اليهود في المجتمع المصري

ثمة دراسة مهمة كتبها أستاذنا سليمان حزين في يناير ١٩٤٦م، أي قبل قرار التقسيم بعام ونصف العام، وقبل دخول القوات العربية النظامية فلسطين بعامين ونصف العام، يؤكد فيها على أهمية موقع فلسطين عند طرف مدخل مصر الشرقي «ذلك أن فلسطين بوضعها الحالي هي الجارة الوحيدة المباشرة لمصر من بلدان الشرق العربي، فحدودنا البرية من الشرق لا تلاصق بلدًا غيرها، ولا يمكن أن يتم الاتصال البري بيننا وبين بقية بلدان هذا الشرق إلا عن طريق أرض فلسطين.»١ يضيف الكاتب: «إذن فإن فلسطين، إن هي بقيت خارج نطاق الجامعة العربية الجديدة، تستطيع أن تكون حاجزًا حقيقيًّا بين مصر وبقية بلدان الجامعة.»٢ ثم يشير الكاتب إلى حقيقة مهمة أخرى، وهي أن فلسطين «تُعتبَر قاعدة عسكرية من الدرجة الأولى، وتستطيع أية سلطة تسيطر عليها، أن تهدِّد كيان الشرق العربي كله.»
والواقع أنه لم تكن هناك مشكلة يهودية، ظاهرة، في مصر قبل ١٩٤٨م، أو قبل البدء المعلَن للمخططات الصهيونية في الأقل. ظل الخطر الصهيوني غائبًا، إلا عن القلة من المشتغلين بالعمل السياسي، أو الثقافي. وكما يقول محمد حسن الزيات، فلم تكن مصر تقسم أبناءها إلى مسلمين ونصارى ويهود، لكنها كانت تقسمهم إلى وطنيين عاملين، ومواطنين خاملين.٣
وثمة إحصائية تشير إلى أنه قد استتر بالإسلام في مصر، في الفترة بين عامَي ١٩٣٨م و١٩٤٢م مئات من اليهود، بل لقد أشهر الإسلام من يهود مصر في عام ١٩٤٨م وحده أربعمائة أسرة يهودية.٤

•••

لم يكن غريبًا — في ظل صمت القيادات السياسية المصرية، وتحالفها المشبوه مع المصالح الاقتصادية لليهود في مصر، أن تنشئ المنظمة الصهيونية العالمية فرعًا لها في مصر باسمٍ صريحٍ هو «الاتحاد الصهيوني بمصر»، وكان أعضاؤها — كما تقول لائحتها — «من تجمُّع الصهيونيين المقيمين على أرض مصر»٥ وظل الشعار المعلَن للصهيونية منذ أواخر القرن التاسع عشر حتى الآن، هو «إسرائيل بين النهر والبحر، دولة يهودية خالصة ليهود العالم.»
وتروي جريدة «صوت الأمة» الوفدية المعارضة واقعة خطيرة عن أحد العناصر الصهيونية، اسمه ألبرت خاتشويل، أعلن أمام رجال البوليس المصري أنه «صهيوني لحمًا ودمًا، وأنه ينتمي إلى عصابة شتيرن، وسيمضي في طريقه، ولن تستطيع قوة أن تحد من عمله.»٦ ومن أخطر الأمور أن البوليس السياسي كان يفضِّل أن يتحوَّل الشاب اليهودي إلى الصهيونية، فلا يشكِّل خطرًا مباشرًا ضد النظام، على أن يتحوَّل إلى الشيوعية، مما يوسِّع من دائرة المناهضين لطبيعة المجتمع.
وانتهزت المنظمات الصهيونية في مصر قدوم أعداد كبيرة من جنود الحلفاء اليهود، فنظَّمت لهم اللقاءات لتدارس سُبُل التعجيل بإقامة الدولة الإسرائيلية، وتكوَّنت «اللجنة اليهودية للترفيه عن البحَّارة والجنود والطيارين»، وأقامت عدة أندية في القاهرة والإسكندرية لخدمة جنود الحلفاء من اليهود.٧
ووصل إلى الإسكندرية من السويس قطارٌ يحمل جنودًا من جنوب أفريقيا، قيل إنهم من الشباب اليهود الهاربين من جحيم النازية، قدِموا لخوض الحرب ضد المحور، ثم التوجُّه — بعد الحرب — إلى فلسطين، واستقبلهم أفراد الجالية اليهودية في محطة سيدي جابر بحفاوة بالغة: صيدناوي وشيكوريل وسلفاجو وغيرهم، ونَثرت عليهم الفتيات اليهوديات الورود، وصفق لهم المصريون الواقفون على المحطة.٨
لم يكن الكثيرون — البسطاء بخاصة — يدركون أبعاد الخطر الصهيوني القادم إلى المنطقة! وإن أعلن عزرا هواري سكرتير الرابطة الإسرائيلية لمكافحة الصهيونية (!) — في صراحة قاسية — أن الصهيونية في مصر مؤيَّدة — مع الأسف الشديد — من قوات البوليس المصري،٩ وكانت تلك الرابطة قد أنشئت بتحريضٍ من اليسار المصري، واتخذت موقفًا عدائيًّا معلَنًا من الحركة الصهيونية، لكن العناصر الصهيونية استعدَت الحكومة المصرية على الرابطة حتى استصدرت قرارًا بحلها.١٠
وأعلن الزعيم الصهيوني التمان أن الكتاب الأبيض يقضي على حلم اليهود، أما التعديلات التي أُدخلَت عليه، فإنها طفيفة جدًّا بحيث لا يمكن قبولها، وأكد التمان أن فلسطين ستصبح دولة يهودية، ولن يحُول حائل دون تحقيق هذه الأمنية، لأن بريطانيا تحتاج إلى قيام أستراليا يهودية في الشرق الأوسط.١١

وفي ٦/ ١١/ ١٩٤٤م شهد الإرهاب الصهيوني في مصر تصعيدًا خطيرًا، باغتيال اللورد موين في حي الزمالك. وإذا كانت الأهداف الصهيونية قد غابت عن الكثير من المثقفين والمواطنين العاديين (أذكِّرك بترجمة أستاذنا محمد مفيد الشوباشي لرواية ستيفان زفايج «إرميا») فإن تصدي أحد كبار المحامين المصريين للدفاع عن قتلة اللورد موين، بدعوى أنهم يدافعون عن حقِّهم في إنشاء وطنهم المستقل في فلسطين، هذا التصرف الساذج، يبدو كالمأساة، أو كالمهزلة. يقول المحامي حسن الجداوي، في مرافعته للدفاع عن الشابَّين الصهيونيَّين اللذين قتلا السياسي البريطاني، إنهما وُلِدا عقب تصريح بلفور بأكثر من خمس أو سبع سنين، «ورضعا لبان أمَّيهما، في ذلك الجو الغريب الذي خلقه تصريح بلفور، جو الوطن اليهودي الذي عاشت فكرته في أفئدة شعب موسى، أربعة آلاف من الأعوام، ولا يحيد عنها، ولا يريم، وُلدا في ذلك الجو وترعرعا فيه، وتغذَّيا بلبان الفكرة المتسلطة عليهما … وعدَّد المحامي الاضطهاد والمذابح التي عاناها اليهود عبر التاريخ.»

