الخلافة واشتراط القرشية فيها
لست هنا في صدد وجود الخلافة في الإسلام، وهو البحث الذي وفاه علماء هذه الملة حقه، ولم يتركوا في قوسه منزعًا، وقد قال في هذا المقام ابن خلدون والماوردي وغيرهما كل ما يجب أن يقال، وإنما أقول: إنه اتفق المسلمون — إلا الخوارج والمعتزلة — على وجوب نصب الإمام لحراسة الدين والدنيا، فكان هذا المنصب جامعًا بين السلطة الروحية — لكن بدون العصمة التي يقول بها الكاثوليكيون في البابا — وبين السلطة الدنيوية وهي ما يسميه النصارى بالسلطة الزمنية — لكن بدون الامتيازات التي تسجلها القوانين الأوروبية للملوك — ولا تبال بما يتشدق به بعض الطاعنين في الإسلام من أنه جمع بين السلطتين، فكان في ذلك عائق للمجتمع عن الترقي، فهو قول عريق في التحامل، مخالف لسنة الله في خلقة، إذ إن الدين متصل بالدنيا في كل مجتمع بشري، والدنيا ممتزجة بالدين بدون انفكاك، ولا يتصور وجود أحدهما بدون الآخر.
وقد وفينا هذا الموضوع حقه في «حاضر العالم الإسلامى» بما لا حاجة إلى إعادته هنا، وأثبتنا ما في جملة «فصل الدين عن السياسة» من السفسطة التي لا تستند على شيء من الواقع، لأن جميع الحكومات الأوروبية التي جعلها الشرقيون هي المثل العليا في العالم، ولم يبق لهم عمل إلا أن يحطبوا في حبالها، وينسجوا على منوالها، لم تقدر أن تفصل الدين عن السياسة فصلًا حقيقيًّا، وغاية ما هناك أنها فصلتهما فصلًا إداريًّا لا غير، بحيث إن للأمور الدينية مراجع مخصوصة، وللأمور الدنيوية مراجع مخصوصة. وهذا ما هو أيضًا في الحكومات الإسلامية. وقد كان في الدولة العثمانية كما يعلم كل احد، فالصدر الأعظم كان ينظر في الأمور السياسية والإدارية خاصة، وشيخ الإسلام كان ينظر في الأمور الشرعية والدينية خاصة، وكل من المرجعين كان يعود إلى السلطان.
وإذا نظرنا إلى أوضاع الدول الأوروبية نجد أن ملك إنجلترا مثلًا هو في المركز نفسه، فكما أنه ملك الأمة الإنجليزية ومرجعها في الحكومة، فهو رئيس الكنيسة الإنكليكانية، وبالتالي فمرجع الإنجليز في العقيدة. ومثل ذلك قيصر ألمانيا الذي كان رئيسًا للكنيسة اللوثيرية، فكانت له السلطة الروحية العليا لا تفترق في شيء عن سلطة الخليفة في الإسلام، وهي مجموعة فيه إلى السلطة الدنيوية التي تجعل في يده زمام الأمة الألمانية في الأمور الدنيوية. ولما آل أمر الألمان إلى الجمهورية — وهى مؤقتة — قام مقام القيصر في الأمرين رئيس الجمهورية الألمانية، وقد زعم بعضهم أن من الدول من فصل الدين عن السياسة بالمرة كفرنسا مثلًا، والحقيقة أن فرنسا اتفقت مع الطبقة الإكليريكية على وضع نظام خاص يكفل راحة الفريقين، ولكن الحكومة لا تزال هي مرجع رجال الدين عند حدوث المشكلات لما تقدم من أن الدين والدنيا في المجتمع لا يستغني كل منهما عن الآخر. وليس في عصرنا هذا حكومات لادينية بالمعنى المفهوم من هذه اللفظة سوى ثلاث حكومات؛ إحداهما الروسية البلشفية والثانية الجمهورية المكسيكية، والثالثة الجمهورية التركية الكمالية. وما دامت الأمة الفرنسية تعلن عن نفسها أنها أمة مسيحية — يتجلى ذلك في جميع حركاتها وسكناتها — فيكون مخالفًا للمحسوس الزعم بأن حكومتها في واد والكنيسة في واد! إذن فالإسلام لم يأت في هذا المعنى بوضع مبتدع، بل هي سنة الله في أرضه. وما دامت الأمم لا تستغني عن الأديان فملوكها وحكوماتها لا تستغني عن الجمع بين الدين والسياسة.
