العودة إلى النبع

حقيقة يجب أن نتفق عليها: أن تعاليم الأفغاني والإمام ليست — كما يبدو في كتابات المؤرخين الأجانب — نبتًا غريبًا في المجتمع المصري، لكنها وليد شرعي ﻟ «جماعة» المثقفين المصريين التي تعهدت الأرض بالري والتسوية من قبل أن يضع الأفغاني بذوره. وقد بدأت هذه «الجماعة» في التكوين منذ مطلع القرن التاسع عشر، نتيجة للاحتكاك المباشر بين الحضارة العثمانية الإقطاعية المتخلفة، وبين حضارة الغرب التي يمثِّلها عشرات العلماء والمؤرخين والمفكرين والقادة الذين قدِموا مع الحملة الفرنسية. لقد قدِم الأفغاني إلى مصر في وقت كان «التفتُّح» قد ظهرت ملامحه، سواء في مظاهر المدنية التي أضفاها إسماعيل على مدن مصر، أو في مجلس شورى القوانين، أو في الصحافة، أو في غيرها من ملامح الحياة العصرية. أما رفاعة رافع الطهطاوي — الرائد الفعلي للنهضة المصرية — فإني أذكر قول نعمان عاشور حين سألته عن بواعث تأليفه مسرحية «الطهطاوي … بشير التقدم» قال: «إن الفترة التي سبقت الطهطاوي، كانت فترة حالكة الظلام، فقد التقى رفاعة بعددٍ من شيوخه، وأخذ على الفضالي والقويسني والدمهوجي والبيجوري وحبيش، الذين كانوا أفضل مَن عرفهم الأزهر في تلك الفترة، لكن فكرهم ومعارفهم تعكس طبيعة تلك الفترة الراكدة من تاريخ مصر الفكري والعلمي. وكانت أكثر الكتب التي قرأها رفاعة، متونًا وشروحًا، ألَّفها متأخرون استعاضوا عن الأصالة وإعمال الفكر بصقل المتون الغامضة، وتدوين التعليقات الملوية، وهي كتب لا تعبِّر عن التراث العربي إلا في صورة شاحبة، ولا تقدِّم منه إلا قدرًا من النحو، وقدرًا من التفسير، وقدرًا من الفقه والحديث، وكأن العرب لم يشغلوا أنفسهم إلا بهذه العلوم التي عبَّروا عنها — آنذاك — بمصطلحَي «المعقول» و«المنقول». لم يكن علماء الأزهر — آنذاك — علماء بالمعنى الحديث للكلمة، وإنما كانوا يدرسون ما لخصه مؤلفون متأخرون عن باحثين متقدمين.»١

•••

حتى الآن، فإن الآراء تتباين في النظرة إلى الدور الذي أسهمت به الحملة الفرنسية في التاريخ المصري. ثمة مَن يجد فيها بداية حقيقية، وفاعلة، لتنوير العقل العربي، وتحديثه. لم يعُد كلُّ خير في اتِّباع من سلف، وكل شر في اتِّباع من خلف، وإنما استحدث ما لا تسِعه عقول أمثالنا، والتعبير للجبرتي. وثمة مَن يدينها بتهمة وأد الصحوة الإسلامية التي كانت قد بدأت تطل بملامحها في أروقة الأزهر، من خلال علمائه وطلابه الذين انعكست مواقفهم الإيجابية في الثورة ضد الفرنسيين.

بداية، فلعلَّه يجدر بنا أن نتفق على أن الحملة الفرنسية على مصر، كانت — على نحوٍ ما — بداية فصلٍ جديدٍ من التهديد الصليبي للشرق. تمَّت انتصارات مؤكَّدة على يد صلاح الدين وسواه من القادة المسلمين، واقتحم الشعور بالهزيمة قادة الغرب المسيحي، وإن تيقظ مع ذلك الشعور بالهزيمة تأمُّل للأنا وللآخر، كان هو الدافع ليقظة صليبية، تقابلها — للأسف — اتكالية بين السواد الأعظم من المصريين. وأبانت اليقظة عن نفسها في قدوم نابليون، ومعه المدفع والعلم ونية الاحتلال، وفتحت فصلًا جيدًا — كما أشرنا — من الصراع القديم، المتجدد. ينقل الراوي عن أحد ضباط الحملة الفرنسية قوله: «لقد جئت هذه البلاد عدوًّا، ولن أخدع نفسي وأقول — مثلما يقولون كلهم هنا — إنني جئت لأحرر المصريين من المماليك. جئت عدوًّا يا صديقي. جئنا كلنا عدوًّا قويًّا مسلحًا بأحدث ما وصلت إليه أوروبا من مخترعات وآلات دمار.»٢ بدأت الحملة بإيفاد رحَّالة — مثل كلود إيتين سافاري وم. فولني — أشبه بفرق الاستطلاع — بلغة الجيش! — للتعرُّف على مزاج أهل الشرق وفنونهم وعاداتهم، وكان نشاط هؤلاء الرحَّالة تمهيدًا للغزو.٣ وكما يقول الراوي (كفر الهلالي) فلم يكن «قد مضى على دخول الفرنسيين القاهرة سوى ثلاثة أشهر، حتى انفجرت العاصمة في ثورة عنيفة ضد المستعمر الفرنسي، وأُخِذ الفرنسيون على غِرة، وقُتِل منهم ديبوي حاكم القاهرة الفرنسي، واثنان من العلماء كانا يقومان بأبحاثهما عند جبل المقطم.»٤ وتورد لطيفة الزيات في بداية قصتها «لم يمت» رواية القائد الفرنسي ديبوي عن ثورات المصريين ضد قوات الاحتلال: «كان الجنود الفرنسيون يعملون على إخماد الثورة بإطلاق الرصاص على الفلاحين المصريين، وفرض الغرامات على البلاد، ولكن الثورة كانت كحية ذات مائة رأس، كلما أخمدها السيف والنار في ناحية، ظهرت في ناحية أخرى أقوى وأشد مما كانت، فكأنها كانت تعظم ويتسع مداها كلما ارتحلت من بلدٍ إلى آخر، ونقطة من هنا، ونقطة من هناك، يتجمَّع السيل ليجرفنا من حيث جئنا.»٥ والثابت — تاريخيًّا — أن خروج نابليون من مصر لم يكن لتحطُّم أسطوله في موقعة أبي قير، فقد تحطَّم الأسطول الفرنسي في أغسطس ١٧٧٩م، أي قبل أن يضطر نابليون إلى التخلي عن أحلامه، وعن مصر بعد ذلك بعام. لقد كانت ثورات المصريين المتلاحقة هي الباعث الأهم لخروج قوات الفرنسيين من مصر. وكما يشير أحمد عبد المنعم البهي، فقد اندلعت الثورة من جديدٍ بعد رحيل نابليون إلى بلاده. استمرت المعارك بين المصريين والقوات الفرنسية أكثر من ثلاثين يومًا «تعاون الجميع — رجالًا ونساءً وشيوخًا وشبانًا — في الكفاح والجهاد، وجاد كلٌّ بأقصى ما يستطيع أن يقدِّمه، فهذه سيدة تجود بحليها، وهذه عذراء تجود بمهرها، وهذا ثري يجود بثروته، وهذا فقير يجود بنفسه وبروحه. وقد بلغ من شدة الإيمان وقوة التماسك أن أنشأ المكافحون معملًا للبارود، واحتالوا في صنع الآلات الحربية من مدافع وذخائر … إلخ.»٦ ولعلي أوافق على أنه إذا كانت حملة بونابرت قد كثَّفت — في وقتٍ وجيزٍ — محاولات التعرُّف إلى المجتمع العربي، فإنها افتتحت المرحلة الجديدة من الغزو العسكري الوحشي المباشر لإخضاع العرب للاحتلال الأوروبي.٧