ويضيف المحامي، ضمن مرافعته الطويلة «إن الشابَّين ينتميان إلى شعبٍ طرده فرعون من مصر، وطرده هتلر من ألمانيا، وفي خلال ذلك ذاق عسف اليونان والفرس والرومان والفرنسيين والإسبان والروس، وكل شعب خلقه الله وعرفته الأرض، والذي لا نستطيع أن ننساه، أو الذي يجب ألا ننساه، هو أن شعب موسى هذا يعتقد — وفي كتبه السماوية ما يؤيد له ذلك الاعتقاد — أن هذا العذاب الذي عاش فيه آلاف السنين سيزول حين يعود له المسيح، وحين يتجمَّع الشعب من جديدٍ في أرض الميعاد، فهم لهذا اليوم يتطلعون.»

وتمضي المرافعة في تبريرات وادعاءات مغلوطة، كأن الذي كتبها واحد من غلاة الصهيونيين!١٢

وكما أشرت، فأنا لا أُدين المحامي المصري في وطنيَّته، وإن كنت أُدينه بسذاجته!

وبالإضافة إلى ذلك، فقد حدثت محاولة من عناصر صهيونية لنسف مؤتمر الجامعة العربية بقصر أنطونيادس بالإسكندرية، وقامت حملة نشِطة لتهريب الأسلحة والذخائر إلى مركز عصابة شتيرن بفلسطين. ويرجح البعض أن الوطنيين المصريين عمدوا إلى تفجير المفرقعات التي كانت العصابات الصهيونية قد قامت بتخزينها في حارة اليهود.١٣

•••

تكاتفت التأييدات الأمريكية والإنجليزية لقيام دولة إسرائيل، في صورة تكوين لجنة مشتركة من ممثلي الدولتين، سافرت إلى فلسطين في ربيع ١٩٤٦م لدراسة الأوضاع على الطبيعة، وأوصت اللجنة — في تقرير لها — بفتح أبواب فلسطين دون قيود، أمام يهود العالم.١٤

وطبقًا لتقرير رسمي بريطاني، فإنه بحلول عام ١٩٤٧م كان الجنود البريطانيون قد قتلوا مائة ألف عربي من فلسطين، وشنقوا ١٦٧ من الوطنيين العرب، بالإضافة إلى نسف وتدمير مدن وقرى وأحياء بأكملها.

وفي ١٩٤٧م كانت قيادة القوات البريطانية في منطقة القناة تسرِّح الجنود الهاربين التابعين لها، لينضموا إلى القوات اليهودية في معاركها ضد الفلسطينيين. وقد بلغ عدد الجنود اليهود الذين سافروا من منطقة القناة إلى فلسطين خلال ثلاثة أيام فقط — من الخامس إلى الثامن من ديسمبر ١٩٤٧م — سبعمائة جندي،١٥ وكان لبريطانيا — قبل جلائها عن فلسطين — مخازن كبيرة في رفح، ودفعت مصر نصف مليون جنيه (أسعار زمان!) ثمنًا لما بها من أسلحة وذخائر. وعند الاستلام، رفض القائد الإنجليزي أن يسلم القوات المصرية دبابات الشيرمان الصالحة للاستعمال، والموجودة في المخازن. سلَّمها — دون مقابل — لإسرائيل، معتذرًا بأن تلك أوامر حكومته!١٦
وقبل نشوب المعارك (في أواخر ١٩٤٧م) اشترى اليهود من مصر مجموعة ضخمة من الجرارات، بدعوى استخدامها في الزراعة، ولكنهم حوَّلوها إلى دبابات خفيفة.١٧
وتشير رواية إلى أن إسرائيل استطاعت — قبل ١٥ مايو ١٩٤٨م — حشد حوالي ٧٠ ألف جندي، تحت قيادة موحدة، وتلقوا تدريبًا عاليًا على تحقيق خطط القيادة الإسرائيلية، بالإضافة إلى ما كانت تتلقَّاه تلك القوات من دعمٍ مالي وعسكري من الولايات المتحدة ودول أوروبا الغربية والشرقية على السواء.١٨
والمؤكد أن التأثير الصهيوني في الولايات المتحدة — تحديدًا — كان موجودًا بصورة لافتة، وحين أراد فوزي السيد (أحمد حسين) أن يسافر إلى أمريكا لعرض القضية المصرية على مجلس الأمن، حذَّره الكثيرون من أن تقتله عصابات اليهود في أمريكا،١٩ لذلك جاء قول أحمد حسين: «لقد كنَّا نؤمِّل في عالم جديد، لا يسود فيه اليهود، ولا يكونون أصحاب الكلمة العليا في شئونه، فدلَّت الدلائل على أن العالم سيظل رهنًا بمشيئة اليهود.»٢٠ ويقول الراوي (واحترقت القاهرة): «إنني لا أرى في الأمريكان سوى شعب من العبيد، عبيد لهذا النفر من اليهود الذي يسيطر على الصحافة، ويصوغ للشعب الأمريكي أفكاره ومبادئه وأسلوب حياته.»٢١
ويشير حلمي سلام إلى ظاهرة تثير التأمُّل، وهي أنه كان في بعض مراكز الجيش الهامة، كإدارة المخابرات وسلاح خدمة الجيش، ضباط متزوجون من يهوديات!٢٢
وقبل ١٩٥٢م، كان اليهود المصريون يحوِّلون أموالهم من مصر إلى السودان، ومن هناك تحوَّل إلى أحد البنوك في الخارج، لتشتري بضائع وأسلحة يُجرى تصديرها إلى إسرائيل.٢٣ وقد تقدمت عائلة يهودية — في أثناء حرب ١٩٤٨م — بطلب تحويل مبلغ يزيد على ثلاثين ألف جنيه، ولما طالبت مراقبة النقد مستندات إثبات ملكية الأموال المطلوب تحويلها، ردَّ البنك الذي كان قائمًا بالوساطة في عملية التحويل على مراقبة النقد، بأن أصحاب الطلب قد سحبوا أموالهم، وأنهم غادروا البلاد نهائيًّا، وكانت العائلة اليهودية قد نجحت بالفعل في الهجرة، وفي تهريب كل أموالها، عن طريق السوق السوداء التي كان غالبية القائمين عليها من اليهود،٢٤ وبالطبع، فقد أدَّى اندفاع الأموال المصرية إلى الخارج إلى خفض قيمة الجنيه المصري في الأسواق العالمية، نتيجة مباشرة لزيادة عرضه للبيع عند إجراء التحويل من مصر إلى الخارج.٢٥
وفي ١٩٤٢م بلغ عدد اليهود العاملين في البورصة ما تصل نسبته إلى ٩٨٪،٢٦ وكان اليهود يسيطرون على ١٠٣ شركات من مجموع الشركات المصرية، وعددها ٣٠٨ شركات، بالإضافة إلى الإسهام في عددٍ كبير من البنوك والشركات المالية والائتمانية والصناعية والزراعية والتجارية، وشركات النقل البري والبحري٢٧ مثل البنك الأهلي المصري، البنك العقاري المصري، البنك البلجيكي، البنك التجاري المصري، شركة التأمين الأهلية، شركة الإسكندرية للتأمين، وغيرها.٢٨
وإلى أواسط الأربعينيات، كان عدد كبير من سراة المصريين يقضون شهر العسل — والإجازات عمومًا — في فلسطين.٢٩ (أذكِّرك برحلات السيدة زينب الوكيل إلى فلسطين باعتبارها بلدًا عربيًّا)، وقد ذهب أحمد حمدي (غادة حمانا) إلى شركة مصايف لبنان، فحصل على تذاكر السفر إلى حيفا، ومنها إلى لبنان بطريق السكك الحديدية، في قطار السادسة من مساء ٣ يوليو ١٩٢٤م.٣٠

