فاروق … سيرة ملك

في الثامن والعشرين من أبريل ١٩٣٦م، تُوُفي الملك فؤاد عن ثمانٍ وستين سنة، وخلفه — في السادس من مايو ١٩٣٦م — ولده الوحيد فاروق الذي كان يتلقَّى العلم في العاصمة البريطانية. وقال الملك الشاب، في تصريح — أُحسِن اختيار كلماته، وهو على ظهر الباخرة التي أقلته من بريطانيا: «نفتتح اليوم فصلًا جديدًا في العلاقات بين القصر والشعب، وأول ما نخطُّه في هذا الفصل أن المصريين جميعًا متساوون أمامنا.»١
وبعد عشرة أيام، حوَّل مجلس الوزراء سلطات الملك إلى مجلس وصاية، برئاسة الأمير محمد علي، حتى يبلغ سن الرشد في الثامنة عشرة من عمره.٢
ثم انتهت الوصاية في ٢٩ يوليو ١٩٣٧م، وأقيم الاحتفال بتتويج الملك فاروق؛ استقل عربة مطلية بالذهب، تجرُّها ستة خيول رمادية، شقَّت شوارع القاهرة إلى مجلس النواب، حيث أمسك فاروق بالصولجان في يدٍ، ووضع اليد الأخرى على مصحف، وأقسم أمام أعضاء مجلسَي النواب والشيوخ إنه سوف يحترم الدستور، وقوانين الدولة المصرية، ويحافظ على استقلال الوطن، ويحمي أراضيه.٣ وقرأ علي ماهر باشا رئيس الوزارة الانتقالية، رسالة من الملك الجديد، يعلن فيها تنازله عن ثلث مخصصاته الملكية، وتبلغ خمسين ألف جنيه لتُنفَق في صالح الشعب؛ وتفاءل المصريون، واستبشروا أن ١٩٣٦م ستكون فاتحة عصر جديد للحياة السياسية المصرية.٤
كان تقدير الوفد — بعد وفاة الملك فؤاد — أن الملك الشاب فاروق يسهل أن يُوضَع في جيبه، بحيث يسيِّره الوفد، ويوجِّهه، على النحو الذي يريده.٥ وكان تولي الملك الشاب الحكم يعني — في الحقيقة — أحد عاملَين: إما استمرار الخط الذي التزم به والده من إهمالٍ للدستور، ومصادرة للحريات، وتلاعب بالأحزاب، وإما الانفتاح على الجماهير، والالتزام بالديمقراطية.

تفاءل المصريون بتولي فاروق منصبه، واستندوا في تفاؤلهم إلى صِغر سنِّه، وعدم تأثره بالملابسات السلبية للحكم، سواء من أبيه، أو من رجال الحاشية وقيادات الأحزاب، لكنَّ رئيس الديوان أحمد حسنين، وعلي ماهر، تكفَّلا — منذ اللحظة الأولى — بأن يُعدَّا الملك الجديد ليكون استمرارًا أشد بشاعة لسلفه الراحل.

يقول كريم ثابت إن علي ماهر وأحمد حسنين «قد تناوبا رئاسة الديوان في السنوات العشر الأولى من عهد فاروق، كانا يستطيعان إسداء خدمة عظيمة إلى البلاد، وإلى الملك الفتى نفسه، عند مباشرة سلطته الدستورية، لو أنهما وجَّهاه من بادئ الأمر نحو التقاليد الدستورية الصحيحة، وعملا على تغيير العقلية التي كانت تسود علاقات القصر بالحكومة في عهد الملك فؤاد، لكنهما — بدلًا من أن يبذلا قواهما وجهودهما في هذا الاتجاه — وجَّهاها في سبيل تقوية القصر، واكتساب حقوق جديدة للملك، تعزيزًا لنفوذهما الشخصي.»٦
اغتبط فاروق — في رواية كريم ثابت — لأنه استطاع — بعد توليه سلطاته الدستورية ببضعة شهور — أن يطرد وزارة الأغلبية من الحكم، بفضل موقف علي ماهر الحازم — في تصوُّر الملك — في صون حقوق فاروق، ولم يدرك الملك يومئذٍ أن علي ماهر يسيء إليه، فقد وضع قدمَيه على أولى درجات الانزلاق في طريق التلاعب بالدستور.٧
وُلي الملك عرشه في ظروف عاطفية، ترتبط — في الدرجة الأولى — بنظرة المصريين إلى الشاب اليتيم — بصرف النظر إن كان أبوه ملكًا! — فضلًا عن النسيج الذي أجادت حاشية الملك صُنعه، في أحاديثها عن الملك الشاب، والملك الصالح، والملك الساهر على مصالح شعبه، وأيضًا ألقاب: العامل الأول والفلاح الأول وغيرها. كان أحمد حسنين هو جهاز الدعاية من وراء الملك، بنشر العديد من المقالات الصحفية، حول الإنسان الذي تتفجر في قلبه دومًا ينابيع المحبة والخير، والمؤمن الذي يحرص على أداء الفروض، والبطل الوطني الذي يشغله — إلى غير حدٍّ — واقع شعبه، ورغبته في النهوض به!٨
لم يكن رئيس الديوان الملكي أحمد حسنين — في تقدير التابعي — بطلًا، ولم يكن خائنًا لبلاده، إنما كان رجلًا ذا مطامع واسعة، كثيرًا ما أفلح في إخفائها وراء قناعٍ من الزهد في المناصب، والجهل بالسياسة وأسرارها.٩
وعلى الرغم من الإدانات المباشرة من محمد أنيس لأحمد حسنين في أكثر من حادثة يتبدَّى فيها تعاونه مع السلطات البريطانية، فإنه يطالعنا بتحفُّظ يؤكد فيه أن أحمد حسنين لم يكن عميل الإنجليز في القصر، وإن كان هو الرجل المفضَّل من جانب إنجلترا ليكون بجانب فاروق داخل القصر،١٠ والغريب أن التابعي قد وجد في بقاء أحمد حسنين إلى جانب فاروق، درءًا له ضد الديكتاتورية التي اتسم بها حكمه بعد وفاة أحمد حسنين!١١
كانت أول وظيفة يتولاها أحمد حسنين — بعد عودته إلى مصر من إنجلترا — هي السكرتير الخاص للجنرال ماكسويل الحاكم العسكري على مصر (١٩١٤م)، وظل في هذا المنصب إلى نهاية الحرب العالمية الأولى، ثم عمل مفتشًا بوزارة الداخلية، وكانت — كما يصفها حلمي سلام، بحقٍّ — مستعمرة بريطانية قائمة بذاتها، في قلب القاهرة. ثم انتقل في عام ١٩٢٢م إلى القصر الملكي، أمينًا للملك فؤاد. ويرسم محمد التابعي صورة لأحمد حسنين، الذي أصبح عشيقًا للملكة نازلي، فهو يعلِّم الملكة آيات القرآن الكريم، وهي تجلس على الأرض أمامه، كما تجلس التلميذة أمام أستاذها، وهو يتلو عليها آيات القرآن الكريم.١٢

وقد أدرك أحمد حسنين خطورة المسرح الفكاهي في الرأي العام، فاجتذب إليه — كما يروي حافظ محمود — نجيب الريحاني، يوحي إليه بطريقة غير مباشرة ببعض الأفكار السياسية التي كانت تُبَّث في رواياته، كان أبرز آثار هذا التوجيه في مسرحية «حسن ومرقص وكوهين» التي انتقد فيها الريحاني كلَّ الأحزاب بطريقة غير مباشرة.

يضيف الكاتب قوله: «لكن ذكاء الريحاني الفيلسوف مكَّنه من أن يبسط هذا النقد على الحاشية الملكية أيضًا، بطريقة تسر الناظرين والسامعين، حتى من الذين يمتد إليهم هذا النقد بالذات، وقد حصل الريحاني بهذه الرواية على وسامٍ من أوسمة الدولة.»

•••

كان رأي عزيز المصري أن أحمد حسنين وعمر فتحي هما اللذان أفسدا الملك الصغير،١٣ بينما ذهبت آراء أخرى إلى أن علي ماهر هو الذي شارك أحمد حسنين إفساد الملك! ويرى جلال الدين الحمامصي أن علاقة أحمد حسنين بالملكة نازلي، وزواجهما عرفيًّا، قد خلقا في نفسية الملك عقدة لا تقل عن عقدة ٤ فبراير.١٤ وكانت أغنيات الناس في الشوارع تردد: يا فاروق يا نور العين … أمك مرافقها اتنين … علي ماهر وأحمد حسنين!١٥
انساقت نازلي مع أهوائها عقب وفاة فؤاد، راحت تعبُّ من كل ما حرمت أيام إقامتها شبه المحددة في القصر، كأنها تنتقم من سوء نظرته، وقسوة معاملته لها، وإن بررت الشائعات ما كان يفعله بها فؤاد، بأنه تزوجها — مُرغمًا — تحت ضغط من سعد زغلول والمعتمد البريطاني، كي يصلح غلطة أخلاقية.١٦

وفي منتصف فبراير ١٩٤٦م، مات أحمد حسنين، إثر اصطدام سيارته بلوري بريطاني على كوبري قصر النيل.

ويروي كريم ثابت أن الملك جمع أوراق أحمد حسنين الخاصة بنفسه، بعد رحيله، وكان من بينها عقد زواج عرفي بين نازلي وحسنين.١٧

•••

في ١٩٤٤م تمت المصالحة بين الإنجليز والسراي، وأهدت الحكومة البريطانية الملك لقب «جنرال في الجيش البريطاني»، وكان الذي قدَّم له هذا الإهداء هو نفسه السفير اللورد كيلرن، الذي قدَّم إليه — في فبراير ١٩٤٢م — ورقة صفراء، ليكتب عليها تنازله عن العرش إذا رفض الإنذار البريطاني!

