صورة أخرى للرجل

الذكورة — في الموروث الثقافي العربي — هي القوة، والسطوة، والسيادة، والسيطرة، بينما الأنوثة — في المقابل — هي الضعف، والخضوع، والطاعة، والاستسلام لسيطرة الرجل. وكما تقول سامية الساعاتي، فإن المرأة تعمل من أجل الرجل، وتملك من أجل الرجل، وتخدم من أجل الرجل، وتفضِّل أن يكون لها رجال بارزون، أي أنها تدور دائمًا في فلك الرجل.١
يقول سلامة في «البيت الصامت»: ما أعظم أن يكون المرء رجلًا! (١٢٧). كلمة «امرأة» معناها عورة وفتنة، لذلك فإن عليها أن تختفي عن الأنظار الغريبة، تترك الطريق والجامعة والعمل والنادي، وتستقر في بيتها! وتقول الأم في رواية توفيق الحكيم «حمار الحكيم»: «إن المرأة لا تستطيع أن تعيش، ولا أن تأمن، ولا أن تستقيم أمورها، إذا لم يحمِها أب ولا أخ ولا زوج.» وفي «دعاء الكروان»: «المرأة عورة يجب أن تُستَر، وحرمة يجب أن تُرعى، وعرض يجب أن يُصان.» ونحن نجد في فريد أفندي (بداية ونهاية) مثلًا للأب المصري الذي يحرص على تزويج بناته، حتى لو اضطر لأن يتكفَّل هو بنفقات الزواج، باعتبار أن زواج البنات «سُترة»، وفي أغسطس ١٩٥١م، قدَّم أحد النواب مشروع قانون إلى البرلمان، يطالب فيه بفرض ضريبة على المضربين عن الزواج.٢

•••

يتبدَّى لنا التطور الذي أحدث تأثيره في المجتمع المصري، وفي العلاقات الأسرية تحديدًا، من خلال الحوار الذي دار بين محمود أفندي سليمان الموظف بوزارة المالية وابنه محمود.

– ما تخرجش يا محمود.

– ما تخافش يا بابا … دي مظاهرة سلمية.

– يعني المظاهرة مش حا تقوم من غيرك؟!

– طيب يا بابا لمَّا كل واحد يقول كده، ما هي ما تقومش فعلًا.

– أنت صغير، لما تبقى تروح الجامعة ابقى اعمل اللي أنت عايز تعمله.٣

ونتذكر ما كان يجري في عام ١٩١٩م بين أحمد عبد الجواد وابنه فهمي، خشية من الأب أن يكون الابن قد شارك في المظاهرات القائمة بأي دور، والابن — فرارًا من غضب الأب — ينفي أية صلة له بها. يجد محمود في أعوامه السبعة عشر مبررًا كافيًا لأن يشترك في المظاهرات، فهو لم يعُد «عيل»، بينما حجبت إرادة الأب عن فهمي الطالب بمدرسة الحقوق أية محاولة لأن يجهر برأيه.

وإذا كان فهمي عبد الجواد قد امتثل لإرادة والده في عدم خطبة بنت الجيران مريم، فإن الوالد في موقع الجد لم يستطع أن يرفض طلب حفيده عبد المنعم بأن يتزوج، حالًا، وفورًا.٤ ولما أصرت إحدى شخصيات الجزء الثالث من «الأيام» على الزواج، فإنه اصطنع الجنون، وكان لا يكاد يدخل البيت حتى يؤذن أهله بمقدمه، رافعًا صوته بكلمة واحدة هي: جنان! ثم يأخذ في تحطيم ما يستطيع تحطيمه، ورضخ أهله لمشيئته، فأصبح زوجًا، ورُزِق الولد قبل أن يبلغ العشرين.٥

ولا شك أن تلك المقاومة التي أبدتها الأجيال المتوالية، قد غيَّرت من رد الفعل الطبيعي الذي انتهى إليه تطور الأحداث. أن تذوب شخصيات الأبناء في شخصية الأب، يصيغهم على مثاله، لا يفكرون إلا كما يفكر، ولا يتصرفون إلا كما يتصرف، حتى إذا اختفى الأب من حياتهم أصيبت الأسرة — الأم والأبناء — بما يشبه الزلزال المدمر الذي يقوض كل شيء، فهم سيظلون دائمًا في حاجة إلى الشخصية القائدة التي تحمل المسئولية.