•••

أحدثت هزيمة الإنجليز في طبرق ردود أفعال واسعة بين الجالية اليهودية، وبدأ اليهود يبيعون أملاكهم، وأعدُّوا أنفسهم للهرب قبل أن يقعوا في قبضة هتلر.٣١ ثم كان سقوط مرسى مطروح في أيدي قوات الألمان، بقيادة روميل، فتقدمها إلى العلمين، دافعًا لأن يشرع الآلاف من اليهود في مغادرة مصر، عرضوا بضائعهم المكدسة في المخازن بأسعار رخيصة، واستخرجوا جوازات سفر للهجرة إلى فلسطين وجنوب أفريقيا.٣٢ وحين أوشكت القوات الألمانية على دخول الإسكندرية، والاستيلاء على مصر بالتالي، فرَّت أعداد هائلة من اليهود إلى فلسطين، كي لا يقعوا في قبضة النازي، دافعهم مزاعم عن حرق ملايين اليهود على أيدي النازي.
وحسب الأرقام المعلَنة، فقد بلغ عدد اليهود المصريين — في أواسط الأربعينيات — حوالي ٧٠ ألف نسمة، وقد تصاعد نشاطهم — بعد زوال خطر الحرب — وأخذ أبعادًا خطيرة،٣٣ ففي أعقاب الحرب، افتتحت المنظمة الصهيونية العالمية مكاتب عقارية لبيع أراضي فلسطين لأبناء الجالية اليهودية في مصر، وكانت تلك المكاتب مزوَّدة بخرائط تفصيلية للأراضي التي يُعَد لتجريدها من ملَّاكها العرب، وكانت غالبية الخطوط الملاحية لسفن البحر المتوسط تحدد سيرها على النحو التالي: الإسكندرية – بورسعيد – حيفا – تل أبيب – بيروت، وبالعكس.٣٤ وكانت كل البضائع المصرية تهرب إلى إسرائيل عن طريق السودان، استفادة من انعدام الرقابة الجمركية بين البلدين.٣٥

ولعل في هذه اللوحة من روايتي «مد الموج» ما يعكس الظروف التي رحل فيها اليهود المصريون إلى فلسطين:

«لا أذكر متى، ولا كيف غاب الأبناء الثلاثة في شقة الطابق الثاني، يبدون — في طفولتي الباكرة — كأطياف، في صعودهم على سُلم البيت، ونزولهم منه … لكن الملامح والتصرفات تغيب تمامًا، فلا أذكرها.

ظل باب الشقة مغلقًا، لا يُفتَح — أو يُوارب — إلا لومضات، يبين فيها محصِّل الكهرباء، أو بائع الخبز، أو البواب، ورأيت الأب بقامته الضئيلة وخطواته المتقافزة — في أيامٍ متباعدة — وهو يمضي ناحية شارع فرنسا. أما الأم، فقد لمحت شعرها الأبيض المهوش، ووجهها المائل إلى السمرة، وعينيها الخاليتين من الأهداب، وهي تكلم عم أحمد البواب على باب الشقة فيما لم أتبيَّنه. كانوا في حالهم، لا يزورون ولا يُزارون، ولا يحاولون التعرف إلى أحد. حتى التحية تتحوَّل في شفتي الرجل حروفًا مدغمة، حين يلتقي على السلم بمن يلقي التحية، حتى النوافذ والشرفات، تعودتُ أن أراها مغلقة وأنا أعود إلى البيت من المدرسة، أو من اللعب في الشارع الخلفي.

وقال أبي عصر يوم، في عودته إلى البيت: يبدو أن بقية سكان الطابق الثاني رحلوا إلى إسرائيل.

إسرائيل؟!

كنت أستمع إلى الراديو، وأتابع المناقشات بين أبي وأصحابه حول قرارات التقسيم والقدس ودير ياسين والشهيد أحمد عبد العزيز ومعركة القسطل ودولة إسرائيل المزعومة.

قلت: أليست إسرائيل عدوة لنا؟

قال أبي بلهجة باترة: طبعًا.

قلت: لماذا إذن سافر سكان الطابق الثاني؟

قال أبي: لأنهم يهود … إسرائيليون.

زوت أمي ما بين حاجبيها في دهشة: هل رحلوا ليكونوا أعداءنا؟!

أعاد القول بلهجته الباترة: طبعًا.

أخلت أمي وجهها للدهشة: لكننا لم ندُس لهم على طرف؟!٣٦

•••

تقول الإحصاءات الرسمية إن عدد اليهود المصريين في بدايات القرن العشرين، بلغ حوالي ٢٥ ألفًا، وبلغ عدد أبناء الطائفة اليهودية — حسب تعداد ١٩٣٧م — ٦٢٩٥٣ نسمة.٣٧ وفي عام ١٩٤٧م بلغ عددهم ٦٤٤٨٤، منهم ٣٦١٥٥ في القاهرة، و٢٥١٨٣ في الإسكندرية، والباقي في مدن القناة والدلتا، وكان التعداد العام للمصريين ١٥ مليونًا وتسعمائة ألف، أي أن نسبة اليهود كانت أقل من نصف في المائة.٣٨
وعلى الرغم من هذه النسبة العددية الضئيلة لليهود المصريين، فإنهم حققوا من النفوذ، ومن الثروات بما لا يقاس إلى تلك النسبة العددية — وهو ما يتحقق الآن في دول العالم الغربي! — عُرف عن اليهود المصريين إجادتهم التجارة، حتى إن أعدادًا من المسلمين والمسيحيين المصريين، فضَّلوا الاشتغال عندهم لتعلُّم أسرار التجارة.٣٩
كان اليهود يسيطرون على الحياة التجارية والاقتصادية، وامتدت سيطرتهم إلى الريف ممثَّلة في بنك الرهونات وشركة سوارس وغيرها، وبرزت في الحياة الاقتصادية أسماء فيتا موصيري، سالمون شيكوريل، إدجار سوارس، إيلي باروخ، فيكتور نجار، فليكس جرين، البارون منشة، وغيرهم، بل لقد برزت أسماء عائلات يهودية، تركز نشاطها في المجال الاقتصادي، كالتصدير والاستيراد مثل عائلات: قطاوي، عادة، عدس، جاتينيو، مزراحي … وغيرها، وظلَّت تلك العائلات تتحكم — لأعوام طويلة — في توجيه الاقتصاد المصري.٤٠

وشارك اليهود في الحياة النيابية والسياسية، حتى القصر الملكي وجدوا لأنفسهم فيه موطئ قدم، كان ٩٣٪ منهم يحملون جنسيات أوروبية، بما يهبهم حق التمتع بالامتيازات الأجنبية، ويضع أنشطتهم المالية في مأمن من أي إجراءات اقتصادية أو جنائية، وكانت غالبية المؤسسات الاقتصادية والصناعية ليهود، وكان سكرتير اتحاد الصناعات يهوديًّا، ومستشار أكبر الاقتصاديين المصريين (أحمد عبود) يهوديًّا كذلك.

يقول الراوي (شفتاه): «إن من بين زملائي في عملي تلك الفترة — ١٩٤٨م — ثلاثة من اليهود، أحدهم رسام، والثاني يعمل في قسم الإعلان، والثالث في قسم الحسابات، ولي في القاهرة أكثر من صديق يهودي، بل إني عندما كنت أسكن في العباسية منذ عشر سنوات، أحببت فتاة يهودية كانت تسكن في حي الظاهر.»٤١

وفي ١٩٤٧م صدر قانون جديد للشركات، نصَّ على أن يكون ٧٥٪ من موظفي أية شركة من المصريين، مع ذلك، فقد ظل الخمسة آلاف يهودي الذين يحملون الجنسية المصرية يشغلون أهم المناصب في تلك الشركات.