غير أن الإسلام في أصله يفترق عن غيره من الملل بأن الخلافة فيه وإن أشبهت الملك من جهة الأمر والنهي — على شرط مشاورة أهل الحل والعقد — فهي لا تشبه الملك في مزايا الترف وخصائص الابهة التي يجيزها ملوك الأمم الأخرى. وقد سبق لنا أن تعرضنا لهذا المقام في «حاضر العالم الإسلامى» فقلنا في صفحة ٢٤٠ من الجزء الأول: «الخلافة في الإسلام ليست بملك ولا سلطنة، وإنما هي رعاية عامة للأمة لإقامتها على الشرع الحنيف، وردع القوي عن الضعيف في الداخل، وصيانة الإسلام ودفع المعتدي عليه من الخارج. وهي لا تنعقد إلا بإرادة الأمة، والسلطان الذي يؤتاه صاحب الخلافة هو من الأمة لا سلطان له عليها إلا منها. وقد فهم لوثروب ستودارد هذا الباب حق الفهم، وعرف الخلافة التعريف الصحيح، بخلاف كثير من الأوروبيين الذين يتبجحون بزعمهم أن مبدأ كون السلطان القومي من الأمة إنما هو من الأوضاع الغربية الأوروبية، قاتلهم الله ما أجهلهم بتاريخ الشرائع، وما أجرأهم على الخلط.
ومن أغرب الأمور أن كثيرًا من الشرقيين — ومن المسلمين أنفسهم — يتابعون الإفرنج متابعة عمياء في هذا الوهم ولا يعلمون قاعدة الإسلام في هذا الموضوع. ولو تأملوا ما كان علية الخلفاء الراشدون الأربعة — وهو أشد صور الحكم الإسلامى انطباقًا على الشرع — لرأوه أمرًا شعبيًّا محضًا، ووضعًا ديمقراطيًّا بحتًا، وأبعد شيء عن السلطان المطلق والقرآن الكريم في هذا صريح بقوله تعالى: وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ وقوله: وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ. نعم إن الخلفاء الراشدين لم يقع انتخابهم إلى أجل مسمى نظير رؤساء الجمهوريات اليوم، ولم يكن العرب لذلك العهد — بسذاجة البداوة — يعرفون هذا الضرب من الترتيب، ولكنه لا جدال في أن الخليفة لم يكن شخصًا مقدسًا غير مسئول كما هو عند الأوروبيين، ولم تكن له مزية شخصية على سائر الأمة، وكان إذا أخطأ يقيد من نفسه. ولم يخطر ببال أحد من الخلفاء الراشدين أن يورث أولاده الخلافة، بل كانوا يلقونها على ظهورهم إلقاء من يريد الخلاص من تبعها، فإذا كان الإنسان يريد أن يعرف ثمار شجرة الإسلام فليتأمل في سيرة الخلفاء الراشدين، فإنها المرآة الحقيقية لروح الإسلام.