كانت الخطة بعد تلك المصالحة — التي انتهت عقب إلغاء معاهدة ١٩٣٦م في ١٩٥١م — أن يتخلص الملك من الأحزاب، حزبًا بعد آخر. فقبل مُضي عام على قيام الوزارة الوفدية في ١٩٤٢م، ضرب فاروق مصطفى النحاس بمكرم عبيد الذي انشق على الوزارة النحاسية، وانضم إلى المعارضة، وأصدر كتابًا أسود يحفل بإدانات الفساد المالي والسياسي.

ثم تخلص الملك من النحاس في أكتوبر ١٩٤٤م، ليخلفه في الحكم أحمد ماهر بوزارة مشكَّلة من كل الأحزاب المعارضة، وإن كانت تتجه إلى تفتيت كل تلك الأحزاب.

وفي تقدير شهدي عطية الشافعي أن التناقض بين مصالح إنجلترا والسراي، لم يكن دليلًا على وطنية السراي، لكنه كان تناقضًا بينهما في أيهما يكون له الحكم المطلَق في مصر.١٨

وقد أعلن أحمد ماهر — في أثناء رئاسته لحكومة أحزاب الأقلية — أنه لا بد من التطهير وتسوية حساب العصر الأسود — يعني وزارة النحاس — وأن النحاس لا يختلف في شيء عن هتلر أو موسوليني، ولا بد أن يكون مصيره مماثلًا، وأن السنتين اللتين أمضاهما الوفد في الحكومة أظهرا بطشًا وقهرًا، لا يقلَّان عن حكم النازي أو الفاشيست في إيطاليا، وأكد ضرورة محاكمة النحاس، وتكوَّنت لجنة مهمتها جمع الأدلة التي تُدين حكومة النحاس.

•••

في مذكرات اللورد كيلرن (١٩٣٨م) كتب: «يبدو لي أن فاروق قد رسخت قدمه أكثر مما يجب، ولا أحد هنا — حتى الأمير محمد علي — يستطيع أن يقف في وجه هذا الغلام. إن آخر التقارير التي وصلتني من داخل القصر تقول إن علي ماهر نفسه لم يعُد يستطيع أن يمارس النفوذ البسيط الذي كان يتمتع به عند فاروق؛ إنها مشكلة كبرى لنا!»١٩
روى الطبيب حلمي عبد الشافي، الشاهد أمام محكمة الثورة، والذي كان طبيبًا بمستشفى الدمرداش عامَي ١٩٤١م و١٩٤٢م، أن السراي كانت تخصص بضع غرف في الدرجة الأولى بالمستشفى لخدم السراي.٢٠ ويقول العقاد إنه من الخطط التي كان يبديها الملك، «ولا يخجل من إبدائها، أن يستعيد كلَّ فدان كان في حوزة الخديو إسماعيل، وكل بقعة أرض كان عليها رجل منسوب إلى ذويه، وكانت الوزارات تسقط، والمجالس النيابية تُحَل، إذا وقفت في سبيل هذا المطمع العسوف.»٢١
وحتى ٢٣ يوليو ١٩٥٢م، كانت الأرض الزراعية التي يملكها فاروق قد جاوزت ٩٦٠٠٠ فدان، فضلًا عن رقمٍ مشابه من الأوقاف التي كان يديرها، ويستولي على إيرادها، في الوقت الذي كان مجمل الأراضي الزراعية في مصر حوالي خمسة ملايين، يعيش فيها، ومنها خمسة ملايين من البشر،٢٢ وكانت المرأة التي تريد شتم أخرى، تقول لها: «ربنا يبليكي، ويشتغل جوزك في الأوقاف الملكية!»٢٣

بل إن بعض الآراء ذهبت إلى أن «فاروق» هو السبب الرئيس في القضاء على أسرة محمد علي، وليس جمال عبد الناصر، نتيجة حياته المسرِفة في المجون، والعربدة، والتلاعب بالوزارات، وسرقة ما في أيدي الآخرين، حتى لو كانوا ملوكًا مثله. ذلك ما حدث بالفعل حين أقدم على سرقة بعض الأشياء المملوكة لشاه إيران، عند نقل رفاته من مصر إلى بلاده، ثلاثة نياشين، أو أربعة، وقايش السيف، والحزام.

وقد بعث جيفرسون كافري سفير الولايات المتحدة في القاهرة، في ٢٨ أكتوبر ١٩٤٩م، تقريرًا إلى واشنطن عن الملك فاروق، وصفه فيه بأنه «يتميز بشخصية مزدوجة، ولهذا فهو يمارس تأثيرًا ذا طبيعة مزدوجة في حياة مصر.»٢٤ وأنه «يقدم الأرض والعون للفقراء، في حين أن مستأجري أرضه بالذات لا يجدون من يأبه لهم، أو يهتم بأمورهم.»٢٥ وأن الكثيرين ينظرون إليه بوصفه إنسانًا «لا تهمُّه إلا ملذاته التي تشمل المقامرة، والانكباب على سربٍ من الصديقات.»٢٦ وأنه «يراعي شكليات العبادات الظاهرة للإسلام، مثل صلاة الجمعة، ولكنه يهمل روح هذه العبادات في سلوكياته الشخصية.»٢٧
ثم كبر الملك الشاب — كما تقول الفنانة — وترهَّل، ولم يعُد حلم الفتيات الشابات، بل أثار الرعب في قلوبهن.٢٨ وفي أثناء رحلة الملك إلى فرنسا، على الباخرة «المحروسة»، قال الشيخ عبد المجيد سليم، شيخ الأزهر: تقتير هنا، وإسراف هناك، فأصرَّ الملك على إقالته!٢٩

•••

في الرابعة من مساء ١٥ نوفمبر ١٩٤٣م، اصطدمت سيارة الملك فاروق بسيارة نقل في طريق الإسماعيلية قرب القصاصين، وأصيب الملك بشرخٍ بسيطٍ في الحرقفة اليسرى وبعض الرضوض، ونُقِل إلى المستشفى العسكري البريطاني في القصاصين.

وفي رواية «قبل وبعد» أن الملك كان يركب سيارته ذات اللونين الأحمر والأسود، في طريقه إلى افتتاح مستشفى القصاصين، وكانت معه مجنَّدة من الجيش الإنجليزي،٣٠ وقيل إنه كان في طريقه إلى الإسماعيلية ليتفقد الإصلاحات التي أُدخلَت على يخته الجديد «فخر البحار»، وعاد الملك إلى القاهرة من القصاصين يوم الثلاثاء ٧ ديسمبر ١٩٤٣م.

يقول حلمي لوالده (الحصاد): يقال إنه كانت إلى جوار الملك امرأة، وإنها ماتت في الحادثة.

فيقول الباشا في صوت خافت: قيل هذا.

ثم يدير وجهه إلى ناحية القبلة، ويهمس: اللهم استرنا، واستر ولايانا.٣١
ولأنه كان في مقدمة الأهداف التي صدرت من أجلها «أخبار اليوم» مناصرة السراي ضد الوفد، وتحسين صورة السراي في أعين الجماهير المصرية، فقد كتب مصطفى أمين في ذكرى حادثة القصاصين التي كادت تودي بحياة فاروق: «في يوم الاثنين ١٥ نوفمبر ١٩٤٣م خفق قلب مصر، وقلب البلاد العربية جميعًا، فقد عرف الناس أنه في الساعة الرابعة بعد ظهر ذلك اليوم، اصطدمت سيارة حضرة صاحب الجلالة الملك بسيارة نقل كبيرة في طريق الإسماعيلية قرب القصاصين.»٣٢ وكتب مصطفى أمين في الجريدة نفسها بعد أسبوعين: «والذين عرفوا الملك عن قرب يقولون إنه يؤمن بحكم الشعب، ويرى في الدستور سياجًا يحمي الشعب والعرش، ويعتقد أن الدستور المحترم حقيقة هو الكتاب الوطني المقدس الذي يهدي كل ضال، ويرشد كل سائر في غير الطريق القويم. ولم يفكر الملك فاروق يومًا في أن يحكم مصر بغير الدستور، فهو يمتزج بالشعب، ويريد أن يكون صوته من صوت الشعب، وإرادته مستمدة من الشعب. وهكذا كان الدستور في جانب الملك دائمًا، لأنه كتاب لا يؤمن به إلا كل رجل يحب الحرية لنفسه وللناس، ويجعل مصلحته الثانية، ومصلحة الوطن هي مصلحته الأولى.»٣٣
في المقابل، فقد اعتبر البعض (واحترقت القاهرة) أن الملك أصبح شخصًا جديدًا بعد حادثة القصاصين، نجا بحياته، لكن شخصيته الأولى الأليفة الوديعة ماتت في الحادثة، حتى جسده أصبح مشوهًا، أصبح كما لو كان جثة ضخمة تمت بغير حساب … أين ذهبت رشاقته؟٣٤
خيَّب الملك كل التوقعات والآمال، كشف عن وجهه الحقيقي، وأنه غلام عابث، عنيد، غير ناضج، يصر على أن يملك ويحكم ضد الدستور والقانون، بصرف النظر عن خطورة العواقب.٣٥

•••

تساءلت الفنانة (بيت الأقصر الكبير) بعد انتهاء الحرب: «ماذا حدث للملك الشاب الذي تقدم في السن؟ لم يعُد يسعد بشيء، الحرب العالمية أضفت عليه صفة الملك الدُّمية، والحرب الصغيرة كانت الضربة القاضية.»٣٦

كان من النتائج المباشرة لافتضاح الملك فاروق، وأنه ليس ذلك الملك الصالح، وغيرها من الصفات التي أُلصقَت به، تلك المظاهرات والإضرابات التي شملت أنحاء مصر، فأضرب البوليس — لأول مرة في تاريخ البلاد — إضرابًا هائلًا، وشملت المظاهرات شوارع القاهرة والإسكندرية، حتى تصدَّت لها قوات الجيش.

