدها إسخانًا الزوايا الحادَّة، ثم القائمة، ثم المنفرجة، ولما كانت الزوايا المنفرجة بعضها أشدَّ انفراجًا من بعض، والحادة بعضها أحدَّ من بعض، والزوايا القائمة كلها متساوية احتجْنا أن نبيِّن متى تكون الزوايا منفرجة، ومتى تكون قائمة، ومتى تكون حادة.
فنقول: إنه إذا ابتدأتِ الشمس من الأفق أو القمر أو أي كوكب كان، وأشرقت على سطح الأرض والبحار، فإن زوايا شعاعاتها كلها تنعكس منفرجة في غاية الانفراج، ثم لا تزال كلما ارتفعتْ قلَّ انفراجُها وتضايَقَتْ، حتى إذا صار الارتفاع خمسًا وأربعين درجة صارت زوايا انعكاس الشعاع كلها قائمة في تلك البقعة حسب، فإذا زاد الارتفاع نقصتِ الزوايا وضاقتْ وصارتْ حادَّة، وكلما ارتفعتْ وزاد ارتفاعُها زادت الزوايا حِدَّة، إلى أن تُسامِت الكواكب البقعة فتنطبق الزوايا وتلتقي الأضلاع، فإذا زالتْ إلى ناحية المغرب انفصلتِ الأضلاع وانفتحتِ الزوايا الحادة في غاية الحِدَّة، وكلما انحطت الشمس أو أيُّ كوكب كان ازدادتِ الزوايا انفراجًا إلى أن يصير الارتفاع من جهة المغرب خمسًا وأربعين درجة مرة ثانية، وتصير الزوايا كلها قائمة مرة أخرى، فإذا نقص الارتفاع عن خمس وأربعين درجة صارت الزوايا كلها منفرجة، وكلما انحطَّتِ الكواكب إلى المغرب انفرجت الزوايا إلى وقت المغرب، فتصير كلها في غاية الانفراج كما كانت غدوة، فمِن أجْل هذا صارتْ أنصاف النهار أشدَّ حرارة من طرفَيْه؛ لأن الزوايا بالغدوات والعشيَّات تكون منفرجة، وفي أنصاف النهار حادة، وفيما بين الوقتين قائمة، ويكون الجو متوسطًا ما بين الحر والبرد، ولا تكون أنصاف نهار الشتاء شديدة الحر كما تكون أنصاف نهار الصيف؛ لأن ارتفاع الشمس في الشتاء لا يبلغ خمسًا وأربعين درجة.
وإذ قد فرغْنا من ذِكْر ما احتجْنا إلى ذكره فإنا نقول: إن أكثر ما يكون سمك كرة النسيم ستة عشر ألف ذراع ارتفاعًا في الهواء، وأقله ما يطابق سطح الأرض، ومن الدليل على أن أكثر ما يكون سمك كرة النسيم هذا المقدار هو أن أعلى جبل يوجد في الأرض لا يُجاوِز ارتفاعُ رأسه في الهواء هذا المقدارَ، وأن أعلى هذه الجبال لا يبلغ ارتفاع الغيوم رءوسها وإنما يمنعها شدة البرد المفرط هناك؛ لأن الرافع للغيوم في الهواء هي حرارة الجو من إسخان الكواكب له بمطارح شعاعاتها وانعكاس تلك الشعاعات من سطح الأرض والبحار على زوايا حادة كما بينَّا قبلُ، وأنه أحد ما يتكون الزوايا على سطح الأرض، فأما في الهواء فإنه كلما ارتفع فإن أضلاع تلك الزوايا تنفرج وتتسع وتقبل التسخين هناك ويضعف فِعلُها ويضمحل تأثيرها في العلو فيغلب البرد هناك.
واعلم يا أخي أن أول ما يقبل الهواء من التغييرات والاستحالات هو النور والظلمة والحر والبرد ثم ما يحدث فيه من اختلاف الرياح من كثرة البخارات المتصاعدة والدخانات الساطعة المطبقة وتتبعها الزوابع والهالات والضباب والغيوم والرعود والبروق والصواعق والهزات، ثم الأمطار والطل والندى والصقيع والثلوج والبرد وقوس قزح والشهب وكواكب الأذناب، وما يتبع هذه من هيجان البحار والمد والجزر في البحار والأنهار.
واعلم يا أخي أن هذه التغييرات التي تكون في الجو لمَّا كان يحدث بعضُها في سمك كرة النسيم وبعضها في سمك كرة الزمهرير وبعضها في سمك كرة الأثير وبعضها في السطوح المشتركة بينها تحتاج إلى تفصيلها واحدة واحدة، ونبدأ أولًا بشرح حال السطوح. وذلك أن السطوح نوعان مشتركة ومتداخلة فالمشتركة مثل سطح الماء والهواء والسطح الذي بين الدهن والماء فإنه ليس بين الجسمين إلا فاصل مشترك يفصل أحدهما عن الآخر فصلًا وهميًّا فقط، وأما السطح المتداخل فمثل سطح الماء الواقف في الطين والرمل فإن الأجزاء الأرضية متداخلة لأجزاء الماء، وأجزاء الماء متداخلة لأجزاء التراب، فلا يكون بينهما فاصل مشترك يفصل بينهما.