•••

لعل أوضح مظاهر التغيُّر في المجتمع المصري، اتسام الحياة الأسرية بمغايرة لما كانت عليه منذ القديم، فقد كانت القبيلة هي صورة الحياة الأسرية، تشمل الأجداد والأبناء والأحفاد، ثم ضاق مفهوم الأسرة فشمل الأسرة المحدودة العدد،٦ من حيث إن الأسرة تضم الرجل الكبير والزوجة والأبناء والبنات، وربما الأقارب كالابن وزوجته وولده، والأخت المطلقة، والحماة … إلخ، مما نجد أثرًا له في حياة أسرة أحمد عبد الجواد.٧

فلما انتشرت العمارات الحديثة التي تضم شققًا مستقلة، محدودة الغرف، وتضاءلت إلى حد التلاشي تقريبًا، تلك البيوت التي تضم أسرًا بكاملها، فقد قَلَّ عدد أفراد الأسرة الواحدة. ولعل التعبير الأدق، تناثر أفراد الأسرة الواحدة، لتشكل وحدات أسرية جديدة، تقتصر على الزوج والزوجة والأبناء، وقلَّ اختلاط الأسر والعائلات، حتى أصبح من المألوف أن تسكن أسرة في عمارة لسنوات، دون أن تعرف عن جيرانها شيئًا.

أما في القرية، فقد تقلَّص نظام المضيفة، وانتهى نظام الأسرة الكبيرة العدد، أو بدا في طريقه إلى الانتهاء، وانتهى نظام الإملاء من الأب على الأولاد، وخضوعهم له، من غير تفكير أو معارضة أو استفسار، أو أصبح في طريقه إلى الانتهاء، وانتهى — أو كاد — نظام اعتماد الفرد على الأسرة، وأصبح عليه أن يعتمد على نفسه.٨

وتُعَد أسرة يونس في «الشارع الجديد» مثالًا للعلاقات الأسرية في مراحل مختلفة، فعلى الرغم من حنو الأب على بناته حتى بعد زواجهن، وحرصه على أن يقمن — وأزواجهن — معه، في بيتٍ واحد، وقبوله أن يواصل الإنفاق عليهن، حتى بعد أن صار لكل واحدة من يتولى رعايتها، فإن الحقد كان هو السِّمة التي تلف الأخوات في علاقتهن بعضهن ببعض، وفي علاقتهن بصفية زوجة علي الشقيق الأكبر، بل وفي علاقتهن بالأب والأم أيضًا.

ولما دنا أجل يونس، وقفت بناته ثريا وزينب وعزيزة وزهيرة وحميدة ونبيلة حول فراشه «يتظاهرن بالجزع، ويبالغن في إظهار الأسى.»٩ وكانت أفكار الأزواج تتحدد في الخوف من أن ينقطع المورد الذي كانوا يلجئُون إليه في أوقات الحاجة، وما أكثرها!
وبعد أن لفظ الرجل أنفاسه الأخيرة، كان هَم البنات أن يستولين على أشيائه الخاصة: حافظة نقوده، وخاتمه، وساعته، ثم فتحن دولاب ملابسه، ووزَّعن الثياب فيما بينهن، وبعد أن اطمأنَنَّ إلى الحصول على كل ما كان الرجل يملكه، تعالت أصواتهن في صراخ وعويل!١٠ وبينما كانت الأم تعاني سكرات الموت، كانت صفية — زوج ابنها — إلى جوار فراشها، بينما بناتها ينعمن في أسرَّتهن بالنوم.١١

ثم بدا التآلف الأسري بين أبناء علي يونس في الانتخابات، راح المرشح زكريا يطوف بالدائرة، يحدِّث الناخبين، ويبذل لهم الوعود، بينما انشغل الدكتور سعيد بمداواة المرضى، فأحبُّوا زكريا من أجله، وجعل خالد يطوف على معارفه وأصدقائه، يستحثُّهم على الالتفاف حول شقيقه.