كانت قوة اليهود المصريين الحقيقية تكمن في رءوس أموالهم التي تسيطر على مقدرات البلاد الاقتصادية والصناعية، وعلى وسائل الإعلام المختلفة، وعلى بعض النزعات والاتجاهات في السياسة المصرية،٤٢ كان ذلك رأي الضابط الشاب — حينذاك — أنور السادات، الذي ما فتئ يردده لجماعات الشباب الذين طرحوا فكرة تقتيل اليهود قبل أن يستفحل خطرهم. وكان رأي السادات أن المشكلة الصهيونية — القائمة، والمتوقعة — لا يستطيع أن يحلها سوى حكومة وطنية، يمكنها التصدي لنفوذهم — القائم على رءوس أموال هائلة — والذي تغلغل في غالبية مرافق الدولة.
كانت الحركة الصهيونية تعتمد على مؤسسات تجارية يملكها يهود، مثل شيكوريل وأورزدي باك (عمر أفندي) وجاتينيو وشالون وغيرها،٤٣ وكان أحد كبار الرأسماليين المصريين يمتلك مصنعًا للأسمنت في إسرائيل — اسمه مصنع شمشون! — كما كان رأسمالي آخر يمتلك شركات للفنادق في الأرض المحتلة.٤٤

وظل عدد كبير من اليهود المصريين يمتلكون أسهمًا كثيرة في معظم الشركات الإسرائيلية، أو الشركات التي تتاجر مع إسرائيل، بل أقاموا بورصات داخلية لتداول الأسهم، والمضاربة فيها داخل مصر.

وكان مجموع ما وظَّفه اليهود من أموال في الوطن العربي حتى عام ١٩٤٨م يقرب من ١٥٠ مليون جنيه، ثم قفز الرقم في ذلك العام بضعة أضعاف دفعة واحدة، باستيلائهم على أملاك العرب الفلسطينيين.٤٥
وحتى العام نفسه، كان ٩٨٪ من العاملين في بورصة الأوراق المالية وبورصة القطن من اليهود، وقد قدِّرت المبالغ التي حُوِّلت من مصر بهدف استيراد بضائع إليها، ولم تثبت المستندات ما يفيد بورودها — خلال حرب فلسطين — بحوالي ٢٠٠ مليون جنيه، تأكد — فيما بعد — أنها هي المبالغ التي أفلح اليهود المصريون في تهريبها إلى إسرائيل،٤٦ ولكي ندرك ضخامة هذا المبلغ وقتذاك، فلعله ينبغي الإشارة إلى أن ميزانية مصر في ١٩٥٢م كانت حوالي ٢٠٠ مليون جنيه.
أما بالنسبة للتزويد بالسلاح، فقد نشرت الصحف نبأ القبض على ثلاثة أشخاص، حاولوا شراء ستمائة مسدس من أمين أحد مخازن الأسلحة الحكومية، وكان هؤلاء الثلاثة ينوون تهريبها إلى الحركة الصهيونية في فلسطين.٤٧

وثمة حقائق خطيرة يشير إليها وسيم خالد حول النشاط الصهيوني في أعوام الحرب العالمية الثانية، وبعدها، وأنه كان يشي بحرب فناء متوقعة بين العرب واليهود. مع ذلك فإن السلطات المصرية تغافلت تمامًا عن ذلك النشاط، ولم تبذل جهدًا حقيقيًّا في الكشف عنه، أو محاولة إجهاضه، قبل أن يلد الأخطار التي واجهها الشعب المصري، والشعوب العربية بعامة، فيما بعد.

كانت هناك عصابات صهيونية تدرِّب الشباب اليهودي على حمل السلاح في جبل المقطم، قبل ترحيلهم إلى فلسطين، وكانت تلك العصابات تشتري مخلفات الأسلحة الإنجليزية وآلات الإرسال والمتفجرات، وتتولى تخزينها بكمياتٍ هائلة، تمهيدًا لتهريبها خارج البلاد.٤٨
وفي التقرير الوزاري الذي أصدرته حكومة أحمد ماهر في ١٩٤٥م، واقعة عن تهريب زينب الوكيل وشقيقها أحمد الوكيل كميات من الذهب والألماس إلى فلسطين، وفي مدينة القدس على وجه التحديد. ما يعنينا في تلك الواقعة، أن أحد الذين شاركوا فيها يهودي اسمه زكي إبراهيم شويكي، كان يعمل في مكتب أحمد الوكيل. والدلالة — بل الدلالات! — تكمن في يهودي يعمل في مكتب شقيق حرم رئيس الوزراء المصري، ويحقق صلة طيبة بحرم الرئيس، تتيح له فرصة أن يرافقها وشقيقها إلى فلسطين (فلسطين بالذات التي تغيَّرت تركيبتها الديموغرافية، واسمها، عمدًا بعد ثلاثة أعوام!) ليتاجر الشقيقان هناك في بيع الذهب والمجوهرات،٤٩ وإذا كان في ذلك السكرتير شبهة، فهي — بالقطع — لا تتصل من قريب ولا بعيد بزينب الوكيل، فرغم كل ما عُرِف عنها من طموح مادي أو اجتماعي، فإن إخلاصها الوطني من الصعب — إن لم يكن من المستحيل — التشكيك فيه.
وعقب استقالة وزارة سعد زغلول في ٢٤ نوفمبر ١٩٢٤م، تشكلت وزارة برئاسة أحمد زيور، وكان من بينها اليهودي يوسف أصلان قطاوي باشا، عُيِّن وزيرًا للمالية في عام ١٩٢٤م٥٠ بإيعازٍ من الملك فؤاد، وكان قطاوي أول وزير مصري يهودي في تاريخ مصر الحديثة، وظلت مدام قطاوي باشا كبيرة وصيفات الملكة نازلي،٥١ كما كانت كبيرة سيدات التشريفات بالسراي الملكية إلى ٢٦ يوليو ١٩٥٢م سيدة يهودية هي زوجة رينيه قطاوي. أما راشيل رئيسة الممرضات في مستشفى المواساة، فقد كانت صديقة للملك فاروق، وقد تعرف الملك — في فترة من حياته — إلى هيلين موصيري، التي وصفها السفير البريطاني لامبسون بأنها قوادة شهيرة، وطلب من صهر الملك حسين سري أن يحذِّره من تبعية المرأة للأجهزة الصهيونية.٥٢
وكان أحد مستشاري الملك فاروق — بل كان مستشاره الأول على حد تعبير أحد شهود محكمة الثورة أثناء الحرب الفلسطينية — صهيوني اسمه مزراحي باشا، وكان مزراحي يتابع بنفسه تطورات قضية الأسلحة الفاسدة، وهو الذي نصح الملك بأن يتحرك لإيقاف التحقيقات قبل أن تصل إلى داخل السراي.٥٣

