الإخوان المسلمون
في المقابل من حركة «مصر الفتاة» الناشئة، أو في موازاتها، كانت الحركة الشيوعية
تحاول تأكيد وجودها
بين بعض الأوساط المثقفة، وفي أوساط العمال، بينما لم تكن الفكرة الإسلامية قد تبلورت
في جماعة الإخوان
المسلمين التي كوَّنها حسن البنا فيما بعد. وقد اتجه تفكير بعض مثقفي الفكرة الإسلامية
— قبل ظهور الإخوان
المسلمين — إلى تنشيط الإيجابيات في جماعة «الشبان المسلمين». يقول مأمون رضوان (القاهرة
الجديدة): «ألا
يمكن أن نبدأ كفاحنا الحقيقي في جمعية الشبان المسلمين، فنطهِّر الإسلام من غبار الوثنيات،
ونرد إليه
روحه الفتية، وننشر منها دعوة لا تلبث أن تشمل الشرق العربي جميعًا، ثم بلاد المسلمين.»
١
كان مأمون رضوان هو عبد المنعم شوكت في «السكرية»، ذلك الذي وجد في الإسلام حلًّا
لكل المشكلات التي
تعانيها مصر، وكما يقول حسن البنا، فإن الجمعيات الإسلامية لم تكن قد انتشرت في القاهرة،
ولم يكن هناك
إلا جمعية مكارم الأخلاق الإسلامية، يرأسها الشيخ محمود محمود، وتنظم إلقاء المحاضرات
الإسلامية —
أسبوعيًّا — في مقرها بدار السادات ببركة الفيل.
٢
لكن بعض الاجتهادات تخالف البنا فيما ذهب إليه، ثمة جمعيات تأسست قبل تكوين جماعة
الإخوان
المسلمين، ومنها: الجمعية الشرعية لتعاون العاملين بالكتاب والسنة المحمدية، جمعية مكارم
الأخلاق
الإسلامية، جمعية المواساة الإسلامية، جمعية إحياء مجد الإسلام، جمعية الوفاء الإسلامي،
جمعية نشر
الفضائل الإسلامية، جمعية الرابطة الإسلامية، جمعية الأمة للمحافظة على القرآن الكريم،
جمعية العروة
الوثقى الإسلامية، جماعة أنصار السنة المحمدية، جمعية الإخاء الإسلامي، جمعية الهداية
الإسلامية، جمعية
الشبان المسلمين … إلخ.
٣
أسهم الإخوان — عقب إنشاء الجماعة — بالعديد من الأنشطة الملموسة، التي نبَّهت المواطنين
إلى فكر
الجماعة، بل وإلى التعاطف مع ذلك الفكر، مثل إنشاء خمسمائة معهد للثقافة العامة، وخمسين
فرقة جوالة،
وأكثر من عشرين ناديًا، ومدرستين ابتدائيتين، وعشرين مكتبًا أوليًّا لتحفيظ القرآن، وعشرة
مصانع يدوية
للنسيج، وعشر جمعيات تعاونية، وعيادتين مجانيتين، ولجنة للمصالحات بين الأسر والأفراد،
والعديد من
المساجد في الإسماعيلية، وغيرها.
٤
•••
على الرغم من الربط بين «الإخوان المسلمين» و«مصر الفتاة»، فإن التباين مؤكَّد بين
النبع الذي استقى منه
كلٌّ منهما أفكاره.
كانت مصر الفتاة — كما أوضحنا — استلهامًا للتنظيمات السياسية المتطرفة في أوروبا،
بينما كانت
جماعة الإخوان المسلمين تستلهم الأمجاد الإسلامية، وتتطلَّع إلى بعثها.
٥ الإسلام — في تقدير حسن البنا — «نظام شامل يتناول مظاهر الحياة جميعًا» فهو «عباءة
وقيادة
ودين ودولة وروحانية وعمل وصلاة وجهاد وطاعة وحكم ومصحف وسيف لا ينفك واحد من هذين عن
الآخر.»
– وما الإخوان المسلمون؟
يجيب حلمي عزت (السكرية) عن السؤال: جمعية دينية تهدف إلى إحياء الإسلام علمًا وعملًا،
ألم تسمع
بشُعبها التي بدأت تتكوَّن في الأحياء؟
– غير الشبان المسلمين؟
– نعم.
– وما الفرق؟
أجاب حلمي عزت وهو يشير إلى عبد المنعم شوكت، الداعية المخلص لمبادئ الإخوان: سَل
الأخ.
قال عبد المنعم: لسنا جمعية للتعليم والتهذيب فحسب، ولكننا نحاول فهم الإسلام كما
خلقه الله، دينًا ودنيا وشريعة
ونظام حكم.
٦
•••
في مارس ١٩٢٨م، كانت بداية تأليف جماعة الإخوان المسلمين، ثم ما لبثت أن انتشرت في
بقية الأقطار
العربية بمسميات مختلفة، تشكَّلت من سبعة أشخاص، تحدث فيهم حسن البنا بقوله: نحن إخوة
في خدمة الإسلام،
فنحن إذن الإخوان المسلمون.
عقدت الجماعة أولى جلساتها في مقهًى بمدينة الإسماعيلية، ثم اتخذت من بيت الواعظ
الشيخ حامد عسكرية
مقرًّا لها، ثم انتقلت إلى إحدى الزوايا،
٧ ثم فتح باب التبرعات لبناء مقر جديد، وكان أهم التبرعات مبلغ خمسمائة جنيه من شركة قناة
السويس، بالإضافة إلى قروض من عدد من التجار، واستطاعت الجماعة أن تبني مسجدًا يضم مقر
الجماعة، وأضيف
إليه — بعد ذلك — مدرسة للبنين، وأخرى للبنات، ونادٍ، ثم توالى إنشاء شُعب الجماعة في
مدن القناة
والدلتا،
٨ ومنها أبو صوير وبورسعيد والبحر الصغير والسويس والمحمودية.
يذهب علي عشماوي إلى أن بداية تكوين جماعة الإخوان المسلمين كان تأثرًا بوجود القوات
الإنجليزية
في منطقة القناة.
٩ كانت أنشطة الجماعة تقوم على نظام الأسر، كل أسرة تتكوَّن من خمسة إلى عشرة أشخاص، من
الطلبة
أو الموظفين أو العمال، وعلى كل فرد من الأسرة أن يعرف كل شيء في حياة أعضائها من النواحي
الاجتماعية
والثقافية والأخلاقية والعائلية، وكانت الأسرة تعقد اجتماعًا دوريًّا كل أسبوع في منزل
أحد الأعضاء، وليس
في مقر الشعبة.
اقتصر نشاط الجماعة — لعدة سنوات — على النواحي الدينية، كالوعظ الديني وإنشاء المساجد
وإثارة
المشاعر الدينية ضد مظاهر الانحلال، والحض على المعروف، والنهي عن المنكر، وإن حذَّر
البنا مَن يظن «أن
الإخوان المسلمين دراويش، قد حصروا أنفسهم في دائرة ضيقة من العبادات الإسلامية، كل همِّهم
صلاة وصوم وذكر
وتسبيح، فالإخوان المسلمون لم يعرفوا الإسلام بهذه الصورة، ولم يؤمنوا به على هذا النحو،
ولكنهم آمنوا
به عقيدة وعبادة ووطنًا وجنسية وخلقًا ومادة وثقافة وقانونًا وسماحة وقوة، واعتقدوه نظامًا
عمليًّا
وروحيًّا معًا؛ فهو عندهم دين ودولة ومصحف وسيف، وهم مع هذا لا يهملون أمر عبادتهم، ولا
يقصرون في أداء
فرائضهم لربهم.»
١٠
كان شعار الجماعة:« الله غايتنا، والرسول زعيمنا، والقرآن دستورنا، والجهاد سبيلنا،
والموت في سبيل
الله أسمى أمانينا.»
١١ وكان رأي أحد قادة الجماعة أن «الإخوان أطباء هذه الأمة، يعلمون من أمرها ما لا تعلم،
فانظروا إليهم — أي الناس — نظرة الطبيب إلى مريضه، ونظرة الوالد إلى ولده العاق.»
١٢ وكان الإخوان ينصحون بالزواج المبكر، حتى إن أحمد شوكت (السكرية) يداعب شقيقه عبد المنعم
بقوله: «لعل الإخوان يعتبرون الزواج مادة من دستورهم السياسي.»
١٣
•••
في عام ١٩٣٢م انتقل حسن البنا إلى القاهرة مدرسًا بمدرسة عباس بالسبتية، وبدأ البنا
في نشر الدعوة
في ثلاث غرف، في ثلاثة بيوت: البيت رقم ٤ حارة عمارة الشماشرجي، ورقم ٢٤ عطفة نافع بحارة
عبد الله
بالسروجية، ورقم ٦ بحارة المعمار، فضلًا عن محاضرات في الغورية والأزهر وحارة الروم ومقر
جمعية الحضارة
الإسلامية التي انضم جميع أعضائها — فيما بعد — إلى جماعة الإخوان المسلمين، وأصبح رئيس
جمعية الحضارة
الإسلامية نائبًا لحسن البنا في القاهرة، ثم انتقلت الجماعة إلى البيت رقم ٦٢ بشارع سوق
السلاح، واجتذبت
إليها أعدادًا من أبناء القلعة والدرب الأحمر.
عُقِد المؤتمر الأول للجماعة في مايو ١٩٣٣م، وتركزت مناقشاته في بحث سُبل مواجهة
أنشطة البعثات
التبشيرية المسيحية، وإخضاعها لرقابة حكومية صارمة،
١٤ ولا يخلو من دلالة دعوته للمسلمين بألا يتعاملوا مع غير المسلمين، ولا يضعوا قرشًا في
يد
غير المسلمين.