وفي المقابل من استقامة التآلف الأسري، فنحن نجد معنًى مغايرًا في أفراد عائلة يوسف عبد الحميد السويفي المقيمين في فاقوس، لم يكن يوسف يعرف عنهم شيئًا «قتلنا أقاربنا، لم نحافظ إلا على راتب بك، لأنه غني، ولأنه يحتقرنا.»١٢

وقد علِمت العالمة زبيدة — منذ البداية — بزواج ياسين من زنوبة ابنة أختها، وكان أصل زنوبة معروفًا لدى أفراد أسرة أحمد عبد الجواد، ورغم ذلك، فإننا لا نجد ظلًّا له في لقاء زبيدة المفاجئ بكمال عبد الجواد في أحد المقاهي، اكتفت بأن ذكَّرته بماضي أبيه، وحمَّلته سلامها إليه، لكنها لم تُشِر إطلاقًا إلى علاقة «النسب» التي تربطها بأسرته، وهو لم يعاملها إلا على أنها بعض ماضي أبيه الذي تكشَّف له مؤخرًا.

ولعل في لقاء كمال عبد الجواد وحسين شداد مصادفة، بعد انقطاع سبعة عشر عامًا، ما يشي بأن انشغال الفنان بأبطاله — كلٌّ على حدة — قد ينسيه — أحيانًا — حتى الروابط الأسرية، فهو يسأل حسين عن شقيقته الصغرى بدور: أين هي الآن؟ وكان موقنًا — فيما يبدو — بأن حسين لا يعلم بعلاقته الغريبة العابرة مع بدور، وهي العلاقة التي كادت تثمر زواجًا لولا تردد كمال الذي لم يدرِ له هو نفسه سببًا.

الغريب أن حسين شداد لم يكن يعلم بالفعل، فأشار إلى الصغيرة التي أصبحت فتاة ناضجة، وتزوجت منذ عام. وكان الطبيعي أن تحادث بدور شقيقها بعد عودته ولو عن ذلك الزميل في محاضرات كلية الآداب، والذي اتضح لها — من خلال لقاء عابر — أنه كان صديقًا قديمًا لشقيقها، لكن الفنان — الذي كان موقنًا يقين كمال عبد الجواد نفسه، من أن بدور لم تُشِر إلى شقيقها بشيء — نسي — فيما يبدو — ذلك التصرف الذي كان أقرب إلى الصحة والمنطق، لو أنه تم!

مع ذلك، فإن الظاهرة التي لم يطرأ على صورتها العامة ما بدَّل ملامحها، هي العلاقات الأسرية، ثمة تشدُّد مبعثه الحنان، وثمة تدليل مبعثه الإفراط في الحنان.

يسأل الأب ابنه: هل تعتقد أن العلاقات العائلية بين أفراد الأسرة تكفي وحدها لمولد الحب في قلوبهم؟

– لا!

– نحن إذن مكلفون بأن نزرع ونسقي!١٣

حتى في الظروف التي يغيب فيها الأب أو الأم لظرفٍ ما، كالوفاة مثلًا، أو الفراق بالطلاق، أو السفر، فإن الروابط الأسرية والعائلية تظل على توثقها؛ فالخال — كما يقول المثل — والد، والخالة والعم أو العمة أو الأخ الأكبر أو الأخت الكبرى … كل هؤلاء يقومون بأداء دور الأبوين، أو أحدهما.