كما أضرب الممرضون في قصر العيني، ولم ينته الإضراب إلا بعد أن اقتحمت الدبابات أبواب المستشفى، وقُتِل في مظاهرات الطلبة سليم زكي حكمدار العاصمة، وتعالت الهتافات بسقوط الملك.٣٧
في أعقاب حادثة كوبري عباس — ٩ فبراير ١٩٤٦م — هتف طلبة الجامعة — لأول مرة — بسقوط الملك فاروق، ومزَّقوا صوره المعلَّقة في مبنى الجامعة، وأحرقوها، كما قذفوا سيارات القصر الملكي بالحجارة، وأغرقوها بخراطيم المياه، وأطفئُوا الشعلة التي كان من المفروض أن تصل إلى الملك في الاحتفال بعيد ميلاده، في ١١ فبراير.٣٨ وأنزل ولد (طريق النسر) صورة فاروق المعلَّقة — بحجمها الكبير — داخل المقهى، ورماها على الأرض، فتهشَّم زجاجها، وهتف المتظاهرون: يسقط ملك النساء والحفاء!٣٩ وهتفوا لا ملك إلا الله.٤٠

روت الأهرام (١٠/ ٢/ ١٩٤٦م) ما حدث، بأن كوبري عباس كان مفتوحًا في ذلك الحين، ولكن بعض الطلبة استطاعوا إجبار المختصين على إغلاقه، نصحهم البوليس بالانصراف بهدوء، وذكرهم أن التظاهر ممنوع بحكم القانون، غير أن الطلبة بدءوا في اجتياز الكوبري، وظهرت طلائعهم فيما يلي الروضة، فواجهتهم القوات بالعصي الغليظة، بينما ضغطت عليهم — من الخلف — قوات بوليس الجيزة، فأصيب كثيرون منهم إصاباتٍ مختلفة، ونُقِل بعضهم إلى مستشفى قصر العيني، وبلغ عدد المصابين ٧٠ مصابًا، ١٧ منهم إصاباتهم خطيرة.

وحين أراد فاروق أن يتخلص من النقراشي بسبب مظاهرات الطلبة، أعاد الخبراء الإنجليز الموجودون في أجهزة الأمن مأساة فتح كوبري عباس، لمنع مظاهرات الطلبة من الوصول إلى قلب القاهرة، وسقوط بعض الطلاب الذين حاولوا العبور، وألصقت هذه التهمة بالنقراشي باعتباره رئيسًا للوزراء ووزيرًا للداخلية، لإخراجه من الحكم، وظهور فاروق — الذي ألقى الطلاب صوره على الأرض — بمظهر الذي يثأر لهم!

وطلب فاروق من النقراشي — في ١٩٤٦م — مليون جنيه — بالدولارات — لإصلاح اليخت «المحروسة»، فرفض النقراشي، وكتب إلى الملك يقول: «في الوقت الذي يشتد فيه التذمر من الفاقة التي تحيط بأفراد الشعب، فإن الناس لن يقبلوا منا التفكير في مثل هذا العمل، ولذلك فإنني لا أستطيع — ما دمت رئيسًا للوزراء — أن أوافق على طلب كهذا، واستقالتي بين يدَي جلالتكم.»

وقبل أن ينتقم منه الملك لرفضه طلبه، اغتيل النقراشي.٤١

•••

مرَّت العلاقة بين الملك الشاب والوفد بسلسلة من الأزمات، مثَّلت عوامل مباشرة، وحاسمة، في تدهور تلك العلاقة تمامًا، بحيث اتجه الملك إلى أحزاب الأقلية، يصنع منها وزارات عميلة للسراي.

كان من أولى الأزمات اقتراح الوفد بإنشاء وزارة للقصر، ورفض مجلس الوصاية ذلك الاقتراح؛ فالأزمة الأولى إذن كانت قبل أن يتولى فاروق سلطاته بالفعل، ثم كانت أزمة الحفلة الدينية التي رفض الوفد إقامتها لتنصيب الملك، ثم أزمة الجيش التي استلبت فيها حكومة الوفد من الملك سلطاته المباشرة في الجيش، فتحوَّل إلى قائد رمزي، وعدَّلت اليمين الذي يلقيه أفراد الجيش، بإدخال كلمة «الدستور» عليها، ولم تكن موجودة من قبل.

ثم كانت آخر الأزمات قبل إقالة الوزارة الوفدية، حين أعاد النحاس تشكيل وزارته، ورشَّح يوسف الجندي — منشئ جمهورية زفتى في ثورة ١٩١٩م — وزيرًا للمعارف، ورفض الملك هذا الترشيح.

ثم زادت الشروخ اتساعًا، حتى أقدم الملك على إقالة وزارة النحاس في ٣٠ ديسمبر ١٩٣٧م، وعطَّل الدستور أربع سنوات، نتيجة لتمسك الوفد بمبادئ الدستور. وكانت أسباب الإقالة التي تضمَّنها الأمر الملكي الصادر بإقالة الحكومة «أن الأدلة قد اجتمعت لدينا على أن الشعب لم يعُد يؤيِّد طريقة الوزارة في الحكم، وأنه يؤخذ عليها مجافاتها لروح الدستور.»٤٢
وقد وصف اللورد كيلرن هذه الإقالة بأنها «فعلة خرقاء … حين ألقي بحكومة تسيطر على غالبية الشعب في الشارع، وأن كل القلاقل الداخلية والاضطرابات التي وقعت بمصر منذ ذلك التاريخ، إنما ترجع أسبابها إلى ذلك الخطأ الدستوري الفاحش.»٤٣

يقول رياض قلدس: انتهت الأزمة الدستورية بهزيمة الشعب، فليست إقالة النحاس إلا هزيمة للشعب في نضاله التاريخي مع السراي.

يردف القول: فاروق ليس المسئول وحده، ولكن دبَّرها أعداء الشعب التقليديون، فهذه يد علي ماهر ومحمد محمود، ومن المُبكي أن ينضم إلى أعداء الشعب اثنان من أبنائه، ماهر والنقراشي، ولو تطهر الوطن من الخونة لما وجد الملك من يمكِّنه من هضم حقوق الشعب.

ويستطرد: ليس الإنجليز اليوم في الميدان، ولكن الشعب والملك وجهًا لوجه، الاستقلال ليس كل شيء، هنالك حق الشعب المقدس في أن يتمتع بسيادته وحقوقه، ليحيا حياة الإنسان لا حياة العبيد.٤٤

ويؤكد صلاح الشاهد أن العلاقات السيئة بين الملك والنحاس كانت قائمة منذ وُلي الملك سلطاته الدستورية عام ١٩٣٧م؛ فقد حدث الانقسام الثاني في الوفد في ذلك العام، وكان الأول في ١٩٣٢م لما انشق ثمانية من أعضاء الوفد عليه، وعندما أعاد النحاس تشكيل وزارته — عقب تولي الملك سلطاته — بدأت الاحتكاكات بين الملك الشاب — بتحريضٍ من رجال الحاشية وزعماء أحزاب الأقلية — وبين زعيم الوفد. ومقابلًا لمحاولات التدخُّل السافرة من السراي، فقد اضطر النحاس إلى مقابلة الملك، ليشرح له الحدود الدستورية وسلطات الحكومة المنتخَبة من الشعب، ووصف نفسه بأنه المستشار الأول للملك وفقًا للدستور «أبوك كان يعاملني كده.»

فثار الملك الشاب، وقال: «مستشار إيه؟ أبويا بتجيب سيرته بالطريقة دي إزاي؟ أنت ناقص تقول لي إنك تعيِّن الحلاق اللي يحلق لي دقني.»٤٥
وقد فاجأ الملك الوزارة الوفدية بتعيين علي ماهر رئيسًا للديوان، دون مشاورتها في الأمر — كما يقضي الدستور بذلك — فلم يدَع المسألة تمر، وإنما سارع إلى مقابلة الملك ليبلغه احتجاجه عليها.٤٦ ويقول الفنان (واحترقت القاهرة) إن فاروق ظل يحارب النحاس خمس سنوات كاملة، لم يدَع فيها وسيلة مشروعة، أو غير مشروعة، للقضاء عليه وتدميره، حتى بلغ به الأمر حد الإيعاز بنسف داره.٤٧
ولا شك أن الملك كان هو المستفيد الأول من الهجوم الضاري الذي شنَّه مكرم عبيد ضد الوفد في الكتاب الأسود؛ فقد كانت شهرة النحاس في مواجهة السراي — كما يقول محمد حسين هيكل — إنه نزيه، طاهر الذيل، ولم يستفِد من زعامته شيئًا.٤٨

•••

أفلح الملك، بعد محاولات ضارية — والتعبير لجلال الدين الحمامصي — في إقالة مصطفى النحاس في ٨ أكتوبر ١٩٤٤م.٤٩
ويرجح جلال الدين الحمامصي أن كراهية المصريين لفاروق بدأت يوم بدأ يستخدم حقَّه في إقالة الوزارة الوفدية «فقد كان الشعب وفديًّا، يندفع في تأييد الوفد.»٥٠ ويبدي عيسى الدباغ (السمان والخريف) عجبه من الإقالات المتوالية التي شهدتها حكومة الوفد «من العجيب أننا لا نكاد نستقر في الحكم عامًا حتى يقذف بنا خارجه أربعًا، ونحن نحن الحكام الشرعيون، لا حكام شرعيين غيرنا في البلد.»٥١

وبالفعل، فإن الوفد لم يزاول الحكم — منذ ١٩١٩م إلى ١٩٥٢م — سوى ست سنوات وثمانية أشهر، وتراوح مدى كل فترة في تلك السنوات الست يرتفع إلى سنتين وبضعة أشهر، ويهبط إلى ثلاثة أشهر، وكانت كل فترة تنتهي بالإقالة — أو في أقل تقدير — بالاستقالة!