•••

ترأس طه حسين مجلة «الكاتب المصري» حوالي ثلاث سنوات (من أكتوبر ١٩٤٥م إلى مايو ١٩٤٨م)، وأكد طه حسين في افتتاحية المجلة أنها ستأخذ نفسها بقانونَين، لن تحيد عنهما مهما تكن الظروف، أحدهما الشدة على نفسها، وعلى كُتابها وقرائها فيما تنشر، وما تنقل من الفصول، فلن تقدم إلى قرائها إلا هذا الأدب الذي ينفق صاحبه في إنتاجه الجهد العنيف والوقت الطويل، وينفق قارئه في إساغته من الوقت والجهد مثل ما ينفق منتجه، فلن يعرض الأدب العربي لخطر التفاهة والابتذال إلى شيء كهذا الإنتاج السريع، وهذا الاستهلاك السريع، فالأدب يحتاج — كغيره من الفنون الرفيعة — إلى أناة الكاتب وتأنُّقه واحتفاله، وإلى تمهل القارئ وتأمُّله وتدبُّره، ولا بد من أن تأخذ الأجيال العربية المعاصرة نفسها بالأناة في الإنتاج الفني، وفي الاستهلاك الفني أيضًا. القانون الثاني هو الحرية الواسعة الكاملة السمحة، فيما تنشر، وفيما تختار من آثار القدماء والمحدثين، ومن آثار الشرقيين والغربيين، لا تنظر في ذلك إلا إلى الفن الخالص، وإلى قيم الثقافة العليا، وما يحقق التعارف والتواصل بين الذين يمثِّلون هذه الثقافة من رجال الأدب والعلم والفن، والمجلة تنظر إلى أمس، وتنظر إلى اليوم، وتنظر كذلك إلى الغد، فستنشر ما يحيي الأدب القديم، وستنشر ما يقوي الأدب الحديث، ولكنها — في الوقت نفسه — ستعنى بأدب هؤلاء الشباب الذين يجربون أنفسهم، ويحاولون أن يشاركوا في الإنتاج الأدبي، فستفتح لهم مكانًا رحبًا بين صفحاتها، وستتلقَّاهم رفيقة بهم، مشجعة لهم، ولكن قاسية عليهم في النقد والاختيار؛ فالشباب في حاجة إلى التشجيع الخالص والرفق، ولكنهم في حاجة كذلك إلى التمرين والنقد، ويوشك التشجيع الخالص أن يكون تغريرًا، كما يوشك النقد الملح المسرف أن يكون تثبيطًا للهِمم، وخير الأمور أوسطها.» يضيف طه حسين تأكيده بأن «هذه المجلة لن تؤثِر بعنايتها شعبًا دون شعب، فهي كذلك لن تؤثر بعنايتها فريقًا من أدباء العرب دون فريق، وهي على هذه السماحة حريصة أشد الحرص، تريد أن ترفع الأدب من هذه الخصومات التي تثيرها منافع الحياة العاملة العاجلة بين الناس، فهي إذن لا تنحاز إلى طائفة، ولا تتعصب لمذهب، ولا تقيِّد نفسها إلا بحقوق مصر والأمم العربية [لم يكن تعبير «الأمة» المفرد قد انتشر بعد] في الكرامة والعزة، والحياة الصالحة التي لا يشوبها نقص ولا هوان.»

أما القول بأن «الكاتب المصري» صدرت لصالح الصهيونية، فينفيه مثل هذا المقال الذي كتبه محمد رفعت بعنوان «بريطانيا وحوض البحر المتوسط»: «لو برَّ الحلفاء بوعودهم للعرب في أثناء الحرب العالمية الأولى، فأقاموا اتحادًا عربيًّا مستقلًّا يجمع بين فلسطين وغيرها من الدول العربية المجاورة، لما تفاقم خطر مشكلة الصهيونيين إلى الحد الذي نراه الآن، لأن اليهود الذين عاشوا مع العرب جيرانًا وأصدقاء، قرونًا طويلة، كانوا يستطيعون أن يتفاهموا مع العرب رأسًا، على شروط إقامتهم دون حاجة إلى حشرهم حشرًا في ذلك الإقليم الضيق المجدب من الأرض، حتى أضحت فلسطين أضعف وأخطر حلقة في مجموعة دول الشرق الأوسط.»٥٤
مع ذلك، فلعلي أوافق على أن «طه حسين ومعظم أبناء جيله في مصر لم يفهموا القضية الفلسطينية والحركة الصهيونية فهما صحيحًا، والجيل الوحيد الذي فهم القضية الفلسطينية وفهم الحركة الصهيونية، هو الجيل الذي ظهر في مصر منذ ١٩٤٨م وما بعدها.»٥٥
لم يكن غالبية المثقفين المصريين يدركون حقيقة الأطماع الصهيونية، وعندما كانت ليزا تحدِّث الراوي عن أحلام اليهود ووعد بلفور وهرتزل، فإنه لم يكن يدرك أبعاد حديثها بسبب انشغاله بالقضية الوطنية في مصر.٥٦

ولعله مما يُحسَب لسلامة موسى، أنه كان دائم الإلحاح على خطورة الأطماع الصهيونية في فلسطين، وأن على العرب أن يلجئُوا إلى كل ما بأيديهم من أسلحة لصد الغزوة الصهيونية. وحدد تلك الأسلحة بأنها تطوير الزراعة، وترقية الصناعات الزراعية، وتأليف الجمعيات لشراء الأراضي اليهودية، أو لإسعاف المزارعين الفلسطينيين، حتى لا يبيعوا أراضيهم لليهود، وكذلك تحرير المرأة، وإنشاء الصناعات الكبيرة، الحديثة، ومن ثَم يستطيع العرب — بوحدتهم — أن يتغلبوا على الصهيونية، «وعندنا أنه إذا عجزت فلسطين العربية عن أن تحتفظ بكيانها الاقتصادي أمام الغارة اليهودية، فإنه يجب على الأمم العربية الأخرى المحيطة بها أن تساعدها بالمال والرجال لكي تحتفظ بهذا الكيان.»

•••

عاب ساسون سوميخ على إحسان عبد القدوس حرصه على تشويه صورة اليهودي، والإساءة إليه، سواء من خلال رسم مظهره الخارجي، أم اكتناه بواعث تصرفاته. وفي المقابل، فإن صورة اليهودي في أدب نجيب محفوظ تبين عن ميله إلى الحرية، والمشاركة في الحياة العامة، أذكِّرك بالفتيات اليهوديات اللائي تطلَّعت حميدة إلى ما يتمتعن به من تحرر في «زقاق المدق».

والحق أن النظرة إلى اليهودي كان يغلب عليها الحذر لأسبابٍ اقتصادية، وليست سياسية أو وجدانية: «دا راجل يهودي.»٥٧
البخل صفة مرادفة لليهودي في المجتمع المصري،٥٨ ذلك ما نلمحه في إطلاق زملاء حسين كامل (بداية ونهاية) في مدرسة طنطا عليه اسم «اليهودي» لميله إلى التقتير،٥٩ وعندما يريد المرء أن يوبِّخ أناسًا يقول لهم: «يا خلق اتهدوا بالله … أنتوا يهود.»٦٠ ويبدي أحد المعجبين رأيًا إيجابيًّا عن الممثلة اليهودية إستير «لكنها — يا للأسف — يهودية.»٦١
ويدلل الفنان على سلوكيات اليهود العملية، بإقدام إحدى السيدات اليهوديات على أن تعطي ابنها الصبي في أحد المحال التجارية أوراق اليانصيب ليبيعها في ذهابه وإيابه، ساءها أن يضيع وقت ذهابه إلى المحل والعودة منه دون استغلال.٦٢ وكانت الأسر اليهودية تزن الرجال بما يملكون من مال، بعكس الأسر المصرية التي تشترط في الرجل أن يكون ذا خلق.

وعلى سبيل المثال، فقد فسحت راشيل (في قافلة الزمان) خطبتها من الشاب اليهودي — رغم وسامته — لأن «راتبه ضئيل لا يكفي لتكوين أسرة.»

ويقول مصطفى لشقيقها: بالوفاق تتكوَّن الأسر.

فيجيب الشقيق: لا يا حبيبي … بالفلوس.

– لقد أحزن ذلك أختك ولا ريب.