كان الصبي في «شجرة اللبلاب» يفر من الاضطهاد الذي يلقاه من أبيه وزوجته، إلى بيت خالته التي كانت تؤدي — على نحوٍ ما — دور الأم، فهي تقبِّله، وتُجلِسه، وتغيب عنه لتأتي بأعز ما في بيتها ليرتديه، أو ليأكل منه.١٤ ولما تزوجت أخته، قالت له وهي تودعه قبل أن تذهب إلى بيت زوجها: «لقد زارنا خالك، واتفق مع والدك على أن يكون مال أمك وقفًا على تعليمك، اجتهد في مدرستك إن أردت أن تفر من وجه زوجة أبيك.»١٥ ثم لم يعُد الراوي يرى الحنان إلا في موضعَين بعيدين: في قرية خالته، وفي بلدة أخته، فضلًا عن بيت خاله الذي أحبه، وعطف عليه، حتى لقد وصف الحنان الذي تلقَّاه من خاله بأنه يعني أن الخئولة أمومة مذكَّرة.١٦ فلما حصل الراوي على الشهادة الابتدائية، استطاع الخال — بشخصيته القوية — أن يحصل على موافقة الأب المشغول حتى الأذنين بزوجته التي تصغره بثلاثين عامًا، بأن يواصل الابن الدراسة من مالٍ مرصود، خلَّفته الأم الراحلة.١٧
لكن الصورة ربما اصطبغت بظلالٍ يجدر بنا الإشارة إليها. وعلى سبيل المثال، فقد رفضت الأم الشابة الزواج عقب وفاة زوجها، وانصرفت إلى تربية صغيرها حتى أصبح شابًّا في الحادية والعشرين، ثم تزوج الابن، وابتعد بزوجته عن أمه تمامًا مع أنهم كانوا يقيمون في شقة واحدة، وانسحبت الأم من حياته في هدوء، فعملت مشرفة مقيمة في دار حضانة للأطفال «تملأ عينيها الشابَّتين بالخليقة الجديدة، وتتمتع بالحرية التي منحتها لغيرها.»١٨ وكان الخال في كلٍّ من «الطريق المسدود» و«شيء في صدري»، مجرد إطار لصورة العائلة.١٩

لقد أحدث التغيُّر الذي طرأ على طبيعة العلاقات في المجتمع، تغيُّرًا مماثلًا في طبيعة العلاقات الأسرية.

فإذا كانت خديجة وعائشة لم تغادرا البيت، ورفض أحمد عبد الجواد طلب ضابط قسم قاسم الجمالية خطبة عائشة، لمجرد أنه لم يتجه بالطلب إليه، بينما وافق على زواج الفتاتين من إبراهيم وخليل شوكت، لأنهما قد اتَّبعا الطريق الصحيح، فأرسلا أمهما لترى الفتاتين، ثم تقدَّما إلى أحمد عبد الجواد يطلبان مصاهرته، بالإضافة إلى أن الخطيبَين ينتميان إلى أسرة تركية لها موردها العقاري الثابت … إذا كانت خديجة وعائشة قد انتقلتا من بيت الأب إلى بيت الزوجية دون أن تقع عليهما عينا مخلوق، فقد أصبح من الحتم على فتاة الأربعينيات والخمسينيات أن تخرج من البيت، وتتعلم، وتسعى إلى الوظيفة التي تؤهلها لها شهادتها الدراسية.

لم يعُد شهريار هو الحاكم الوحيد لمملكته، يقضي بالكلمة التي لا تُناقَش، ولا تُرد؛ صار لشهرزاد دورها.