١٥ وكما يقول حسن البنا: «في هذه المرحلة جميعها، كنا ندعو الناس بالخطابة على المقاهي
التي
كانت تمتد مناطقها إلى حي الخليفة وقرة ميدان وأعالي المحجر، وذلك قبل موعد المحاضرة
الأسبوعية بساعات،
فما كان يحين موعد المحاضرة حتى يجد المحاضر أمامه عددًا من المستمعين. وفي هذه المرحلة
كانت شارة
الإخوان قد تغيَّرت من وسام أخضر من الجوخ، إلى علامة بيضاوية من نفس القماش تُعلَّق
على صدر الأخ، وقد كُتِب
عليها بالخيوط البيضاء في إطارٍ جميل: الإخوان المسلمون.»
١٦
ثم انتقلت الدعوة إلى الناصرية، واستقبلت الجماعة — على حد تعبير أحد قادة الإخوان
— مرحلة
الميادين العامة الكبيرة، عندما استأجرت شقة بعمارة الأوقاف في ميدان العتبة،
١٧ في هذه الشقة بدأت فكرة تنظيم الكتائب، ثلاث كتائب في الأسبوع: واحدة للعمال، والثانية
للطلبة، والثالثة للموظفين والتجار.
١٨
حاولت الجماعة أن تجنِّد لصفوفها العناصر الساخطة على تخاذل الوفد وتهادنه، ونجحت
الجماعة بالفعل في
استقطاب أعداد كبيرة من الجماهير، وبخاصة في الريف، وبين الطبقات الصغيرة في المدن.
ويوفَّق الفنان (السكرية) في عرض أسلوب دعوة الإخوان، في ذلك اللقاء بين الشيخ علي
المنوفي — أحد
كبار دعوة الإخوان — وبين عددٍ من طلبة الجامعة في قهوة أحمد عبده.
كان أسلوب دعوة الإخوان هو الوصول إلى الشباب في المساجد والمقاهي والأندية الأدبية
— والحدائق
العامة أحيانًا — ومحاولة شرح الفكرة لهم، واجتذابهم للعضوية. «مضيا — أحمد شوكت وعبد
المنعم شوكت إلى
قهوة أحمد عبده، وفي الحجرة المواجهة للنافورة، رأى أحمد شيخًا مرسل اللحية، حاد البصر،
يتوسط جمعًا من
الشبان يتطلعون إليه في اهتمام، فتوقف وهو يقول لأخيه: الشيخ علي المنوفي صديقك، أخرجت
الأرض أثقالها،
ينبغي أن أتركك هنا. أضاف: أحب أن تجالسه وتسمع له، ناقشه كيفما شئتَ، كثير ممن حوله
من طلبة
الجامعة.»
١٩
ومن الطبيعي أن تجد التيارات اليسارية والفاشية وغيرها، في دعوة الإخوان خطرًا مؤكدًا،
باعتبار
أنها تخاطب البعد الروحي في الإنسان المصري، بما يسهل استقطابه واستمالته.
•••
يقول الشيخ علي المنوفي (السكرية): «نحن مسلمون اسمًا، فيجب أن نكون مسلمين فعلًا،
لقد منَّ الله
علينا بكتابه، فتجاهلناه، فحقَّت الذلة علينا، فلْنعُد إلى هذا الكتاب، هذا هو شعارنا،
العودة إلى القرآن،
بذلك نادى المرشد في الإسماعيلية، ومن ساعتها ودعوته تسري في الأرواح، غازية القرى والدساكر
حتى تملأ
القلوب جميعًا.»
٢٠
تعمَّد حسن البنا عدم الاقتراب من السياسة في السنوات العشر الأولى من بدء نشاط الإخوان،
اقتصر
نشاطها على المجالات الدينية والاجتماعية، بينما استتر النشاط السياسي إلى حدٍّ بعيد.
كان من مطالبهم
الأساسية — في بداية تكوين الجماعة — مقاومة التبرج والخلاعة، وإغلاق الصالات والمراقص،
وتحريم الرقص
والمخاصرة، ومنع الإباحية والفوضى في المصايف، وفي الأزياء، وجميعها مطالب أخلاقية.
ثم بدأت الجماعة المشاركة السياسية في عام ١٩٣٨م، وبالتحديد في مايو ١٩٣٨م، عندما
صدرت مجلة الإخوان
الأسبوعية «النذير»، لتعبِّر — كما قالت المجلة — عن «أمجاد الإخوان المسلمين الوطني،
وابتداء اشتراكهم في
الكفاح السياسي في الداخل والخارج.» وأعلن حسن البنا أن المسلم «لا يتم إسلامه إلا إذا
كان سياسيًّا بعيد
النظر في شئون أمته، مهتمًّا بها، غيورًا عليها، وأن على كل جمعية إسلامية أن تضع في
رأس برنامجها
الاهتمام بشئون أمتها السياسية، وإلا كانت تحتاج نفسها لأن تفهم معنى الإسلام.»
٢١ ثم حدَّد حسن البنا هوية الجماعة بأنها ليست «جمعية خيرية، ولا حزبًا سياسيًّا، ولا
هيئة
موضوعة، لأغراضٍ محدودة المقاصد.» إنما هي «روح جديد يسري في قلب هذه الأمة فيحييه بالقرآن،
ونور جديد
يشرق فيبدِّد ظلام المادة بمعرفة الله، وصوت داوٍ يعلو مرددًا دعوة الرسول
ﷺ.»
أعلنت الجماعة — من خلال الصحف والنشرات — عن نهجها الجديد: «أتحسب أن المسلم الذي
يرضى بحياتنا
اليوم، ويتفرغ للعبادة، ويترك الدنيا والسياسة للعجزة والآثمين والدخلاء المستعمرين يُسمَّى
مسلمًا؟ كلا،
إنه ليس بمسلم. فحقيقة الإسلام جهاد وعمل ودين ودولة. لقد كان رسولنا الكريم يوقِّع المعاهدات،
ويباشر
المفاوضات، ويراسِل الملوك، ويسيِّر الجيوش، في الوقت الذي كان يصلي بالناس، ويقيم شعائر
الإسلام … فهل كان
في هذا رجلًا سياسيًّا؟ نعم، كان كذلك، ونحن من بعده نسير على منهاجه، ونعتقد أن السياسة
على قواعد
الإسلام وإعلاء كلمة الله، من صميم فكرتنا.»
٢٢
ويشير البنا إلى سعي الجماعة لعالم إسلامي قوي ومتحرر: «ونريد بعد ذلك أن نضم إلينا
كل جزء من
وطننا الإسلامي الذي فرَّقته السياسة الغربية، وأضاعت وحدته المطامع الأوروبية، ونحن
لهذا لا نعترف بهذه
التقسيمات السياسية، ولا نسلم بهذه الاتفاقات الدولية، التي تجعل من الوطن الإسلامي دويلات
ضعيفة،
ممزَّقة، يسهل ابتلاعها على الغاصبين، ولا نسكت على هضم حرية هذه الشعوب واستبداد غيرها
بها، فمصر وسورية
والعراق والحجاز واليمن وطرابلس وتونس والجزائر ومراكش وكل شبر أرض فيه مسلم يقول: لا
إله إلا الله … كل
ذلك وطننا الكبير الذي نسعى لتحريره، وإنقاذه، وخلاصه، وضم أجزائه بعضها إلى بعض.»
٢٣ ويكتب حسن البنا في تقديمه لكتاب عبد الحميد جودة السحار «أبو ذر الغفاري»: «من المهم
أن يعرف
الناس أن الإسلام لا يحارب الثروات العامة أو الخاصة، وإنما يحارب تجرد بعض الناس من
الثروة على حساب
تضخُّمها في ناحية أخرى، وأن الإسلام لم يقرن الغني بحقٍّ أدبي، ولا الفقير بحقٍّ معنوي.»
٢٤ وفي كتيبٍ للبنا صدر في ١٩٤٦م: «أيها الإخوان، أنتم لستم جمعية خيرية، ولا حزبًا سياسيًّا،
ولا
هيئة موضوعية الأغراض، محدودة المقاصد، ولكنكم روح جديد يسري في قلب هذه الأمة، وصوت
يعلو مرددًا دعوة
الرسول. وإذا قيل لكم: إلام تدعون، فقولوا ندعو إلى الإسلام الذي جاء به محمد، والحكومة
جزء منه. فإن
قيل لكم هذه سياسة، فقولوا: هذا هو الإسلام، وإن قيل لكم: أنتم دعاة ثورة، قولوا: نحن
دعاة حقٍّ، فإن ثرتم
علينا فوقفتم في طريق دعوتنا، فقد أذِن الله أن ندافع عن أنفسنا، وكنتم أنتم الثائرين
الظالمين.»
٢٥
تَحدَّد برنامج الإخوان — في ضوء ذلك الاتجاه — بما يلي:
-
الاستقلال الاقتصادي هو أساس الاستقلال السياسي.
-
التقدم الاقتصادي بالنسبة للكتل الفقيرة ضروري لسد الفجوات في البناء المصري.
-
ضرورة إلغاء الربا، بحيث يجد أصحاب الثروات أنفسهم عاجزين عن زيادة ثرواتهم إلا بالاستقلال
بأنفسهم، أو في مشروعات، أو شركات، وبهذا يُقضى على بطالة الأثرياء وكسلهم.