– طبعًا … صرفت جنيهات.

– أهي الفلوس كل شيء؟

– وهل الدنيا إلا الفلوس؟ لو كانت راشيل غنية لوجدت ألف خطيب.٦٣
وعندما زاد ربح الخواجة ليشع، نقض خطبته لإستير. كان بعض جنود الإنجليز الذين يعملون في مخازن الجيش يبيعون ما يسرقون من قناني الخمر ولفافات التبغ بالثمن البخس، فيبيع زملاؤهم إياها في حانة بالأثمان العالية، وصارح خطيبته بأن «العملة تضخمت، وارتفعت الحاجيات، فأصبحت الدوطة الصغيرة التي كنت أعدها له لا تغني شيئًا. ولما علم — في الأيام الأخيرة — أني جمعت من عملي الجديد أكثر من ألف جنيه، عاد يتودد إلى، ويشير إلى رغبته في رأب ما انصدع من صلة المحبة، وقال لي إنه صار يقدِّرني كثيرًا، لأني برهنت على أني أمتلك ما هو جدير ببنات جنسنا من فهمٍ وعزمٍ وشجاعة أدبية ومقدرة على اتخاذ القرارات الصائبة في اللحظات المناسبة.»٦٤
وقد عانى أبطال محمود البدوي سرقات وابتزازًا من نساء يهوديات، كما في قصتَيه «غرفة للإيجار، بائعة العطور»،٦٥ وبعد أن تزوجت فتاة يهودية (سوزي) جنديًّا إنجليزيًّا — لأنه أخبرها أنه ابن أحد اللوردات، تبيَّنت — عقب سفرها إلى إنجلترا — أن الوالد اللورد ما هو إلا حفار قبور، فطلبت الطلاق حالًا،٦٦ مع ذلك، فإن شهيرة زاهد (شهيرة) كانت تحيا بأموال جواهرجي يهودي، وكان العشرات من أثرياء المجتمع المصري يطمحون إلى صداقتها. أنفق الآلاف عليها كي يفوز بقلبها ويغطي ترفها، وإسرافها، ونفقات الملابس والمجوهرات والعز والقصر والسيارات والخدم والحشم.٦٧
كان اليهود — إلى بداية الثلاثينيات — يتركزون — بصورة أساسية — في حارة اليهود، التابعة لقسم الجمالية، ثم بدءوا في الزحف إلى أحياء الزمالك وجاردن سيتي والعباسية، وبالذات من استطاعوا تكوين ثروات، واقتصرت الإقامة في الحارة — أو كادت — على العمال وصغار الموظفين والحرفيين.٦٨
ويروي الفنان أن حي الظاهر كان دومًا حي اليهود،٦٩ وكانت العائلات المسلمة قليلة نسبيًّا؛ لذلك فقد كان الحي يتعرض لغارات عنيفة يقوم بها فتوات الحسينية، يقذفون أهله بالطوب والحجارة، حتى يصل البوليس الذي يستغيث به اليهود من سكان الحي. وكان التعصب الديني، وكراهية اليهود، وتحرر الفتيات اليهوديات، والقصص الخرافية حول عادات اليهود … كان ذلك كله هو الدافع لتلك الغارات. وقد فسَّر بعض زملاء سعاد وهبي، الطالبة بكلية الآداب في ١٩٣١م، تصرفاتها المتحررة أنها من حي اليهود بالظاهر، وُلدَت وترعرعت في جو من الحرية الجنسية المطلقة.٧٠

في المقابل، كان اليهود ينفردون بالمسلم الذي يدخل الظاهر، يضربونه، ثم يعيدونه إلى أهله وهو عارٍ من الثياب تقريبًا.

لكن العداوة التقليدية زالت بالتدريج، بعد شق شارع فاروق؛ التقى الحيَّان — باب الشعرية والظاهر — وتجاورت العمائر والدكاكين والقهاوي، وأعلن عرابي فتوة الحسينية توبته، وافتتح قهوة كبيرة على رأس شارع فاروق من جهة العباسية.

وقبل أن يتغير واقع الحال في الظاهر، لم تكن فتاة مسلمة تتردد على الحي إلا في مناسبات قهرية، وتحت حراسة من أخ أو قريب.٧١ مع ذلك — أو رغم ذلك — فإن اليهود كانوا يمارسون شعائرهم في حرية مطلقة، حتى إن لبيبة العالمة، حين لمست العروس اليهودية بعد أن استحمت بالماء البارد الممزوج بالماء المقدس الذي يرشُّه الحاخام، عاد بها الأهل إلى الحمام مرة ثانية، وهم يصيحون: يقطعها لبيبة … يحرقها لبيبة … لمستها لبيبة! ذلك لأن غير اليهودي — مسلمًا كان أو نصرانيًّا — إذا لمس العروس اليهودية بعد هذا الحمام، يجب أن يعاد استحمامها من جديد، بالماء البارد أيضًا!٧٢

ويعرض الفنان لمظاهر التدين عند اليهود المصريين، ففي الطقوس الإسرائيلية القديمة، كان الرجل يتلو صلاة خاصة في كل صباح، يشكر الله فيها على أنه لم يخلقه من الإناث، بينما كانت المرأة تصلي وتقول: أشكر الله الذي خلقني كما اقتضت مشيئته!

ولعلنا نجد تعبيرًا عن العلاقات الأسرية اليهودية المتهرئة في قول التلمود: «في استطاعتك أن تطلق زوجتك إذا أحرقت طعام عشائك!» وترفض العقيدة اليهودية تحديد النسل، أو الإجهاض، إذا كان لمجرد أسباب شخصية. ويعتقد اليهودي أن البيت الخالي من الأطفال لا تشمله السماء بنعمتها وبركتها، وأن أهم مميزات الرجل الفاضل هي أطفاله وحياته العائلية. وينص القانون اليهودي على أن كل زوجين لابد لهما من إنجاب طفلين في الأقل، طبقًا للعقيدة، وفي العهد الحاضر، توافق العقيدة على تحديد النسل في حالات الفقر الشديد.

أما يوم كيبور، أو العيد الكبير، أو عيد الصيام ففيه يعتزل المتدينون من اليهود، وقد يغلقون على أنفسهم الأبواب، يتعبَّدون، ويصومون عن الطعام والشراب، أربعًا وعشرين ساعة متوالية. وثمة عيد البيساح، أو عيد الفصح الذي لا يأكل فيه اليهود شيئًا — لمدة أسبوع — سوى خبز خاص رقيق من عجين غير مخمر. وفي الليلة الأخيرة من هذا العيد تجتمع الأسرة حول مائدة العشاء، ويتلو الأب بعض الصلوات والأوراد، ثم يدور حوار تقليدي محفوظ بين الأب والأبناء بهذه المناسبة. وثمة عيد البوريم الذي يحتفل فيه بذكرى إستير ابنة مردخاي التي وهبت نفسها للملك أخشويرش كي تنقذ قومها.٧٣

وكان لليهود مجلس ملِّي خاص، وكان الحاخام حاييم ناحوم أفندي عضوًا بارزًا في مجمع اللغة العربية، وكان لليهود ١٩ مدرسة، وهي نسبة مرتفعة للغاية بالقياس إلى عددهم. وكانت أول مدرسة ابتدائية يهودية قد أنشئت في ١٨٩٥م، ثم أنشئت بعدها مدرسة لتخريج الحرفيين والتخصصات التقنية.