واعلم يا أخي أن مِن السطوح ما يُقارِب طبيعة الجسمين المتماسَّيْن، ومنها ما لا يقارب مثل سطح الهواء من أسفل مما يلي الهواء فإن تلك الأجزاء ألطف من سائر الأجزاء التي تلي أسفل مما يلي الأرض، وكذلك سطح الهواء المحيط بالنيران التي عندنا فإنه يكون أسخن من سائر أجزائه البعيدة عن النار، وكذلك سطح النار مما يلي الهواء المحيط به أقل حرارة من سائر أجزائه الباقية، وأما سطوح الأجسام الصلبة مثل الحديد والخشب والحجر وما شاكلها إذا تجاورت فلا يعرض لها هذا الوصف.
وإذ قد فرغنا من ذكر ما احتجنا إلى ذكره فإنا نقول إن سطح كرة الأثير الذي يلي فلك القمر مشترك غير متداخل الأجزاء، وكذلك سطوح أكر الأفلاك والكواكب كلها، وقد ظن كثير من الطبيعيين أن بَيْنَ كرة الزمهرير والأثير سطحًا متداخلًا غير مشترك، وليس الأمر كما ظنوا؛ بل هو كما نبيِّن بعدُ. فأمَّا بينَ سطح كرة النسيم وبين كرة الزمهرير فنبيِّن أنه غير مشترك؛ بل متداخل كسطح النار والهواء والأرض، وأما سطح كرة النسيم مما يلي الأرض فتَبَيَّن أنه متداخل الأجزاء أيضًا إلى عمق الأرض بحسب تخلخل الأجزاء الأرضية إلى نهاية ما، ثم يقف ولا يدخل إلى أكثر من ذلك، ومن الدليل على ذلك ما يعرض لحافري المعادن إلى أسفل، حتى إنهم ربما يحتاجون لترويح النسيم هناك بالمنافخ والأنابيب ليستنشقوا النسيم ويُضيء سرجهم هناك، فمتى انقطع النسيم لعارض طُفئت سرجهم واختنق مَن كان في المعادن فمات، ولا يمكن أن يكون في المواضع التي لا يخترقها النسيم حيوانات، كما بينَّا في رسالة الحيوان.
واعلم يا أخي أن الهواء بحر واقف لطيف الأجزاء خفيف الحركة سريع السيلان سهل القبول للتغييرات والحوادث، وقد بينَّا في رسالة الحاسِّ والمحسوس كيفية قبوله للنور والظلمة والأصوات والروائح، وكيفية قبوله البرد والحر في رسالة الكون والفساد، ونريد أن نَصِف في هذا الفصل كيفية حدوث الرياح وكمية أنواعها وجهاتها واختلاف تصاريفها، وما العلة المحرِّكة لها في وقت دون وقت وفي بلد دون بلد، ونبيِّن أيضًا كيفية سياقة الغيوم من البحار إلى البراري والقفار ورءوس الجبال، وكيف تهز السحاب حتى يهطل القطر، ولكن نحتاج قبل ذلك أن نذكر حالات القمر ومنازلَه واتصالاته بالكواكب التي هي المُوجِبة لإثارة البخارات والدخانات والتسخين الموجِبة لكون الرياح فنقول: إن للقمر في الفلك ثمانية وعشرين منزلًا كما ذكر الله تعالى: وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ.
واعلم يا أخي أن لهذه المنازل خواصَّ يَظهَر تأثيرُها في هذه الأركان الأربعة، وفي المكنونات عند نزوله يومًا بيوم وليلة بليلة، وللشمس والكواكب أيضًا اتصالات بالكواكب بعضها ببعض يقوِّي فعلها، وتأثيرها فيها يطول شرحه، وهي مذكورة في كتب النجوم، ولكن نذكر منها ما لا بد من ذكره في هذا الفصل، وذلك أن مِن تلك المنازل ما يقوى أفعالُه في إثارة البخار من البحار والبطائح والآجام، ومنها ما يقوى أفعالُه في إثارة الدخانات من وجه الأرض والبراري، ومنها ما يقوى فعلُه في تبريد الهواء وزيادة الماء، ومنها ما يقوى فعلُه في إسخان الهواء ونقصان المياه، وخاصة إذا اتفق نزول القمر بمنزل واتصاله بكوكب مشاكِل فعلُه لخاصية المنزل.
واعلم أن الريح ليست شيئًا سوى تموج الهواء بحركته إلى الجهات الست، كما أن أمواج البحر ليست شيئًا سوى حركة الماء وتدافع أجزائه إلى الجهات الأربع، وذلك أن الماء والهواء بحران واقفان، غير أن أجزاء الماء غليظة ثقيلة الحركة، وأجزاء الهواء لطيفة خفيفة الحركة.
واعلم يا أخي أن أحد أسباب حركة الهواء هو أن صعود البخار من البحار والبراري والقفار أثار من البحار بخارًا رطبًا، ومن البراري والقفار دخانًا يابسًا أصعدتْها بحرارتها في الهواء، فيدفع الهواء بعضُه بعضًا إلى الجهات، فيتسع المكان للبخارين الصاعدين، فإن كان الدخان اليابس أكثر كانت منه الرياح؛ لأن تلك الأجزاء إذا صعدت إلى أعلى كرة النسيم وبردت ومنعها برد الزمهرير عن الصعود إلى فوق عطفتْ عند ذلك راجعة إلى أسفل ودافعتِ الهواء إلى الجهات الأربع، فكانت منها الرياح المختلفة.