-
الكشف عن مصادر الثروات الطبيعية.
-
إزالة السيطرة الأجنبية.
-
تأميم البنك الأهلي.
-
إلغاء البورصة، وتحريم موارد الكسب الخبيثة.
-
إصلاح نظام الضرائب.
-
الإصلاح الزراعي.
-
حماية مستأجري الأراضي الزراعية.
-
حماية العمال والفلاحين من البطالة والإصابة والمرض والشيخوخة … إلخ.
٢٦
ويذهب فتحي رضوان إلى أن حسن البنا كان حريصًا — في البداية — على أن يظل الإخوان
المسلمون جماعة
دعوة وإرشاد، وتقويم للنفوس، ورد الناس إلى دينهم، واستلهامه في شئون دنياهم وآخرتهم.
إن رسالتهم — كما
حدَّدها الإمام — هي تقويم الجانب الديني من حياة المصريين أولاد المسلمين. ورأى الإمام
— يومًا — أن يَرفع
عن شعب الإخوان في كل مكان اسم الجماعة، ويضع عليه اسم «الحزب الوطني»، ويخيِّر الإخوان
إما أن يبقوا في
الجماعة للنشاط الديني البحت، وإما أن ينقلوا نشاطهم إلى الحزب الوطني، وقال: فيبقى معي
الدراويش، أما
الذين لهم طموح سياسي، ولهم قدرة على تحقيقه ورغبة في مكابدته، فالحزب الوطني خير ميدان
لهم، أطمئن
عليهم فيه، وأطمئن أنا إليه.
٢٧
وإذا كنا لا ندري مدى صحة هذه الرواية، فإن ما يهمنا بالفعل هو تبيُّن مدى إيمان البنا
بالعمل
السياسي، أو انصرافه عنه، من خلال وجوده الفعلي في الحياة السياسية المصرية لفترة غير
قصيرة.
•••
يقول عبد المنعم شوكت (السكرية): «فلنوطِّن النفس على جهادٍ طويل. إن دعوتنا ليست
موجَّهة إلى مصر
وحدها، ولكن إلى كافة المسلمين في الأرض، ولن يتحقق لها النجاح حتى نجمع مصر والأمم الإسلامية
على هذه
المبادئ القرآنية، فلن نغمد السلاح حتى نرى القرآن دستورًا للمسلمين أجمعين.»
٢٨
والواقع أنه كان من الممكن أن تصبح حركة الإخوان المسلمين استمرارًا للتيار الثوري
في الفكر
والجهاد الإسلامي، وكان من الممكن أن تتجه إلى تطوير الإسلام بما يتفق والثورة الوطنية
والاجتماعية
المصرية، وبما يتفق والتيارات السياسية التي كانت تموج أعوام الثلاثينيات: الفاشية والشيوعية
والرأسمالية وغيرها.
لكن الملاحظة التي وُجِّهت إلى قيادات الإخوان، مما أثَّر — بالتالي — على حيوية الجماعة
وتواصلها،
أنهم كانوا — من الناحية الفكرية والعلمية — دون ما يسمح لهم بوراثة وتطوير تراث الطهطاوي
والأفغاني
ومحمد عبده، ودون ما يسمح لهم بفهم تطورات العالم آنذاك. وبدلًا من التعاون، أو التعايش،
مع الحركة
الوطنية، اتجه الإخوان المسلمون إلى الرجعية المصرية، وأصبحوا إحدى أدواتها في مقاومة
الوفد. وكان ذلك —
من وجهة نظر أصحاب الملاحظة — هو الباب الذي اقتحمه فشل حركة الإخوان المسلمين، بالإضافة
إلى دورها
السلبي في إذكاء نيران الفتنة الطائفية، مما أساء إلى الوحدة الوطنية للشعب المصري، وهي
النتيجة
الإيجابية الكبيرة التي تمخضت عنها ثورة ١٩١٩م.
ويشير سلامة موسى إلى أنه كان في شكٍّ، أو خوف، من المستقبل، بعد أن ناضل لطفي السيد
وغيره في فصل
الدين عن السياسة، فقد توسَّم الإخوان في الجامعة الإسلامية من الآمال والآفاق، ما كان
يتوسَّمه الحزب
الوطني أيام مصطفى كامل من دولة الخلافة العثمانية «وفي هذا تفكيك للوطنية المصرية، وتشكيك
في قيمتها
ومستقبلها.»
٢٩ وذهبت بعض الآراء إلى أن الإخوان المسلمين كانوا إفراز ما بعد إلغاء الخلافة في تركيا
سنة
١٩٢٤م، وهو ما قد نجد انعكاسًا له في قول عبد المنعم (السكرية): «لسنا جمعية للتعليم
والتهذيب فحسب،
ولكننا نحاول فهم الإسلام كما خلقه الله دينًا ودنيا وشريعة ونظام حكم.»
٣٠
•••
قدَّم حسن البنا مذكرة إلى علي ماهر — بعد إعلان الحرب — قال فيها «إن موقف مصر الدولي
يجب أن يكون
واضحًا صريحًا، ويجب ألا تتورط الحكومة في شيء لا شأن لها فيه، ولا صلة لها به، إننا
أمة مستقلة تمام
الاستقلال بحكم القانون الدولي، وبيننا وبين إنجلترا معاهدة تحالف، قبِلها مَن قبِلها
تحت ظروف وأحوال
خاصة، لا على أنها خطوة في سبيل تحقيق الأهداف المصرية السامية.»
٣١
أفاد الإخوان من سنوات الحرب في تكوين مئات الشُّعب في القرى ومدن الأقاليم، وبلغ
عدد شُعب الجماعة
المسجَّلة في وزارة الشئون الاجتماعية أكثر من ٥٠٠ شعبة،
٣٢ ووصل تغلغلهم إلى المدارس الثانوية.
يُرجِع وسيم خالد أسباب ذلك الانتشار إلى تعاون قيادة الإخوان مع وزارة الداخلية
في فضح أسطورة
الحاج محمد هتلر في المساجد.
٣٣
وعلى الرغم من أن القانون رقم ١٧ لسنة ١٩٣٧م كان يحظر على الأحزاب والهيئات السياسية
أن تتخذ
تشكيلات عسكرية، أو شبه عسكرية، فإن جوالة الإخوان بلغ عددهم — في بعض الفترات — ٢٠ ألفًا.
٣٤
وفي عهد وزارة إسماعيل صدقي — في الأربعينيات — ظهر الإخوان كقوة دينية وسياسية يُعمَل
حسابها،
ونشرت الصحف الأجنبية تصريحات للمرشد العام، تحدث فيها عن بعض القضايا السياسية الراهنة،
واعتبرت تلك
الصحف نشاط الإخوان مبعثَ خطرٍ كبيرٍ على الأجانب «لِمَا تحمله دعوتهم من مبادئ دينية
تهدِّد كيانهم.»
٣٥
ويؤكد جلال الدين الحمامصي أن إسماعيل صدقي كان يلجأ إلى الإخوان، في فترة حكمه السابقة
لحكم
النقراشي، كي يعملوا على تهدئة المظاهرات، وإشاعة الأمن والاستقرار، حتى ينتهي من مباحثاته
مع المفاوض
البريطاني.
٣٦ وعندما توصل صدقي مع بيفن وزير خارجية إنجلترا على الخطوط العريضة لمشروعهما، استدعى
الشيخ
البنا — بعد وصول صدقي من لندن بساعتين — وأطلعه على مشروع الاتفاقية قبل أن يُطلِع عليه
شريكيه في الحكم
النقراشي وهيكل. وكانت موافقة البنا على مشروع الاتفاقية، باعثًا لتصوره بأنه قد أصبح
«زعيمًا فوق
الأحزاب» والتعبير لصلاح الشاهد.
٣٧ فلما عرض عليه — فيما بعد — أن يقابل النحاس، طلب أن يذهب النحاس إليه.
٣٨ فلما اشتدت المظاهرات الشعبية ضد المعاهدة، طلب صدقي من البنا أن يركب السيارة المكشوفة
لسليم زكي مساعد حكمدار العاصمة، ويعمل على تهدئة الجماهير الغاضبة، «واستجاب المرشد
العام لطلب صدقي
باشا.»
٣٩
لعب الإخوان دورًا مؤكدًا في محاربة لجنة الطلبة والعمال، مقابلًا لتأييدهم حكومة
إسماعيل صدقي،
حتى إن زعيم طلبة الإخوان في الجامعة خطب في زملائه عن إسماعيل «الذي كان صديقًا». ويقول
الفنان
(الدكتور خالد) إن دار الإخوان المسلمين أصبحت هي المكان الوحيد الذي تغمض الدولة عينيها
عما يجرى
فيه.
٤٠
ويذهب أنور السادات إلى أن حسن البنا كان يحاول — منذ منتصف الأربعينيات — أن يضع
لنفسه سياسة
جديدة، يضمن بها القفز بحركة الإخوان المسلمين، في جوٍّ آمن من مقاومة القصر أو غدره،
وكان يحاول الإمساك
بطرفَي حبلين في قبضته.