وقد ظل عداء الملك للوفد إلى اللحظة الأخيرة. وأكد زكي عبد المتعال ومحمد هاشم في تقرير للسفارة البريطانية (١٣/ ٧/ ١٩٥٢م) «أن الملك لا يريد مطلقًا أن يرى الوفد ثانية في الحكم» و«أن مطامعه لا يمكن أن تتفق بأي حال مع عودة الوفد.»٥٢

•••

كانت مصر هي المملكة الوحيدة في العالم التي كان ملكها يسافر إلى الخارج، دون أن يؤلِّف مجلس وصاية يقوم مقامه في أثناء غيابه، لأن جميع الوزارات التي تعاقبت على الحكم لم تجرؤ على مخاطبته في هذا الشأن، وسكتت على ما يبين عنه التصرف من منافاة للدستور.٥٣

وأكد كريم ثابت — في محكمة الثورة — أن الملك كان يحرص على الإمساك بخيوط العمل الداخلي كلها في يديه.

ولعله يمكن القول إن ملكية فؤاد، ثم ملكية خلفه فاروق، كانت أقرب إلى الأنظمة الشمولية التي يخضع فيها كل شيء لإرادة الحاكم. كان للملك رأيه النهائي في تعيين الوزراء في مناصبهم، وعزلهم منها، وما تتخذه الوزارة من قرارات يجب أن يُعرَض على الملك أولًا، قبل أن ينفذ: التعيينات في الوظائف الإدارية والعسكرية، حتى القرارات الهامشية مثل موعد المحمل، ومواعيد سفر السفراء والوزراء المفوضين إلى مقار أعمالهم، وتأشيرات سفر أفراد أسرة محمد علي، وإجازات الوزراء، وكانت موافقته ضرورية على تعيين مدير مصلحة التنظيم، ومدير مصلحة المجاري، وعلى الإجازات القصيرة لرجال السلك الدبلوماسي، وحركة ضباط البوليس، وحتى مواعيد تغيير ملابس الضباط بين الصيف والشتاء، كانت تصدر بقرار منه، وأكد كريم ثابت في «محكمة الثورة» أنه لم يكن يتم أي عمل في الحكومة إلا بعد استئذان الملك.٥٤
أما أخطر المراسيم الملكية، فهي التي وقَّعها فاروق في ١٧ يونيو ١٩٥٠م، ليخرج كل الأعضاء الذين اجترءوا، وناقشوا الملك في قضية الأسلحة الفاسدة، فضلًا عن تعريضهم بكريم ثابت مستشار الملك الذي حصل على خمسة آلاف جنيه من أموال مستشفى جمعية المواساة بالإسكندرية، مقابل «دعاية» قام بها لحساب المستشفى. ويقول محمد حسين هيكل: «أحدثت مراسيم ١٧ يونيو تأثيرًا عميقًا في طول البلاد وعرضها، ووجمت الصحف إزاءها، فلم يستطع أحد الدفاع عنها، ذلك بأن أحدًا لم يتصور أن تُدبَّر مؤامرة يغتال بها الدستور هذا الاغتيال المريع، من أجل شخص من أبناء جريدة «المقطم» التي ناصرت السياسة الاستعمارية في مصر منذ نشأتها، ذلكم هو كريم ثابت.٥٥ كما أن أحدًا لم يتصور أن يقع ذلك الاغتيال المريع للدستور حماية لأولئك الذين تلاعبوا في صفقات الأسلحة والذخائر التي كانت تُرسَل للجيش المحارب في فلسطين.٥٦ وأسقطت تلك المراسيم رئاسة المجلس، كما أسقطت العضوية عن ١٩ شخصًا آخرين.
وقد تعجَّل الملك نهاية حكمه عندما أصدر — في آخر ديسمبر ١٩٥١م — أوامر ملكية بتعيين ثلاثة من أصدقاء الإنجليز الحميمين في وظائف مهمة: حافظ عفيفي رئيسًا للديوان الملكي، وعبد الفتاح عمرو سفيرًا لمصر في بريطانيا، وإلياس أندراوس مستشارًا اقتصاديًّا للملك. وفي وصف الدبلوماسي الإنجليزي سمارت لشخصية عبد الفتاح عمرو أنه «قليل الأهمية والفاعلية، وهو إنجليزي أكثر مما يجب.»٥٧

وبالطبع فإن تعيين الرجال الثلاثة، لم يكن وليد ذاته ولا مصادفة، فقد اشتدت الحركة الوطنية المصرية ضد الاحتلال البريطاني، وأرادت الحكومة البريطانية — التي أوعزت بذلك التعيين! — تعميق الروابط بين السراي والسفارة البريطانية، والتمهيد للصدام المتوقع بين الوفد والسراي.

وكان اسم الدكتور أحمد النقيب في العريضة التي ضمَّنها قادة المعارضة أسماء رجال الحاشية الذين أساءوا إلى صورة الحكم، مع ذلك، فقد أصر الملك على أن يجعله وزيرًا للصحة في وزارات ما قبل الثورة.٥٨

ترتيبًا على ذلك، خرجت المظاهرات في ١٩٥١م تهتف: إلى أنقرة … إلى أنقرة، أرادت الجماهير المصرية تذكير الملك بأصله، ودعوته للعودة إلى بلاده.

•••

تذهب معظم الروايات التاريخية إلى أن الملك كان يعتمد في سلطته على الأزهر والجيش، وقد حدد جمال حماد بواعث إنشاء الحرس الحديدي — وقوامه ضباط في الجيش — بأنه «للقيام باغتيال أعداء الملك.»٥٩ وقيل إن الحرس الحديدي أنشئ — أساسًا — لاغتيال مصطفى النحاس.٦٠ وجرت المحاولة في أبريل ١٩٤٨م، لكنها انتهت بالفشل، ثم أقدمت مجموعة أخرى من رجال الحرس الحديدي على محاولة أخرى لقتل النحاس، باءت كذلك بالفشل، وأعلن أنصاره أنه من أولياء الله! ويقول علي حسنين — أحد أقطاب الحرس الحديدي كما يصفه صبري أبو المجد — إن «يوسف رشاد كان هو الذي يوجِّه الحرس الحديدي، وإن مصطفى كمال صدقي كان المنفِّذ في كل الحوادث.»
ويروي يوسف صديق أنه أبدى دهشته لجمال عبد الناصر من عضوية أنور السادات — أحد أفراد الحرس الحديدي — في تنظيم الضباط الأحرار، لكن عبد الناصر طمأنه، وأنه يضمن ولاء السادات للتنظيم.٦١
ويصف أحمد عباس صالح شخصية السادات، بأن كان ذا رؤية سياسية، هي خليط من برنامج الحزب الوطني القديم بزعامة مصطفى كامل، وحركات الاغتيالات السياسية، مثل اليد السوداء.٦٢

•••

كانت شخصية فاروق تنطوي على ثلاثة أبعاد: أولها كراهيته الموروثة عن أبيه للدستور، وللحياة الدستورية، ومعرفته الأكيدة بتلهف الأحزاب إلى كرسي الحكم بأي ثمن، وبأية وسيلة، ثم تأثُّره بالحاشية، ورجال السراي، الذين حاولوا جهدهم إفساد شخصيته.٦٣

قال رفعت (الحصاد): أمر هذا الملك غريب، يملك كل شيء، ويهوى السرقة، يسرق الأدوية من المستشفيات في أثناء الحرب، ويسرق على موائد القمار، ويسرق التحف من المتاحف.

قال عبد الخالق: ويسرق السلطة من وزرائه، ويسرق الأراضي من الأوقاف.

قالت بثينة: ويسرق الزوجات من أزواجهن.

قال رفعت: إنه لا يعطي إلا الألقاب.