•••

بصرف النظر عن الاعتبارات الوطنية التي حاول — من أجلها — بعض المؤرخين المصريين التقليل من الدور الهام الذي مهدت به الحملة الفرنسية للتحوُّل الحضاري الكامل الذي بدأ يتجه إليه المجتمع المصري، منذ فتح السلطان سليم مصر عام ١٥١٧م، وأقام سورًا عثمانيًّا عظيمًا حال دون اتصالها بأوروبا أربعة قرون كاملة، وحسب وجهة نظر محمود شاكر، فإن الحملة الفرنسية مجرد حملة صليبية، غزت مصر، فقضت على أكبر قوة مقاتِلة في دار الإسلام بعد قوة الخلافة. أما الديوان الذي أنشأه نابليون لإصلاح فساد نظام المماليك المصرية، فقد كان الهدف الحقيقي منه أن تبقى فرنسا في مصر إلى الأبد، أن يكون مصيرها هو مصير الجزائر بعد أن احتلها الفرنسيون في ١٨٣٠م.٨ بصرف النظر عن تلك الاعتبارات الوطنية، فإن هذا الدور لا يمكن إغفاله، ولا التهوين من قيمته. النظرة إلى أحداث الحملة الفرنسية تقول — الكلام لفؤاد زكريا — «إنها كانت عملية استعمارية، وشكلًا من أشكال الصراع بين القوتَين العظميين في أوائل القرن التاسع عشر، دفع ثمنه الشعب المصري الذي لم يكن له في ذلك الصراع ناقة ولا جمل، لكن الشيء الباقي الذي ينم حقًّا عن دهاء التاريخ، هو المطبعة، وكشْف أسرار الكتابة الهيروغليفية في حجر رشيد، وإنطاق حضارة، ربما كانت أعظم حضارات البشر على الإطلاق — أعني الحضارة الفرعونية — بعد أن ظلَّت صامتة خرساء، تحتفظ بأسرارها لنفسها طوال آلاف السنين.»٩
أخذت الحملة الفرنسية ثلاث سنوات من عمر مصر، لكن تأثيرها الإيجابي كان يساوي مئات الأعوام، بل إن تلك السنوات الثلاث تشكِّل فاصلًا بين قبل وبعد، بين التخلف والمدنية، بين إعمال التواكلية وإعمال العقل. امتد التأثير، واتَّسع، فشمل نشأة الصحافة والطباعة، ودراسة التاريخ والجغرافيا على أسسٍ علمية، والإفادة من تطورات التكنولوجيا، والتفهُّم الصحيح للممارسات السياسية، وللقانون، والتنظيم الإداري. حملت الحملة معها بعض رموز المدنية، كالمعامل والمطبعة والموسيقى وبعض النظم الإدارية الحديثة. وكان المجمع العلمي المصري الذي أنشأه الفرنسيون، أول نافذة يطل منها الإنسان العربي على منجزات العصر الحضارية والعلمية في أنحاء العالم، في قرون الاحتلال العثماني الطويلة. وكانت العسكرية العلمية — بعامة — هي أول انتصارٍ للحملة النابليونية، تدهورت أمامها أساليب القتال القديمة، ثم تحققت انتصارات العلم متمثِّلة فيما جلبه معهم العلماء الفرنسيون، في الرياضة والفلك والميكانيكا والطبيعة والكيمياء وطبقات الأرض والمعادن والنبات والحيوان والطب والصيدلة والاقتصاد السياسي وهندسة الري والهندسة الجغرافية وهندسة الآلات الرياضية والنقش والحفر والآداب والموسيقى والترجمة والطباعة … إلخ.١٠ حاول نابليون أن يفيد من العلم في تأكيد سيطرته على مصر. رافق الحملة مهندسون في الري والقناطر والجسور وأطباء وكيميائيون وعلماء في الرياضة والعمارة والفلك والجغرافيا، وأساتذة في الأدب والاقتصاد السياسي والآثار والمعادن والنبات والحيوان وطبقات الأرض. ورافق الحملة مستشرقون وفنانون ومصورون وطبَّاعون وموسيقيون وممثلون، حوالي مائة وستين غطُّوا كلَّ التخصصات. وكان أبرز معطيات الحملة اكتشاف حجر رشيد، وإنشاء المجمع العلمي، وإصدار كتاب وصف مصر، وإحضار أول مطبعة، أمكن من خلالها طبع العديد من كتب التراث العربي، في الأدب، وفي الفقه، والتاريخ، والسيرة النبوية، كما قدمت الجريدة المطبوعة — للمرة الأولى — في التاريخ المصري. كانت الحملة — بأبسط عبارة — انتصارًا للعلم، انتصارًا للتقدم على التخلف، الاجتهاد والبحث على الاستاتيكية السلفية (قيل إنه عندما أنزل نابليون عربته إلى الشاطئ، كان يُدخِل العجلة من جديدٍ في مصر (بنوك وباشوات، ٧٤)) لكن السنوات الثلاث التي أمضتها الحملة في مصر، لم تُتِح لها وضع بصمات عميقة في بِنية المجتمع المصري، والادعاء — من ثَم — بأن الحملة قد أحدثت تغيُّرًا جذريًّا في الحياة المصرية، ينطوي على مغالطة مؤكدة، لأن الفترة التي أمضاها الفرنسيون في مصر كانت قليلة بما لا يتيح إحداث مثل ذلك التغيير، فضلًا عن أن كل ما أقامه الفرنسيون — في سني احتلالهم لمصر — قد ذهب بذهابهم.١١ ولما بدأ محمد علي في إنشاء المدارس والمطابع لم يجد شيئًا مما أنشأه الفرنسيون. وفي تاريخ الجبرتي: «بعد انسحاب قوات الحملة الفرنسية من مصر، أصبح التعرُّف على القاهرة أمرًا صعبًا؛ فقد هدم الفرنسيون أغلب المباني والمدارس التي كانت القاهرة عامرة بها، مما جعل التلاميذ يتلقَّون العلم في الخرائب التي خلَّفها الفرنسيون وراءهم، وكانت أصلًا قصورًا فخمة ومستشفيات ومساجد وكنائس. ولقد أحال الفرنسيون بعض المساجد إلى حاناتٍ يحتسون فيها الخمر، ويعبثون بالنساء، وأحالوا القاهرة إلى معسكرٍ كبير، وهدموا قِباب المدائن قرب المقطم، ونبشوا القبور، ما اضطر عددًا كبيرًا من أهالي العاصمة إلى دفن موتاهم في بيوتهم، أو فيما تبقى من مدارس ومساجد. باختصار، إذا أردت صورة للقاهرة بعد أن خرَّبها نابليون، فلن ترى سوى مبانٍ مهدمة، وحطام ما كان يومًا أسوارًا قوية وأبوابًا رائعة تحمي القاهرة ضد أي عدوان … فالحقيقة أنه قبل نهاية الحملة الفرنسية كانت القاهرة قد بلغت حدًّا من التعاسة والفقر والبؤس يتنافى مع حياة البشر في أي مكان. وكان من نتائج هذا انتشار الأوبئة، مما جعل الشوارع والأزقة، بل وأسطح المنازل تمتلئ بأجساد الضحايا، كما تسبَّب في مجاعات اضطرَّت الكثير من الناس إلى أن يأكل بعضهم البعض.» ويرى بيتر جران أن التحديث الذي أحدثته الحملة الفرنسية جاء وفق شروطها، أي وفق شروط الغرب الأوروبي، وليس تعبيرًا عن احتياجات المجتمع المصري، والنهضة التي كان يحتاجها، وبدأ السعي إليها فعلًا. تحوَّل التحديث إلى تغريبٍ دون اعتبار للهوية الوطنية المصرية، ولا لاحتياجاتها الفعلية، وهو الأمر الذي فرض — منذ بدايات القرن العشرين — إعادة إلقاء الأسئلة التي كانت قد أثيرت في أعقاب رحيل الحملة الفرنسية، وهي التي تتصل بالهوية الوطنية، والأخذ بأسباب العلم والتقدم.
مع ذلك، فإنه من الصعب الادعاء أن تاريخ مصر الحديث يبدأ بتولي محمد علي حكم مصر، إنه يبدأ باتصاله بالمدنية الغربية بكل ما تشتمل عليه من منجزاتٍ تقنية وفيزيقية وميتافيزيقية. بل إني أوافق على الرأي بأن «التراث الروحي للأمة العربية — في ذلك الحين — كان قد استيقظ على أثر صدمة الغزو العنيفة التي تتحدَّى — في الحقيقة — عقائد هذه الأمة وموروثاتها الروحية قبل أن تتحدى حدودها الجغرافية. فالأمة العربية منذ أن أنهت الغزوات الصليبية قد استنامت إلى ثقة أسلمتها للدعة والتخلف، بينما استيقظت أوروبا على دوي المكتشفات الجغرافية، والتطور الصناعي الهائل، والإنجازات العلمية في مختلف الميادين. وعندما جاءت طلائعها إلى الشرق العربي لتلقنه درس التفوق والغلبة، أيقظت فيه تراثه وروحه وطموحاته القديمة؛ وبذلك أسدى إلينا أعداؤنا أجلَّ الخدمات.»١٢ وكما يقول مفيد الشوباشي «فقد أيقظت مدافع نابليون شعب مصر من سُباته، وحملته على التطلع إلى الغرب، وحضارته التي أكسبته هذه القوة.»١٣ لقد لجأ الفرنسيون إلى نظام المؤسسات القائمة للاستعانة بها في تسيير دفة الحكم، حتى طوائف الحرف حرص بونابرت على أن يشرك شيوخها في الديوان. مع ذلك، فلعل أهم ما كشفت عنه الحملة، الهُوة العميقة بين حضارتَين: آفلة ومتقدمة، حتى حدَّد الشيخ حسن العطار السبيل بأن بلادنا «لا بد أن تتغير أحوالها، ويتجدد بها من العلوم والمعارف ما ليس فيها.»١٤ وكما أشرت، فإن الشيخ العطار بالتحديد، يُعَد مثلًا للعالِم المصري الذي لم يقعد — مثل بقية علماء الأزهر — عن الاتصال بالظاهرة الحضارية الوافدة المتمثِّلة في الحملة الفرنسية، ولم يكتفِ بأن يعلن عجزه عن تفهُّم هذه «الأمور والأحوال والتراكيب الغريبة التي ينتج منها نتائج لا يسعها عقول أمثالنا.» كما فعل الشيخ عبد الرحمن الجبرتي، بل إنه لم يتخذ موقفًا سلبيًّا تمليه العاطفة في الأقل، فيكتفي — مثل سواه من علماء الأزهر — بالعكوف على المعقول والمنقول، لا يعدو إلى غيره، لكنه حرص على أن يفيد المجتمع المصري من تلك الحضارة الوافدة، وأن ينقل عنها، ويصل بأوروبا روابطه التي قطعتها السيطرة العثمانية ثلاثة قرون كاملة. أدرك وجوب التغيير، ورفض جمود الأزهر، وعدم تقبُّل شيوخه لأية محاولة تطوير، وإعراضهم عن كتب المتقدمين، في حين أن المتقدمين كانوا يطَّلعون على كتب غير المسلمين في مختلف العلوم، وزاد فامتدح كتب الفرنجة المترجَمة إلى اللغة العربية. وحين تولى الشيخ العطار مشيخة الأزهر، حاول أن يسري في شرايينه دماء جديدة، ودعا إلى الإفادة من التراث والإقبال — في الوقت نفسه — على كتب المتقدمين، ودعا إلى وجوب إدخال المواد الممنوعة كالفلسفة والأدب والجغرافيا والتاريخ والعلوم الطبيعية، والإقلاع عن الأساليب الجديدة في التدريس، والعودة إلى كتب الأصول، وعدم الاقتصار على الملخصات والمتون المتداولة، وما عليها من حواشٍ وشروحٍ حديثة: «إن من تأمَّل في علمائنا السابقين يجد أنهم كانوا — مع رسوخ أقدامهم في العلوم الشرعية — لهم اطِّلاع واسع على غيرها من العلوم والكتب التي أُلِّفت فيها، حتى كتب المخالفين في العقائد والفروع، وأعجب من ذلك تجاوزهم إلى النظر في كتب غير أهل الإسلام من التوراة وغيرها من الكتب الإسلامية واليهودية والنصرانية، ثم هم — مع ذلك — ما أخلُّوا في تثقيف ألسنتهم برقائق الأشعار ولطائف المحاضرات … ومن نظر في ذلك، وفيما انتهى إليه الحال في زمن وقعنا فيه، علم، أنا منهم، بمنزلة عامة أهل زمانهم، فإن قصارى أمرنا النقل عنهم، بدون أن نخترع شيئًا من عندنا، وقد اقتصرنا على النظر في كتب محصورة ألَّفها المتأخرون المستمدون من كلامهم، نكررها طوال العمر، ولا تطمح نفوسنا إلى النظر في غيرها، حتى كان العلم فيها.» «قد عُربَت كتب في زماننا من كتب الفرنجة، وفيها أعمال كثيرة وأفعال رقيقة، اطلعنا على بعضها، وقد استُخرجت تلك الأعمال بواسطة الأصول الهندسية والعلوم الطبيعية. وفي تلك الكتب تكلم القوم في الصناعات الحربية والآلات النارية، ومهدوا فيها قواعد وأصولًا، حتى صار علمك علمًا مستقلًّا ذا فروعٍ كثيرة، ومن سمت به همته إلى الاطلاع على غرائب المؤلفات ظهرت له حقائق كثيرة من دقائق العلوم، وتنزَّهت فكرته إن كانت سليمة في رياض الفهوم، فلا تجعل سعيك لغير الحصول على الكمالات العرفانية مصروفًا، ولا تتخذ غير نفائس الكتب أليفًا ألوفًا.»١٥ وأفتى العطار بجواز التشريح، فأمر محمد علي — بناء على تلك الفتوى — بإنشاء مدرسة للطب في الخانكة، كما أفتى بجواز تلقي المسلم عن الغرب، فأمكن إرسال البعوث العلمية إلى أوروبا، فضلًا عن استقدام المدرسين من دول الغرب. وبالفعل، أوفد محمد علي البعثات الدراسية إلى أوروبا، كما استقدم المعلمين الأوروبيين إلى مصر. ففي ١٨١٣م أوفد محمد علي أولى البعثات المصرية إلى إيطاليا، ثم اتجهت البعثات — بعد ذلك — إلى فرنسا وبريطانيا. وبلغ مجموع طلاب البعثات المصرية إلى دول الغرب في الفترة من ١٨١٣م إلى ١٨٤٧م، ٣١٩ طالبًا.١٦ والملاحَظ أن غالبية طلبة البعثات كانوا من الأتراك والشراكسة والأرمن، حتى إن الطلبة المصريين كانوا أربعة من بين ٤٠ طالبًا.١٧ وفي ١٨٤٦م وفدت إلى مصر أول بعثة أجنبية، وكانت بعثة فرنسية برئاسة الأب ريموند كارول، وأهدى محمد علي البعثة قصرًا فخمًا بالخرنفش، أطلق عليه اسم مدرسة الفرير، ثم افتُتحت مدرسة ثانية في الإسكندرية باسم مدرسة سانت كاترين. ثم قدِمت في ١٨٤٩م بعثة أمريكية، أنشأت مدرسة في ميدان العتبة الخضراء باسم مدرسة الإرسالية الأمريكية، لكنها ما لبثت أن انتقلت إلى مكان جديد هو نفس مكانها الحالي، ثم توالى إقامة المدارس الأجنبية بمصر.

