المجتمع السليم
«وإذا اعتقدنا أن المجتمع قد يكون سليمًا وقد يكون مريضًا، وأن لذلك مقاييسَ محدودة معروفة، تحتَّم علينا أن نؤمن بأن لمشكلة الوجود الإنساني، أو غُربة الإنسان في الكون، ووَحشته في الوجود، وشذوذه بسيكولوجيته الخاصة عن كافة الكائنات؛ تحتَّم علينا أن نؤمن بأن لهذه المشكلة حلولًا صائبة وأخرى خاطئة، حلولًا تَفِي بحاجات النفس وأخرى لا تَفِي بها.»
ثَمة علاقةٌ بين الرفاهية والمَلل، بين التقدُّم الاقتصادي وحالات الانتحار والجنون والإدمان، ويُرجِع «إريك فروم» هذه العلاقة إلى الكيفية التي يُعامَل بها الإنسان في ظِل النظام الرأسمالي؛ فعلى الرغم من نجاح الرأسمالية في تحقيق رغد العيش على المستوى الاقتصادي، والديمقراطية على المستوى السياسي، فإنها أفرغَت الإنسان من كينونته؛ حيث فقَدَ مكانتَه السيادية في المجتمع، وأصبح خاضعًا لمختلِف العوامل، يتأثَّر بها ولا يُؤثِّر فيها، بل بات أيضًا منفصلًا عن عالَمه وعن الأشياء التي يستخدمها وعن إخوانه في الإنسانية؛ ومن ثَم يرسم هذا الكتاب صورةً جديدة مختلفة لمجتمع سليم، ترتكز على الاهتمام بالنواحي الإنسانية، وتُخضِع جميع النواحي الاقتصادية والسياسية والثقافية لهدف واحد هو نُمو الإنسان والقضاء على الحياة الآلية التي يحياها.