قال عبد الخالق معترضًا: حتى الألقاب يقبض ثمنها، أصبحت تجارة في مملكته.٦٤
كان كبار الأعيان والذوات يقدمون هدايا للملك، لينعم بالباشوية على العشرة آلاف جنيه، وبالبكوية الدرجة الأولى على الخمسة آلاف جنيه، وبالبكوية الثانوية على الثلاثة آلاف جنيه.٦٥ وقد باع الرجل (حكاية ريم الجميلة) بعض الأرض، وعدة بهائم، اشترى بثمنها لقب البكوية من الملك،٦٦ وكان أنور بك، السبَّاك الذي تحوَّل إلى مقاول (نحن لا نزرع الشوك) واحدًا من الذين اشتروا البكوية،٦٧ ورُوي أن العاصي، بائع الفول بدمنهور، أهدى الملك قدرة من فوله المدمس، أُعجب بها الملك إلى حد أنه أرسل له لقب البكوية في برقية عاجلة!٦٨ وقد دفع العمدة (الهجانة) ستة آلاف جنيه لياور الملك، حجز الياور لنفسه ألفًا، وأعطى الملك خمسة، فمنح الملك العمدة لقب بك، في حفلٍ رسمي بالقصر الملكي.٦٩
ويصف الضابط فرحات السروجي (في الظلام) الملك بأنه فاسد مجنون، يدوس أطهر المقدسات، ويعبث بأسمى القيم، ويطأ أنبل العواطف، فهو يبيع أمته، ويسرق الزوجات، ويحمي اللصوص والخونة والمرتشين،٧٠ وكان الناس يتحدثون عن فضائح الملك بالتورية، فيرمزون إليه بكلمة «صاحبك».٧١
وثمة رواية، لا ندري مدى نصيبها من الصحة أو الخيال: كان فاروق يخصص أسبوعًا من كل عام لاستقبال طالبات الفصول العليا بمدارس الليسيه في قصره بإنشاص، ليتولَّى بنفسه «تدشين القطاف الجديد» — والتعبير للفنان — تحمل كل واحدة في حقيبتها أفخر ثيابها، وأجمل ما تملكه من قمصان النوم، ويقضين الأسبوع في اللعب مع الملك، ويمتعنه بالاستحمام عرايا، قبل أن يختص واحدة أو اثنتين بعطفه الكريم،٧٢ وتحدَّث الناس عن علاقته بالراقصة الحافية،٧٣ وهو ما أفردت له صحيفة «رادار» الفرنسية تحقيقًا مطولًا، أكدت فيه أن فاروق له راقصة مفضَّلة، تمامًا مثل الملك هيرود في التاريخ القديم، أما سالومي الحديثة فاسمها سامية جمال، وقد شهدت دوفيل — في ليلة من ليالي الشرق الساخنة — سامية جمال وهي ترقص حافية القدمين في ثوب مطرز بالفضة، وقد أرسلت شعرها يصرخ في الهواء.٧٤ وسافر الملك إلى رودس — في رواية كريم ثابت — لقضاء إجازة مع ممثلة السينما كاميليا، ولأن إسماعيل صدقي — رئيس الوزراء آنذاك — كان قد أعد تعديلًا وزاريًّا، وهو ما يتطلب موافقة الملك، فقد استدعاه فاروق إلى رودس ليوافق على التعديل، ويوقِّع المراسيم الخاصة به،٧٥ واستمع الراوي (النظر إلى أسفل) إلى تأكيدٍ من صديق لأبيه بأن الملك وضع في سيارته جهازًا، يحيل المقعد الخلفي سريرًا، ويتولى الجهاز كذلك رفع ساقَي المرأة.٧٦ وكان ملهى الكيت كات من الأماكن التي يتردد عليها الملك فاروق،٧٧ وكان مسعود أفندي (جبل ناعسة) — بعد عزل الملك بسنوات — يتحدث عن الملك عندما كان يجلس وسط قصر المنتزه، والجميع عرايا حوله،٧٨ وأنه — الملك — كان يشرب عصير الحمام،٧٩ وقيل إن الملك كان يعصر الخروف المذبوح، ويشربه في كوب كبير،٨٠ ومن الشائعات التي تناقلها العامة (التوهمات) أن طهاته كانوا يقدمون له خروفًا بكامله مذابًا في كأس من الذهب الخالص!٨١
أما «الباشا» في «شيء في صدري» فقد كان واحدًا ممن يجلسون على مائدة القمار أمام الملك ليخسروا، مقابل تسهيل عملياتهم،٨٢ ذلك ما كان يفعله الكثير من باشوات تلك الفترة، مقابل مباركته لصفقات يريدون إتمامها.٨٣ وكانت مشكلة الشاويش صقر أنه ربى شاربه بالطريقة ذاتها التي ربَّى بها فاروق شاربه، لهذا فقد استدعاه الحكمدار، وابتدره في غضبٍ فور دخوله مكتبه: «إزاي يا ولد تزعل أفندينا بالشكل ده؟! بتقلده؟ بتنافسه؟!»٨٤
ومن أهم المجلات التي كانت تهاجم الملك: «الاشتراكية» التي أصدرها أحمد حسين، و«اللواء الجديد» عن الحزب الوطني الجديد، و«روز اليوسف» التي ترأس تحريرها إحسان عبد القدوس.٨٥ وحتى تتفادى الصحف مغبة الوقوع تحت طائلة القانون، فقد لجأت إلى نسبة أقوال له، دون أن تذكر اسمه الصريح، فهي تكتب «قال كبير»، أو«فعل مسئول كبير كذا وكذا»، وصوَّرت «روز اليوسف» شخصية الملك في رسم غول ضخم الجثة، لم تذكره بالاسم، وإن كان المعنى واضحًا. كما استخدم الفنان رسم حذاء ضخم — يشير إلى الملك — يدوس على سدنة الحكم، وما ألفوه من المهانة!٨٦
حاول الملك — في المقابل — أن يواجه تلك التلميحات، فأمر فؤاد سراج الدين بأن يصدر قانونًا يمنع نشر أي خبر إلا بذكر الأسماء صراحة، حتى تكف الصحف عن التلميح، أو تقع تحت طائلة القانون، لكن القانون — لأسباب دستورية — لم يُتح له الصدور.٨٧
لذلك، كان طبيعيًّا أن تنشط حملات البوليس في ١١ فبراير ١٩٥١م — عيد ميلاد الملك — لإلقاء القبض على المعارضين السياسيين.٨٨

•••

اختلف فاروق عن فؤاد في أن الثاني ظل حريصًا على أن يكون سيد القصر الأول والأخير، بينما شارك حاشية فاروق — وفي مقدمتهم علي ماهر وأحمد حسنين — في صنع القرار.٨٩

اجتذب أحمد حسنين مشاعر الطفل فاروق — وغرائزه — بما بذله من مغرياتٍ، أما عزيز المصري، فقد حاول تنشئة ولي العهد كما يجب أن تكون التنشئة، وكانت النتيجة — بالطبع — لصالح أحمد حسنين، الذي ظل مقرَّبًا إلى فاروق؛ حتى بعد أن تولى الحكم، بل إن سيطرة حسنين الراسبوتينية امتدت إلى الملكة الأم، وردَّد المتظاهرون في شوارع القاهرة ذات يوم: … أمك وأحمد حسنين!

استطاع فاروق بعبقرية فذة — على حد تعبير الفنان — أن ينقلب في نظر الشعب من معبودٍ يغني الجميع بحبه سنة ١٩٣٦م، إلى ديكتاتور مكروه في ظرف عشر سنوات، وبعد أن كان الناس يرددون أغنية مطلعها:

ملك البلاد يا زين … يا فاروق يا نور العين.

إلى:

ملك البلاد يا زين … أمك بتحب اتنين … علي ماهر وأحمد حسنين.٩٠
ويؤكد كريم ثابت في ذكرياته، أنه حتى كبار المسئولين في القصر لم يكن يُتاح لهم مقابلة الملك. كان الشماشرجية — سائق السيارة الملكية محمد فهمي حسين، والخادم الشخصي محمد حسن، وغيرهما — واسطة كبار رجال القصر والوزراء وكبار رجال الدولة لإبلاغ ما يريدون إلى مقام الملك،٩١ حتى رئيس الوزراء كان يتلقَّى الأوامر والتعليمات الملكية من شماشرجية القصر الملكي، حتى الأخبار التي قد تتسم بالعمومية، كان فاروق يخفيها عن رئيس الوزراء، وكبار المسئولين، ويرويها لخدم القصر، حتى إعلان طلاقه من فريدة، وخطبته لناريمان، لم يبلغ بهما أحدًا من المسئولين، أرجع الإعلانين إلى حياته الشخصية، ولم يعن بإشعار الحكومة مقدمًا بالموعد الذي حدده لإعلان الطلاق، وفاجأ الإعلان الحكومة مثل بقية المواطنين، الأمر نفسه في مفاجأة خطبته لزوجته الثانية ناريمان،٩٢ بل إنه اعترف بنظام حسني الزعيم في سوريا، قبل أن يعترف به مجلس الوزراء.٩٣
وبلهجة تنبض بالسخرية، يتحدث كريم ثابت عن كبار رجال القصر الملكي، الذين كانوا، على حد تعبيره «يتمخطرون بالسيارات الحمراء، ويلبسون البدل المزركشة بالقصب، ويحفُّون بالملك في زياراته ورحلاته وحفلاته وأيديهم معقودة على بطونهم أدبًا واحترامًا، ويجلسون — في كل احتفال — في الصف الأول، مواجهين رئيس الوزراء والوزراء، والذين كانوا — إذا مثَّلوا الملك في مناسبة من المناسبات — خُيِّل إليهم أن الدنيا — على سعتها — تضيق بهم، والذين كانوا — إذا سُئلوا في موضوع ما — لاذوا بالصمت، وألقوا في روع جلسائهم أنهم يعرفون جميع أسرار القصر، ولكنهم لا يتكلمون، لأنهم أمناء عليه، والذين كانوا يجيدون مراسم الدخول والخروج والجلوس والوقوف والانحناء والسلام، والسير إلى الوراء أكثر من السير إلى الأمام … إن أولئك جميعًا كانوا لا يتصلون بالملك إلا عن طريق الشماشرجية والمذكرات الرسمية، ولا يقابلونه إلا في النادر القليل.»٩٤
ويقول صلاح الشاهد إن الملكة ناريمان اشترطت عند زواجها بالملك إبعاد الكثير من حاشيته، لتنقية جو القصر، وهو ما حدث بالفعل.٩٥
وعلى الرغم من تكشُّف المأساة بكل أبعادها، فإن بعض الزعامات السياسية كانت في وادٍ آخر تغيب فيه حتى صيحات الملايين التي أصبحت الثورة مطلبها الأول — ولعلِّي أقول: الأوحد — وعلى سبيل المثال، فقد كتب كريم ثابت عن فاروق: «وما كاد يعتلي العرش، حتى تجلَّى للبلاد من أقصاها إلى أقصاها، أن الشعب كله هو محور تفكيره، وأن تفكيره الأول قائم على البر والخير، وشعر العمال وصغار الموظفين أن الملك يبرُّ بهم، ويعطف عليهم، وتجلَّى ذلك كله بأجل مظاهره منذ نشوب الحرب بوجه خاص.»٩٦ وكتبت «الأهرام» في ١٩٥٠م أن إخلاصها للتاج لم يكن غريبًا من مثلها، فقد «نشأت في ظل الخديو إسماعيل، وتمتعت بعطفه الكريم. كما أنها ظفرت بتشجيع أبنائه وأحفاده، فثبتت أقدامها في عصر توفيق، وترعرعت في عصر عباس، ولمعت في عصر فؤاد، وأشرقت في عصر الفاروق.»٩٧ وتحدث علي ماهر رئيس الوزراء — وأول رئيس لأول وزارة بعد الثورة! — في الحادي عشر من فبراير ١٩٥٢م عن الاحتفال بعيد ميلاد فاروق بقوله: «لا شك أن أبناء وادي النيل جميعًا يحتفلون، في ثنايا قلوبهم وأفئدتهم بعيد الميلاد الملكي، ليذكروا — في عزة وفخار — اليوم الثاني عشر من فبراير سنة ١٩٢٠م،٩٨ يوم أعلن البشير مولد الفاروق المحبوب، ففاضت قلوب المواطنين بشرًا وسرورًا، فلقد كان طالع الفاروق الميمون أكبر دلائل التوفيق والسداد.»٩٩ بل إن نجيب الهلالي، رئيس الوزراء في السادس من مايو من العام نفسه — وكانت أعمار الوزارات في ذلك العام بالأيام — تحدث عن مناسبة «ملكية» أخرى هي عيد الجلوس بالقول: «اللهم ما أعظم شأنك، وأعز سلطانك، وأوضح برهانك، أتيت فاروقًا الملك والسداد، فأصبح عرشه في وادي النيل قبلة آمال المواطنين، ومعقد رجائهم وأطماعهم، وآية وحدتهم، وكلمة إجماعهم، وقد ملكت قلوبنا سجاياه، وسقانا الطيب من رياه، وآمال مصر بين يديه في عزِّه الذي يرام، وكنفه الذي لا يضام، لا زال ظله على الوطن مديدًا ضافيًا، ونوره للبلاد مضيئًا هاديًا.»١٠٠ وكتب أحد الكُتاب أن الملك هو الفنان الأول، ونشر «شخبطة» رسمها الملك في طفولته، وأكد أنها إرهاصات العبقرية التي ظهرت فيما بعد.١٠١
في المقابل من تلك الأقوال، فقد كان رأي السفارة البريطانية آنذاك (١٣/ ٧/ ١٩٥٢م، أي قبل قيام ثورة يوليو بأيام) أنه «من غير المحتمل أن يحتفظ الملك بحكومة يرى فيها تصميمًا على اقتلاع الفساد، لأنه متورط فيه بشكلٍ أو بآخر، وحتى لو أدى خوفه لأن يفقد كل شيء، إلى أن يوافق على بعض الإصلاحات، أو التضحيات، فإن حاشيته الفاسدة، أو رجال المال الملتفِّين حوله سوف يعرقلونها، لأنهم يخسرون من أي تطهير.»١٠٢ يضيف مرتضى المراغي: «من المؤكد أن فترة الأشهر الخمسة الأخيرة قبل ٢٣ يوليو، كان فاروق فيها جاهزًا وثمرة ناضجة للسقوط، رغم مظاهر الثقة التي كانت تبدو — أحيانًا — في العبارات التي كان يتحدث بها عن معرفته بما يجري في الجيش.»١٠٣

•••

يقول الفنان (واحترقت القاهرة) على لسان والد الملكة فريدة: «من كان يتصور أن فاروق ينقلب هذا الانقلاب ضدها، فبعد أن كان يعبدها عبادة، لم يعُد له من عمل إلا أن يتفنن في إيلامها وتعذيبها.»١٠٤
وتقول فريدة: «لقد ضقت ذرعًا، ولم أعد أحتمل، فليقل الناس عني ما يقولونه، ولكني لم أعد أحتمل. أقسم لك يا ماما، إنني أتمنى لو كنتُ زوجة موظف صغير، أو عامل كادح يحب زوجته، خير من أن أكون ملكة لا يحترمها زوجها، ويحاول أن يهينها دائمًا على رءوس الأشهاد.»١٠٥
وتقول لوصيفتها: لقد صبرتُ عليكِ طويلًا، واحتملت واحتملت، على أمل أن تثوبي إلى رشدك، وأن تعرفي مقامك، فلم يزدك ذلك إلا تماديًا في تصرفاتك الشائنة. أما أن يصل الأمر إلى حد التطاول عليَّ، هنا في مخدعي، فلا بد أن أثبت لك من أنا، ولن أقبل إجراء أقل من طردك حالًا من هذا القصر.»١٠٦
ويتفاقم إحساسها بالمرارة، فتواجه زوجها الملك بالقول: «لا تقاطعني، واسمع ما سأقوله لك، فقد يكون ما تسمعه الآن هو آخر كلمات لي في هذا القصر. لطالما رجوتك ألَّا تهدِّد عرشك وكيانك بأعمالك الطائشة الهوجاء، فأبيت إلا أن تسرف في عنادك، وتمضى في طغيانك، ولكن المسألة اليوم لم تعد مسألة عرش أو ملكة، إنها مسألة كرامتي أنا كسيدة، كزوجة، ولن أسمح لنفسي أن أفرط فيها قيد شعرة، إنني أقول لك للمرة الأخيرة، إما أن تخرج هذه المرأة (الوصيفة) من هذا القصر إلى غير رجعة، أو أخرج أنا.»١٠٧
أما بثينة (الحصاد) فقد وجدت المبرر لتصرفات فاروق التي انتهت بتطليقه لفريدة، تقول لإلهام: «كان لا بد أن تقدِّري أنه بشر، يريد وريثًا لمُلكه، ولم تنجب له فريدة هذا الوريث، لو كنت مكانه لفعلت ما فعل، بل لو كنت رجلًا موسرًا لا ملكًا، وزوجتي عاقر، لطلقتها.»١٠٨

تزوج الملك فاروق من الآنسة صافيناز ذو الفقار (فريدة في الاسم الملكي) ووزَّع الطعام والكساء — في هذه المناسبة — على المحرومين، واحتفل الأزهر بالزفاف السعيد، وأقامت الكنائس حفلات قداس، حتى جمعية «كشورة» الإسرائيلية قدمت الطعام للفقراء، وأعيدت أعداد من العمال المفصولين إلى أعمالهم.

وفي ١٧ نوفمبر ١٩٤٨م — عقب سلسلة من الخلافات الزوجية التي أدَّت إليها تصرفات الملك، وأمام إصرار فريدة على الطلاق، أعلن طلاق فاروق وفريدة، ولم يجد فاروق — للتنفيس عن سخطه — إلا اتهامها في شرفها، وأنها على علاقة مشبوهة بوحيد يسري، نجل الأميرة شويكار، وهو اتهام لم يستطع الملك إثباته، لكنه كان مجرد محاولة منه لتشويه صورة فريدة أمام الملايين من سواد الشعب المصري الذين احتلت في نفوسهم مكانة طيبة.

لكن حدث ما حاول اتقاء الملك حدوثه، فعلى الرغم من أن أسباب الطلاق، وما سبقه من ممهدات، قد حُجبَت عن الشعب، فإن الجماهير التي كانت تدرك كل شيء، خرجت في مظاهرات صاخبة تهتف: لا ملكة إلا فريدة … حذاء فريدة فوق رأس فاروق … خرجت الطهارة من بيت الدعارة … إلخ.١٠٩ وكانت «عواطف الشعب كله مع جلالة الملكة فريدة.»١١٠

•••

كانت واقعة زواج فتحية شقيقة الملك من رياض غالي، معلمًا مهمًّا في التعجيل بنهاية فاروق، نتيجة تأثيرها السيئ في نفوس المصريين، والمسلمين بخاصة. ولم يأخذ مجلس البلاط — في اجتماع بتاريخ ٢٠ مايو ١٩٥٠م — بإسلام رياض غالي، لاعتناقه الإسلام تغطية لغاية معينة، وخرجت المظاهرات تهتف ضد الملك والبيت المالك، وهتف طلبة الأزهر: «إلى أنقرة يا ابن المَرة … رأس الأفعى خان الشعب … من لا يحكم أمه لا يحكم أمة.»١١١

كانت محاولة الملك الانتساب إلى البيت النبوي (١٩٥٢) معلمًا مهمًّا، آخر، في التعجيل بنهايته، فقد بدأ وزير الأوقاف — حسين الجندي — قبل حريق القاهرة، بحثًا في النسب النبوي الشريف، الذي أشارت إليه بعض الوقائع، وقد رحب بالبحث، وساعد فيه الشيخ الببلاوي نقيب الأشراف (٤/ ٧/ ١٩٥٥م)، كأنما عزَّ على فاروق أن يكون الحاكم الوحيد من بين سبعة ملوك وأمير، الذي لا ينتمي إلى آل البيت. وينقل أحمد بهاء الدين ما رواه حسين الجندي في مأساة النسب: «سلَّمني الملك السابق مذكرة في هذا الموضوع، في مأدبة ملكية، أقامها بقصر عابدين يوم ٢١ يناير ١٩٥٢م، وطلب مني أمام النحاس باشا وسائر الوزراء، أن أبحثها بصفتي وزيرًا للأوقاف، واستحثَّني فؤاد سراج الدين على أن أسرع في تنفيذ رغبة الملك، فكلَّفت حجازيًّا معروفًا وهو الأستاذ أمين التميمي، ببحث الموضوع، وبعد فترة قدَّم إليَّ المستندات التي تمكَّن من الوصول إليها، فعرضتها بدوري على نقابة الأشراف التي أصدرت قرارها المعروف.»