والحق أن دعوة العطار إلى الإصلاح والتجديد، والأخذ بالأساليب العصرية، لم تقف داخل أسوار الأزهر، بل جاوزتها إلى كافة مناحي الحياة الثقافية في مصر. ولم تكن المدارس الفنية العالية التي أنشئت في ذلك العهد، مثل الهندسة والطب والصيدلة والألسن، سوى استجابة مباشرة لدعوات الشيخ الملحَّة، كذلك فقد كانت حركة الترجمة، التي نشطت بصورة مؤكدة، صدًى لآرائه.

ولم ينتهِ التلامس الحضاري برحيل الحملة الفرنسية عن مصر، فقد بدأت البعثات التعليمية المصرية تسافر إلى فرنسا في عهد محمد علي. وكان رفاعة رافع الطهطاوي — إمام أول بعثة تعليمية — بداية العلاقة الإيجابية بين الشرق والغرب في التاريخ الحديث. يتحدث الطهطاوي عن أستاذه العطار بقوله: «كان للشيخ حسن العطار حظٌّ في العلوم العصرية، حتى العلوم الجغرافية، ووجد بخطه هوامش جليلة على كتاب تقويم البلدان لأبي الفداء، وهوامش أخرى على أكثر كتب التاريخ وطبقات الأطباء وغيرها. وكان يطَّلع على الكتب المعرَّبة، وله ولع شديد بسائر المعارف البشرية، وله بعض تآليف في الطب وغيره.» وقد حاول الشيخ العطار أن يفيد من دراساته الموسوعية في المزج بين التراث والمعاصرة، بين السلفية والتجديد، بين الرؤية الحضارية للإسلام والشرق والمعطيات الحضارية للغرب. وحالت الأعوام الستون التي بلغها العطار بينه وبين ما ينشده من تغيير ثقافي واجتماعي في بِنية المجتمع المصري، ومن ثَم كان اختياره تلميذه رفاعة (وُلد في الخامس من أكتوبر ١٨٠١م، وهي السنة التي غادر فيها الفرنسيون مصر) لتعلُّم الفرنسية، والإفادة من علوم الغرب، والتعرف المباشر إلى المدنية الأوروبية، ليُسهِم — من بعد — في تطوير الحياة المصرية. وحين أعدَّ الطهطاوي نفسه للسفر إلى باريس، فإنه جلس إلى أستاذه العطار يلتمس منه الرأي والنصيحة، فأوصاه بأن يعنى بدراسة كل الظواهر التي لم تألفها عيناه فيما سيراه في تلك البلاد، وأن يدوِّن كل ما يراه ليفيد منه بعد عودته إلى مصر في تحقيق النهضة العلمية المطلوبة «ينبِّه على ما يقع في هذه السَّفرة، وعلى ما يراه، وما يصادفه، من الأمور الغريبة، والأشياء العجيبة.»

•••

تذهب معظم الروايات إلى أن أصل عائلة الشيخ حسن العطار (١٧٦٦–١٨٣٥م) من المغرب، لكنه من مواليد القاهرة. بدأ حياته عاملًا في دكان أبيه الشيخ محمد العطار، ثم حفظ القرآن، والتحق بالأزهر. تتلمذ على أيدي جماعة من مشايخ الأزهر المستنيرين من أمثال محمد الصبان، محمد الأمير، مرتضى الزبيدي، وغيرهم. أفاد من آرائهم وأفكارهم ذات المنحى الإصلاحي. كما اطَّلع على الكثير من المؤلفات التي يغيب عنها العلم الواحد، المحدد، فهي كتب في الطب والمنطق والفلك وعلم الكلام، وترجمات من علوم الغرب؛ أي أنها قراءات استهدفت تكوين ذهن معرفي، وعقلية مستنيرة واعية. وقد انعكس ذلك كله في المؤلفات التي كتبها العطار، قبل تولِّيه مشيخة الأزهر في عهد محمد علي، وبعد تولِّيه لها، وشملت كتبًا في النحو والأدب والطب وعلم الكلام والعلوم الشرعية. حصل العطار من العلوم، وألَّف فيها ما يجعله — تاريخيًّا — أول رواد الإصلاح في الأزهر (١٢٤٦–١٢٥٠ﻫ). وحين جاء الفرنسيون كان في الثانية والثلاثين من عمره، وقد تعلَّم من الفرنسيين بعض العلوم العصرية، مقابلًا لتعليمه اللغة العربية لهم. كان متعدِّد الاهتمامات، فلم يقتصر على تحصيله الأزهري، وإنما جاوزه إلى علوم أخرى، نظرية وتطبيقية، كالتاريخ والآداب والطب والتشريح والصناعات الحديثة، وعني بقراءة الكتب المترجَمة، خاصة في علمَي التاريخ والجغرافيا. ومن هنا كان قوله: «إن بلادنا لا بد أن تتغير أحوالها، ويتجدد بها من المعارف ما ليس فيها.»١٨ وكان أول من دعا إلى الإفادة من التراث العلمي الأوروبي. يقول رفاعة رافع الطهطاوي عن أستاذه الشيخ حسن العطار، إنه كان ذا «حظ في العلوم العصرية، حتى العلوم الجغرافية، وإنه وجد بخطِّه هوامش جليلة على كتاب «تقويم البلدان» لأبي الفداء، وهوامش أخرى على أكثر كتب التاريخ وطبقات الأطباء وغيرها. وكان يطلع على الكتب المعرَّبة، وله ولع شديد بسائر المعارف البشرية، وله بعض التآليف في الطب وغيره.»١٩ وكان العطار أديبًا متخصصًا في علم الكلام، وحرَّر في «الوقائع المصرية» التي أمر بإصدارها محمد علي، وتجاوز موضوعات علم الكلام والفقه؛ فناقش فنون الأدب، وحرص على تشجيع كل محاولة للتعرف على الفكر الغربي الحديث، ودعا إلى هجر النقل والسلفية: «إن قصارى أمرنا النقل عنهم — الأئمة المتقدمين — بدون أن نخترع شيئًا من أنفسنا، وليتنا وصلنا إلى هذه المرتبة، بل اقتصرنا على النظر في كتب محصورة ألَّفها المتأخرون المستمدون من كلامهم، نكررها طول العمر، ولا تطمع أنفسنا إلى النظر في غيرها، حتى كأن العلم انحصر في هذه الكتب.»٢٠

بدأ العطار التدريس في الأزهر منذ سنة ١٨١٥م، ورغم المتاعب التي لقيها من جمود المشايخ السلفيين والنقليين، فإنه استطاع أن يوصل علمه — بعد أن آثر التفرغ للتدريس في بيته — لعددٍ من الطلبة الذين مثَّلوا إضافة تنويرية حقيقية إلى التاريخ المصري المعاصر، وفي مقدمتهم الشيخ محمد عياد الجوهري الذي أثَّرت رحلته إلى روسيا في الفكر الاستشراقي الروسي بصورة مؤكدة، إلى جانب الشيخ رفاعة رافع الطهطاوي الذي مثَّل — بإسهاماته في الحياة الثقافية المصرية — بداية فكر التنوير في مصر المعاصرة.

