أصدقاء الجامعة المصرية
- أولًا: الجامعة المصرية مجهولة أو كالمجهولة بين أمم الشرق، ولا أعرف أن كلية من كليات الجامعة المصرية اهتمت بإرسال بيان عن مناهجها في البحث والدرس إلى المعاهد والصحف في الأقطار الشرقية، مع أني أعرف أن من شبان تونس والجزائر ومراكش واليمن والعراق والشام والحجاز من يودُّ أن يتم دراسته في الجامعة المصرية، ولكنه لا يجد من يرشده أو يشجعه على ورود جامعة القاهرة، هذا مع أن كليات الجامعة تطبع تقارير سنوية، ثم تحفظ تلك التقارير في غاية من الصيانة بعيدة عن الأرَضة والعنكبوت إلى أن يطلبها أحد المدرسين!! ولو أن كليات الجامعة فكرت في الاتصال بالصحافة والأندية والمعاهد في الأقطار الشرقية لكان عندنا اليوم جاليات مهذبة من طلاب العلم والأدب والطب والقانون، ولهذا أهمية عظيمة في نشر الثقافة المصرية، وتعويد أهل الشرق على إعزاز وادي النيل.
- ثانيًا: سمعت أن أربعة من شباب ألبانيا سيحضرون هذا العام للانتساب إلى كلية
الآداب، أفلا يكون من الخير أن يفكر «أصدقاء الجامعة المصرية» في الترحيب
بهؤلاء الطلاب ومساعدتهم على الإقامة الطيبة في هذه المدينة؟ إن الشبَّان
الوافدين على مصر لطلب العلم يسكنون أول الأمر في الفنادق والبنسيونات،
وهذا يعرضهم للتعرف إلى بيئات غير مصرية، ويروضهم على عِيشة محوطة بأسباب
النَّزَق والطيش، ويعرضهم أحيانًا إلى الاقتناع بأن القاهرة مدينة ينقصها
نبل الأخلاق.
ولو أن طالبًا أجنبيًّا ذهب إلى كلية من كليات الجامعة المصرية يسأل عن مسكن لقوبل بالدهشة والاستغراب؛ لأن أساتذة الجامعة المصرية ومدرسيها لا يتميزون عن سائر الموظفين بشيء، والموظف المصري في الأغلب لا يَعْنيه غير عمله المحدود، ولا يفهم كيف يتطوع بقضاء ساعة أو ساعتين في إرشاد طالب غريب، وأكاد أجزم بأن أساتذة الجامعة المصرية لا يعرفون الطلبة الأجانب إلا في قاعة الدرس، وقد تمرُّ الأعياد فلا يُفكر أحد منهم، حتى العمداء، في دعوةٍ كريمة إلى الطلبة الغرباء.
- ثالثًا: أكثر الطلبة الأجانب يُحرَمون من الانتساب الصحيح إلى كليات الجامعة؛ لأن البكالوريا المصرية هي أساس الانتساب، وقد يندر أن تعترف الحكومة المصرية بالبكالوريا الأجنبية، أفلا يكون من الواجب أن ينظم «أصدقاء الجامعة المصرية» دراسات يستطيع بها الطلبة الوافدون على مصر أن يؤدوا امتحان المعادلة إذا طُلب منهم؟ إن أصدقاء الجامعات في الأقطار الأوربية والأمريكية ينظمون أمثال هذه الدراسات، ويمكنون الطلبة الأجانب من التقدم لامتحان القبول في الجامعات.
أنكون نحن أغنى عن التودد إلى الناس من فرنسا وإنجلترا وألمانيا؟ إن الطالب الأجنبي حين ينزل لندن أو برلين أو باريس يجد من أصدقاء الجامعات هناك من يرشده كيف يستعد لامتحان القبول، ومن يَهْدِيه إلى الأندية الأدبية والعلمية، ومن يُعَلِّمه كيف يعيش وإن قلَّ ما يحمل من المال.
أما نحن فنستهين بكل هذه الحقائق، ونَدَع الطلبة الأجانب للمصادفات بحيث لا ندينهم بظل من ظلال المعروف، ومع ذلك لا يزال ناس يحسنون الظن فيأتون من بعيد للالتحاق بالأزهر ودار العلوم وكلية الآداب … فيا أصدقاء الجامعة المصرية، اعرفوا واجبكم، واحذروا أن تبددوا بتغافلكم ذلك الظن الجميل.