وأرادت «المصري» أن تسخر من هذه المهزلة، فتحدثت عن تفصيلات اكتشاف النسب، وقالت «إن حسين الجندي — بعد أن عجز باحثو وزارته عن إثبات النسب، عثر على شخص حجازي اسمه أمين التميمي، سبق أن استدعاه الملك عبد العزيز آل سعود ليثبت له نسبًا مشابهًا، فكلَّفه بإجراء هذا البحث.»١١٢ وقد أنعم الملك على حسين الجندي وزير الأوقاف برتبة الباشوية، تقديرًا لاكتشاف نسب الملك إلى نبي الإسلام.١١٣
لكن الناس أدانوا ما قدَّمه العلماء من فتاوى باطلة لإرضاء الملك: «أسمعت عن الذي جعل من الملك فاروق سليلًا لبيت النبوة؟!»١١٤ وقال حسان (الشارع الجديد) في الحانة: «نسب فاروق من جهة أمه، هو فاروق ابن نازلي بنت توفيقة، بنت ماريكا ماريكا، بنت … بنت … بنت فاطمة الزهراء.»١١٥ وبعد أن وجد فاروق لنفسه — بواسطة بعض علماء الأزهر — نسبًا شريفًا، وجد «الكرامة» التي تؤكد النسب الشريف، فقد شرد جمل كان يُساق إلى الذبح ضمن قافلة، ولاذ بقصر عابدين مستغيثًا بسليل البيت النبوي.١١٦

ومما يثير التأمُّل أنه على الرغم من مواقف الملك فاروق العابثة، اللاهية، فقد كانت له مواقف وطنية (لا يحضرني تعبير آخر) لا تتسق مع شخصيته؛ رفض بحدة، وإلى حد النقل من الوظيفة المهمة، كل من سعى إلى التطبيع مع إسرائيل في الأعوام المصاحبة لقيام دولة إسرائيل.

لقد عرف فاروق أن حسين فهمي وزير المالية في وزارة حسين سري الائتلافية سافر إلى جنيف، وأجرى اتصالات مع إسرائيليين، وأمر فاروق بعدم ضمِّه إلى وزارة حسين سري المحايدة، التي تلت وزارته الائتلافية.١١٧ وفي أبريل ١٩٥٠م تلقَّى الملك مذكرة من حسين سري — رئيس الديوان — يبدي فيها رأيه في العلاقات المصرية الإسرائيلية، وهو أن يتم الصلح مع إسرائيل على أساس الاعتراف بها، وأرفق حسين سري رأيه بطلب إعطاء تأشيرة دخول مصر للمندوبين الإسرائيليين الذين يريدون حضور اجتماع اللجنة الصحية الدولية بالإسكندرية (لعل المقصود منظمة الصحة العالمية)، ورفض الملك منح التأشيرة، كما رفض رأي حسين سري في مستقبل العلاقات بين مصر وإسرائيل.١١٨
ويشير كريم ثابت إلى أن المذكرة، وطلب إعطاء تأشيرة لمندوبين إسرائيليين، كانت سببًا في إيعاز الملك لحسين سري بتقديم استقالته، لأسبابٍ صحية.١١٩

•••

بعد أن أعلن فاروق زواجه من ناريمان صادق، قرر مجلس النواب أن يتبرع الأعضاء — حكومة ومعارضة — بمرتب شهر لتقديم هدية بمناسبة الزفاف إلى صاحب الجلالة، وقد تكلَّف حفل زفاف ناريمان إلى فاروق ٧٣٤٨٣ جنيهًا، كما بلغ ثمن الملابس التي اشترتها الملكة الجديدة من إيطاليا ٥٥٠٥ جنيهات، أما فستان الزفاف وحده فقد تكلَّف٥٠٠ جنيه، كل ذلك بأسعار تلك الأيام طبعًا.١٢٠ وجرت الاحتفالات في كل البلاد، احتفالًا بزواج الملك، وردَّدت الإذاعة أغنيات مثل: ناريمان … ناريمان … سعدك هل وعزك بان، وناريمان يا اسم جميل … يا منور على وادي النيل.١٢١ واستمر شهر العسل بين فاروق وناريمان ثلاثة عشر أسبوعًا، وكان يتكلف ألف جنيه كل يوم.١٢٢
وحين أنجب فاروق ابنه أحمد فؤاد، قالت علية سيف النصر (رواية ١٩٥٢) لصديقها اللواء عويس باشا: «الطفل الصغير أفقد العجوز الطامع في العرش — محمد علي باشا — صوابه»، تقصد الأمير أحمد فؤاد الثاني، الذي وُلِد للملك من الملكة ناريمان، وأصبح وليًّا للعهد.١٢٣
وفيما يُروى، فإن الملك — في أثناء إجازته الطويلة في أوروبا — طلب مرتب سنة مقدمًا لتغطية مصروفاته، وطلب النحاس من فؤاد سراج الدين، وزير المالية، تدبير المبلغ من المصاريف السرية، وتحويله — بالعملة الصعبة — إلى مقر الملك في أوروبا، في اليوم نفسه.١٢٤
عاد فاروق من رحلته الثانية إلى أوروبا في أكتوبر ١٩٥٠م، ويقول جلال الدين الحمامصي، إن الملك كان على ثقة من دنو نهايات حكمه، وإن أسفاره المتعددة إلى أوروبا لم تكن للنزهة فحسب، وإنما لتهريب أمواله ومجوهراته إلى الخارج.١٢٥
وفي ١٩٥١م تم صرف مرتب فاروق لمدة عام مقدمًا — ١٠٠ ألف جنيه — وحُوِّل إلى رصيده في أحد البنوك الأمريكية. وكما يقول أحمد عباس صالح، فقد كان الملك يعتقد أن نهايته مؤكدة، وقريبة جدًّا «ولعله بسبب هذا الاضطراب كان يمشي كالمُنوَّم نحو هذه النهاية، فيرتكب المزيد من الأخطاء والحماقات، كأنه يقرِّب إليه هذا اليوم الذي يخشاه.»١٢٦

وعندما تشكَّلت وزارة نجيب الهلالي، قبل إعلان ثورة يوليو بيومٍ واحد، تقدم إسماعيل شرين لأداء اليمين، حاول أن يقبِّل الملك، وقال وهو يغالب الدمع: يا مولاي، أنا خادم العرش، والعرش في خطر، ولن ينقذ العرش سوى شخص واحد هو مصطفى النحاس.

أضاف إسماعيل شرين في تأكيد: يا مولاي، نحن أمام بوادر انقلاب في الجيش، وسوف يطيح بالعرش، وأنا مخلص لجلالتكم، وأطالبكم بإنقاذ العرش المفدي.

واقترح إسماعيل شرين أن يأذن له الملك بالسفر إلى أوروبا، وإحضار النحاس الذي كان يقضي إجازته فيها، وقال: يا مولاي، إنها فرصة أرجو أن تغتنمها.