واعلم أن الرياح كثيرة التصاريف في الجهات الست، ولكن جملتها أربعة عشر نوعًا، المعروف منها عند جمهور الناس أربع، وهي: الصبا والدبور والجنوب والشمال، وذلك أن الهواء إذا تموَّج من المشرق إلى المغرب يُسمَّى ذلك التموُّج ريح الصَّبا، وإذا تموَّج من الجنوب إلى الشمال يسمَّى التيمُّن، وإذا تموَّج من المغرب إلى المشرق يسمَّى دَبُورًا، وإذا تموَّج من الشمال إلى الجنوب يسمَّى الجربيا، فأما ما كان تدافُعُه إلى بين هذه الجهات فيسمَّى النكباء، وهذه ثمانية أنواع.
وأما التي تهبُّ من أسفل إلى فوق، فمنها تكون الزوابع، وهما ريحان تلتقيان وتصعدان كما يلتقي الماء في الكرادات، وعند نزوله في البلاليع والثقب.
وأما التي تهبُّ من فوق إلى أسفل فمنها الريح الصَّرْصَر التي أهلكتْ عادًا، وذلك أنها نفخَتْ عليهم غربي ديارهم من خلل الغَيْم من كرة الزمهرير التي فوق كرة النسيم ثمانية أيام ولياليها كما ذكر الله تعالى، وإذ ذكرنا ماهية الريح وكمية أنواعها وجهات هبوبها، فإنَّا نريد أن نذكر علة تصاريفها في الجهات، وما الغرض منها، وذلك أن أحد الأغراض من تصاريفها هو أن تَسُوق الغيم من سواحل البحار إلى البلدان البعيدة والبراري المقصودة بها، وأيضًا فإن أحد الأغراض من الجبال الشامخة الطوال المسطوحة على بسيط الأرض شرقًا وغربًا وجنوبًا وشمالًا هو أن تمنَعَ الرياح من سَوْق السحاب إلى غير البلدان والبراري المقصودة بها، وذلك أن هذه الجبال الراسيات تقوم لمنع الرياح أن تنصرف إلى كل الجهات، إلا الجهة المقصودة بها مقام المسنات والبريدات للأنهار والسواقي المانعة لها أن تفيض المياه، إلا إلى المزارع والمواضع المقصودة بها، وذلك أن كثيرًا من البلدان والبراري بعيدة من سواحل البحر، ولو لم تكن هذه الجبال الطوال الشامخة المانعة للرياح السائقة للغيوم لما وصلت السحاب والأمطار إلى تلك البلدان والبراري، كما أن الأنهار والسواقي إذا لم تكن لها مسنات وبريدات فاضت إلى الآجام والغدران والبطائح حيث يقل الانتفاع بها فلا تبلغ إلى البلدان البعيدة إلا بأنهار تُحفَر وبريدات تُعمَل، ولهذه الجبال الشامخة غرض آخَر: وذلك أن في أجوافها مغارات وأهوية واسعة، فإذا هطلت في الشتاء في رءوسها الأمطار والثلوج وذابت غاضتِ المياه في تلك المغارات والأهوية، وصارتْ فيها كالمخزونة، وفي أسفل تلك الجبال منافذ ضيقة تخرج منها المياه المخزونة في تلك المغارات والأهوية، وهي العيون، وتجري منها جداول وتجتمع بعضها إلى بعض وتسيل منها أودية وأنهار تجري بين المدن والقرى والسوادات فتسقي وهي راجعة إلى البحار والآجام والغدران في ممرها الزروعَ والأشجارَ ومواضعَ العشب والكلأ، وما يفضل منها ينصبُّ إلى البحار والآجام والغدران وتلطِّفها الشمس وتصعدها بخارًا من الرأس وتكون منها الغيوم والسحاب وتسوقها الرياح إلى المواضع المقصودة بها كما كان عام أول، وذلك دأبها أبدًا، ذلك تقدير العزيز العليم.
فصل
فانظر يا أخي إلى هذه العناية الإلهية الكلية، والسياسة الربانية الحكمية، وتفكَّرْ فيها، واعتبِرْها، لعلَّ نفسَك تنتبه مِن نوم الغفلة، ورقدة الجهالة، وتنفتح لها عين البصيرة، فتنظر بنور العقل إلى هذا الصانع الحكيم المدبِّر لهذه الأمور، كما نظرَتْ بعين الجَسَد إلى هذه المصنوعات التي نحن في ذكرها، فتكون من الشاهدين الذين مدحهم الله — تعالى — فقال: إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ وقال: وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا ثم قال: شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ وإذ قد فرغنا من ذكر الرياح، فسنذكر الغيوم والأمطار والنَّدَى والجليد والضباب والطل والسحاب والرعود والبروق والبرد، إذ كانت موادُّها البخارات الصاعدة كما ذكرنا قبلُ.