٤١
•••
هل كان حسن البنا عميلًا للإنجليز؟ وما صحة الأقوال التي تُعلِن وجود اتصالات خفية
بين جماعة
الإخوان — في البداية — وبين السفارة البريطانية، بواسطة مستشار السفارة الشرقي المستر
سمارت، انطلاقًا
من مصلحة الطرفين المشتركة في التقليل من نفوذ الوفد في الحياة السياسية المصرية؟
٤٢ وما الأدلة التي استند إليها بعض الكُتاب الأقباط في التأكيد بأن الإخوان ليسوا سوى
دسيسة
إنجليزية لتفرقة البلاد، وتمزيق وحدة الوطن؟ وهو ما تبدَّى في ترحيب الإنجليز بإنشاء
فروع للجماعة في
جميع البلاد الواقعة تحت نفوذهم، مثل السودان وشرقي الأردن وفلسطين واليمن والهند؟
٤٣
لعلَّنا نجد ردًّا على ذلك في تأكيد فتحي رضوان أن الإنجليز طلبوا من حسين سري نقل
حسن البنا من
مدرسة المحمدية بالقاهرة — حيث كان يعمل مدرسًا للغة العربية — إلى إحدى قرى الصعيد.
٤٤ ثم طلب الإنجليز — فيما بعد — اعتقال البنا مع عددٍ من قادة الإخوان، وقُبِض بالفعل
على البنا
وأحمد السكري في ١٩ أكتوبر ١٩٤١م، كما قُبِض على عبد الحكيم عابدين وأعداد من الإخوان،
وأودعوا معتقل
الزيتون،
٤٥ بالإضافة إلى ذلك، فقد كانت السلطات البريطانية وراء مصادرة مجلتَي «التعارف» و«الشعاع»
الأسبوعيتين، ومجلة «المنار» الشهرية، ومنع طبع أية رسالة من رسائل الإخوان المسلمين،
أو إعادة طبعها،
وإغلاق مطبعتهم، وحجب أخبارهم في الصحف، ومنع اجتماعاتهم.
٤٦
ويذهب وسيم خالد إلى أن الشيخ حسن البنا نظر إلى المشكلة من زاوية أخلاقية خالصة
«بالأخلاق وحدها
يصلح كل شيء، وهكذا استغرقته عملية طويلة كرس نفسه لها تمامًا لتربية نشء جديد، يعلِّمه
مكارم الأخلاق
والفضيلة، لكنه غرق هو الآخر في فضائل السلف الصالح، وتشوَّش ذهنيًّا بدوره، وتجمَّد
عقليًّا.»
٤٧ حجرة الشيخ المهدي (البنا) في «واحترقت القاهرة» — رغم ضيقها النسبي — قسمت إلى قسمين،
القسم
الأكبر منها مصلى، فُرشَت بالحصير، وأقيم حاجز خشبي ليفصل هذه المساحة عن باقي الحجرة،
وقد تناثرت
القباقيب الخشبية إلى جوار الحاجز، بينما جعل الشيخ المهدي مكتبًا له في الجزء الضيق
الباقي من الحجرة،
وثمة ماء منسكب على الأرض الخشبية، كان الشيخ المهدي دائم التحذير بأنه ماء طاهر يجب
ألَّا يقربه
أحد.
٤٨ ويقول فوزي السيد للمهدي: «… فهل يعلم أي إنسان أي شيء تريده؟ أي شيء ينطوي عليه صدرك؟
إنك
تبتسم لي، ومع ذلك فهل يعني هذا الابتسام شيئًا؟ هل يعلم — سوى الله — ماذا يدور الآن
في تلافيف
مخك؟!»
٤٩
يتحدث أنور السادات عن جو الغموض والأسرار الذي كان يحوط به البنا نفسه «ويحوط كل
أعماله، وكل
جماعته. كان سهلًا أن يقنعك بأنه يملك سلاحًا، وأن يقنعك بألَّا تسأل عنه أبدًا، وأن
يقنعك بأنه أعد فعلًا
جماعته للكفاح، وأن يقنعك بأن تحفظ هذا سرًّا بينك وبين نفسك، وأن يقنعك بأنه يعتمد على
قوة كبيرة مختفية
مجهولة، وأن يقنعك أيضًا بأن تؤمن بهذه القوة دون أن تعرف عنها أي شيء.»
٥٠ يضيف السادات: «حسن البنا — وحده — كان الرجل الذي يُعِد العدة لحركة الإخوان، ويرسم
لها
سياستها، ثم يحتفظ بها في نفسه، وإنَّ أقرب المقرَّبين إليه لم يكن يعرف من خططه شيئًا،
ولا من أهدافه
شيئًا. حتى لقد كان حسن البنا — في ذلك الوقت المبكر — يجمع السلاح، ويشتريه، ويخزِّنه،
ولكنه لم يكن يطلع
أقرب الناس إليه من كبار الإخوان أنفسهم على أي شيء من كل هذا.»
٥١
لم يكن يشغل حسن البنا الآراء المعارضة، بصرف النظر عن موضوعيتها، وكان إلحاحه مستمرًّا
على «الثقة
بالقائد، والإخلاص، والسمع والطاعة في العسر واليسر، والمنشط والمكره»، بينما لم يكن
الرجل يلزم نفسه
بأية واجبات تجاه أفراد الجماعة.
والواقع أن حسن البنا وأحمد حسين كانا يتسمان بشخصيتين تكادان تتطابقان من حيث الميل
إلى الزعامة،
والسيطرة، وتحريك الآخرين دون تقيد — ربما — بالآراء المخالفة.
•••
لعله يجدر بنا أن نشير إلى الاتجاه الإسلامي الذي مثَّله خالد محمد خالد، ولا يعبِّر
عن تعاليم
الإخوان، وخاصة في كتابه «من هنا نبدأ». ففي الوقت الذي كانت صحف الإخوان تشجب المظاهر
الاجتماعية
السيئة، مثل «حانات الخمر وصالات الرقص والفجور» أعاد خالد محمد خالد صرخة الثورة التي
أطلقها أبو ذر
الغفاري منذ مئات السنين: «عجبت لمن لا يجد القوت في بيته، كيف لا يخرج على الناس شاهرًا
سيفه؟!»
يستمد الكتاب قيمته — إلى جانب مضمونه «الغاضب» — من الزوبعة التي أثارها، بداية من
مصادرة
الكتاب، وفصلَ هيئة كبار العلماء خالد محمد خالد من عضويتها، إلى إفراج المحكمة عن الكتاب،
وإباحة
توزيعه.
وعلى الرغم من موقف الأزهر المتعسف من هذا الكتاب، ومبادرة جماعة كبار العلماء بفصل
خالد محمد
خالد، وإصدار الشيخ محمد الغزالي لكتاب «من هنا نعلم» الذي يستعدي فيه السلطات ضد خالد
وكتابه، أشبه بما
حدث لعلي عبد الرازق عندما أصدر كتابه «الإسلام وأصول الحكم» الذي أنكر فيه الخلافة،
ودعا إلى
الديمقراطية السياسية، فكان عقابه الطرد من الأزهر، وما حدث لطه حسين بعد صدور كتابه
«في الشعر
الجاهلي»، شنَّت عليه القوى الرجعية هجومًا حادًّا وعنيفًا، اضطره إلى تغيير اسمه إلى
«في الأدب الجاهلي»،
وحذف منه كل ما يعرضه للمؤاخذة … برغم ذلك فإن كتابات خالد محمد خالد كانت وليدة تلك
الأيام التي تبدَّت
فيها الحاجة الملحة إلى الإسلام المستنير، بكل ما تنطوي عليه العبارة من دلالات إيجابية.
•••
الملاحَظ أنه في المرات التي حاول فيها الإخوان أن يقيموا تعاونًا مع التكتلات السياسية
القائمة،
فقد كان ذلك — وهي ظاهرة غريبة — يتم مع القوى الرجعية بطبيعتها، المعادية للشعب بحكم
نشأتها، وتكوينها،
وقياداتها، فهم لم يحاولوا — على سبيل المثال — أن يقيموا تحالفًا مع الوفد، أو مع التيارات
التقدمية،
أو الشبابية، لكنهم أقاموا جسورًا من التعاون مع السراي أحيانًا، ومع بعض أحزاب الأقلية
أحيانًا أخرى،
حتى كانت السراي، وأحد أحزاب الأقلية، وراء القرار الأول بتصفيتهم، ووراء جريمة اغتيال
الإمام حسن
البنا. بل إن الفترة الوحيدة التي حقق فيها الإخوان تعايشًا مع الوفد كانت في أعقاب تولي
النحاس رئاسة
الوزارة يوم ٤ فبراير ١٩٤٢م. فلما انتهت الحرب — وكان عدد جوالة الإخوان المسلمين قد
بلغ ٤٥ ألف جوال —
اتجه الإخوان إلى التحالف مع السراي وحكومات الأقلية، ثم اشترك الإخوان — في ١٩٤٦م —
في معارك علنية ضد
مظاهرات الوفديين والشيوعيين.
•••
كان للإخوان المسلمين موقفهم المعلَن من تطورات القضية الفلسطينية، قبل سنواتٍ من
قرار التقسيم، ثم
«احتد النزاع حول التقسيم الجائر والاستعمار الغاشم، فحمل الإخوان هذا العبء، ومضوا يجمعون
التبرعات وهم
يحملون على أيديهم اليمنى شاراتٍ من القماش باللونين الأحمر والأسود، مكتوبًا عليها بالخط
العريض «أنقذوا
فلسطين»، ودوت الخُطب في المساجد ناقلة صرخات أهل مدينتَي صفد وطولكرم، وما كان من المذابح
المروعة في قرى
طبرية والناصرة وبيسان وجبال نابلس، مما يستفز الحليم، ويفتت الأكباد، لمَا وصل إليه
أهل فلسطين الأعزاء
من أذًى وشقاء.»
٥٢
وألَّف الإخوان المسلمون ست كتائب، اشتركت في حرب فلسطين منذ بدايتها في ١٥ مايو ١٩٤٨م.