فلأسبابٍ عدة، في مقدمتها انخفاض المستوى الاقتصادي، وذوبان سلطة العائلة، ووجود الأسرة المستقلة، تحمَّلت المرأة مسئوليات أكثر في العمل الزراعي، فهي ما تكاد تفرغ من الولادة حتى تنهض في اليوم التالي، وربما في اليوم نفسه، إلى شئون بيتها وأرضها. وأسفر ذلك التصرف — بالطبع — تأثيراته السلبية، المتمثلة في ارتفاع نسبة الوفيات بين الأطفال إلى ١٥٢ في الألف، وهي نسبة فادحة بالقياس إلى وفيات الأطفال في الدول الأخرى.٢٠
في المقابل، فقد تحققت للمرأة في القرية انتصارات في القيمة الاجتماعية، ومع أن الرجل ظل سيدًا لبيته، فإنه لم يكن يبتُّ — غالبًا — في أمرٍ يتصل بشئون حياته اليومية، مثل بيع المحصول، أو بيع الأرض وشرائها، أو زواج الأبناء، قبل أن يرجع إلى الجماعة، أي الزوجة.٢١

•••

الصورة المتوارَثة هي أن الرجل العربي يهمُّه أن يدور كل ما تفعله المرأة حول محور حياته، ومن أجله، ومن خلاله. يقول الفنان (نعيمة وعصمت) «الرجل يتزوج امرأة تعاشره، لا لكي يتملَّى بمحاسنها سواه.»٢٢ وتقول عايدة (إني راحلة) لحبيبها: «سأكون معك هكذا دائمًا، ست بيت، أريد أن أكون زوجة وخادمة.»٢٣ ونقرأ في «بين الأطلال»: «إن المرأة إذا أحبَّت، فهي تفضِّل مسح حذاء زوجها على رئاسة الوزارة!»٢٤ وتقول المرأة (حواء الجديدة) إن الفتاة المصرية ضحية بين التطور والقديم، وهي في كل حالة لا تتحرك إلا كان خلفها، أو أمامها، رجل يحركها،٢٥ وعندما أراد فكري أفندي (الحرام) الزواج، فإنه تزوج فتاة لتخدمه، لا لتشاركه حياته.٢٦ ويروي سعيد السحار في مذكراته أنه كان يسمع — أول ما نشأ — نساء الأسرة — إذا جاءت سيرة جده — تقول الواحدة منهن: جاء سيدي الكبير، وإذا جاءت سيرة أبيه، يقلن: قام سيدي جودة، أو قعد سيدي جودة، أو قرأ سيدي جودة، ولم يكن يجدن في أنفسهن أية غضاضة في ذلك!٢٧
ويصف الفنان (بعد العرس) إحدى النساء بأنها «سطحية النظرة ككل امرأة.»٢٨ بل إن الفنان يذهب إلى أن المرأة تحب الرجل الذي يضربها، لأن «ضرب الحبيب مثل أكل الزبيب.»٢٩
من هذه الزاوية، يجدر بنا تأمل مناقشة قول زكريا إبراهيم «الزواج يقضي على شخصية المرأة، لكي يحيلها إلى مجرد كائن منزلي تافه، عديم القيمة.»٣٠ قد تكون الزوجة منفردة ببيتها وزوجها، أثيرة عنده في أحيان قليلة، لكنها — في الأغلب — زوجة بين زوجات ضرائر، يكدن لها وتكيد لهن، وهي في جميع الأحوال — منفردة، أو غير منفردة — شيء ضعيف، مستكين، لا حول لها ولا طول، للرجل كل الحقوق، وليس لها من حق، له كل المكانة، وليس لها من المكانة إلا أيسر اليسر، فلا سبيل لها في مواجهة هذه الشدائد إلا أن تستسلم مغلوبة على أمرها.٣١ جعل الرجل من الزواج — على حد تعبير سيمون دي بوفوار — التبرير الاجتماعي الوحيد لكل حياة المرأة، بل إن دور «ست البيت» الذي تأهلت له المرأة المصرية، ظل إطارًا لنشاط المرأة خارج الأسرة، حتى بعد أن أتيح لها مجاوزة هذا الدور، بالتعلم، والخروج إلى العمل!٣٢
ومع كل الخطوات التي قطعتها المرأة في طريق تأكيد ذاتها واستقلاليتها، فقد ظل الرأي بأن «البنت غير الولد، تصل إلى ذروة سعادتها بأن تكون زوجة ناجحة، لا بأن تكون مهندسة، وطبيبة، ومحامية.»٣٣ وتقول سناء (الباب المفتوح) «والله إحنا مصيبتنا سودة، على الأقل أمهاتنا كانوا فاهمين وضعهم، أما احنا ضايعين، لا احنا فاهمين إذا كنَّا حريم ولا مش حريم، إن كان الحب حرام ولَّا حلال، أهلنا بيقولوا حرام، وراديو الحكومة طول النهار بيغني للحب، والكتب بتقول للبنت: روحي أنت حرة، وإن صدقت البنت تبقى مصيبة، تبقى سمعتها زفت وهباب، بالذمة دا وضع؟ بالذمة إحنا مش غلابة؟!»٣٤
ولعله من المهم أن نشير إلى الإحصائيات التي تؤكد عنف الأزواج في الدول المتقدمة، وأنه يؤدي إلى موت امرأة كل عشرة أيام، في ظل غياب القوانين التي تحمي الزوجات.٣٥ وفي بحث أجراه المجلس القومي للسكان في مصر (١٩٩٧م) ظهر أن ٣٥٪ من الزوجات تعرضن للضرب من أزواجهن، مرة — في الأقل — منذ الزواج، ولم يحُل حمل الزوجة دون حمايتها من العنف، وأن ٦٩٫٩ من الزوجات يتعرضن للضرب إن رفضن معاشرة الزوج، وأن ٦٩٫١٪ يضربهن الأزواج إن ناقشت المرأة زوجها بلهجة غير مقبولة، وكانت عينة ذلك البحث سبعة آلاف زوجة من الريف والحضر.٣٦ وكما تقول نوال السعداوي، فإن «الرجل هو السادي الذي يقتحم ويغتصب ويكسر، والمرأة هي المازوشية التي يقع عليها الاقتحام والاغتصاب والتكسير، الرجل هو الفاعل دائمًا، والمرأة هي المفعول به، الرجل هو الإيجابي، والمرأة هي السلبية.»٣٧

