عند حلمي باشا
القراء يعرفون أن هناك جمعية حديثة أُلفت لإقامة (موسم الشعر)، وأن أول صوت رُفع لتأليف هذه الجمعية كان صوت الأستاذ محمد الهراوي، ويعرف القراء كذلك أن هذه الجمعية مكوَّنة من عناصر مختلفة تجمع بين القديم والحديث في فهم الشعر ودرسه وقرضه، وقد شهدنا الاجتماع الأول وقدمناه للقراء ممثلًا في (مضبطة مجلس الشعراء)، واتفق أن شُغِلْنَا عن حضور الاجتماع الثاني فتألفت اللجنة التنفيذية في غيبتنا، وحيل بيننا وبين متابعة هذه الظاهرة الأدبية، فلما جاء موعد ذهاب اللجنة التنفيذية لشكر وزير المعارف على رعايته لموسم الشعر قدرنا أن سيكون في هذه المقابلة كلام وحديث، وأن وزير المعارف سيتكلم عن الشعر والشعراء والعلم والتعليم، فاستأْذَنَّا معاليه في حضور هذه الجلسة القصيرة لنستطيع متابعة ما يجري من مختلف التيارات الأدبية، ففي ذلك نفع لمحرر النقد الأدبي الذي يهمه أن يقف بنفسه على بواعث التطور في الأدب الحديث.
وقف الأستاذ خليل مطران فألقى كلمة طيبة في شكر وزير المعارف، وتقبلها الوزير بأحسن القبول.
اختلال الموازين الأدبية
واندفع معالي الأستاذ حلمي عيسى باشا يتكلم بقوة عن وجوب العناية بتوجيه النثر والشعر وجهة صالحة، ومن رأي معاليه أن الموازين الأدبية اختلَّت أشنع الاختلال، وأصبح الشعر فوضَى لا يعرف الشبان ما قديمُه وما حديثُه، ولا يدرون كيف يكون النَّظْم الجيد وكيف تكون الأساليب المختارة، فمن الناس من يدعو للقديم ومنهم من يدعو للجديد، وأولئك وهؤلاء لا يبيِّنون بالتحديد ما هي العناصر التي يجب استبقاؤها من التراث القديم، وما العناصر التي يجب أن تُضاف إلى الأدب الحديث، وأن الشبان منذ عشرين عامًا كانوا يعيشون في ظلال نماذج أدبية مستقرة يبنون على أساسها كيف شاءوا، أما شبان اليوم فيقفون حيارى مترددين بين مذاهب القديم والجديد، ولهذه الحيرة وذاك التردد خطر في تكوين شباب هذا الجيل.
مجلة لدرس الشعر
وأشار معاليه إلى رغبته في إنشاء مجلة خاصة بالدراسات الشعرية يشرف على تحريرها أساتذة إخصائيون، وتكون هذه المجلة أداة لنشر الآراء الحصيفة التي تُحِبُّ وزارة المعارف أن تذيعها بين المدرسين والطلاب، وأنه يرجو إذا صحت هذه الأمنية أن تقدم مصر للأقطار العربية طلائع جديدة لنهضة الأدب الصحيح.