وثمة قول نُسب إلى حسن البنا عقب إعلان الهدنة الأولى في فلسطين، قال للنقراشي: «لماذا
تقبل الهدنة
مع اليهود في فلسطين؟ إن فلسطين فيها عصابات صهيونية، ونحن عصابات إسلامية، والعصابات
يضرب بعضها
بعضًا، فإن انتصرنا فلمصر، وإن متنا دخلنا الجنة لأننا نحب الجنة، اتركنا في فلسطين نصارع
الصهيونية،
أنت من حقك كسياسي تحت الضغوط الدولية أن تقبل الهدنة كما تشاء، ولكن ليس من حقك أن تمنع
عصابات عربية،
أو مسلمة، تشتبك مع الصهاينة.»
٥٣
لماذا انقلب النقراشي على الإخوان المسلمين؟
على الرغم من أن الملابسات كان تؤكد رضاءه عنهم، أو سكوته — في الأقل — عن نشاطهم،
فقد كان
السعديون وراء الإفراج عن البنا وبعض أفراد جماعته في عهد وزارة حسين سري عام ١٩٤١م.
ثم تهادن الإخوان
معها — بصورة معلَنة — ضد الوفد في عام ١٩٤٦م، بل إنه عندما بدأت قطاعات الشعب المختلفة
تتحرك للمطالبة
بالاستقلال، تشددت حكومة النقراشي في منع الاجتماعات والمؤتمرات الشعبية بالنسبة لكل
الجماعات والهيئات،
عدا جماعة الإخوان، فقد سمحت لها أن تعقد مؤتمرها العام لنواب الأقاليم.
٥٤
لكن حركة الإخوان المسلمين — كما قال ممثِّل الادعاء في قضية مقتل النقراشي — بدأت
بالتسلل إلى
الحركات والمجموعات الطلابية في المدارس والمعاهد والجامعات، ثم حاولت اغتنام الفرص للفت
الأنظار إلى
نشاطها، بإلقاء القنابل على العديد من الأماكن في القاهرة والإسكندرية وبورسعيد، ثم قتل
القاضي أحمد
الخازندار بك في ٢٢ مارس ١٩٤٨م،
٥٥ أثناء خروجه من بيته في حلوان، عقابًا من الإخوان — كما أعلنوا — على الأحكام القاسية
التي
أصدرها ضد الإخوان الذين ألقوا القنابل على معسكرات الإنجليز بالإسكندرية.
ويذهب صلاح عبد الحافظ إلى أن حادثة مقتل الخازندار جاءت بناء على تخطيط التنظيم
السري لجماعة
الإخوان المسلمين، وليست مجرد تصرُّف فردي؛ رأت الجماعة أن المستشار الخازندار يستحق
القتل لأنه عُرِف
بتشدُّده وقسوة أحكامه، وأسقط في تلك الأحكام الدافع الوطني الذي انطلق — بتأثيره — منفذو
العملية. لكن
اغتيال الخازندار — في تقدير صلاح عبد الحافظ — كان بداية تخبُّط جماعة الإخوان المسلمين،
وكان اغتيال
النقراشي في ٢٩ ديسمبر ١٩٤٨م، آخر مسمار دُقَّ في نعشهم؛ حيث نكل بهم إبراهيم عبد الهادي
عقب ذلك، وعقب
الاعتراف على جميع الخلايا التنظيمية لهم، وانتهى الأمر فعلًا إلى اغتيال حسن البنا،
وحلِّ
الجماعة.
٥٦
كان الإخوان قد قاموا بحملة لإلقاء القنابل على أماكن الجيش البريطاني، وفي نادي
الاتحاد المصري
الإنجليزي، وكان الهدف إشعار الرأي العام العالمي في أثناء عرض القضية المصرية على مجلس
الأمن، أن
المصريين يرفضون احتلال الجيش البريطاني لبلادهم، وأن عدم جلائه سيؤدي إلى وقوع مثل تلك
الحوادث.
٥٧ وأعلن عبد المنعم شوكت (السكرية) أن بريطانيا «هي عدونا الأول في هذا الوجود.»
٥٨ وواجه الإخوان المسلمون في ١٩٤٧م، اتهامًا بأنهم يحاولون خلق فتنة طائفية، وجرَّ مصر
إلى حرب
أهلية، بدلًا من التصدي لقوات الاحتلال. فقد قام عدد كبير من الأفراد بالاعتداء على كنيسة
في الزقازيق،
واتهمت الهيئات القبطية الإخوان المسلمين والشبَّان المسلمين بأنهم يشنون حربًا على غير
المسلمين، لكن
الهيئات الشبابية والطلابية استنكرت هذا الحادث، وأعلنت رفضها لكل محاولات التفرقة الطائفية.
٥٩
•••
أُلقيَت قنابل ومتفجرات على أقسام الشرطة في الخليفة والموسكي وباب الشعرية والجمالية
ومصر القديمة
والأزبكية والسيدة زينب، كما أُلقيَت قنابل على بعض المحال العامة التي يرتادها جنود
الجيش البريطاني في
ليلة عيد الميلاد.
٦٠ وتوالت الانفجارات في ممتلكات اليهود: محلات بنزايون، وجاتينيو، وشركة الدلتا التجارية،
ومحطة ماركوني للتلغراف اللاسلكي، ثم نُسفَت محلات شيكوريل في ١٩ يوليو ١٩٤٨، ودُمِّرت
بضعة منازل في حارة
اليهود، ثم حدث أشد الانفجارات — في ١٣ نوفمبر من العام نفسه — في مبنى شركة الإعلانات
الشرقية، وأصيب —
من جراء الانفجار — كثيرون.
٦١ وتوصَّلت الشرطة إلى طرف الخيط في كل تلك الأحداث، عندما ضبطت كميات هائلة من الأسلحة
في عزبة
بالإسماعيلية، يمتلكها الشيخ محمد فرغلي قائد كتائب الإخوان في فلسطين.
٦٢
وفي ٤ ديسمبر، أودت قنبلة بحياة سليم زكي حكمدار القاهرة، واتُّهم الإخوان المسلمون
بتدبير الحادث
وتنفيذه.
٦٣ وفي ٦ ديسمبر، أُلقيَت قنبلة على عددٍ من رجال الأمن بالمدرسة الخديوية، فأصيب ضابط
وسبعة
جنود.
٦٤
تكررت المصادمات بين حكومة النقراشي والإخوان المسلمين؛ ذوت الصداقة القديمة، تلاشت
تمامًا، ولجأ
النقراشي إلى الأحكام العرفية التي فرضتها حرب فلسطين، فصدر قرار الحاكم العسكري العام،
في الثامن من
ديسمبر ١٩٤٨م، بحلِّ جماعة الإخوان المسلمين وشُعبها، وإغلاق دار المركز العام للجماعة،
وإغلاق الأمكنة
المخصَّصة لنشاطها كالمصانع والشركات والمعاهد والمستشفيات، وضبْط أوراقها ووثائقها وسجلاتها
ومطبوعاتها
وأموالها، وكافة الأشياء المملوكة لها، وتعيين مندوب خاص مهمته تسلُّم جميع أموال الجمعية،
وتصفية ما يرى
تصفيته منها،
٦٥ وأشارت الحكومة إلى أن الأوراق التي وُجدَت في مقار الإخوان تدل على أنهم يعِدُّون للاستيلاء
على
مصر بأكملها عن طريق ثورة مسلحة،
٦٦ وصدر بيان من وزارة الداخلية، وضعه عبد الرحمن عمَّار وكيل الوزارة، يحدد الاتهامات
الموجهة
للإخوان المسلمين، وكان من بينها قتل القاضي أحمد الخازندار، وإلقاء القنابل على المحال
التجارية، ونسف
شركة الإعلانات الشرقية، وضبط سيارة بها أسلحة ومفرقعات، وقتل اللواء سليم زكي، واعتصام
طلبة كلية الطب،
وإلقاء القنابل في المدرسة الخديوية. وأدان البيان جماعة الإخوان المسلمين في كل تلك
الجرائم، برغم أن
النيابة لم تكن قد استكملت تحقيقاتها بعد، وتوضَّح هدف وزارة النقراشي في حل الإخوان
المسلمين.
٦٧
صدر قرار الحل في وقتٍ كان الإخوان قد أوشكوا فيه على جني ثمار ما زرعوه، ثمة جريدة
أسبوعية، ومجلة
أسبوعية، وشركات، ومدارس، ومستوصفات، وامتد النشاط من المدن إلى القرى،
٦٨ وأودعت الحكومة أعدادًا كبيرة من أعضاء الإخوان في المعتقلات والسجون، وتوقع الرأي العام
ردًّا من الإخوان على قرار الحل، بعد أن أصر النقراشي عليه، رغم كل المحاولات التي بُذلَت
لإثنائه عنه.
ويروي كريم ثابت أنه عقب قرار حكومة النقراشي بحل جماعة الإخوان المسلمين، قال حسن
البنا لكريم
ثابت، في لقاء جمعهما بمكتب مصطفى أمين، إن انجراف الإخوان المسلمين إلى الاشتغال بالسياسة،
كان خطأ
كبيرًا. وطالب كريم ثابت أن يتدخل بنفوذه لدى النقراشي، كي يُوقِف إجراءات حل الجماعة،
ويُبقَى عليها كهيئة
دينية تنصرف إلى تأدية رسالتها الأخلاقية، دون أن تجاوزها بحالٍ ما.