واعلم يا أخي أنه إذا ارتفعت البخارات في الهواء، وتدافع الهواء إلى الجهات، ويكون تدافعه إلى جهة أكثر من جهة، ويكون من قُدَّام له جبال شامخة مانعة، ومن فوق له برد الزمهرير مانع، ومن أسفل مادة البخارَيْن متصلة، فلا يزال البخاران يكثران ويغلظان في الهواء، وتتداخل أجزاء البخارَيْن بعضها في بعض، حيث يسخن ويكون منها سحاب مؤلَّف متراكِم، وكلما ارتفع السحاب بردت أجزاء البخارَيْن، وانضمَّتْ أجزاء البخار الرطب بعضها إلى بعض، وصار ما كان دخانًا يابسًا ريحًا، وما كان بخارًا رطبًا ماءً وأنداءً، ثم تلتئم تلك الأجزاء المائية بعضها إلى بعض وتصير قطرًا بردًا وتثقل فتهوي راجعة من العلو إلى السفل، فتُسمَّى حينئذٍ مطرًا، فإن كان صعود ذلك البخار الرطب بالليل والهواء شديد البرد منع أن تصعد البخارات في الهواء، بل جمدها أولًا فأولًا، وقرَّبها من وجْه الأرض فيصير من ذلك ندًى وصقيع وطل، وإن ارتفعت تلك البخارات في الهواء قليلًا وعرض لها البرد صارت سحابًا رقيقًا، وإن كان البرد مفرطًا جمد القطر الصغار في حلل الغيم فكان من ذلك الجليد أو الثلج، ذلك أن البرد يجمد الأجزاء المائية ويختلط بالأجزاء الهوائية فينزل بالرفق، فمِن أجْل ذلك لا يكون لها على وجه الأرض وقْع شديد كما يكون للبرد والمطر، فإن كان الهواء دفيئًا ارتفع البخار في العلو وتراكم السحاب طبقات بعضها فوق بعض، كما يُرى في أيام الربيع والخريف كأنها جبال من قطن مندوف متراكمة بعضها فوق بعض، فإذا عرض لها برد الزمهرير من فوق غلظ البخار وصار ماء، وانضمت الأجزاء بعضها إلى بعض وصارت قطرًا، وعرض لها الثقل أخذت تهوي من أعلى سمك السحاب، ثم تتراكم وتلتئم تلك القطر الصغار بعضها إلى بعض، حتى إذا خرجت من أسفلها صارت مطرًا كبيرًا، فإن عرض لها برد مفرط في طريقها جمدت وصارت بردًا قبل أن تبلغ إلى الأرض، فما كان منها من أعلى السحاب هو الذي يصير بردًا، وما كان من أسفل السحاب كان مطرًا مختلطًا مع البرد.
ومَن أحبَّ أنْ يعلَم صدْقَ قولنا، ويتصور كيفية وصفنا صعود البخارَيْن، وكيفية تأليف السحاب منها، ونزول القطر فلينظر إلى تصعيدات المياه وتقطيرها، وكيف يعمل منها أصحابها مثل تصعيد ماء الورد والخل المصعد وما شاكَلَها، ومثل البخارات الصاعدة في بيوت الحمامات وكيفية تقطير الماء من سقوفها، وذلك أن سطح كرة الزمهرير الذي يلي كرة النسيم والجبال الشامخة حوالي البحار تقوم لمنع البخارين الصاعدين الذين يتكوَّن منهما السحاب والأمطار أن يتبدَّدا، ويتغشَّيَا حيطان الحمامات وسقوفها لمنع البخار الصاعد فيها أن يتبدَّد ويتغشَّى، وأيضًا فإنها تقوم مقام القرع والأنبيق في تصعيد رطوباتها وتقطيرها، وبمثل هذين يدبِّر أصحاب الصنعة عقاقيرَهم في تصعيد رطوباتها وتقطير مياهها.
وأما البروق والرعود فإنهما يَحدُثان في وقت واحد، ولكن البرق يسبق إلى الأبصار قبل الصوت إلى المسامع؛ لأن أحدهما روحاني الصورة وهو الضوء، والآخَر جسماني وهو الصوت، كما بيَّنَّاه في رسالة الحاسِّ والمحسوس، وأما علة حدوثهما فهي البخاران الصاعدان إذا اختلطا في الهواء والتفَّ البخار الرطب على البخار اليابس، الذي هو الدخان، واحتوى برد الزمهرير على البخار الرطب وضغطهما، فانحصر البخار اليابس في جوف البخار الرطب، والْتَهَبَ في جوف البخار الرطب وطلب الخروج دفعة، وانخرق البخار الرطب وتفرقع من حرارة الدخان اليابس كما تتفرقع الأشياء الرطبة إذا احتوتْ عليها النار دفعة واحدة، وحدث من ذلك قَرْع في الهواء واندفع إلى جميع الجهات، كما بينَّا في رسالة الحاسِّ والمحسوس كيفية الصوت وانقدح من خروج ذلك البخار اليابس الدخاني ضوء يُسمَّى البَرْق، كما يحدث من دخان السراج المطفأ إذا أُدنِي من سراج مشتعل ثم ينطفئ، وربما يذوب ذلك البخار ويصير ريحًا، ويدور في جوف السحاب ويطلب الخروج، فيُسمَع له دَوِيٌّ وتقرقُرٌ، كما تسمع من الجوف المنتفخ ريحًا، وربما ينشقُّ السحاب دفعة واحدة بشدة فيكون من ذلك صوت هائل يُسمَّى صوت الصاعقة، كما يحدث من الزِّقِّ المنفوخ إذا وقع عليه حجر ثقيل فيشقُّه.