ويناسب أن نذكر هنا بعض الآثار الواردة في ما كان الخلفاء الراشدون يفهمون من هذا الأمر، جاء في «الطبقات الكبرى» لمحمد بن سعد: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني قيس بن الربيع عن عطاء بن السائب عن زاذان عن سلمان أن عمر قال له: أملك أنا أم خليفة؟ فقال له سلمان: إن أنت جبيت من أرض المسلمين درهمًا أو أقل أو أكثر ثم وضعته في غير حقه فأنت ملك غير خليفة. فاستعبر عمر. ثم قال أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني عبد الله بن الحارث عن أبيه عن سفيان بن أبي العرجاء قال: قال عمر بن الخطاب: والله ما أدري أخليفة أنا أم ملك؟ فإن كنت ملكًا فهذا أمر عظيم. قال قائل: يا أمير المؤمنين، إن بينهما فرقًا. قال: ما هو؟ قال: الخليفة لا يأخذ إلا حقًّا ولا يضعه إلا في حق، فأنت بحمد الله كذلك، والملك يسعف الناس فيأخذ من هذا ويعطي هذا. فسكت عمر. ولما بويع أبو بكر قام خطيبًا فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: «أما بعد فإني وليت هذا الأمر وأنا له كاره، والله لوددت أن بعضكم كفانيه، ألا وإنكم إن كلفتموني أن أعمل فيكم بمثل عمل رسول الله ﷺ لم أقم به؛ كان رسول الله عبدًا أكرمه الله بالوحي، وعصمه به ألا وإنما أنا بشر ولست بخير من أحد منكم، فراعوني، فإذا رأيتموني استقمت فاتبعوني وإن رأيتموني زغت فقوموني.» إلى آخر ما ذكرنا في «حاضر العالم الإسلامى».
ومنه يظهر أن الخليفة ليس معصومًا عند أهل السنة، وأنه لا يمتاز عن غيره من الرعية، وأنه مقيد بالشورى، وأنه ليس له أن يستبد بالأمر. ولعل قائلًا يقول: إن ملوك العصر الحاضر أيضًا مقيدون بالدساتير التي وضعتها الأمم التي يلون أمورها وليس لهم أن يستبدوا في شيء. وهذا لا جدال فيه وإن الأمم الحديثة قيدت الملوك، ولكن يبقى بينهم وبين الخلفاء الراشدين الفرق العظيم بأن ملوك الأعصر الأخيرة هم غير مسئولين في أحوالهم الشخصية، وأن الخلفاء في الإسلام هم مسئولون كسائر الرعية. ويبقى فرق آخر بأن الخلفاء كانوا من السذاجة والتقشف في معيشتهم ما لم يكن أحد قبلهم ولا بعدهم، ولم يكونوا يأخذون من بيت المال إلا ما يسد عوزهم الضروري، والحال أن الملوك ورؤساء الجمهوريات في الأعصر الأخيرة يتمتعون بالجرايات الوافرة ويعيشون في ترف عظيم لا ينازع فيه أحد.
وكذلك الملوك في هذا العصر ينتقل الملك منهم إلى أولادهم فأحفادهم، والخلفاء الراشدون كانوا يعهدون إلى ذوي الكفاية من الأمة دون أولادهم، فروح الإسلام الحقيقي هي مراعاة الكفاية والأهلية دون أي اعتبار آخر. ولهذا لم أكن ممن يذهب إلى اشتراط القرشية في الخلافة ولو كان هو مذهب الجمهور، فإن حصر الإمامة في أسرة أو عائلة أو عشيرة لا ينطبق على هدي الخلفاء الراشدين الذين كان يمكن كل منهم أن يعهد بالأمر لولده، والحال أنهم لم يفعلوا ذلك، فلا أبو بكر فكر في العهد لمحمد بن أبى بكر، ولا عمر فكر في العهد لعبد الله بن عمر، ولولا خروج معاوية على علي لكان علي أيضًا اقتدى بهما في اختيار من هو الأصلح لأمر الأمة. ولو كان حصر الإمامة في قريش محتمًا ما كان عمر يقول: لو أدركني أحد رجلين فجعلت هذا الأمر إليه لوثقت به؛ سالم مولى أبى حذيفة، وأبى عبيدة بن الجراح. وقد كان سالم مولى