٦٩
لكن النقراشي دفع — بعد ثلاثة أسابيع — ثمن خصومته للإخوان: سقط صريعًا بثلاث رصاصات
أطلقها عليه
عضو جماعة الإخوان عبد المجيد أحمد حسن الطالب بكلية الطب البيطري، وسط فناء وزارة الداخلية،
بينما كان
يتهيأ لدخول المصعد في مكتبه بالدور العلوي، ووسط عدد كبير من رجال الشرطة المحيطين به.
٧٠
مات النقراشي في الحال، وكان اختيار وزارة الداخلية لتنفيذ عملية الاغتيال بهدف الإعلان
عن قوة
الإخوان، وإظهار التحدي للسلطة، وإسقاط هيبتها، مقابلًا لقرار حل الجماعة، وحدد القاتل
بواعث إقدامه على
قتل النقراشي بأنه «خاين للوطن»،
٧١ وأنه لم يقم بأي عمل إيجابي في قضية السودان، وأن فلسطين قد ضاعت — في عهده — وأخذها
اليهود، وأكد مسئوليته عن حادثة كوبري عباس في فبراير ١٩٤٦م، حيث قُتِل فيها عدد كبير
من شباب الإخوان،
بالإضافة — طبعًا — إلى اعتدائه على الإسلام بحل جماعة الإخوان المسلمين.
٧٢ ويقول الرجل في «قصر على النيل» إنه «منذ مقتل النقراشي والحكومة تقبض على أفراد الجماعة
جميعهم.»
٧٣
ويشير أحمد حسين في مرافعته في قضية مقتل النقراشي، إلى أن الإخوان كانوا يعدون أنفسهم
لخوض
الانتخابات المقبلة، وكان أملهم كبيرًا في الخروج بنتيجة متفوقة. يضيف أحمد حسين إن هذا
هو السبب الذي
دفع النقراشي إلى حل الجماعة، برغم تبصيره من جانب معاونيه بالعواقب التي قد يؤدي إليها
قرار
الحل.
٧٤ لكن الفنان — وهو المحامي أحمد حسين نفسه — يتفهَّم موقف النقراشي، ويتعاطف معه، ويؤيده،
بينما يرفض كل مواقف الإخوان ويدينها؛ فالنقراشي هو الرجل النزيه الذي بدأت تصل إلى أسماعه
أنباء صفقات
الأسلحة الفاسدة، وعني بالتوصُّل إلى حقيقتها، فضلًا عن انشغاله بالاحتلال الإنجليزي
الذي تحدَّاه في مجلس
الأمن، ووصف الساسة البريطانيين بأنهم قراصنة. أما الإخوان المسلمون فقد استغلوا الحرب
الفلسطينية
لتخزين الأسلحة، تمهيدًا للقيام بانقلاب دموي، يسيطرون — من خلاله — على مقاليد الحكم.
حسن البنا — أو الشيخ المهدي في «واحترقت القاهرة» — ينفي أية صلة له بمقتل النقراشي،
وبحوادث القتل
والتدمير التي نُسبَت إلى شباب جماعة الإخوان. يقول: «لست أنكر أني كنت غاضبًا، بل وحانقًا
على النقراشي
باشا عندما أصدر أوامره بحلِّ الجمعية ومصادرة أموالها، ولكني كنت متأكدًا أننا لن نلبث
أن نجد حلًّا لهذه
المشكلة بشيء من الصبر والتفاهم والإقناع، فجاء مصرعه مقوضًا لكل آمالي، مجهزًا على كل
أمل في حل
المشكلة.»
٧٥ ويعترف البنا أن الزمام في تصرفات الإخوان قد أفلت من يده بعد مقتل النقراشي.
٧٦ ويضيف مرتضى المراغي في مذكراته أن «الجهاز السري الذي كان يرأسه السندي، كان أقوى من
أن
يكبح جماحه أحد»
٧٧
وبالنسبة للجهاز السري تحديدًا، فقد عاب عليه يونان لبيب رزق أنه «أدى دورًا سلبيًّا،
سواء بالنسبة
للجماعة نفسها، أو بالنسبة للحياة السياسية بعامة، فقد بدأ الجهاز عملياته ضد بعض العناصر
العسكرية
الإنجليزية إبان الحرب العالمية الثانية، ثم ضد بعض المصالح الاقتصادية الصهيونية فترة
حرب فلسطين، ثم
تحوَّل — بعد ذلك — لضرب خصوم الإخوان لا خصوم الوطن.»
٧٨
أما محمد عصفور، فقد وجد في قرار حل جماعة الإخوان المسلمين ردَّ فعل مباشرًا لنمو
القوة العسكرية
لتنظيم الإخوان منذ الحرب العالمية الثانية، مما كان له تأثيره المزعج لدى سلطات الاحتلال
البريطاني،
وتخوُّفها من قيام حركات شبه عسكرية في مصر؛ لذلك، كان أول ما أُغلِق من فروع الجماعة
فرعا منطقة القناة
التي تعسكر فيها قوات الاحتلال الإنجليزي.
٧٩
وتولى إبراهيم عبد الهادي رئاسة الوزارة خلفًا للنقراشي.
وفي ١٢ فبراير ١٩٤٩م لقي حسن البنَّا مصرعه وهو يستقل سيارة أجرة، بعد خروجه من مبنى
جمعية الشبان
المسلمين بشارع الملكة نازلي (رمسيس الآن). كان يبلغ الثانية والأربعين من عمره، وكانت
الدعوة قد بدأت
في ١٩٢٥م، فهو إذن قد بدأ الدعوة وعمره حوالي السابعة عشرة! رافق ذلك، وتلاه، إلقاء القبض
على المئات من
أعضاء الإخوان، ومعاملتهم بقسوة، وامتد التعامل غير الإنساني إلى أسر المعتقلين، مما
أثار الرأي العام
المصري ضد الوزارة «التي أشاعت جوًّا بشعًا من الإرهاب؛ بحيث لم يعُد أحد يأمن على نفسه
في بيته، أو عمله،
أو في الطريق العام، ولم يعُد أمر الحظر مقصورًا على الإخوان المسلمين، وإنما شمل الوفديين
الذين طال
غيابهم عن الحكم، ونالهم بعض الضرر من سياسة الإرهاب، لقد أصبحت البلاد ترقص على فوهة
بركان، فصار
لزامًا أن يوضع حدٌّ لعهد الإرهاب.»
٨٠
كيف قتل حسن البنا؟
في رواية «واحترقت القاهرة» «سهر الشيخ المهدي ما حلا له أن يسهر مع هذا النفر القليل
الذي اعتاد أن
يلتقي به في مبنى جمعية الشبان المسلمين، مدافعًا عن نياته، مؤكدًا أنه رجل مسالم لا
يسعى إلا لتحقيق
الخير. وذهب أحد المعارف — في ختام السهرة — ليأتي بسيارة أجرة تقله إلى بيته. ولم يكد
الشيخ يستقر على
مقعده في السيارة، حتى انقض من الظلام ثلاثة رجال، أخفوا وجوههم خلف شيلانهم الصوفية،
وأطلقوا الرصاص
داخل السيارة. ولم يكد الجناة يفرُّون، حتى هبط الشيخ المثخن بالجراح، وحاول الإمساك
بواحدٍ من الجناة، لكن
المعتدين نجحوا في أن يستقلوا سيارة كانت تنتظرهم، ولاذوا بالفرار، واستطاع الشيخ أن
يلتقط رقم السيارة،
وأملاه على موظف بجمعية الشبان المسلمين، ولأن الإصابات كانت تحتاج إلى ما هو أكثر من
الإسعافات
الأولية، فقد طلب الشيخ أن يتجهوا إلى قصر العيني.»
٨١
يقول حلمي (الحصاد): هذه نهاية الحرب بين النقراشي والإخوان المسلمين.
يقول والده: بل هذه هي بداية الحرب بين السعديين والإخوان المسلمين.
يقول عثمان: سمعت أن الشيخ حسن البنا قال — بعد أن حلَّ النقراشي جماعة الإخوان —
سأحل وسطه، وها
هو ذا قد نفَّذ وعيده.
ويقول حلمي: ألم يتسرع النقراشي في حل الإخوان؟
يقول الباشا: لو صبر عليهم لقاموا بانقلابٍ مسلَّح.
٨٢
وقد وضع جيفرسون باترسون القائم بأعمال السفارة الأمريكية بالقاهرة، عدة تصورات للجهة
التي وقفت
وراء عملية الاغتيال، تصور بأن الجريمة قد ارتكبها أحد عملاء الحكومة انتقامًا لمقتل
النقراشي، ويقول
فتحي رضوان إن الذين قتلوا البنا كانوا من رجال البوليس الملكي في مديرية سوهاج، انتُدِبوا
للقاهرة في
ليلة يوم ١١ فبراير ١٩٤٥م،
٨٣ وثمة تصور آخر بأن القصر كان هو المحرض على الاغتيال، وتصور ثالث، غريب، بأن القاتل
واحد من
جماعة الإخوان المسلمين، أقدم على الجريمة لأن البنا خذل الإخوان المعتقلين، أو لأنه
كان على وشك أن
يعطي السلطات معلومات متعلقة بإمدادات الإخوان من الأسلحة.
٨٤
كان قاتل البنا — في تقدير جمال سليم — هو الملك، وقيادة الحزب السعدي، والبوليس
السياسي.
٨٥ رأى السعديون أن عار مقتل زعيم الحزب لا يمكن أن يمر، ولا بد من غسله.
٨٦ واعترف الصاغ (الرائد) محمد الجزار — أحد قيادات البوليس السياسي — أن عبد الرحمن عمار
وكيل
وزارة الداخلية، ذهب إلى قصر عابدين صبيحة مقتل حسن البنا، فاستقبله رجال القصر بالعناق،
بما يعني أن
الجريمة تمَّت بتدبير من القصر وحكومة السعديين.