فصل
واعلم يا أخي أنه لولا العناية الإلهية ورحمة الباري — جلَّ جلالُه — بأنْ جعل سمك كرة النسيم عاليًا، ومركز السحاب مرتفعًا بعيدًا عن الأرض بمقدار الحاجة إليه، وجعل من شأن السحاب إذا انخرق أن يطلب البخار الصعود إلى فوق، وجعل من شأن قرع الهواء إذا حدث أن تكون حركته إلى فوق، لكانت أصوات الرعد أضرَّتْ بأسماع الحيوانات الضعيفة وقتَلَتْها، كما يكون ذلك في بعض الأحايين؛ وذلك أن السحب إذا تراكمت وتكابست يضغط بعضها بعضًا إلى أسفل حتى تقرب من الأرض وتحدث الرعود ويخرق السحاب من أسفل ويقرع الهواء ويندفع إلى وجه الأرض، فيكون من ذلك صوت هائل هو الصاعقة، فإنها تقتل كثيرًا من الحيوانات القريبة منها، ومن الناس أيضًا، كما فُعل بقوم شعيب وصالح — عليهما السلام — وكذلك حكم البروق أيضًا، وذلك أن مِن شأن النار أن تتحرك إلى فوق، فإذا منعها السحاب المتراكم رجعت منحطَّة إلى الأرض، فأحرقتْ ما أتَتْ عليه من الحيوان والنبات، ولكن قلَّ ما تُحرَق الأجسام الرخوة؛ لأنها نار لطيفة تنفذ في مسامها، وأما الأجسام الصلبة فلتكابُس أجزائها وتمانُعها تتغلَّب عليها وتذوِّبها وتَحرِقها، وأما الهالة التي تكون حول الشمس والقمر، فإنها تدل على المطر ورطوبة الهواء، وذلك أنها تحدث في أعلى سطح كرة النسيم وقت ما يرتفع البخار إلى هناك ويأخذ يتألَّف منه الغيم؛ وعلَّتُها أن النيِّرَيْن إذا أشرقتا على ذلك السطح انعكس شعاعها من هناك إلى فوق، وحدث من ذلك الانعكاس دائرة كما يحدث من إشراقها على سطح الماء، ويشف رسم تلك الدائرة من تحت ذلك الغيم الرقيق كما يشف من وراء البلور والزجاج، ويكون مركز تلك الدائرة مسامتًا للبقعة التي يمر بها مسقط الحجر الخارج من مركز النيرين إلى مركز الأرض، فكل مَن كان من الناظرين ممَّن يمرُّ ذلك النيِّر على سمتِ رأسِه سواء، فإنه يرى مركز تلك الدائرة من فوق رأسه، ومَن كان خارجًا من تحته إلى إحدى الجهات، فإنه يرى مركزها في الجهة المقابلة لموضعها، ويكون قُطْر هذه الدائرة أبدًا مثل سمك كرة البخار مرتين، قلَّ ذلك السمك أو كَثُرَ، وتقديرُها أكثر ما يكون اثنين وثلاثين ألف ذراع؛ لأن سمك كرة النسيم أكثر ما يكون ستة عشر ألف ذراع كما بينَّا قبلُ.
وأما قوس قُزَح فإنه يحدث في سمك كرة النسيم عند ترطيب الهواء مشبَّعًا، ولا يكون وضعه إلا منتصبًا قائمًا، وحدبته إلى فوق مما يلي سطح كرة الزمهرير، وطرفاه إلى أسفل مما يلي وجه الأرض، ولا يكاد يحدث إلا في طرفَيِ النهار في الجهة المقابلة لموضع الشمس مشرقًا أو مغربًا، ولا يُرَى منها إلا أقل من نصف محيط الدائرة، إلا أن تكون الشمس في الأفق سواء فإنها عند ذلك تُرَى في نصف محيط الدائرة سواء؛ لأن الخط الخارج من مركز جرم الشمس يمر مماسًّا يلي وجه الأرض ومركز هذه الدائرة، فيُرى القوس قائمًا منتصبًا مستويًا، وإذا كانت الشمس مرتفعة فإنها تُرى أقلَّ مِن نصف محيط الدائرة كلما كان الارتفاع أكثر كان القوس أقلَّ وأصغرَ؛ لأن القوس يكون مائلًا منحطًّا إلى الجهة المقابلة لموضع الشمس.
واعلم يا أخي أن بين وَتَر هذا القوس وبين قُطْر دائرة الهالة التي تقدَّم ذكرُها نسبة متساوية، وأما علة حدوث هذا القوس فهي أيضًا إشراق الشمس على أجزاء ذلك البخار الرطب الواقف في الهواء وانعكاس شعاعها منه إلى ناحية الشمس، وأما أصباغه التي تُرى فهي أربعة مطابقة للكيفيات الأربع، التي هي الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة، ولخاصية الأربعة الأركان التي هي: النار والهواء والماء والأرض، ولفصول الزمان الأربعة وهي: الصيف والخريف والشتاء والربيع، ولمشابهة الأخلاط الأربعة وهي: الصفراء والسوداء والدم والبلغم، ولمشاكلة ألوان زهر النبات والشجر؛ لأن هذه القوس إذا حدثتْ وكانت أصباغها مشبعة تدل على ترطيب الهواء، وكثرة العشب والكلأ، وزكاء ثمر الشجر وحب الزرع، فيكون ظهورها ورؤيتها كالبشارة قدَّمتْها الطبيعة للحيوان والناس منذِرة برِيف الزمان وخصبه.
وأما ما يقوله العامة وهو أن حُمْرتها تدلُّ على إهراق الدماء في تلك السنة وصفرتها تدل على الأمراض، وزُرْقتها تدلُّ على الجدب، وخُضْرتها تدل على الخصب، وعلى حسب كثرتها وقلَّتها تكون دلالتها، فإن هذا يكون دليلًا عند الزاجر على أصله وفرعه، وقد بينَّا ذلك في رسالة الزجر والفراسة.