اختلف موقف العطار عن مواقف معاصريه، سواء من حيث النظرة إلى توالي الأحداث، أو التعامل معها. فقد انشغل الشيخ عبد الله الشرقاوي بالسُّلطة، وعني خليل البكري بتوثيق علاقته بها، ولم ينصرف العطار إلى إدانة سلوك النساء، أو تأكيد عظمة الفرنسيين المحلية، وإنما حاول أن يتعرف إلى المدنية الوافدة. وفي هذا الإطار كان تشجيعه لضم رفاعة الطهطاوي ضمن بعثة الطلاب المسافرة إلى فرنسا. يقول عنه صاحب كتاب «كنز الجوهر في تاريخ الأزهر»: «… ساح في بلاد كثيرة، ولم يزل مشتغلًا بالإفادة والاستفادة، حتى عاد إلى مصر بعلوم كثيرة، وأقرَّ له علماء مصر بالانفراد. وله تآليف عديدة، منها حاشية على جمع الجوامع في الأصول، وحاشية على مقولات السجاعي، وحاشية على الأزهرية في النحو، وحاشية على السمرقندية، ورسالة في كيفية العمل بالأسطرلاب والربعين المقنظر والمجيب والبسائط، وله رسائل في الطب والتشريح وغير ذلك.»٢١

أكد العطار على فكرتَين أساسيتَين:

  • ضرورة الاهتمام بالعلم الطبيعي ودراسته، وأشار إلى اطلاعه على كتب «من بلاد الإفرنج، تُرجمَت باللغة التركية والعربية، وفيها أعمال كثيرة، وأفعال دقيقة، اطلعنا على بعضها. وقد تتحوَّل تلك الأعمال — بواسطة الأصول الهندسية والعلوم الطبيعية — من القوة إلى العقل.»

  • فتح باب الصراع الفكري والفلسفي، حتى في أمور العقائد الدينية نفسها، باعتبار أن الأئمة الأعلام «كانوا، مع رسوخ أقدامهم في العلوم الشرعية والأحكام الدينية، لهم اطلاع عظيم على غيرها من العلوم، وإحاطة تامة بكلياتها وجزئياتها، وحتى في كتب المخالفين في العقائد والفروع.»

حتى قصائده العاطفية المفعَمة بشكوى الحبيب والتذلل له والإلحاح في طلب وصاله، تلك القصائد شاهدٌ للرجل لا عليه، فهو قد جاوز عصره في التعامل مع الناس والقيم والأشياء بنفسٍ مقبِلة وخالية من العقد، وإهمال متعمد لما يفرضه عليه منصبه من الوقار، والبعد عن كل ما يريب أو يدعو إلى المؤاخذة.

ثم تأتي القيمة الأهم للعطار، وهي أستاذيَّته للعديد من المريدين والتلاميذ، وفي مقدمتهم ذلك الذي فتح آفاق المدنية والعصرية أمام المصريين: رفاعة رافع الطهطاوي. كان العطار هو الذي رشَّح رفاعة الطهطاوي ليكون إمامًا لأول بعثة علمية تسافر إلى فرنسا. وحين أعدَّ الطهطاوي نفسه للسفر إلى باريس، فإنه جلس إلى أستاذه العطار، يلتمس منه الرأي والنصيحة، فأوصاه بأن يعنى بدراسة كل الظواهر التي لم تألفها عيناه فيما سيراه في تلك البلاد، وأن يدوِّن كل ما يراه ليستفيد منه بعد عودته إلى مصر، في تحقيق النهضة العلمية المطلوبة. وكتب الطهطاوي — بالفعل — كتابه المهم «تخليص الإبريز في تلخيص باريز».

•••

لم يسافر رفاعة مع البعثة المصرية باعتباره — فحسب — إمامًا لطلابها، ذلك رأي أصبح — لتوالي ترديده — من المسلمات، مع أن الطهطاوي نفى ذلك بشدة، حتى من قبل أن تأخذ به الآراء النقلية «سهَّل لي الدخول في خدمة صاحب السعادة أولًا في وظيفة واعظ في العساكر الجهادية، ثم منها إلى رتبة مبعوث إلى باريس في صحبة الأفندية المبعوثين لتعلم العلوم والفنون.»٢٢ لقد عُيِّن إذن — بالإضافة إلى عمله واعظًا للبعثة — طالبًا دارسًا بها، وحين روى الطهطاوي رحلته إلى باريس، فإنه لم يشِر إلى مهمته كإمامٍ وواعظ، وإن أفاض في التحدث عن المهمة الأخرى، وهي الدراسة ضمن طَلَبة البعثة. كان رفاعة في الخامسة والعشرين من عمره، عندما وصل إلى باريس، ثم قضى خمس سنوات يتعلم، ويبحث، ويتجوَّل، ويشاهد، ويعمل بنصيحة أستاذه العطار أن يأخذ ما وسعه من منابع العلوم العصرية. وفي تقرير جومار عن الحالة العلمية لأفراد البعثة (١٨٢٨م) «وممن امتازوا من بين هؤلاء الشبان: الشيخ رفاعة الذي أُرسِل ليحرز فن الترجمة، وأعد لهذه الوظيفة في بلاده، حتى إذا طلع بترجماته الجمهور المصري على تآليفنا العلمية، وأدنى منه ثمرات آدابنا وعلومنا.»٢٣ أتيح للطهطاوي أن يكون مثقفًا بكل ما تعنيه الكلمة في حياتنا المعاصرة. وهو قد أفاد من ذلك بالفعل، وإلى غير حدٍّ. تعلم الفرنسية، وقرأ في التاريخ القديم، والفلسفة اليونانية، والميثولوجيا، والجغرافيا، والرياضيات، والمنطق، وحياة نابليون، وقرأ لفولتير ومونتسكيو وكونديال وروسو وغيرهم. لقد تكشَّفت أمام الطهطاوي حضارة الغرب بأكملها، وليس بعض جوانبها كما تبدَّى ذلك في الحملة الفرنسية. وكان قوام هذه الحضارة — في رأيه — هو العلوم والفنون والصناعات التي لو أخذت بها بلاده لأصبحت سلطان المدن ورئيسة بلاد الدنيا. ويقول المستشرق الفرنسي كارا دي في Carra de Vaux «برغم تدين هذا الكاتب العبقري وعقيدته، فإنه فهم فلسفة فرنسا في القرن الثامن عشر، وتأثر بآراء العقليين تأثرًا ربما كان أكثر مما ينبغي.»٢٤ وعلى سبيل المثال، فقد كان من بين المعارك الضارية — والطريفة — التي خاضها الطهطاوي، معركة إثبات أن الأرض مستديرة. وأقول: معركة لأن القول باستدارة الأرض في أواسط القرن الثامن عشر، وفي البيئة الأزهرية — على وجه التحديد — زعمًا مثيرًا، وإنكارًا لمعتقدات ثابتة. كتب الطهطاوي يقول على لسان بعض العلماء الأجانب: «إن القول بدوران الأرض واستدارتها لا يخالف ما وردت به الكتب السماوية، وذلك لأن الكتب السماوية قد ذكرت هذه الأشياء في معرض وعظ ونحوه جريًا على ما يظهر للعامة لا تدقيقًا فلسفيًّا. مثلًا ما ورد في الشرع أن الله تعالى أوقف الشمس، فالمراد بوقف الشمس تأخير غيابها عن الأعين. وهذا يحصل بتوقيف الأرض عن الدوران، وإنما أوقع الله الوقوف لأنها هي التي يظهر في الأعين سيرها.» ومع أن العبارة منسوبة إلى عالِم أجنبي، فإنها كانت في الحقيقة من أفكار رفاعة نفسه. وكان الطهطاوي حريصًا على أن يتسلل بفكرته إلى العقل المصري، دون أن يخوض معارك لم يكن الفكر المستنير قد استعد لخوضها. لقد عاد — كما يقول تلميذه صالح مجدي — «ومصباح الغرب بإحدى يديه، ومفتاح الشرق باليد الأخرى.»٢٥ وبعد أن نسب الفكرة إلى عالم أجنبي، عاد فأجراها في حوار بين اثنين من علماء الدين: «… ووقعت محاورة بين العلَّامة الشيخ محمد المناعي التونسي المالكي المدرس بجامعة الزيتونة، ومفتي الحنفية العلَّامة الشيخ محمد البيرم المؤلِّف لعدة كتب في المنقول والمعقول، وله أيضًا تاريخ دولة بني عثمان حول كروية الأرض وبسطها، البسط للمناعي، والكروية لخصمه.» وممن قال من علماء المغرب بأن الأرض مستديرة، وأنها سائرة، العلَّامة الشيخ مختار الكنتاوي بأرض أزوات بقرب بلاد تمبكتو، وهو مؤلف مختصر في فقه مالك، ضاهى به متن الخليل، وضاهى أيضًا ألفية ابن مالك، وله مؤلفات كثيرة، وألَّف كتابًا اسمه «النزهة» جمع فيه جملة علوم، فذكر بالمناسبة علم الهيئة، فتكلم عن كروية الأرض، وعلى سيرها، ووضَّح ذلك، فتخلص من كلامه أن الأرض «كرة، ولا يضير اعتقاد تحركها أو سكونها.» وكما قلنا، فإن القول بكروية الأرض لم يكن — آنذاك — اجتهادًا، أرضيته الحوار العلمي الهادئ، بل إنه لا يزال موضع الرفض الديني حتى الآن. وكان رفاعة ذكيًّا، وواعيًا، في معالجته للقضايا الدينية، وخاصة تلك التي تتصل بطوائف الشعب المصري من مسلمين وأقباط ويهود، فهو يتحدث عن الوحدة الوطنية التي تقوم على وحدة اللسان، و«الدخول تحت استرعاء ملك واحد، والانقياد إلى شريعة واحدة، وسياسة واحدة، فهذا يدل على أن الله سبحانه وتعالى إنما أعدَّهم للتعاون على إصلاح وطنهم، وأن يكون بعضهم بالنسبة إلى بعض كأعضاء العائلة الواحدة.»٢٦