المجلات الأدبية العتيدة
وعرض معاليه للغذاء السيئ الذي يتلقاه التلامذة عن بعض الصحف الأسبوعية، وهو يرى أن بعض المجلات تُكتب بلغة رديئة ممسوخة، وتنشر آراءً سقيمة مدخولة، ثم وازَنَ بين العهدين: العهد الذي كان فيه معاليه طالبًا، والعهد الذي يحياه تلامذة اليوم، وبَيَّنَ أن المجلات لعهده كانت قليلة جدًّا، وأن الصحف اليومية كان اهتمامها بنشر الأدب ضئيلًا، ولكن الأساتذة في ذلك العهد كانوا يوصون تلاميذهم بدراسة أصول الأدب القديم، مثل نهج البلاغة والأمالي والعقد الفريد، وبالرغم من صعوبة تلك المؤلفات كان الطالب يستفيد منها، ويسير روحُها إلى أسلوبه من حيث لا يحتسب. أما تلميذ اليوم فيجد من يُفهمه بسوء نية أن الأدب القديم دالت دولته، وأن المرجع إلى الأدب الحديث، فإذا فكر في متابعة الأدب الذي دعوه إليه وجده في الأغلب مقالات تافهة المعنى ضعيفة الأسلوب، هذا إن كان بلغ سن الفهم والإدراك، أما أكثر التلامذة فيقرأون تلك الصحف السخيفة وهم يتوهمون أنها لا تنفث إلا سحر البيان، ونحن لا نخشى عادية تلك الصحف على الشبان الناضجين الذين يميزون بين الغث والثمين، ولكننا نخاف أشد الخوف على الناشئين الذين لا يفرقون بين الزائف والصحيح، ويرون محرري الصحف أساتذة في جميع الأحوال، مع أن فيهم من لا يصلح أن يكون تلميذًا فضلًا عن أن يقف موقف الأستاذ، ولو أن هذه الصحف السخيفة وجدت منذ عشرين أو ثلاثين عامًا لكان خطرها يسيرًا؛ لأن القراء كانوا قليلين، أما اليوم فقد بلغ المصريون خمسة عشر مليونًا، وانتشر التعليم، وكثر القراء، وبذلك صار شر الصحف العابثة مضاعَف الإفك والفتك بالعقول والأخلاق.
جناية عوام الممثلين
ولم يقف وزير المعارف عند جناية الصحف الهزلية التي تكتب بلغة ضعيفة في موضوعات سخيفة، بل انتقل إلى عوامِّ الممثلين الذين يملأون الروايات بالرطانة العامِّيَّةِ، ويرى في ذلك تضييعًا لجهود أساتذة المدارس، فإن التلميذ يتلقى في المدرسة لغة، وفي المسرح لغة، وما يتعب المدرس في تقويمه صباحًا، يبدده الممثل مساءً، والتلميذ ضائع بين هذا وذاك، ومن رأي معاليه أنه يجب أن يكون المسرح مكمِّلًا للمدرسة، ومن أجل هذا تقصر الوزارة إعانة المسرح على الروايات الفصيحة التي تساعد على تنمية جيد الأذواق والأساليب.
في الجامعة المصرية
الامتحانات العمومية
لقد كثرت الشكوى من صعوبة الأسئلة في الامتحانات العمومية، ولا أُخفي عليكم أنني أوصيت بالحزم في تصحيح الأوراق؛ لأنني أخشى عواقب ما يدعوننا إليه من الرأفة واللين، لقد تحدثوا طويلًا بأن الطلبة في الأمم الغربية يُمْتَحَنُون في موادّ قليلة، وهذا صحيح، ولكن المدارس تعلِّم الطلبة هناك نفس المواد التي نعلمهم إياها هنا، والفرق بيننا وبينهم أنهم يمتحنون الطلبة في أهم المواد، ونحن نمتحنهم في جميع المواد، وعذرنا في ذلك أن الاهتمام بغير مواد الامتحانات ضعيف، وخصوصًا في المدارس الأهلية، فالمدرس الذي يعلم مادة لا يمتحن فيها الطلبة قد يتراخى ويتكاسل ويُهْمِل، وفي اليوم الذي يحرص فيه جميع المدرسين أو أغلبهم على الاهتمام بالواجب لذاته، بغض النظر عما يتبعه من نتائج الامتحانات العمومية، في ذلك اليوم — ولعله قريب — نكتفي بامتحان الطلبة في أهم المواد، أما الآن فلا رحمة ولا هوادة، وسنمتحن الطلبة في جميع الفروع. ولا تنسوا أن المدرسة هي التي تقوم بالعبء في نشر الثقافة، ولا يساعدها أولياء أمور الطلبة إلا قليلًا؛ لأن الجوّ الاجتماعي — كما قلت لكم — لا تزال تنقصه عناصر كثيرة من العلم والتثقيف، فإذا فكرنا في تخفيف المناهج عن طريق حذف بعض المواد فسيظل الطلبة يجهلون ما نُعفيهم منه طول الحياة.