وأما ترتيب ألوانها فإن الحمرة أبدًا تكون فوق الصفرة، والصفرة دونها، والزرقة دون الخضرة، فإن وجدتَ قوسًا أخرى دونها ترتَّبتْ هذه الألوان في القوس السفلي عكس ذلك، وشرح العلة في ذلك يطول؛ لأنه لا يفهمه إلا المرتاضون بالأشكال الهندسية والأمور الطبيعية والنِّسَب التأليفية.
وقد بينَّا فيما تقدَّم أن السحاب لا يرتفع من وجه الأرض في الجو أكثر من ستة عشر ألف ذراع، وأن أقربه ما كان مماسًّا لوجه الأرض، ولكن ذلك في الندرة في وقت من الأوقات، وبلد دون بلد؛ لأنه لو كان السحاب في كل وقت وفي كل بلد مارًّا مماسًّا لوجه الأرض لأضرَّ ذلك بالحيوان والنبات، ولمَنَعَ الناسَ من التصرُّف كما يُرى ذلك يوم الضباب، وفي البلدان القريبة من سواحل البحار مثل البصرة والأنطاكية وطبرستان لقربها من البحار يرى أغفل ما يكون الإنسان، حتى إذا جاء الطل والمطر والضباب مقدار ما يضيق الصدر، ويأخذ النفس، وتبتلُّ الثياب والأمتعة، وأيضًا لو كان السحاب كله قريبًا من وجه الأرض لأضرَّ الرعد والبرق بأبصار الحيوان وأسماعها، ولو كان بعيدًا شديد الارتفاع في الهواء، بحيث لم يكن يُرى لكانت الأمطار والثلوج تجيء مفاجأة، والناس والحيوان عنها غافلون غير مستعدِّين للتحرُّز منها، فكان يكون في ذلك ضرر عظيم عام.
فلا تنظر يا أخي إلى فعل الطبيعة وتفكر في هذه الحكمة الإلهية والعناية الربانية؟ كيف رفعت هذه الأشياء في الهواء بمقدار الحاجة إليها؟ فلا بعيد مفرط ولا قريب جدًّا، إذا كان في كلا الأمرين ضرر على الناس والحيوان والنبات.
فصل
فأما علة كثرة الأمطار في الشتاء وقلَّتها في الصيف؛ فهو لأن صعود البخارين متصل أبدًا في العراق، وما يليه من الأقاليم الشمالية في الصيف أكثر منهما في الشتاء.
واعلم يا أخي أن لكل كائن تحت فلك القمر أربع علل لا يتكون شيء من الكائنات إلا بها كلها؛ إحداها: علة هيولانية، والأخرى: علة صورية، والأخرى: علة فاعلية، والأخرى: علة تمامية.
فأما العلة الهيولانية للسحاب والأمطار وما يتبعهما؛ فهما البخاران الصاعدان كما وصَفْنا قبلُ، العلة الفاعلية لها هي الشمس والكواكب بمطارح شعاعاتها كما تقدَّم ذكرُها، والعلة الصورية عَقْد البخارين وجمودهما، والعلة الفاعلية لذلك برد الجو، والعلة التمامية تكون الأمطار؛ لكيما تبتلَّ الأرض وينبت النبات، ويتغذى منه الحيوان.
ولما كانت الشمس تقضي ستة أشهر في البروج الشمالية وتقرب من سمت رأس هذه البلاد فيسخن جو الهواء إسخانًا شديدًا، فتتحرك البخارات وتتغشى وتدفعها الرياح الشمالية إلى ناحية الجنوب، وبما أن الشمس تكون بعيدة من سمت تلك البلاد يبرد الجو، ويكون الشتاء هناك والأمطار والغيوم وما يتبعهما من حوادث الجو.
فإذا صارتِ الشمس بعد ستة أشهر إلى البروج الجنوبية قريبة من سمت تلك البلاد وبعدت من البلاد الشمالية صار الشتاء ها هنا والصيف هناك، وذلك دأبها ودأب الشتاء والصيف والغيوم والأمطار وما يتبعها من الحوادث التي تقدَّم ذكرُها، وكل هذه الحوادث تكون في سمك كرة النسيم دون كرة الزمهرير.
فصل
وأما الحوادث التي في سمك كرة الزمهرير فهي الشهب، وانقضاض الكواكب التي تُرى في الليالي فربما كثر ذلك، وربما قلَّ.
وأما هَيُولاها ومادتها فهو الدخان اليابس اللطيف الصاعد من الجبال والبراري، فإذا بلغت تلك المادة في صعودها إلى الفصل المشترك بين كرة الزمهرير وبين كرة الأثير استدارت هناك وتشكَّلت واشتعلت فيها نار الأثير كما يشتعل نار السراج في دخان السراج المنطفئ، وكما تشتعل نار البرق في الدخان اليابس الدهني الذي في السحاب، وكما تشتعل النار في النفط الأبيض ثم تُفنِيه بسرعة فينطفئ، ومما يدل على أن مادتها دخان يابس كثرة ما يُرى منها في سِنِي الجدْب.
وأما كيفية تشكُّل هذه الدخانات إذا صعدت إلى هناك واشتعلت فيها النار، فإنها إذا اعتبرت بالفكر وجدت تارةً كأنها أعمدة مخروطة قائمة قاعدتها مما يلي كرة النار، ومخروطها مما يلي وجه الأرض، ودليل ذلك أنه إذا اشتعلت النار فيها ترى عظيمة الاشتعال، ثم لا تزال تصغر وتنخرط وتقل حتى تنطفئ فيتخيل للناظرين أنها نار هوائية تنزل من السماء في حركتها.