لكن الملك — بتأثير نصائح حافظ عفيفي — أفلت الفرصة.١٢٧

هوامش

(١) مصر والحرب العالمية الثانية، ٢٦.
(٢) الملف السري للملك فاروق، ٢٦.
(٣) المرجع السابق، ٤٥.
(٤) كيف سقطت الملكية في مصر؟، ٣٠.
(٥) من أسرار الساسة والسياسة، ٢٩٠.
(٦) مذكرات كريم ثابت، الجمهورية، ٢٠/ ٧/ ١٩٥٥م.
(٧) مذكرات كريم ثابت، الجمهورية، ٢٠/ ٧/ ١٩٥٥م. وعلي ماهر — كما يقول كريم ثابت — هو الرجل الوحيد الذي شارك في جميع الانقلابات الدستورية، عبر وزارات زيور، ومحمد محمود، وإسماعيل صدقي، وهو الذي وضع المسبحة في يد فاروق، ليظهر بها في الصور، عند خروجه من المساجد، وهو الذي أطلق عليه لقب الملك الصالح، وأمر بنشر ذلك اللقب، وتعميمه (الجمهورية، ٧/ ٧/ ١٩٥٥م).
(٨) سخَّر كريم ثابت قلمَه لمديح الملك، والتغني بأفضاله وحكمته، وأصدر في ذلك أكثر من كتاب.
(٩) من أسرار الساسة والسياسة، ١٩.
(١٠) محمد أنيس، ٤ فبراير، ٥٦.
(١١) من أسرار الساسة والسياسة، ١١٩-١٢٠.
(١٢) المرجع السابق، ١٠٢.
(١٣) من أسرار الثورة المصرية، ٥٦.
(١٤) معركة نزاهة الحكم، ١٠٥.
(١٥) جمال سليم، البوليس السياسي، ١٦٢.
(١٦) أمينة السعيد، أول مسمار في نعش الملكية، أخبار اليوم، ١٢/ ٨/ ١٩٨٩م.
(١٧) الجمهورية، ٥/ ٥/ ١٩٥٦م.
(١٨) شهدي عطية الشافعي، تطور الحركة الوطنية المصرية، ٦٤-٦٥.
(١٩) الدبابات حول القصر، ٤٦. وكان الأمير محمد علي يرى أنه أحق بالعرش من فاروق، وأكثر من التردد على لندن سعيًا وراء ذلك، وكان يطلب من المسئولين الإنجليز أن يعامِلوا المصريين بحزمٍ «لأننا إذا عاملناهم بلطفٍ فسوف تخرج الأمور من أيدينا.»
(٢٠) محكمة الثورة، ٣: ١٤.
(٢١) العقاد، العربي، يوليو ١٩٧١م.
(٢٢) فاروق ملكًا، ٤٨-٤٩.
(٢٣) محكمة الثورة، ٣: ١٧.
(٢٤) الجمهورية، ٢١/ ٥/ ١٩٧٨م.
(٢٥) المرجع السابق.
(٢٦) المرجع السابق.
(٢٧) المرجع السابق.
(٢٨) فوزية الأسعد، بيت الأقصر الكبير، المجلس الأعلى للثقافة، ١٢٩.
(٢٩) مذكرات محمد نجيب، ١١٣.
(٣٠) قبل وبعد، ٧٤.
(٣١) الحصاد، ١٩١.
(٣٢) أخبار اليوم، العدد الثامن.
(٣٣) أخبار اليوم، العدد العاشر.
(٣٤) واحترقت القاهرة، ٦٩.
(٣٥) كيف سقطت الملكية في مصر، ٢: ٤٠.
(٣٦) بيت الأقصر الكبير، ١٣٥.
(٣٧) فاروق ملكًا، ٣٩.
(٣٨) المرجع السابق، ٣٩.
(٣٩) طريق النسر، ٦٢-٦٣. ويرى نجيب محفوظ أن العيب الوحيد في فترة الملك، هو غياب البُعد الاجتماعي، والارتفاع الشديد في الأسعار، وبعد أن كان الناس يتكلمون عن الدستور والاستقلال فقط، أضافوا إلى أحاديثهم لقمة العيش، لذلك لا يمكن لأحدٍ أن يدافع عن الظلم الاجتماعي الذي حدث في تلك الفترة.
(٤٠) المصدر السابق، ٧٢.
(٤١) أيامه الأخيرة، ١٤٩.
(٤٢) أيامه الأخيرة، ٦١.
(٤٣) الأهرام، ١٠/ ٣/ ١٩٧٣م.
(٤٤) السكرية، ١٧٤-١٧٥.
(٤٥) ذكرياتي في عهدَين، ٣١-٣٢.
(٤٦) أيامه الأخيرة، ٢٨-٢٩.
(٤٧) واحترقت القاهرة، ٣٥١.
(٤٨) مذكرات في السياسة المصرية، ٢: ٢٧٦.
(٤٩) معركة نزاهة الحكم، ٩٣.
(٥٠) المرجع السابق، ٢٦.
(٥١) السمان والخريف، ١٩.
(٥٢) الهلال، نوفمبر ١٩٨٤م.
(٥٣) الجمهورية، ١٦/ ٦/ ١٩٥٥م.
(٥٤) محكمة الثورة، ٩/ ١٠/ ١٩٥٣م.
(٥٥) يصف محمد حسنين هيكل جريدة «المقطم» بأنها كانت تعبِّر عن السياسة البريطانية في مصر، من أيام كرومر وبعدها (صلاح عطية، مقدمة مذكرات كريم ثابت، تراث الجمهورية، ٣٩).
(٥٦) أيامه الأخيرة، ٧١.
(٥٧) كيف سقطت الملكية في مصر؟، ١٢٥.
(٥٨) محكمة الثورة، الكتاب السابع، ١٢٤٧.
(٥٩) أطول يوم في تاريخ مصر.
(٦٠) الدوحة، فبراير ١٩٨٤م.
(٦١) محمد توفيق الأزهري، يوسف صديق منقذ ثورة يوليو، مكتبة مدبولي، ١٩٩.
(٦٢) عمر في العاصفة، ٢٦.
(٦٣) حلمي سلام، أيامه الأخيرة، كتاب الهلال، ٢٥-٢٦.
(٦٤) الحصاد، ٣١٧.
(٦٥) قبل وبعد، ١٤٤.
(٦٦) مجيد طوبيا، حكاية ريم الجميلة، كتاب اليوم، ٤.
(٦٧) نحن لا نزرع الشوك، ٥٤٨.
(٦٨) وكالة عطية، ١١.
(٦٩) سليمان فياض، الهجانة، الأعمال الكاملة، هيئة الكتاب.
(٧٠) نجيب الكيلاني، في الظلام، الشركة العربية للطباعة والنشر، ٢٢٢.
(٧١) سكون العاصفة، ٣٩٥.
(٧٢) منتهى الحب، ١٣٢.
(٧٣) النظر إلى أسفل، ١٢٦.
(٧٤) أيامه الأخيرة، ١٣٤.
(٧٥) الجمهورية، ١٦/ ٦/ ١٩٥٥م.
(٧٦) النظر إلى أسفل، ١٢٦.
(٧٧) إبراهيم أصلان، الملهى القديم، بحيرة المساء، هيئة الكتاب.
(٧٨) مصطفى نصر، جبل ناعسة، ٥٦.
(٧٩) المصدر السابق، ٥٧.
(٨٠) فتحي سلامة، والعصر، هيئة الكتاب، ٩٦.
(٨١) التوهمات، ٨٤.
(٨٢) شيء في صدري، الرواية.
(٨٣) واحترقت القاهرة، ٣٨٠.
(٨٤) قضية الشاويش صقر، ١٨.
(٨٥) كان لرفع حالة الطوارئ، وغياب الرقابة بالتالي، تأثيرٌ مهمٌّ على الصحوة التي شملت صحف المعارضة، وبعض الصحف الموالية للحكومة.
(٨٦) فاروق ملكًا، ١٠٢–١٠٨.
(٨٧) المرجع السابق، ١٠٢–١٠٨.
(٨٨) ترابها زعفران، ١١١.
(٨٩) يونان لبيب رزق، ديوان الحياة المعاصرة، الأهرام، ٩/ ١١/ ٢٠٠٦م.
(٩٠) عبد الرحمن فهمي، تاريخ حياة صنم، هيئة الكتاب.
(٩١) الجمهورية، ٣٠/ ٧/ ١٩٥٥م.
(٩٢) المرجع السابق، ١٨/ ٧/ ١٩٥٥م.
(٩٣) المرجع السابق، ٢٠/ ٦/ ١٩٥٥م.
(٩٤) المرجع السابق، ١٢/ ٧/ ٢٠٠٠م.
(٩٥) صباح الخير، ٧/ ٣/ ٢٠٠٠م.
(٩٦) كريم ثابت، الملك فاروق، دار المعارف، ٨٧. ويصف جيفرسون كافري — في تقرير له — شخصية كريم ثابت (عُيِّن في ٢٧ مايو ١٩٤٦م مستشارًا صحفيًّا للملك فاروق) بأنه «لبناني، وشريك في صحيفة «المقطم» المسائية التي كان لها نفوذ في يوم من الأيام، وهو الآن المستشار الصحفي للملك. وقد عُيِّن أيضًا في وظيفة العضو المصري في مجلس إدارة شركة قناة السويس، ويتصف بعقلية تافهة شريرة، ويجمع بين الحيطة والدهاء، ولكنه يتمتع بنفوذٍ هائلٍ عند الملك» (الجمهورية، ٢١/ ٥/ ١٩٧٨م)، ويشير المستشار فاروق هاشم إلى أن كريم ثابت عرف نقطة الضعف في فاروق، وصار يقدم للملك خدماته القذرة، في مجال العلاقات النسائية بخاصة (فاروق هاشم، فريدة ملكة مصر تروي أسرار الحب والحكم).
(٩٧) الخرز الملون، ٦٢.
(٩٨) وُلِد الملك فاروق في الحادي عشر من فبراير ١٩٢٠م.
(٩٩) أيامه الأخيرة، ٢٠.
(١٠٠) المرجع السابق، ٢١.
(١٠١) أمين ريان، المعركة، دار الفكر العربي، ٤٩.
(١٠٢) الهلال، نوفمبر ١٩٨٤م.
(١٠٣) أكتوبر، ٢٨/ ٧/ ١٩٨٥م.
(١٠٤) واحترقت القاهرة، ٦٨. ويروي كريم ثابت أن الملك كان يريد تطليق فريدة منذ عام ١٩٤٤م، لكن أحمد حسنين كان ينصحه بإرجاء الطلاق.
(١٠٥) المصدر السابق، ٧٠.
(١٠٦) المصدر السابق، ٧٤.
(١٠٧) المصدر السابق، ٧٩.
(١٠٨) الحصاد، ٣٠٣.
(١٠٩) فاروق ملكًا، ٥٧.
(١١٠) واحترقت القاهرة، ٣٠٣.
(١١١) نجيب الكيلاني، في الظلام، الشركة العربية للطباعة والنشر، ١٣٢.
(١١٢) فاروق ملكًا، ٧٤-٧٥.
(١١٣) ذكرياتي في عهدَين، ١٢٣.
(١١٤) الحب يأتي مصادفة، ٤٨.
(١١٥) الشارع الجديد، ٥٥١.
(١١٦) كامل سعفان، الساعة الخامسة والعشرون، دار الأمين، ١٩٥٥م، ١١٤.
(١١٧) الجمهورية، ٢٦/ ٦/ ١٩٥٥م.
(١١٨) الجمهورية، ٢٤/ ٦/ ١٩٥٥م.
(١١٩) المرجع السابق.
(١٢٠) أيامه الأخيرة، ١٥٥.
(١٢١) عبد البديع عبد الله، زمن الحرية، مكتبة غريب، ٢٠٠١م، ١٧.
(١٢٢) الهلال، فبراير ١٩٧٧م.
(١٢٣) ١٩٥٢، ١٨٨.
(١٢٤) الموقف العربي، أغسطس ١٩٨٦م.
(١٢٥) معركة نزاهة الحكم، ١٢٥.
(١٢٦) عمر في العاصفة، ٣٨.
(١٢٧) ذكرياتي في عهدَين، ٢١٣-٢١٤.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٥