•••

ريادة رفاعة رافع الطهطاوي تلغي التأكيد على أن الحملة الفرنسية — بأعوامها الثلاثة — هي باعث اليقظة العربية، وتشحب — في الوقت نفسه — التأكيد على أن جمال الدين الأفغاني هو المحرك الأول لهذه اليقظة. قيمة الطهطاوي الأساسية أنه دعا — وسعى إلى تنفيذ دعوته — لإحداث تغيير جذري وشامل في كل مناحي الحياة المصرية. لم يصرف اهتمامه إلى ناحية عن سواها. كان رأيه أن المخالطة «مغناطيس المنافع»، وهي — مع العمل الوطني — طريق التطور والحرية سبيلها، فإذا تحققت المخالطة فإنها تؤدي إلى كسب المعارف العمومية، على أن تصحبها المحبة الوطنية كي يتأتى بلاغ الوطن المطلوب. كانت المشكلة — في مجموعها — مشكلة بلدٍ متخلفٍ ينبغي أن يتحرر من إسار تخلُّفه. وأدرك الطهطاوي أن مفتاح العصر هو أن نحيا العصر بكل معطياته، لا نقبل كل شيء على علَّاته، وإنما نأخذ ما يصلح لحياتنا، ما يتفق مع قيمنا ومُثُلنا ومعتقداتنا وعاداتنا وتقاليدنا، ونرفض ما يناقض ذلك كله. وكانت تلك النظرة — في الحقيقة — وليدة العصر الذي وجد بدايته في التغير الذي أحدثه محمد علي داخل البِنية المجتمعية المصرية. إنه — في تقدير الكثيرين — الأب الشرعي لحركة الفكر المصري الحديث،٢٧ وهو — كما يصفه نعمان عاشور — رائد الثقافة المصرية، وهو «عميد حركة الإحياء المصرية، وواضع أسس البعث الفكري المصري، والذي رسم الطريق الذي ما زلنا نسير فيه، والذي يتفق وخصائص ومقومات الروح المصرية. وكان رفاعة هو الذي أكد — مرة أخرى — قدرة الروح المصرية على وصْل الماضي بالحاضر، والقديم بالجديد. ولا يخلو من دلالة تخصيص أحد ملاحق «روضة المدارس المصرية» لنشر دروس في قواعد اللغة الهيروغليفية، فضلًا عن ترجمات لعددٍ من النصوص الفرعونية في الآداب والوصايا. وكان رفاعة هو الذي أكد تفتُّح الروح المصرية، وقدرتها على تشرُّب كل تراث الغرب، وكل تراث الشرق، والمزج والتوفيق بينهما. وكان هو الذي حدد معنى الثقافة — المعنى وليست الكلمة، لأن الكلمة تنتسب إلى أوائل الثلاثينيات من القرن العشرين — وكسر الغد الذي أراد محمد علي أن يحصر به العلم في الصناعة والاستراتيجية وما يلزم لمشاريعه فقط، وتشرَّب ونقل التراث الإنساني والروحي لأوروبا، ولفرنسا خاصة، وأهم من ذلك كله كان رفاعة رافع هو الذي أكد استمرار رسالة الثقافة من أجل الوطن، واستمرار تبعات المثقف نحو وطنه وأهله.»٢٨ وإذا كان رفاعة قد حاول في كتابه «تخليص الإبريز في تلخيص باريز» أن يعقد المقارنات بين ما هو قائم في مصر، من خلال إعجاب حقيقي بأبعاد الحياة الفرنسية، فإن كتابه «مناهج الألباب المصرية في مباهج الآداب العصرية» يُعَد أغنية رائعة الكلمات واللحن في الوطنية المصرية، تذكِّر بأمجاد المصريين، تنعى عليهم ما يحيونه من تخلُّف، تدعو إلى الأخذ بمبادئ الليبرالية في أبعاد الحياة المختلفة. لقد عني بالتاريخ المصري القديم، وخرج من مراجعته للحضارة الفرعونية بأن هناك إجماعًا من المؤرخين على أن «مصر دون غيرها من الممالك عظم تمدُّنها، وبلغ أهلها درجة عليا في الفنون والمنافع العمومية. كيف لا وآثار التمدن وعلاماته مكثت لمصر نحو ثلاثة وأربعين قرنًا؟! ولم يكن في الأرض ملك أعظم من ملك مصر، وكان جميع الأرضين تحتاج إلى مصر، وهذا عين التمدن؛ إذ لا يمكن ذلك إلا بتقدم الصنائع والفنون.»٢٩ وكان ازدهار الحضارة المصرية — في اجتهاد الطهطاوي — يعود إلى عاملَين، أولهما: تهذيب الأخلاق بالآداب الدينية والفضائل الإنسانية، وثانيهما: المنافع العمومية التي تعود بالثروة والغنى وتحسين الحال وتنعيم البال على عموم الجمعية والمجتمع، وتبعدهما عن الحالة الأولية الطبيعية.
وإذا كانت إرهاصات الوطنية المصرية قد تبدَّت في عهد علي بك الكبير، ثم من بعده محمد علي، فإن رفاعة الطهطاوي كان هو أول من حمل شعار الوطنية المصرية بصورة واضحة. وكان هو كذلك أول من سعى إلى وضع ذلك الشعار موضع التطبيق. وقد انطوى شعار الطهطاوي وتطبيقاته على عاملَين: الأول، أن الولاء للوطنية الإقليمية يسبق الولاء للأمة الإسلامية. كان أول المثقفين المصريين استخدامًا لكلمة «الوطن» بدلًا من الأمة الإسلامية. أما العامل الثاني فهو أن الشريعة الإسلامية لا تتناقض مع القوانين العلمانية الأوروبية.٣٠

كان الطهطاوي — بحقٍّ — هو الذي وضع البذور الأولى لتيار الوطنية المصرية، والتي أثمرت معطياتها في الثورة العرابية. كان هو أول من استخدم مصطلح «الوطن»، وجعل حب الوطن أساسًا لكل الفضائل السياسية، وناقش قيام الدول وسقوطها، في ضوء بواعث ارتباطها بروح الأمة. فمصر هي الوطن التي يعني حبها دافعًا لبناء مجتمع متمدن، وحب الوطن — مصر — شعور مشترك يربط بين أبنائه، وجميع من يعيشون على أرض مصر هم جزء من الجماعة الوطنية، ومن حقهم المشاركة في صنع المنافع العمومية، والتساوي في الحقوق والواجبات. وكان رأيه أنه على الشعب أن يشارك مشاركة إيجابية في عملية الحكم، والتعليم، خطوة أولى وأساسية في هذا السبيل، وأن القوانين ينبغي تعديلها حسب الظروف، وما يصلح من قوانين في مكان وزمان ما، قد لا يصلح في مكان وزمان آخرَين.

كان منطقيًّا أن ينادي رفاعة — مثل غيره من مشايخ الأزهر — بالانكفاء على النفس، ورفض مستحدثات المدنية الأوروبية، أو يجد في المدنية الأوروبية دليل الغزو الاستعماري الذي تشنُّه أوروبا ضد العالم العربي، لكنه عني بالجوانب الإيجابية التي يمكن أن تفيد منها التجربة المصرية. يقول: «مخالطة الأغراب، لا سيما إذا كانوا من أولي الألباب، تجلب للأوطان من المنافع العمومية العجب العجاب، ولو كانت مترتبة على التغلب والاغتصاب، فربما صحت الأجسام بالعلل.»٣١ وكما يقول أحمد درويش، «فإن من العوامل التي هيَّأت لفكرة الطهطاوي لونًا من القبول أنه شيخ أزهري ينتمي إلى عمق التقاليد الدينية ويمثِّلها، وأنه ذهب إلى فرنسا بترشيحٍ من الشيخ حسن العطار، فهو مأمون الجانب إلى حدٍّ ما، مقبول منه أن يمتد — بنقده — إلى مفهوم العلم والعلماء الذي كان شائعًا في القرون السابقة عليه، مرتبطًا بمعنى العلم الديني وحده بمقارنته لمعنى العلم الشائع في فرنسا.»٣٢

فهل كان الحس القومي لرفاعة غائبًا؟

الواقع أن صورة الوطن لديه كانت هي «مصر»، ماضيها وحاضرها واستشرافات مستقبلها. عندما تحدث عن «الوطن» و«حب الوطن» فإنه كان يعني «مصر» و«حب مصر»، وإن تحدث عن العروبة — أحيانًا — في إطارها الإسلامي. إنهم رسل الحضارة الإسلامية. أما مصر فهي وليد شرعي لبلاد الفراعنة، وإذا أرادت أن تستعيد مكانتها القديمة، فإن عليها أن تسترجع الملامح والقسمات الفرعونية، ما كانت عليه الحياة في العهد الفرعوني.

