ذكريات صحفية
في الأعداد الأخيرة من مجلة (الإيماج) فصول طريفة عن الذكريات الصحفية، قرأتها فأَنِسْتُ بأصحابها أُنسًا شديدًا، وتمنّيت أن يتسع وقتي لنشر ما مرَّ بي من أمثال هذه الذكريات، وهي حوادث لن تُعرف مفصلة إلا يوم يظهر كتاب «أكواب الشهد والعلقم»، وهو كتاب خَطِرٌ لن ينشر إلا يوم ننفض يدنا نهائيًّا من وداد الناس، وأين الناس؟!
على أن هذا لا يمنع من الإشارة إلى ثلاثة حوادث طريفة في أوقات مختلفات:
وقع الحادث الأول في سنة ١٩١٩، وكنت نشرت سلسلة من المقالات عن «دواعي الشعر» في جريدة الأفكار، وهي مقالات كلها شغب ونضال أضجرتْ كثيرًا من الشعراء، وحملت السيد حسن القاياتي على دفعها بفصول طوال نشرت بعد ذلك في كتاب «البدائع»، واتفق يومئذ أن تلقيت أبياتًا يهجوني بها شاعر سمَّى نفسه «الأخطل»، وهو شاعر أقسمت إن عرفته لأقتلنَّه، ثم مضيت أبحث عنه في الأندية الأدبية، فلما اهتديت إلى اسمه سكن غضبي؛ لأني رأيته أبًا يعول سبعة أطفال، وهو الشاعر الذي قال فيه الأستاذ الشيخ محمد سليمان: «هجاؤه أبرد من سقوط التلميذ في الامتحان»، وعدت أبحث عن قطعته لأنشرها ترويحًا عن أنفس القراء ولكني لم أجدها، ومنذ شهرين كنت أنقل أمتعتي من بيت إلى بيت، فصادفت تلك القطعة وقد اصفرت وشاخت، وهاهي تطالعهم بوجهها الأصفر الممقوت.
قال (الأخطل) يهجو صاحب «دواعي الشعر»:
أما الحادث الثاني فقد وقع في سنة ١٩٣٢، وذلك أني نظرت فوجدت في جريدة البلاغ خمسة من النقاد ينوشونني في عدد واحد، فكرَرْتُ عليهم في مقال عنوانه: «سنفرغ لكم أيها الثَّقَلان».
وفي سنة ١٩٣٤ كثر الجدل حول أدب الشاعر الكبير الأستاذ عبد الرحمن شكري، وما كنت رأيته من قبل، ففكرت في مراسلته لأتعرف إليه، ثم انصرفتُ عن ذلك، وما هي إلا أيام حتى تلقيت منه هذه الكلمات الطيبات:
والمستظرف أن ما هُجيت به في سنة ١٩١٩ وما مُدحت به في سنة ١٩٣٤ وقعا على رَوِيٍّ واحد، ومن شاعرين لم أتعرف إليهما من قبل.