أبى حذيفة من الأعاجم كما لا يخفى! وقد رد على هذا الدليل بأن عمر صحابى، وأن مذهب الصحابي ليس بحجة. ولكن يرد على هذا بأن عمر بن الخطاب وإن لم يكن معصومًا فهو الذي روي عن الرسول ﷺ أنه قال في حقه: «لو كان نبي بعدي لكان عمر.» فهو صحابي ولكن ليس كغيره من الصحابة ولقد منع عمر المتعة واحتج بعمله الفقهاء من أهل السنة. وعلى كل حال لم يكن عمر بالذي يخفى عليه حكم الشرع في مسألة هي أجل المسائل، ولم يكن أيضًا سعد بن عبادة ورهطه من الأنصار بالذين يمارون قريشًا في أمر الإمامة لو كانوا يعلمون أنها لا يجوز أن تتعدى قريشًا. وأين تذهب مع قوله ﷺ: «اسمعوا وأطيعوا وإن وُلِّيَ عليكم عبد حبشي ذو زبيبة.» فهل هذا ينتظم مع حصر الخلافة في قريش؟
إن الذين يقولون بحصر الخلافة في قريش إنما يستندون على الحديث الشريف «الأئمة في قريش.» ولكن هذا جاء في زمن كانت الرئاسة فيه لقريش فكانت أولى بهذا الأمر من غيرها، وكانت العرب في صدر الإسلام تطيعها مالا تطيع سواها. ولا ينبغي من ذلك أن هذا الأمر يجب أن يكون أبدًا سرمدًا في قريش مهما تقلبت الأحوال وتبدلت الأطوار، وما دامت تطلع الشمس، وما بل بحر صوفة. وما بالهم لا يذكرون أنه جاء في رواية هذا الحديث الأئمة في قريش ما أقاموا الدين. وجاء هذا الحديث في بعض المسانيد التي يعول عليها مثل صحيح مسلم، فإن كان حصر هذا الأمر في قريش معلقًا بهذا الشرط فيكون قد انحل الإشكال. وليس من ينازع في رئاسة قريش في كونها الأولى بالإمامة من غيرها من عرب وعجم، وإنما النزاع واقع في أنه إذا وجد من الخارجين عن قريش من عرب وعجم، وإنما النزاع واقع في أنه إذا وجد من الخارجين عن قريش من هم أقوى على حمل الخلافة منها، وأشد عصبية في وقتهم، وأقدر على حفظ حوزة الإسلام في وجه الأجانب، فهل يجب حصر الخلافة الإسلامية في القرشي مع ضعفه وإقصاء غير القرشي عنها مع كفايته ورجحانه؟ هذا هو المعترك الذي كان ينبغي أن يجرأ العلماء أن يفصلوا فيه فصلًا يتلاءم مع روح الإسلام المبني على قاعدة إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ الله أَتْقَاكُمْ وعلى قاعدة وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَىٰ فليس في الإسلام طبقات كما هي عند البراهمة، الدين في هذه الطبقة، والحكم في تلك الطبقة، والصناعة في هاتيك الطبقة… إلخ، وليس الإسلام في شيء من مشابهة اليهودية في أن الملك هو في السبط الفلاني، وأن الكهنوت هو في السبط الفلاني… إلخ، فكل هذه الأوضاع لا يعرفها الإسلام، ولا يعرف إلا عمل الإنسان نفسه. وكما قال عمر رضي عنه: «لو جاءت الأعاجم بالأعمال وجئنا بغير عمل فهم أولى بمحمد منا يوم القيامة، فلا ينظر رجل إلى القرابة، وليعمل لما عند الله، فمن قصر به عمله لا يسرع به نسبه.» أفتكون الشريعة التي يقول فيها عمر مثل هذا القول هي الشريعة التي تجعل الإمامة إرثًا خاصًّا بعشيرة خاصة إلى أبد الدهر مهما كان في الخارج عنها من كفاية تزيد على كفايتها، وقدرة على حفظ بيضة الإسلام ترجع على قدرتها؟! لا جرم أن هذا غير معقول، ولذلك لا نعجب من أن يكون مثل القاضي أبي بكر الباقلاني وغيره من العلماء قد أسقطوا شرط القرشية في الخلافة بعد أن رأوا ما رأوا من ضعف قريش ورجحان غيرها عليها.