•••

كان رفاعة الطهطاوي هو أول من بشَّر بالحرية في تاريخنا الحديث، كانت صورة الالتقاء بين الشرق والغرب عنده ذات أبعاد إيجابية، وأفرزت نموذج الهدف الثقافي الذي يجدر بالمصريين أن يسعوا إليه. أصدر في كتب الدراسة «المرشد الأمين للبنات والبنين»، وأورد فيه فصلًا بعنوان «في الحرية العمومية والتسوية بين أهالي الجمعية»، قسَّم فيه الحرية خمسة أقسام: أولها قسم للحرية الطبيعية التي ينالها الإنسان في ضرورات حياته، كالطعام والمشي وما إلى ذلك. والقسم الثاني هو الحرية السلوكية، وهي الحرية التي يتمتع بها الإنسان داخل إطار الأخلاق، والقسم الثالث هو الحرية الدينية، وهي التي تكفل لإنسان حرية العقيدة والرأي والمذهب، بما لا يتعارض مع الدين، والقسم الرابع هو الحرية المدنية في التعامل مع الآخرين في حدود ما يقتضيه العرف. أما القسم الخامس فهو الحرية السياسية التي هي ضمان الحريات الأربع السابقة عليها؛ لأنها تتعلق بواجب الدولة في أن تكفل تلك الحريات لكل مواطنيها.٣٣ (يشير زكي نجيب محمود إلى أنه منذ بدأ الطهطاوي دعوته إلى الحرية، أخذت تلك الدعوة تتردد على أقلام الكُتاب، الأهرام، ٢٥ / ٢ / ١٩٨٥م).
لقد تأثر الطهطاوي بالمبادئ الدستورية للثورة الفرنسية الكبرى، وشهد خلع الملك شارل العاشر في ١٨٣٠م، وقيام ملكية يوليو الدستورية. المبادئ الدستورية الفرنسية تنص على تكافؤ الفرص والمساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات، وفي حق الحرية. الحرية وحدها هي التي تكفل قيام مجتمع حقيقي، ووطنية قوية. ويُنسَب تعبير «حقوق الإنسان» الذي ألِفته أقلام الكُتاب في زماننا الحالي، إلى رفاعة الطهطاوي. كان هو أول من عرَّف المصريين به. ودعا إلى مذهب «الحريين»، وإلى التسامح الديني وغير الديني في إطار أخوَّة الوطن، وأن يكون العقل والفلسفة السياسية والاجتماعية المرتكزة إلى دعامات علمانية، مصدرًا للحكم الصالح والقوانين العادلة، وإن صدرت كل آراء الطهطاوي، فيما يتصل بالدولة، وما ينبغي أن تكون عليه صورة الحكم، وصلة الحاكم بالمحكومين … صدرت كل تلك الآراء في إطار ديني سلفي، يضغط على السلطة التنفيذية المطلَقة للحاكم، شريطة أن يبدي احترامًا للقانون، والقائمين عليه «لو رزق الله المسلمين حاكمًا يعرف دينه، ويأخذهم بأحكامه، لَرأيتهم قد نهضوا، والقرآن الكريم في إحدى اليدين، وما قرر الأولون وما اكتشف الآخرون في اليد الأخرى، ذلك لآخرتهم، وهذا لدنياهم، ولَساروا يزاحمون الأوروبيين فيزاحمونهم.» لم يول رفاعة ظهره للشريعة الإسلامية، بل إنه استنكر الاحتكام المطلق في المنازعات التجارية إلى القوانين الأوروبية «حيث ترتب الآن في المدن الإسلامية مجالس تجارية مختلطة لفصل الدعاوى والمرافعات بين الأهالي والأجانب بقوانين — في الغالب — أوروبية، مع أن المعاملات الفقهية لو انتظمت، وجرى عليها العمل، لما أخلت بالحقوق … ومن أمعن النظر في كتب الفقه الإسلامية ظهر له أنها لا تخلو من تنظيم الوسائل النافعة من المنافع العمومية، حيث بوَّبوا للمعاملات الشرعية أبوابًا مستوعبة للأحكام التجارية، كالشركة، والمضاربة، والقرض، والمخابرة، والصلح، وغير ذلك.»٣٤ ومع أنه تفهَّم جيدًا — بقراءاته الفرنسية — فكرة سيادة الأمة، فإنه كان يرى أنها لا تتسق مع مشكلات مصر التي كان يحكمها حاكم مسلم مستبد، فالأمل الوحيد للإصلاح هو ممارسة الحاكم المستبد سلطاته بصورة صحيحة، المستبد العادل. وإذا كانت عاصفة الاحتلال قد عصفت بالتيار البازغ، فإن ذلك التيار ما لبث أن نما من جديد، واشتد بعد صدمة الاحتلال، من خلال كلمات ومواقف عبد الله النديم ومصطفى كامل ومحمد فريد وغيرهم.

•••

والملاحَظ أن الطهطاوي أفاد من ثقافته الإسلامية في إجراء المقارنات بين ثقافته التقليدية والثقافة العصرية. فهو — على سبيل المثال — يقارن أي موضوع يناقشه بما كانت عليه الأمور في عهد الرسول والصحابة، فضلًا عن أن مفهومه للسلطة السياسية يتحرك في إطار الفكر الإسلامي عمومًا. ويُعَد الطهطاوي — من ناحية أخرى — مؤسس التيار الغربي في الفكر المصري، وهو التيار الذي وجد امتداداته في دعوات وكتابات لطفي السيد وطه حسين وهيكل وسلامة موسى وحسين فوزي وغيرهم. كان انحياز الطهطاوي للمنهج العقلي حاسمًا. تحدث عن الأوروبيين فقال: «لنقُل بأن أحكامهم القانونية ليست مستنبَطة من الكتب السماوية، وإنما هي مأخوذة من قوانين أخرى غالبها سياسي» وإنها قد تكون مخالفة للشرائع بالكلية، لكنه دعا إلى التأمل فيها «لنعرف كيف حكمت عقولهم بأن العدل والإنصاف من أسباب تعمير الممالك وراحة العباد، وكيف انقاد الحكام والرعايا لذلك، حتى عمرت بلادهم، وكثرت معارفهم، وتراكم غناهم، وارتاحت قلوبهم، فلا تسمع فيهم من يشكو ظلمًا أبدًا.»٣٥ وقد انعكس الفكر الاجتماعي الأوروبي — عند السان سيمونيين تحديدًا — على أفكار الطهطاوي؛ فهو قد اتجه إلى الراديكالية في الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية. ظل مسلمًا سُنيًّا، أشعريًّا، محافظًا، يعنيه — دومًا — تراثه الإسلامي، ويلتزم به، ويتناقض مع العثمانيين، لكنه لا يدخل ضدهم صراعًا فكريًّا من أي نوع، وهو ما فعله كذلك — فيما بعد — الأفغاني ومحمد عبده والكواكبي وغيرهم. مع ذلك، فقد ذهب الطهطاوي إلى إمكان تفسير الشريعة الإسلامية بطريقة تتفق مع احتياجات العصر؛ بحيث يشارك الشعب في الحكم، وتُغيَّر الشرائع بتغيُّر الظروف والأحوال، وأخضع قيام الدولة وانهيارها لأسبابٍ تكمن في روح الأمة. وأكد أن مصدر القيمة الأساسي هو العمل وليس رأس المال، وقال «لو زرعنا أرضًا خصبة، وميَّزنا ما يمكن أن ينسب من إيرادها للعمل، وما ينسب للخصوبة، وفرزنا كل على حدة، وجدنا محصول العمل أقوى من محصول الخصوبة.»٣٦

•••

كان إيمان الطهطاوي أن «التعليم» هو الدعامة الأساسية في أية نهضة مرجوَّة للمجتمع المصري، ولعله يمكن القول إن الطهطاوي ارتاد الدعوة إلى تحديث الأزهر، والأخذ في مناهجه بالعلوم العصرية، وهو ما تحقق بالفعل في الستينيات من هذا القرن. دعا الأزهريين لأن يضيفوا إلى معارفهم «معرفة سائر المعارف البشرية المدنية التي لها مدخل في تقدم الوطنية من كل ما يُحمَد على تعلُّمه وتعليمه علماء الأمة المحمدية.» «فلو تشبَّث من الآن فصاعدًا نجباء أهل العلم الأزهريين بالعلوم العصرية، لفازوا بدرجة الكمال.»٣٧
وكان من المفروض أن يُحدِث رفاعة التأثير نفسه — أو بعضه — الذي حقَّقه في المجال التعليمي المصري، عندما نفاه الخديو عباس إلى هناك في ١٨٥٠م، وصحبه مجموعة ممتازة من رجال التربية والتعليم، من بينهم محمد بيومي مدرس الرياضة بالمهندسخانة، ومهندس مديرية القليوبية، وكان الهدف المعلَن للطهطاوي ورفاقه هو إنشاء أول مدرسة عصرية، لكن عدم تعاون السودانيين حال دون تحقيق الهدف، نتيجة للعلاقات «غير المتكافئة بين الطرفَين السوداني والمصري، وشعور السودانيين بالقهر الخديوي التركي.»٣٨