•••

كان نزول أمينة من وراء المشربية إلى الطريق، تزور حبيبها الحسين وابنتيها والقرافة، وتشتري احتياجات البيت، في حين جلس أحمد عبد الجواد — ذلك المستبد القديم — في الموضع نفسه وراء المشربية، يكتفي بمتابعة حركة الطريق، وينتظر أوبة زوجته. ذاق عبد الجواد ما كانت تذوقه أمينة: العزلة والوحدة والسأم والملل، ذلك التصرف العكسي يمكن أن نعتبره دلالة مبكرة على سقوط دولة الرجل،٣٨ وهو سقوط لم يتخذ في تلك الآونة — أواخر الثلاثينيات — بُعدًا واحدًا، وإنما شمل أبعادًا مهمة أخرى. ولعلِّي أضيف أن سلبية أمينة في «بين القصرين»٣٩ هي — في الحقيقة — قمة الإيجابية، فلولا هذه الاستكانة الظاهرة، والمسالَمة، في شخصية أمينة، لما نجت الأسرة من ردود أفعال غير متوقعة، وعنيفة، من أفراد الأسرة، مقابلًا للإرادة الأبوية القاهرة، المسيطرة.

عودة أمينة من جامع الحسين، وترقب أحمد عبد الجواد لها من وراء المشربية … ذلك الموقف الذي يحمل معنًى مناقضًا لما كان عليه الحال في بداية «الثلاثية». أحمد عبد الجواد يذهب ويأتي، وأمينة — وراء المشربية — تنتظر تلك العودة، تذكِّرني بقول أحمد بهاء الدين: «أنا لا أفهم المساواة على أن كلًّا من الرجل والمرأة يخرج على هواه، وكيفما شاء، لكنني أفهمها على أن كلًّا منهما مقيدٌ في دخوله وخروجه وتفاصيل حياته برأي الآخر، ومشورته، واقتناعه.»