ولو أن الذين اشترطوا القرشية في الخلافة استدركوا الأمر بقولهم: إنه إذا تساوى القرشي وغير القرشي في الاشتمال على شروط الخلافة فالقرشي بمكانه من قرابة الرسول عليه السلام، ومن رئاسته القديمة أولى من غير القرشي لهان الخطب. ولكن مقتضى كلامهم أن القرشي بسلطان ذلك الحديث المتعلق بقريش في عهد كانت فيه هي الأول — مهما بلغ من الضعف ومن عدم الكفاية — فإنه أولى من غير القرشي مهما بلغ من القوة على حفظ حوزة الإسلام، ومهما بلغ من الضلاعة والكفاية، فهذا الذي نراه مخالفا لروح الشرع، ولما يتجلى من جميع أحكام الكتاب والسنة.
لقد كان لقريش التقدم على جميع العرب، وعلى جميع المسلمين، فكان ذلك الحديث لو صح على ما رووه وارتفعت فيه كل شبهة مطابقا لحالة قريش في أيام تقدمها، فأما من بعد أن غلبت الأعاجم، وقام فيها من رجح ميزانه على قريش في القوة والمتعة رجحانًا محسوسًا لا يمتري فيه عاقل؛ فقد أصبح من العبث أن نجعل المرجوح أولى من الراجح. ولعمري أن ابن خلدون رحمه الله قد جمع فأوعى عندما قال في مقدمته: «إذا ثبت أن اشتراط القرشية إنما هو لدفع التنازع بما كان لهم من العصبية والغلب، وعلمنا أن الشارع لا يخص الأحكام بجيل ولا عصر ولا أمة؛ علمنا أن ذلك إنما هو من الكفاية فرددناه إليها، وطردنا العلة المشتملة على المقصود من القرشية وهي وجود العصبية، فاشترطنا في القائم بأمور المسلمين أن يكون من قوم أولى عصبية قوية غالبة على من معها في عصرها ليستتبعوا من سواهم، وتجتمع الكلمة على حسن الحماية، ولا يعلم ذلك في الأقطار والآفاق كما كان في القرشية. إذ الدعوة الإسلامية التي كانت لهم كانت عامة، وعصبية العرب كانت وافية، فغلبوا سائر الأمم، وإنما يخص لهذا العهد كل قطر بمن تكون له فيه العصبية الغالبة.
وإذا نظرت سر الله في الخلافة لم تعد هذا، لأنه سبحانه إنما جعل الخليفة نائبًا عنه في القيام بأمور عبادة ليحملهم على مصالحهم، ويردهم عن مضارهم، وهو مخاطب بذلك ولا يخاطب بالأمر إلا من له قدرة علية. ثم إن الوجود شاهد بذلك، فإنه لا يقوم بأمر أمة أو جيل إلا من غلب عليهم، وقل أن يكون الأمر الشرعي مخالفًا للأمر الوجودي.»
فلعمري ليس بعد هذا القول مجال لقائل، فإنه القول الذي لا يحسن بعده المراء وإن هذا الدين هو دين العقل لم يقم بالأسرار غير المفهومة، ولم يمتحن أتباعه بما تعيا به العقول، ولا بما لا تظهر فيه وجوه المصالح. وهو كما قال ابن خلدون: لا نجد فيه الأمر الشرعي مخالفا للأمر الوجودي. ولا يمكن أن يتقدم فيه المرجوح على الراجح، وكل معترك هذه المسألة هي القدرة على حماية الإسلام، وإقامة الشريعة على وجهها، فمن كان أضلع بهذا الأمر من غيره بين المسلمين فهو الذي يريده الله ورسوله قياسًا على ما لدينا من قواعد الشرع الأخرى التي هي ومبادئ العقل توأمان متلازمان.