وإذا اعتبرنا هذا المثال يظن أن بين كرة الزمهرير وكرة الأثير سطحًا متداخل الأجزاء غير مشترك، وتارةً تُرى حركتها عند انقضاضها كأنها كرة صغيرة هو ذي متدحرج على سطح كرة كبيرة، وذلك أنَّا نراها أحيانًا عند انقضاضها واشتعالها تبتدئ حركتها من المشرق، فتمر على سَمْت رءوسنا إلى المغرب وتارةً من المغرب إلى المشرق، وتارةً تبتدئ من الجنوب وتمر على سمت رءوسنا إلى الشمال وتارة من الشمال إلى الجنوب، وتارة تتنكَّب هذه الجهات، فيتخيل للناظرين كأنها كرة من قطن اشتعل فيها النار ثم رميت في الهواء، وكلما أكلتْها النار تناثر شررها وصغرت حتى تفنى وتنطفئ، ومثالها الكرة التي يلعب بها أصحاب الخيالات بالليل، وذلك أنهم يتخذون كرة معجونة من سندروس وأجزاء عقاقير، ويشعلون فيها النار، ويأخذونها في أفواههم، فإذا رقصوا أو تنفسوا رُئِيَتِ النار تخرج من أفواههم ومناخرهم، ولا يزال ذلك دأبهم حتى تفنى تلك المادة وتنطفئ تلك النار.
فصل
وقد يظن كثير من الناس أنَّ انقضاض هذه الشهب هي كواكب تسقط ويُرمَى بها من السماء في الهواء إلى الأرض، ويستدلون على صحة ظنونهم الكاذبة بقوله تعالى: وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ.
وليس في هذه الآية دلالة على أن الكواكب هي تَرمِي بأنفُسِها؛ لأنك إذا قلتَ: اتخذتُ هذه القوسَ لأرمِيَ بها العدوَّ والكفار، فليس في قولك دلالة على أنك ترمي بنفس القوس، بل ترمي عنها بالنُّشَّاب، فهكذا قوله تعالى: وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ؛ أي يرمون عنها بالشهب؛ لأن هذه الشهب لا تحدث في الهواء إلا بإشراق هذه الكواكب وشعاعاتها في الهواء كما بيَّنَّا من قبلُ، وقد فسَّرْنا معنى هذه الآية وأخواتها في رسائل لنا.
واعلم أن أهل صناعة النجوم متفقون على أن هذه الكواكب الثابتة في الفلك الثامن هي من وراء فلك زُحَل الذي هو الكرسي الواسع كما بيَّنَّا في رسالة السماء والعالم، وإنما ذكر الله — تعالى — أنها زينة السماء الدنيا؛ لأن أهل الأرض لا يَرَوْنها إلا دُونَ فلك القمر الذي هو سماء الدنيا.
ومما يدل على أن هذه الشهب تحدث قريبة من الأرض بعيدة من فلك القمر سرعة حركتها، فإنها في لحظة تمر من المشرق إلى المغرب أو من المغرب إلى المشرق، فلو كانت قريبة من فلك القمر لما رأيت حركتها بهذه السرعة.
واعلم يا أخي أنها إذا حدث فمرَّتْ مقبِلة على الناظرين، وجازتْ على سمت رءوسهم إلى الجانب الآخر ذاهبة إلى الأفق بسيرها على الرؤية يتخيل للناظرين أنها وقعت إلى الأرض، وليس الأمر كذلك؛ لأنها مادة خفيفة تطلب العلو، ولا يزيدها اشتعالها إلا خفَّة، فأما التي تقع منها إلى الأرض فهي التي تحدث في كرة النسيم فيضغطها السحاب ويردُّها إلى أسفل كنار البرق التي يضغطها السحاب من فوق إلى أسفل.
وأما علة استدارة تلك المادة فهي أن الأجسام السيالة من شأنها أن تتشكل ما لم يمنعها مانع أشكالًا كروية، كما يستدير القطر في الهواء؛ لأن الشكل الكروي أفضل الأشكال كما بينَّا في رسالة الهندسة.
وأما علة حركتها إلى جهة دون جهة فبحسب الدافع لها من جهة المقابل، وليست هي الريح؛ لأنها أسرع حركة من الريح، وقد بينَّا علة حركتها في رسالة الحركات.
فانظر يا أخي وتفكَّرْ في هذه الحكمة الإلهية والعناية الربانية كيف جعلتْ ورتَّبتْ كرة الأثير دون فلك القمر، وجعلتْها نارًا بلا ضياء كيما تحترق بحرارتها الدخانات الغليظة الصاعدة في الهواء، وتلطف البخارات العفنة الكثيفة ليكون الجوُّ أبدًا صافيًا شفافًا ولم تجعل تلك النار مضيئة؛ لأنها لو كانت مضيئة كالنيران التي عندنا لمنعتْ أبصار الحيوان عن رؤية عالم الأفلاك والكواكب، وخاصة الإنسان؛ لأنه لما منع الكون هناك لم يمنع الرؤية والنظر إليه، لكيما تشتاق النفوس إلى الصعود نحوها هناك كما قال جلَّ ثناؤه: إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ. يعني به روح المؤمنين، وقال في منع روح الكافر: لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ، وقد جعلت الحكمة الإلهية أيضًا الزمهرير حجابًا بين كرة النسيم وبين كرة الأثير لتمنع ببردها وهج الأثير عن الحيوان والنبات أن يُتْلِفها، ولتبرد البخار وتعقده غيومًا ليكون أمطارًا تحيا بها البلاد، وجعلت كرة النسيم معتدلة المزاج، ولما كان سببها انعكاس شعاعات الكواكب كما بينَّا قبلُ وأكثرها وأوكدها هي الشمس، جعلت تارةً تغيب لبرد الجو وتارةً تطلع لسخن الهواء، ولو دامت بطلوعها لدام الإسخان ولأفرط الحر، وكان ذلك فسادًا كليًّا، وكذلك لو دام مغيبها لبرد الجو وجمدت المياه والرطوبات وهلك النبات والحيوان من البرد، وكذلك جعل لها أن تميل إلى ناحية الجنوب ليكون الصيف هناك والشتاء في الشمال: ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ، وهذه من عظيم نِعَم الله على خلقه، وذلك معنى قوله تعالى: قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ … الآية. قل أرأيتم إن جعل الله عليكم النهار سرمدًا مَن إله غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه أفلا تبصرون، ومن رحمته أن جعل لكم الليل والنهار، إلى قوله: وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ.