٨٧
وثمة من حدَّد قاتل البنا بأنه محمد وصفي رئيس حرس الوزارات، بمعاونة آخر اسمه محمد
عبد المجيد،
وعندما أحس محمد وصفي بأنه سيتحوَّل إلى كبش فداء للحادثة التي حُرِّض على تنفيذها، فإنه
بادر إلى الانتحار
قبل تقديمه إلى المحاكمة.
٨٨
أما مرتضى المراغي — وزير الداخلية في حكومة نجيب الهلالي — فقد أدان الحرس الحديدي
بتهمة اغتيال
الشيخ البنا، بتحريضٍ مباشرٍ من الملك فاروق.
٨٩ يضيف عمر التلمساني أن أوامر فاروق صدرت إلى أطباء قصر العيني بعدم إسعاف الشيخ
البنا.
ولعل الملاحظة التي نغادر بها حادثة مقتل حسن البنا، أن الملك فاروق لم يخفِ سعادته
لموت الشيخ، إن
لم يكن قد شارك في خطة الاغتيال أصلًا، على الرغم من أن البنا كان قد طلب من اللواء صالح
حرب رئيس جمعية
الشبان المسلمين التوسُّط له لدى الملك «وإفهامه أننا جنوده الأوفياء، وأنه لو أتاح لنا
فرصة العمل الجدي،
فسنكون ركنه الركين.»
٩٠
فهل كان الملك — بالفعل — وراء اغتيال البنا؟
يقول أحمد كامل قائد بوليس السراي الملكية: «كل ما أعرفه أن عداوة كانت بين الإخوان
المسلمين وبين
الحكومة، كما أن فيه عداوة كانت بين الإخوان المسلمين والسراي. وقد كان الملك السابق
يتخوَّف كثيرًا من
الإخوان المسلمين، وكان يخشى على حياته منهم، لدرجة أنه — أحمد كامل — كلَّفني في ذلك
الوقت — ولا أذكر إن
كان قبل اغتيال الشيخ حسن البنا أو بعده — أن أشدِّد الحراسة عليه في تنقلاته، وفي الأماكن
التي كان يتردد
عليها، وكذلك ملاحظة العمال والزوار في السرايات الملكية. وقد رأيت أن فصل هؤلاء ربما
يضرهم، فعرضت على
الملك السابق، عن طريق الديوان، الاكتفاء بنقلهم إلى جهاتٍ أخرى، فوافق على ذلك، وتم
نقلهم إلى مصالح
أخرى، وكان الملك مهتمًّا بكل ما تجريه الحكومة من إجراءات ضبط واعتقال، خاصة بالإخوان
المسلمين.» وأكد
أحمد كامل أن الملك كان متضايقًا من الإخوان المسلمين، ومن الشيخ البنا، وكان يتمنى التخلص
منه، ولكنني
— أحمد كامل — لا يمكن أن أجزم إن كان له ضلع في تدبير القتل أم لا، والقتل في رأيي —
الشاهد — قد تم
لحساب الحكومة السعدية، ولحساب السراي معًا.
٩١
واللافت أنه في ١٤ نوفمبر ١٩٥١م، ذهب إلى قصر عابدين مرشد الإخوان الجديد المستشار
حسن الهضيبي،
على رأس وفدٍ من قيادات الجماعة، وسجَّلوا أسماءهم في سجل التشريفات، بما يعني تبرئة
الملك، والحرس
الحديدي، والبوليس السياسي — بالتالي — من تهمة اغتيال البنا.
٩٢
مع ذلك، فقد شنَّت الحكومة — في أعقاب اغتيال حسن البنا — هجومًا شديدًا على جماعة
الإخوان
المسلمين، واعتقلت الكثيرين من أعضائها، وقد ساد التطرف الديني الجماعة عقب اغتيال المرشد
العام، اعتُقل
المئات — كما أشرنا — بتهمة اغتيال النقراشي، وتعرَّضوا لأبشع عمليات التعذيب، وتملَّكهم
الإحساس بالشهادة،
في المقابل من تكفير المجتمع، وثارت عشرات الأسئلة التي لم تصادف إجابة محددة، أو أنها
واجهت إجابات
تزيد من اضطرام الثورة في النفوس، والرغبة في تغيير المجتمع، ارتكازًا إلى أن الحاكمية
يجب أن تكون لله
وحده.
دخلت تحقيقات النيابة في متاهات، انتهت بحفظ التحقيق لعدم معرفة الفاعل، وأعيدت التحقيقات
ثانية
في وزارة حسين سري، وانتهت كذلك بالحفظ لعدم معرفة الفاعل، فلما تألَّفت حكومة الوفد،
أفرجت عن المعتقلين
من الإخوان، وسمحت بظهور صحفهم، لكن قرار حل الجماعة ظل ساريًا حتى مايو ١٩٥١م، فعادت
علنية من
جديد.
أعيدت التحقيقات — لمرة ثالثة — في وزارة النحاس، وانتهت إلى الحفظ لعدم معرفة الفاعل،
ولم يُفتَح
ملف القضية مرة أخرى إلا بعد قيام ثورة يوليو.
٩٣
لكن الأعوام التي فُرِض فيها الحظر على نشاط الإخوان المسلمين، لم تحل دون أن يكتب
ضابط الشرطة —
بالخدمة — عبد الباسط البنا (ولا ندري إن كانت له صلة قرابة بالإمام البنا) أبياتًا مطبوعة
من الشعر، عن
الإمام الشهيد حسن البنا، وهي الصفة التي أرفق بها الإخوان المسلمون اسمه، منذ مصرعه
أمام مبنى جمعية
الشبان المسلمين بشارع رمسيس:
الروح والريحان في كل وادٍ ذكر الزعيم الحق وافي العهود،
حامي حمى الدين فقيد البلاد المرشد العام الإمام الشهيد.
لا تكتب الشعر بلون الحداد،
واكتب من القلب ونبع الوريد،
إن الدم الغالي مداد الجهاد،
والمفتدي بالروح رمز الخلود،
… إلخ.
كان قرار حل جماعة الإخوان المسلمين باعثًا لاتجاه الإخوان إلى القوى الوطنية المتمثِّلة
في الوفد
والتنظيمات اليسارية، وتنظيم الضباط الأحرار — وهي خطوة جاءت متأخرة للغاية، وفرضتها
الظروف — حتى إن
سيد قطب طالب — فيما بعد — بالحرية للشيوعيين، «كغيرهم ممن يكافحون الطغيان» (أغسطس ١٩٥٢م)،
ووصف
الشيوعيين بأنهم «من الشرفاء الذين ينبغي أن نقارعهم الرأي بالرأي، والحجة بالحجة، ولا
نلقاهم بالحديد
والنار.»
تدهورت العلاقة بين الوفد والإخوان المسلمين في الفترة من ١٩٤٥م إلى ١٩٥٠م، نتيجة
لمحاولة حكومات
الأقلية أن تجعل من الإخوان أداة ضد الوفد، وحين اختلف الملك مع النحاس، خرجت مظاهرات
الوفديين تهتف:
الشعب مع النحاس، فدفع البنا بأعضاء الإخوان يهتفون: الله مع الملك، وخرج الملك من شرفة
قصره يحيي
الإخوان على هذا الشعار الجديد، ويردد: نعم، الله معنا!
٩٤
وظل الإخوان — لأعوامٍ طويلة — على صلة طيبة بالسراي، حتى إنهم كانوا من أكثر العناصر
السياسية
نشاطًا في الدعوة لإحياء الخلافة، وأن يكون فاروق — بالتحديد — خليفة المسلمين.
٩٥
لذلك اتفقت وجهة نظر كلٍّ من عبد العظيم رمضان ورءوف عباس في إدانة جماعة الإخوان
المسلمين، لأنها —
في تقديرهما — مجرد أداة للقصر الملكي، في مواجهة التيارات الوطنية والشعبية.
ويُرجِع السادات مهادنة البنا للسراي، بل وتملقها، لإزالة مخاوف الملك من نشاط الإخوان،
الأمر نفسه
بالنسبة لمهادنة الإخوان للأجانب، فقد كانوا يدركون جيدًا خوفهم من التعاليم الإخوانية،
وأنهم كانوا
يرهبون دعوة الإخوان، ويعتقدون أنها إذ تقوم على وجوب الأخذ بشريعة الإسلام ستتعرض حتمًا
لأعمالهم
وأموالهم، وحرياتهم الممنوحة لهم، بمقتضى القانون السائد والدستور.
٩٦
لكن السادات يشير في «أسرار الثورة المصرية» إلى أن الملك كان يخشى من دعوة الإخوان
أنها كانت
تقوم على أن يكون المُلك بالمبايعة لا بالوراثة، ومن ثَم فقد كان يدبِّر للقضاء على الحركة
وتصفيتها!
٩٧ ويقول صلاح الشاهد إن حسن البنا شعر باهتمام أحزاب المعارضة، فدارت رأسه، وتوهَّم الزعامة،
حيث يتودد إليه القصر والحكومات والأحزاب. كان الوفد يساعده، ولكن في حزم؛ إذ إنه في
عام ١٩٤٤م تلقَّى وزير
الداخلية تقريرًا بأن الإخوان يستقبلون المرشد العام بمظاهراتٍ في الشوارع وموسيقى وهم
في ملابس
الميليشيا، فاستدعى المرشد العام، وخيَّره بأن تظل الجماعة في صفتها الدينية، أو تتحوَّل
إلى حزب سياسي،
تعامله الحكومة معاملتها لبقية الأحزاب، لكن مرشد الإخوان رفض — على حد تعبيره — أن يستعيض
بالدعوة إلى
الله أية دعوة أخرى، وأعلن أنه سيُوقِف كل تلك الإجراءات.