•••

كان لليهود إذن دورهم المتميز في الحياة المصرية، أميزه أنهم مالوا إلى التحرر الذي بلغ الانحلال — أحيانًا — لكنهم خلفوا تأثيرات إيجابية مهمة، وكانت صداقة أمينة لفورتينيه اليهودية الديانة عاملًا مؤكدًا في بلورة أفكارها. كانت تحب حديثها الذي يفتح أمامها آفاقًا لا تحد، فهو يختلف عن كل الأحاديث التي كانت تنصت إليها، أو تشارك فيها في «المقابلات»، أو عربة الحريم بالترام، كانت تحدثها عن السينما، وعن الأزياء والرقص وباريس، ولم تكن تبدي حياء عندما يتطرق الحديث إلى العلاقات العاطفية «وهى تصف لها كيف يقبِّلها صديقها، وكيف يحتضنها بين ذراعيه، وبماذا يمنِّيها، وبماذا يعدها، ولم تكن هذه الأحاديث تثير فيها شيئًا من حب الاستطلاع وحب المعرفة، ولم تصل بها أبدًا إلى حب التجربة.»٧٤

وعُرِف عن اليهود ميلهم إلى دراسة عادات جيرانهم من غير اليهود، وقامت الجامعة العبرية بدور مهم في دراسة أحوال المنطقة العربية، معتقداتها، وعاداتها، وتقاليدها، وسلوكيات الحياة اليومية بعامة، التعبير اليهودي يقول: «إذا أقمت في بلد، عليك أن تتبع عادات القوم وتقاليدهم.»

وكان اليهود عنصرًا فاعلًا وحاسمًا في خروج المرأة المصرية إلى ميدان العمل، وإلى تطوير الحياة الاجتماعية عمومًا.

لم تكن المرأة المصرية تستطيع أن ترتزق بإبرتها، أو تكتسب بقلمها، كما يفعل من نجاور من بنات الشام وفتيات اليهود،٧٥ سبقت اليهوديات إلى الالتحاق بالمتاجر الصغيرة والمحال، ثم تبعتهن الفتيات اليهوديات المصريات في العمل بالمحال التجارية، والرطانة بالكلمات الأجنبية، والدخول في المغامرات العاطفية، بالإضافة إلى أن معظم أبناء جيل العشرينيات والثلاثينيات تعرَّفوا إلى حياة العاطفة والجنس من خلال تعرفهن إلى فتيات يهوديات.
تقول حميدة لأمها: آه لو رأيت بنات المستقبل! آه لو رأيت اليهوديات العاملات! كلهن يرفلن في الثياب الجميلة، أجل، ما قيمة الدنيا إذا لم نرتدِ ما نحب؟!٧٦
وتقول مؤكدة: حياة اليهوديات هي الحياة حقًّا!٧٧
ويصف الفنان خروج الفتيات اليهود إلى الشوارع بأن «أسراب ظباء اليهود» لا تغيب عن أعين المارة،٧٨ وكانت فتاة يهودية هي أول من عرف أحمد عاكف (خان الخليلي) من الجنس الآخر، كانت تشاغله وتناكفه وهو يتقوقع داخل محارة خجله، حتى دفعته جسارتها إلى إعلان حبه لها. وصحبها — يومًا — بطلب منها — في جولة بشارع عباس، وأهملت تردده وخوفه، ثم دفعته إلى بستان وهي تغمغم: نحن الآن في أمنٍ من الرقباء، وحاولت بالفعل أن تحصل منه على قبلة.
والواقع أن أحمد عاكف لم يطارح اليهودية الحسناء الغرام — صراحة — إلا بفضل جسارتها هي، كانت جسورًا، لعوبًا، لا يردعها عن هواها رادع، فاستطاعت أن تعالج حياءه بجسارتها،٧٩ ثم اختفت الفتاة اليهودية من حياته، بعد أن خطبها شاب من دينها.٨٠
وثمة فتاة يهودية أخرى هي راشيل، كانت هي أول من عرف مصطفى الصغير (في قافلة الزمان) من عالم النساء، وهو لم يكن قد فكَّر في هذا العالم من قبل حتى دعته إليه،٨١ ولم تعد علاقة مصطفى وراشيل سرية، بل إنه كان كثيرًا ما يمضي الوقت في بيتها، يلاعب الأب بالنرد، ويحادث الأم، ويعير الابن جاك رواياته التي قرأها، أو يعطيه قطعًا من الشوكولاتة، والابنة بجواره تمد رجلها، وتدوس على قدمه، وتضغط عليها في خفة، بل إنها صحبته معها مرة إلى بيت إحدى صديقاتها ليخلوا إلى بعضهما، وأسلمته شفتيها بالفعل، لكنه تردد، ثم رفض٨٢ (الموقف نفسه عاشه الأب في رواية «قلوب منهكة» لكمال رحيم، حين فاجأت الفتاة فتاها، وقبَّلته في وجنته وهما يرتبان حاجياته من الغرفة التي استأجرها على السطوح، وعندما استدار إليها، أفلتت من يده، كمال رحيم، قلوب منهكة، دار النيل للنشر، ١٧٨)، وعندما رأى مصطفى صورة راشيل في فاترينة أحد المصورين، تملكه الغضب لأن حبيبته سمحت للمصور أن يراها بهذا الشكل، فلما سأله الأب: أرأيت صورة راشيل؟ خمن أن الأب يريد أن يشكو له تصرفات ابنته، لكن شقيقها ياهو قال وهو يتأمل نسخة من الصورة: صورة رائعة! وقالت الأم: من أجمل الصور التي رأتها عيناي! وأضاف الأب في اقتناع: لو أن الغلالة نزلت قليلًا لكانت الصورة أروع!٨٣
وقد تعلم مصطفى، بحيث إنه هو الذي عرض صداقته على فتاته الثانية ماري، وهو الذي جذبها إليه وقبَّلها، وهو الذي حدد موعد اللقاء التالي «سأنتظرك غدًا في الخامسة عند نهاية شارع غمرة.»٨٤

وفي رواية عصام الدين حفني ناصف «أعضاء مجلس الإدارة» ظلت إستير تطارد فاطمة بهمساتها المحرضة.

– قد كشفت لك عما اعتزمت، وبسطت بين يديك ما آثرت من نهج، وأهبت بك أن تسلكي مسلكي، ولكنك لم تحرصي على أن تلقي عنك نير التقاليد، وتحطمي أغلال البيئة، لتنطلقي قُدُمًا إلى المكان الذي أنتِ به خليقة.

– لا، لا يا حبيبتي، بل إنك تشتطين فيما تذهبين إليه، لقد اختلطت عليك الوسيلة بالغاية، فأنت ترغبين في جمع المال لتتوسلي به إلى السعادة، ولكن المال ليس أقصر السبل إلى السعادة، بل أقصرها وأيسرها هي القناعة.