•••

أما مدرسة الألسن، فقد كان لها — في ثلاثينيات القرن التاسع عشر — نشاط يفوق في مغزاه الثقافي والحضاري بيت الحكمة الذي أنشأه الخليفة المأمون ببغداد في القرن الثالث الهجري، التاسع الميلادي، «لأن مهمة مدرسة الألسن كانت مزدوجة، فبينما بيت الحكمة كانت مقتصرًا على ترجمة الثقافة اليونانية إلى العربية. كانت مدرسة الألسن تعمل عملَين، أولهما تحقيق عيون مختارة من كتب الغرب (الفرنسية والإيطالية بصفة خاصة) إلى اللغة العربية، فكأنما لسان الحال فيما كنت لتراه إذا ألقيت نظرة على ما كان ينشط به طلاب مدرسة الألسن برئاسة الطهطاوي يصيح قائلًا: لثقافتنا أن تنهض متكئة على ركيزتَين، هما تراثنا من جهة، ونتاج العصر من ناحية أخرى.»٣٩
وأقدم الطهطاوي — مع تلاميذه — على ترجمة القوانين المدنية والتجارية الفرنسية، وشرح بواعث إقدامه على ذلك بالقول «إن الحالة الراهنة اقتضت أن تكون الأقضية والأحكام على وفق معاملات العصر، بما حدث فيها من المتفرعات الكثيرة المتنوعة بتنوع الأخذ والإعطاء من أمم الأنام.»٤٠ وحتى يزيل ما قد يعلق بأذهان السلفيين، أو النقليين، فإنه يتجه إليهم بالقول «إن مَن زاول علم أصول الفقه، وفقِه ما اشتمل عليه من الضوابط والقواعد، جزم بأن جميع الاستنباطات العقلية التي وصلت عقول أهالي باقي الأمم المتمدنة عليها، وجعلوها أساسًا لوضع قوانين تمدُّنهم وأحكامهم، قَل أن تخرج عن تلك الأصول التي بُنيَت عليها الفروع الفقهية التي عليها مدار العملات. فما يسمى عندنا بعلم أصول الفقه يُسمَّى ما يشبه عندهم بالحقوق الطبيعية أو القواميس الفطرية، وهي عبارة عن قواعد عقلية، تحسينًا وتقبيحًا، يؤسسون عليها أحكام المدنية، وما نسميه بفروع الفقه يُسمَّى عندهم بالحقوق أو الأحكام المدنية، وما نسميه بالعدل والإحسان يعبِّرون عنه بالحرية والتسوية.»٤١

كان رأي الطهطاوي أن دور كل المثقفين هو خدمة المجتمع بفكرهم وعلمهم. والملاحظ أن عثمان جلال — ذلك الذي أثرى المسرح المصري بترجماته المنوعة — هو أحد تلامذة الطهطاوي. وكان رفاعة — تحديدًا — هو الذي أدخله — لنبوغه — مدرسة الألسن حيث تلقَّى علوم اللغتَين العربية والفرنسية. ويقول إبراهيم عبده إن الطهطاوي هو الذي شجَّع أحمد فارس الشدياق على دخول مجال الصحافة، عندما عيَّنه محررًا بالوقائع المصرية، و«أن الصلة بينهما كانت صلة التلميذ بالأستاذ.»

•••

وقد نالت المرأة جانبًا كبيرًا من اهتمامات الطهطاوي، وكما تقول سهير القلماوي فإن طرف الخيط في نهضة المرأة المصرية المعاصرة، رجلٌ لا امرأة، وهذا الرجل شيخٌ تلقَّى تعليمه في الأزهر، بكل ما يشتمل عليه من علوم نقلية، ولكنه كان تقدميًّا في وعيه وثقافته. إنه الأزهري التقدمي والرائد العظيم رفاعة رافع الطهطاوي عضو البعثة المصرية إلى فرنسا في عهد محمد علي «وكان الطهطاوي أول صوت — فيما أعرف — نادى في مصر الحديثة بوجوب تعليم البنات، ورفع الحجة السخيفة الواهية التي تقول: إن تعلَّمت المرأة فإنها تتقن كتابات خطابات الغرام، بل دافع عن وجوب تعليمها كل علمٍ ممكن، فلا بد أن تُسلَّح لكل احتمال.»٤٢ اختلف الطهطاوي في موقفه من تحرير المرأة مع موقف أستاذه وشيخه العطار، الذي كان سلفيًّا في نظرته إلى قضايا المرأة، بما يختلف مع نظراته إلى غيرها من قضايا العصر، وأبرزها ميله إلى التجديد الديني، وتحرير العلوم الدنيوية من إسار التحريم. كان للطهطاوي رأيه المعلن في ضرورة أن تجاوز المرأة وضع الحريم، لتحتل مكانتها كشريكٍ للرجل في قيادة الأسرة. دعك من قيادة المجتمع، فقد اكتفى رفاعة بإشاراتٍ وإسهاماتٍ تمثِّل إرهاصات مبشِّرة بإسهامات الفكر الثقافي والاجتماعي المصري في عقودٍ تالية. يقول الطهطاوي: «ينبغي صرف الهمة في تعليم البنات والصبيان معًا لحسن معاشرة الزواج، فتتعلم البنات القراءة والكتابة ونحو ذلك، فإن هذا مما يزيدهن أدبًا وعقلًا، ويجعلهن بالمعارف أهلًا، ويصلحن به لمشاركة الرجال في الكلام والرأي، وليمكن للمرأة — عند اقتضاء الحال — أن تتعاطى من الأشغال والأعمال ما يتعاطاه الرجال، فكل ما يطيقه النساء من العمل يباشرنه بأنفسهن، وهذا من شأنه أن يشغل النساء عن البطالة، فإن فراغ أيديهن عن العمل يشغل قلوبهن بالأهواء والأباطيل.»٤٣ وقد حاول الطهطاوي أن يناقش حق الفتاة في الزواج بمن تحب: «من أحسن الإحسان إلى البنات، تزويجهن إلى من هوَينه وأحببنه.»

•••

لم يكن رفاعة إذن فردًا، ولكن مدرسة، وتيارًا قويًّا، امتد وسرى.٤٤ ولعل تعبير الأصالة والمعاصرة الذي يتداوله مثقفونا، يجد بدايته في قول الطهطاوي إن غاية كل وطن هي بعث مجد مصر القديم بالأخذ بأساليب الحضارة الحديثة. لقد مزج بين الثقافتَين الغربية والشرقية، ودعا إلى تعليم الفتاة، وتحسين ظروف المرأة عمومًا، وتولَّى قيادة حركة نشطة للترجمة، وأشرف على تحقيق تطور جذري في الصحافة المصرية، وتخرَّج على يديه جيل من خيرة علماء مصر، وأنشأ مدرسة الألسن. وأشرف على تحرير «الوقائع المصرية» منذ بداية ١٨٤٢م، واعتبر أول منشئ لصحيفة إخبارية باللغة العربية في الديار المصرية. فقد ألبس الوقائع ثوبًا جديدًا يختلف عما كانت عليه منذ بدأت إصدارها في نوفمبر ١٨٢٨م، عني بلغتها وبأسلوب إخراجها، وركَّز على الجوانب والقيم الثقافية والعصرية. وفي ١٨٧٠م أصدر الطهطاوي «روضة المدارس» بهدف إحياء آداب العربية، ونشر المعارف بين مختلف فئات الناس. وقد عاون الطهطاوي في تحريرها عبد الله فكري وحسين المرصفي وصالح مجدي، وغيرهم من كبار المثقفين آنذاك. وكانت المجلة تُوزَّع على طلاب المدارس مجانًا، فضلًا عن أنها كانت تنشر ما يرقى إلى مستوى النشر من محاولات الطلاب. ويصف أحمد حسين الصاوي مجلة «روضة المدارس» بأنها «بكل المقاييس دورية ثقافية على أعلى مستوى سمح به عصرها، بل إن هذه المجلة المظلومة انفردت بمميزاتٍ وخصائص من حق تاريخ الصحافة العربية أن تسجِّل لها.» ويضيف الكاتب: «لقد كانت روضة المدارس التي غرس نبتها ورعاها الطهطاوي، مدرسة جامعة أسهمت بقسطٍ كبيرٍ في حركة التنوير، وإذا كان أعلام المثقفين وتلاميذ رفاعة وقتئذٍ قد قدَّموا بإشرافه إلى قرَّائها ذلك الزاد الذي يثري معرفتهم ويضيء أذهانهم وأرواحهم، فقد تجاوز رفاعة ذلك النطاق إلى ما هو أعمق وأخطر، إلى إيقاظ العقول وشحنها بمعطيات الفكر الإنساني المتحضر، وإلى ترقية النفوس وتهذيبها بكل رفيع من القيم والعواطف، وإلى تكوين الشخصية السوية المتعادلة لمواطن مصر الحديثة الناهضة، الذي يأخذ بأسباب التحضُّر والمعاصرة، ويتمسك — في الوقت نفسه — بتراثه وأصالته.٤٥ وكان من بين ما نشره الطهطاوي في «روضة المدارس» كتاب «القول السديد في الاجتهاد والتجديد»، وفيه يفسر الحديث الشريف «يبعث الله على رأس أمتي كلَّ مائة سنة من يجدد لهذه الأمة أمر دينها.» فهو يرى أن الاجتهاد ليس التجديد، أو أن التجديد ليس مقصورًا على الاجتهاد وحده، وإنما يشمل كذلك التقرير والتأييد للدين، وأنه «يهم حملة العلم من كل طائفة وكل صنفٍ من أصناف العلماء محدَثين وفقهاء ونحاة ولغويين.»٤٦ وكان من بين ما نشره الطهطاوي في «روضة المدارس» أيضًا «نهاية الإيجاز في سيرة ساكن الحجاز» وهو الجزء الثاني من مجلده الضخم الذي أراد رفاعة أن يؤرخ به لمصر منذ أقدم العصور، وعنوانه «أنوار توفيق الجليل في أخبار مصر وتوثيق إسماعيل»، وكان الجزء الأول قد صدر قبلًا، وتضمن تاريخ مصر منذ أقدم العصور حتى الفتح العربي.