٩٨
ويذهب صلاح الشاهد إلى أن احتدام الخلاف بين الوفد والإخوان أسفر عن ملامحه بعد أن
تولى إسماعيل
صدقي رئاسة الوزارة في ١٩٤٦م، نتيجة حرص صدقي على أن يواجه الوفد بالإخوان.
٩٩
•••
تقول سوسن لأحمد شوكت (السكرية): قد يكون في الإسلام اشتراكية، ولكنها اشتراكية خيالية
كالتي بشَّر بها توماس مور ولويس بلان وسان
سيمون، إنه يبحث عن حلٍّ للنظام الاجتماعي في ضمير الإنسان، بينما أن الحل موجود في تطور
المجتمع نفسه،
إنه لا ينظر إلى طبقات المجتمع، ولكن إلى أفراده، وليس فيه — بطبيعة الحال — أية فكرة
عن الاشتراكية
العملية، وفضلًا عن هذا كله، فتعاليم الإسلام تستند إلى ميتافيزيقا أسطورية تلعب فيها
الملائكة دورًا
خطيرًا، لا ينبغي أن نبحث عن حلولٍ لمشكلات حاضرنا في الماضي البعيد، قل هذا لأخيك.
ضحك أحمد في سرورٍ غير خافٍ، وقال: أخي شاب مثقف وقانوني وذكي، إني أعجب كيف يتحمَّس
أمثاله للإخوان؟
قالت بازدراء: الإخوان يصطنعون عملية تزييف هائلة؛ فهم حيال المثقفين يقدمون الإسلام
في ثوبٍ عصري، وهم حيال
البسطاء يتحدثون عن الجنة والنار، فينتشرون باسم الاشتراكية والوطنية والديمقراطية.
١٠٠
جماعة الإخوان المسلمين — في تقدير وسيم خالد — أدركت — ولو جزئيًّا — ما فُرض على
العقل الإسلامي
من تجمُّد، منذ حكم الأتراك، بحيث دعت للمطالبة بالعودة إلى عهد الصحابة، إلا أنها لم
تدرك مدى الحاجة
إلى بعث الاجتهاد الإسلامي لتغطية هذه الفجوة الزمنية التي امتدت قرونًا طويلة، ولم تستطع
أن تستخدم
التراث الإسلامي لتقديم نظرية إسلامية متحركة، تغطي الميادين السياسية والاجتماعية، واكتفت
بإثارة
العامل الديني المجرد.
١٠١
على الرغم من قسوة هذا الرأي، فإن الإحصاءات تؤكد أن عدد المنضمِّين إلى حركة الإخوان
المسلمين في
الفترة ما بين ١٩٤٦م و١٩٤٨م بلغ حوالي ٥٠٠ ألف عضو، يتعاطف معهم العدد نفسه تقريبًا؛
فهم إذن كانوا
يعبِّرون عن مليون مواطن مصري، يمثِّلون نسبة واحد إلى ٢٠ هم مجموع الشعب المصري آنذاك.
١٠٢
ولعلَّه يمكن القول — من واقع دعوة الإخوان المسلمين، وبعكس المآخذ والاتهامات التي
وُجهَت إليها —
إنها كانت — على نحوٍ أو آخر — ضد السلفية والتخلف.
وعلى سبيل المثال، فإن مأمون (القاهرة الجديدة) ينتقد خُطبة الجمعة، ويقول إن خُطب
الجمعة في حاجة
ماسَّة إلى التجديد، وإنها — بحالتها الراهنة — دعوة صريحة إلى الجهل والخرافة.
١٠٣ لكن اليسار — ممثَّلًا في علي طه — لم يكن يكتفي بأن يحدث التغيير في الخطبة وحدها،
وإنما في
الوعاظ أيضًا. يقول علي طه (القاهرة الجديدة): «الحاجة ماسَّة حقًّا إلى وعاظ من نوعٍ
جديد، من كليتنا —
الحقوق — لا من الأزهر، يبيِّنون للشعب أنه مسلوب الحقوق، ويدلُّونه إلى سبيل الخلاص.»
١٠٤
مع ذلك، فإن مبادئ الإخوان المعلَنة كانت ضد التأميم باعتبار «موقف الإسلام من الأغنياء
وأصحاب
رءوس الأموال، فليس بيننا وبينهم إلا أداء الزكاة.»
١٠٥
ومما يثير التساؤل، موقف الهضيبي مرشد الإخوان، المهادِن للوجود الاحتلالي في منطقة
القناة، فبينما
اشتدت عمليات الفدائيين ضد معسكرات الإنجليز، أعلن الهضيبي أنه ضد العنف، وطالب شباب
الإخوان بأن
«يذهبوا ويعكفوا على تلاوة القرآن الكريم.» وأكد أن الطريق لإخراج الإنجليز هو تربية
الشعب وإعداده، مما
دفع خالد محمد خالد إلى الرد عليه بمقال في «روز اليوسف» عنوانه «أبشر بطول سلامة يا
جورج!»
١٠٦ ويروي علي عشماوي أن السلاح الذي ساهمت في شرائه جميع القوى الوطنية للمشاركة في معارك
القناة، ما لبث أن اختفى في سراديب الإخوان المسلمين.
١٠٧
•••
ماذا عن صلة الإخوان بالجيش؟ وبالضباط الأحرار على وجه التحديد؟
اللافت أنه بقدر ما حرص حسن البنا على الابتعاد بتنظيمات الإخوان عن تنظيم الحزب
الاشتراكي، فإنه
كان حريصًا على ضم تشكيلات الأحرار إلى الإخوان المسلمين، وتوحيد جهودهما العسكرية والشعبية،
ذلك ما
يرويه أنور السادات.
١٠٨
تردَّدت في الصلة بين الإخوان وتنظيم الضباط الأحرار، أسماء: جمال عبد الناصر وكمال
الدين حسين
وحسين الشافعي وعبد المنعم عبد الرءوف. ويروي السادات أن حسن البنا كان يبذل كل جهده
لمعرفة أسماء
الضباط الأحرار، وقد حاول مع السادات — بالذات — كثيرًا، باعتباره حلقة الاتصال الوحيدة
بين الإخوان
والضباط الأحرار، حتى اضطر السادات إلى ذكر اسم عبد المنعم عبد الرءوف، والذي نجح — فيما
بعد — في
استقطابه، حتى فاق ولاؤه للإخوان ولاءه للضباط الأحرار.
١٠٩ ويقول السادات: «ليس سرًّا أن عددًا من الضباط كانوا قد ألِفوا دعوة الإخوان، وأحبُّوها،
ورأوا
فيها أملًا ومخرجًا لمصر من محنتها.»
١١٠
انضم إلى الإخوان المسلمين في عام ١٩٤٤م عدد من الضباط الأحرار، هم جمال عبد الناصر
وكمال الدين
حسين وخالد محيي الدين، وتم عقد البيعة مع عبد الرحمن السندي المسئول عن الجهاز السري
في غرفة مظلمة
بالصليبة بحي طولون، أقسموا على المصحف والمسدس على طاعة الله، والالتزام بأوامر قيادات
الجماعة فيما لا
معصية فيه.
١١١
حاول عبد الناصر — بعد ذلك — ضم بعض زملائه إلى جماعة الإخوان المسلمين، وكان من
بين هؤلاء
الزملاء صديقه وزميله عبد الحكيم عامر،
١١٢ وعُقدَت اجتماعات في بيت حسن البنا، حضرها جمال عبد الناصر وبعض الضباط المنتمين
للإخوان،
١١٣ كما أسهم عبد الناصر في تدريب متطوعي جماعة الإخوان على استخدام السلاح، في أثناء الإعداد
لحرب ١٩٤٨م، ونتيجة لتوثيق صلته بالجماعة استدعاه إبراهيم عبد الهادي رئيس الوزراء (٢٥
مايو ١٩٤٩م) عقب
عودة الجيش من فلسطين، وحذَّره من نشاطه مع الجماعة، وتساءل إبراهيم عبد الهادي في غضب:
«أنتم فاكرين
إيه؟ فاكرين إن مشايخ البلد حيحكموا البلد؟ مش ممكن ده يحصل، ولو كان منعه سيتم على رقبتي.»
١١٤
ويروي سيد قطب أن الضباط الأحرار كانوا يعقدون بعض اجتماعاتهم معه في بيته بحلوان،
أثناء إعدادهم
للثورة،
١١٥ ويؤكد ريتشارد ميشيل أن شخصيات ثلاثًا من الإخوان المسلمين كانوا على علم مقدمًا بموعد
قيام
الثورة، وهم: صلاح شادي، حسن عشماوي، عبد الرحمن السندي، ويروي قادة الإخوان أنهم رابطوا
بأسلحتهم —
ليلة قيام الثورة — على طول المدخل في منطقة القناة — لمنع الإنجليز من التدخل.
١١٦ ويثني كمال الدين حسين على هذه الرواية بقوله: «في ليلة الثورة، اتصلت أنا وعبد الناصر
بالإخوان، وأطلعناهم على التفاصيل، وثاني يوم، كان لهم متطوعون على طريق السويس مع الجيش،
لاحتمال تحرش
قوات الإنجليز بالثورة.»
١١٧
هوامش