– لست أسعى وراء السعادة، ولكن أبغي حياة إنسانية كريمة، وهذه الحياة التي نحياها الآن ليست من الإنسانية في شيء، وليس من حق امرئ أن يطلب إلينا الرضا بها، والاستنامة إليها. لقد حرمنا المجتمع ما وفَّره لغيرنا من مالٍ وجاه، لكن الطبيعة أمنا الرءوم حبتنا الشباب والعافية والذكاء وطرفًا من الجمال، وذلك كل ما نملك من رأس مال، فإن أمسكنا عن استغلاله، فُقد على الأيام، وإن قعدنا عن اهتبال فرصة الحرب، كان قمينًا بنا أن نقضي ما يبقى من العمر في حسرة وأسًى.٨٥
وكان الأطباء اليهود هم الذين يقدمون على إجراء عمليات الإجهاض، وقد أجهضت هناء نفسها لدى طبيب يهودي،٨٦ وكانت «رفقة» المسلمة هي التي اختارت لنفسها هذا الاسم اليهودي!٨٧
وفي أعوام الحرب، عرفت الفتيات اليهوديات — على حد تعبير رفاق «خان الخليلي» — مزايا اللغة الإنجليزية: تراهن يرفلن في الحرير، فإذا اعترضت سبيل إحداهن، رمتك بنظرة شزراء، وقالت لك بلهجة اسكتلندية حميمة: Behave Like a Gentleman Please.٨٨

هوامش

(١) الكاتب المصري، يناير ١٩٤٦م.
(٢) المرجع السابق.
(٣) الجمهورية، ١٠/ ١١/ ١٩٨٤م.
(٤) محمد علي الزغبي، دفائن النفسية اليهودية، ١٣٣.
(٥) اليسار المصري، ٤٠.
(٦) المرجع السابق، ٤١.
(٧) اليهود والحركة الصهيونية في مصر، ٨٩.
(٨) لا أحد ينام في الإسكندرية.
(٩) اليسار المصري والقضية الفلسطينية، ١٩٤.
(١٠) المرجع السابق، ١٨٣.
(١١) النهار البيروتية، ٢٣–٢٩/ ٩/ ١٩٤٥م.
(١٢) مختارات النداء، العدد الأول.
(١٣) رفعت السعيد، حسن البنا، ٦٠.
(١٤) الحرب والسلام في غربي آسيا، ٣٠.
(١٥) مذكرات الحاج أمين الحسيني.
(١٦) من أوراق غير منشورة للواء فؤاد صادق.
(١٧) مذكرات كمال رفعت.
(١٨) مذكرات محمود رياض، الجمهورية، ١٥/ ٨/ ١٩٨٩م.
(١٩) واحترقت القاهرة، ١١٩.
(٢٠) وراء القضبان، ١٣٨.
(٢١) واحترقت القاهرة، ٢٠٢.
(٢٢) دقات الأجراس، ١٩.
(٢٣) أعوان إسرائيل في مصر، ٣٤-٣٥.
(٢٤) المرجع السابق، ٨٨.
(٢٥) المرجع السابق، ١٠.
(٢٦) رفعت السعيد، تاريخ المنظمات اليسارية المصرية: ١٩٤٠–١٩٥٠.
(٢٧) اليهود والحركة الوطنية في مصر، ٦٢.
(٢٨) تاريخ المنظمات اليسارية المصرية، ٤٠.
(٢٩) أمين يوسف غراب، رسالة، ساحر النساء، كتب للجميع.
(٣٠) محمود طاهر حقي، غادة حمانا، كتب للجميع.
(٣١) الحصاد، ١٧٢.
(٣٢) من أسرار الساسة والسياسة، ٢٧٤.
(٣٣) تاريخ المنظمات اليسارية المصرية، ١٩.
(٣٤) أعوان إسرائيل في مصر، ٧٤.
(٣٥) المرجع السابق، ٧٤.
(٣٦) محمد جبريل، مد الموج، مركز الحضارة العربية، ٢٠٠٤م، ٢٤-٢٥.
(٣٧) تاريخ المنظمات اليسارية المصرية: ١٩٤٠–١٩٥٠، ١١٧.
(٣٨) الدوحة، مايو ١٩٨٦م.
(٣٩) إحسان عبد القدوس، مهنة الأغنياء، بنت السلطان، مكتبة مصر.
(٤٠) الأصول التاريخية، ٢٤٢.
(٤١) إحسان عبد القدوس، الجاسوسة، شفتاه، الناشرون العرب، ١٩٧٣م.
(٤٢) الكفاح السري ضد الإنجليز في مصر، ١١٥.
(٤٣) جمال سليم، البوليس السياسي، ١٨٢.
(٤٤) أعوان إسرائيل في مصر، ٥٣-٥٤.
(٤٥) المرجع السابق، ٥٣-٥٤.
(٤٦) المرجع السابق، ٣٦.
(٤٧) صوت الأمة، ٢٩/ ١٠/ ١٩٤٦م.
(٤٨) الكفاح السري ضد الإنجليز في مصر، ١١٥.
(٤٩) تقرير لجنة التحقيق الوزارية، ٣٣.
(٥٠) إسكندرية ٦٧، ٥٥.
(٥١) سبعة باشاوات، ١٣٩.
(٥٢) كيف سقطت الملكية في مصر؟، ١٦٤.
(٥٣) محكمة الثورة، ٢٣٣، ومن المهم أن نشير إلى ما رُوي عن مواقف الملك المتشددة إزاء أية علاقة محتملة مع إسرائيل.
(٥٤) الكاتب المصري، يونيو ١٩٤٦م.
(٥٥) رجاء النقاش، الهلال مايو ١٩٧٧م. والطريف أن الأستاذ رجاء النقاش رفض — فيما بعد — رأيًا لي بأن الكاتب الكبير الراحل محمد مفيد الشوباشي قد ترجم مسرحية «إرميا» لستيفان زفايج إلى العربية دون أن يكون متفهمًا — بصورة حقيقية — للمخططات الصهيونية (انظر الأهرام، ١٢/ ٥/ ١٩٩٧م).
(٥٦) جميل عطية إبراهيم، ليزا، أحاديث جانبية، مختارات فصول.
(٥٧) عز الدين نجيب، أيام العز، الأعمال الكاملة، هيئة الكتاب.
(٥٨) إسكندرية، ٥٥–٦٧.
(٥٩) بداية ونهاية، ٣٠٧.
(٦٠) سفريات، قصص مصطفى محمود، روز اليوسف.
(٦١) خليل بيدس، الوارث، القاهرة، ٥.
(٦٢) في قافلة الزمان، ٢٩٦.
(٦٣) المصدر السابق، ٢٥٩.
(٦٤) عصام الدين حفني ناصف، أعضاء مجلس الإدارة، مخطوط رواية في حوزة المؤلف.
(٦٥) محمود البدوي، قصص قصيرة، المجلس الأعلى للثقافة.
(٦٦) نقولا يوسف، سوزي، مواكب الناس، مطبعة دار نشر الثقافة بالإسكندرية، ١٩٥٢م.
(٦٧) سعد مكاوي، شهيرة، الأعمال الكاملة، هيئة الكتاب.
(٦٨) الاتحاد الظبيانية، ١٦/ ١/ ١٩٨٦م.
(٦٩) أين صديقتي اليهودية؟
(٧٠) المرايا، ١٦١.
(٧١) أنا حرة، ٥٢-٥٣.
(٧٢) عودة الروح، ١٥٥.
(٧٣) أنا حرة، هيئة الكتاب، ٩١-٩٢.
(٧٤) المصدر السابق، ٤٩.
(٧٥) أحمد حسن الزيات، ضحية السبيل، الرسالة، ١٩٣٩م.
(٧٦) زقاق المدق، ٣٥.
(٧٧) المصدر السابق، ٥٣.
(٧٨) خان الخليلي، ١٢٥.
(٧٩) المصدر السابق، ٣٧.
(٨٠) المصدر السابق، ٣٨.
(٨١) في قافلة الزمان، ٢٨٣.
(٨٢) المصدر السابق، ٢٤٤.
(٨٣) المصدر السابق، ٢٤٨.
(٨٤) المصدر السابق، ٢٨٥.
(٨٥) أعضاء مجلس الإدارة.
(٨٦) قصر على النيل، ٢٣٦.
(٨٧) إبراهيم عبد القادر المازني، ٢٢٤.
(٨٨) خان الخليلي، ١٣١.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٥