وعلى هذا القياس لو دام الشتاء والصيف لكان بوارًا وفسادًا للنظام، وكذلك إذا دام مدارها على سمت واحد، قال الله تعالى: وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ، تارةً غاربة وتارةً طالعة وتارةً مائلة إلى الشمال وتارةً مائلة إلى الجنوب وتارةً مرتفعة في الأوج، وتارةً منحطة إلى الحضيض، وتارةً فوق الأرض، وتارةً تحتها، وتارةً موازية للبروج النارية، وتارةً للترابية، وتارةً للهوائية، وتارةً للمائية، وتارةً للبروج المتقلبة، وتارةً في الثابتة، وتارةً في ذوات الأجساد، وتارةً مجتمعة، وتارةً متفرقة، وتارةً ناظرة ينظر بعضها إلى بعض، وتارةً ساقطة، وتارةً منفصلة، وتارةً منصرفة، وتارةً كالواقفة، وتارةً راجعة، وتارةً مستقيمة، وتارةً شرقية، وتارةً غربية، وتارةً محترقة بنورها، وتارةً في بيوتها، وتارةً في غربة، وتارةً في الشرف، وتارةً في الهبوط.
هذه كلها من أوصافها وأحوالها لأغراض موصوفة وآجال معدودة لا يعلمها إلا هو: مَا خَلَقَ اللهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ، ولا يُحيط أهل صناعة النجوم والخلق أجمع بشيء من علمه إلا بما شاء، وسع كرسيُّه السموات والأرض، وقد ذكرنا طرفًا من هذا العلم في رسالة الأدوار شبه النموذج والإشارة، فانظر فيها وتفكَّر فيما ذكرنا؛ لعل نفسك تنتبه من نوم الغفلة ورقدة الجهالة، فتحيا حياة العلماء، وتعيش عيش السعداء مع الأبرار في دار القرار منعَّمة ملذَّذة فرحانة مسرورة أبد الآبدين، ولا تكن من الغافلين في أسفل السافلين في عالم الكون والفساد، واستعدَّ للرحيل قبل انقطاع المدة، وتزوَّدْ؛ فإن خير الزاد التقوى.
فصل
وأما الكواكب ذوات الأذناب التي تظهر في بعض الأحايين قبل طلوع الشمس أو بعد غروبها، فإنها لا تحدث إلا في كرة الأثير قريبًا من فلك القمر، والدليل على ذلك دورانها مع فلك القمر، تارةً بالتقدُّم على توالي البروج كمسير الكواكب السيارة، وتارةً بالتأخُّر كرجوعها.
وأما مادتها التي تتكون منها فهي دخان وبخار لطيفان يصعدان إلى هناك فينعقدان بقوة زحل وعُطَارد، وتكون شفافة كشف البلور، إذا أشرقت عليها الشمس شفت من الجانب الآخر، فلا تزال تدور مع الفلك، وتطلع وتغيب إلى أن تضمحل وتتلاشى، وكل هذه الحوادث التي تُرى في ضوء الهواء إما بشارات من الله — تعالى — بالرخص والخصب والسلامة للناس والحيوان والصلاح، وإما إنذارات وتخويفات من الحدثان والجدب والقحط والغلاء والزلازل والوباء والموت والخسوف والحروب والفتن؛ وذلك ليجعل العباد المكلفين يعتبرون بها، ويرتدعون عن معصية الله، وينقادون إلى طاعة الله، ويُظهِرون الدعاء والتضرُّع والتوبة والندم والتطوُّع بالصوم والصلاة والصدقة والقرابين في الهياكل والمساجد والبِيَع والصلاة؛ ليكون ذلك تلقينًا من الآباء للأولاد، ومن العلماء للجهال وتنبيهًا للغافلين عن معرفة الله — عزَّ وجلَّ — وهداية لهم كما قال الله تعالى: ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ.
فانظر يا أخي وتفكَّرْ في ملكوت السموات والأرض، وما في الآفاق والأنفس من الآيات وقل: رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ، واشهد معهم كما ذكر الله — تعالى — فقال: شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ، ولا تكن من الذين يمرُّون عليها وهم عن آياتها معرضون غافلون، وهم الذين قال الله فيهم: مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا، وقال تعالى: صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ. أعاذك الله وإيانا من هذه الجهالة والعَمَى، ووفقنا لما هو أرشد وأهدى برحمته، إنه قريب مجيب.