•••

والغريب أن الطهطاوي قد واجه إهمالًا متعمدًا من بعض الأقلام الغربية، بلغت حدَّ الإسقاط الكلي، سواء في المتن، أو في الهوامش، أو في ثبت المراجع والمصادر، كما فعل — مثلًا — الكاتب اليهودي الأمريكي ناداف صفران Nadav Safran الأستاذ بجامعة هارفارد.

لماذا؟

يقول وليم سليمان قلادة إنه من الطبيعي لكاتبٍ مثل ناداف صفران لديه أفكار مسبَقة عن مصر، وعن ثبات وعيها على حالته عند بدء الفتح العثماني، أن يستبعد هذا الفكر المتحرر، لأنه الدليل على قدرات العقل المصري الذي أحدث بالفعل تأثيرًا حقيقيًّا — تؤكده المكانة الشعبية التي احتلها في البلاد، وصار اسمه وعمله وتلاميذه وآثاره دليلًا على قدرة هذا الشعب ذي التراث الحضاري الأصيل على اختزال الزمن وتقويض التخلف، لو أنه تُرِك يصنع حاضره دون إجهاضٍ لفكره وتقويض لمساره.»٤٧

•••

ثم بدأت المؤثرات الفرنسية والإنجليزية تقضي على المؤثرات التركية في الحياة المصرية، وتعيد صياغة وتوجيه التفكير المصري. وبمعنًى آخر، فقد أخذت المؤثرات التركية تضمحل بصورة واضحة، ليزداد اتجاه مصر نحو الغرب، وبدأ أعضاء البعثات التعليمية يؤدُّون دورهم الإيجابي، ويغرسون الأفكار الليبرالية في تربة الواقع المصري. كانوا يمثِّلون طرازًا جديدًا من المثقفين يختلف عن مثقفي الأزهر. وعلى الرغم من أن الحياة الغربية بهرت عددًا منهم، فوقفوا من البيئة موقف المتكبر مثل بطل قصة النديم «عربي تفرنج» فإن معظمهم عاد ليبشِّر بالإصلاح الذي يفيد من الحضارة الغربية دون أن يسِم الحياة في مصر بطابعها. ولم يحدث هذا التلامس الحضاري تغييرًا جذريًّا في تركيب المجتمع المصري. ظلَّت نظرة المصريين إلى الكثير من الأمور هي هي لم يطرأ عليها تغيُّر ما، مثل النظرة إلى الدين، والعلاقات الأسرية، ووضع المرأة في المجتمع. وفي المقابل الإيجابي، بدأت الحواجز القائمة بين طوائف الشعب في التلاشي، نتيجة لنمو المدن، كما اضمحل نفوذ طوائف الصناع والحرفيين، ليتأكد دور الفئات ذات التركيب الوظيفي والعمالي.

ولا شك أن رفاعة رافع الطهطاوي هو الأب الشرعي لكل تلك المعطيات الثقافية والاجتماعية، التي بدأت منذ ثلاثينيات القرن التاسع عشر، وتواصلت. وكما يقول أمير إسكندر، فإنه «من اللحظة التي ظهر فيها الطهطاوي، وأذاع فيها أفكاره الجديدة، انقسم الوضع الفكري في مصر إلى تيارَين، الأول هو تيار المدرسة التقليدية الأزهرية الإسلامية، والثاني هو تيار المدرسة الجديدة القومية الليبرالية، وظل الحال هكذا حتى عصر إسماعيل، ومرحلة الثورة العرابية.»٤٨

هوامش

(١) من حوارٍ شخصي مع المؤلف.
(٢) يوسف إدريس، سره الباتع، حادثة شرف، دار الآداب ببيروت، ١٩٥٨م.
(٣) رشدي صالح، فنون الأدب الشعبي، هيئة الكتاب، ٣٤-٣٥.
(٤) شحاتة عزيز، كفر الهلالي، هيئة الكتاب، ٦٧.
(٥) لطيفة الزيات، لم يمت، طريق الحرية، كتب للجميع، ١٩٥١م.
(٦) أحمد عبد المنعم البهي، كفاح المصريين ضد نابليون، طريق الحرية، كتب للجميع، ١٩٥١م.
(٧) الأهرام، ١٩ / ١١ / ١٩٩٣م.
(٨) محمود شاكر، المتنبي، مكتبة الخانجي، ٩٣.
(٩) الأهرام ٣٠ / ١ / ١٩٩٨م.
(١٠) يحيى حقي، ٥ ديسمبر ١٨٩٨م، صفحات من تاريخ مصر، هيئة الكتاب.
(١١) يقول ريمون فلاور في كتابه «مصر منذ قدوم نابليون حتى رحيل عبد الناصر:» «فكلما تعمق الإنسان في المسألة، أدرك أن العالم العربي — منذ أيام نابليون — والمصريون بخاصة، ليس لديهم سوى القليل المفيد ليشكرونا عليه، فهم — كما هم اليوم — واقعون في شِباك القوى الكبرى، ودفعوا ثمن الأخطاء أكثر من المخطئين أنفسهم.»
(١٢) أنس داود، في الأدب الحديث، الطبعة الأولى.
(١٣) مجلة «العالم العربي»، أغسطس ١٩٥٧م.
(١٤) علي مبارك، الخطط التوفيقية، ٤: ٣٨.
(١٥) قصة الأزهر، ٥٣-٥٤.
(١٦) الاتجاهات الفكرية عند العرب، ٢٠٥.
(١٧) مصر ولع فرنسي، ٧٦.
(١٨) الخطط التوفيقية، ٤: ٣٨.
(١٩) رفاعة رافع الطهطاوي، مناهج الألباب المصرية، الطبعة الثانية، ٣٦٧.
(٢٠) العقاد، عبقري الإصلاح.
(٢١) سليمان رصد الحنفي، كنز الجوهر في تاريخ الأزهر، ١٤٠.
(٢٢) مقدمة تخليص الإبريز.
(٢٣) انظر، أحمد حسين الصاوي، الهلال، يونيو ١٩٨٧م.
(٢٤) فتحي رفاعة، مقدمة لمحة تاريخية عن حياة ومؤلفات رفاعة الطهطاوي.
(٢٥) صالح بك مجدي، حلية الزمن بمناقب خادم الوطن، تحقيق جمال الدين الشيال، وزارة الثقافة، ١٩٥٨م، ولعلنا نتذكر الموقف الذي اضطر إليه الدكتور إسماعيل في رواية يحيى حقي «قنديل أم هاشم» بعد أن أعيته مواجهة الخرافة، فزاوج بين العلم واحترام المشاعر الدينية.
(٢٦) مناهج الألباب المصرية في مباهج الألباب العصرية، القاهرة، ١٩١٢م.
(٢٧) الطليعة، سبتمبر ١٩٧٢م.
(٢٨) محمد عودة، الجمهورية، ٢٤ / ١ / ١٩٦٣م.
(٢٩) مناهج الألباب المصرية.
(٣٠) حسين أحمد أمين، الهلال، يوليو ١٩٨٦م.
(٣١) مناهج الألباب، الباب الثالث، الفصل الثالث.
(٣٢) أحمد درويش، تقنيات الفن القصصي عبر الراوي والحاكي، لونجمان، ١٢٥.
(٣٣) زكي نجيب محمود، الأهرام، ٢٥ / ٢ / ١٩٨٥م.
(٣٤) مناهج الألباب، الباب الثاني، الفصل الرابع.
(٣٥) تخليص الإبريز.
(٣٦) من الصعب القول إن كتابات رفاعة في «تخليص الإبريز» كانت تستهدف الفن الروائي؛ إنها «عبارة عن بحث أو تقرير أشياء لا تتوافق نهائيًّا مع طبيعة الرواية من حيث الفن» (عالم الفكر، المجلد الخامس عشر، العدد الثاني). وكما يقول عبد المحسن طه بدر، فإن كتاب «تخليص الإبريز» يتميز ﺑأنه «يغفل العناصر الروائية إغفالًا تامًّا» (عبد المحسن طه بدر، تطور الرواية العربية الحديثة).
(٣٧) العقاد، عبقري الإصلاح، ٦٤.
(٣٨) محمد أبو القاسم حاج محمد، الشاهد، يناير ١٩٨٨م.
(٣٩) الأهرام، ٢٥ / ٢ / ١٩٨٥م.
(٤٠) مناهج الألباب، الفصل الثاني.
(٤١) المرشد الأمين للبنات والبنين، الباب الرابع، الفصل الخامس.
(٤٢) سهير القلماوي، مقدمة كتاب «آثار حادثة البادية»، المؤسسة المصرية العامة للتأليف والترجمة والنشر.
(٤٣) المرشد الأمين للبنات والبنين.
(٤٤) محمد عودة، الكاتب، يونيو ١٩٦٤م.
(٤٥) الدوحة، أغسطس ١٩٨٥م.
(٤٦) ملحق العدد السادس من السنة الأولى.
(٤٧) الطليعة، سبتمبر ١٩٧٢م.
(٤٨) الجمهورية، ٢٨ / ٢ / ١٩٦٨م.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٥