ظلَّت النظرة إلى إمكانية قيادة المرأة للعمل يحوطها الشك والتوجس، وربما فقدان الثقة، بل إن الكثير من الرجال كانوا يجدون غضاضة في التعامل تحت رئاسة امرأة، بصرف النظر عن مكانتها العلمية والإدارية.

بالإضافة إلى ذلك، فإن المرأة تنازلت — فيما بعد — عن كل ما ناضلت لتحقيقه، غالبية النساء عدن إلى ارتداء الحجاب، وأعداد كبيرة من العاملات فكرن في — أو قررن — العودة إلى البيت، والكثير من النساء لا يعنيهن العمل العام، وهي ظواهر نعود إليها في فقرات تالية.

•••

بدأت نظرة المرأة إلى المجتمع تتغير، فتغيرت آراؤها بالتالي. ثمة رجال أعلنوا تأكيدهم بأن المرأة نصف المجتمع، من حقها أن تتمتع بجميع الحقوق التي يتمتع بها الرجل، وأن تختار الرجل الذي سيكون شريكًا لها في حياتها، وأبًا لأولادها، فضلًا عن أنها يجب أن تتحرر من سجن البيت، وتشارك الرجل في العمل، وفي كل مسئوليات الحياة ومباهجها،٤٠ عني الناس بالأمثال الشعبية التي تؤكد قيمة المرأة: أخير الناس اللي تبكر بالبنت … اللي يسعدها زمانها تجيب بناتها قبل صبيانها … أبو البنات مرزوق … اللي ما عندوش بنات ما يعرفش الناس امتى مات … إلخ.

وعلى الرغم من القيود التي ظلت مفروضة — بشكلٍ وبآخر — على حرية المرأة في اختيار زوجها، فإن أحمد باشا شكري (قصر على النيل) يقول لسليمان عندما طلب يد ابنته: يا أخي، أنت تعرف إنني رجل محافظ، وابنتي لا ترد لي أمرًا، ولكن الزواج شأنها وحدها، ولا أستطيع أن أرغمها، أنا سأتركها بعد حين، فبماذا تراها ستذكرني إن أنا زوَّجتها بمن لا تريد؟

ويقول الشاب: يا عمي، نحن في مصر لا نسأل بناتنا عمَّن يتزوجن.

– ولكن أنا أسأل.٤١
وتقول عديلة (الشوارع الخلفية) عن وضع المرأة في الأسرة «أصل زمان كان شكل، ودلوقتي شكل.»٤٢ وكان دفاع طالبات مدرسة البنات الثانوية [خِطاب غرام] عن زميلتهن التي عثرت الضابطة على رسالة غرامية باسمها في بريد المدرسة، كان ذلك الدفاع — في الحقيقة — دفاعًا عن حقهن جميعًا في «الحب»، وانتصرت الطالبات.٤٣ وتقول الأم (في الظلام) مستغربة: إني أعجب من بنات اليوم، الحب أصبح عندهن مرض الأمراض، أحلامهن، أغنياتهن، زينتهن، أحاديثهن كلها تدور حول المحبوب.٤٤ وتجرأت سوسن (حكاية سي توفيق) — ذات يوم — فطلبت من سي توفيق — الموظف في متجر أبيها — أن يطلبها منه،٤٥ وترفض ليلى — في مسرحية الحكيم «المرأة الجديدة» — الموافقة على فكرة أبيها بالزواج، يقول لها: ما شفناش بنات بالشكل ده أبدًا، طول عمرنا نعرف إن البنت تفرح للسيرة دي!
تقول ليلى: دي بنت زمان المتأخرة الجاهلة! مسكينة ما كانتش تفهم من الراجل إلا أنه زوج وبس! ما كانتش تفهم أي رابطة بين الراجل والمرأة غير رابطة واحدة، هي الزواج!٤٦

وفي الثلاثينيات، كلمت البنت (ليست هي) فتاها في ضرورة أن يرسل والدَيه لخطبتها.

قال: ولِمَ هذا التسرع؟

أجابت في دهشة: حتى يتم قراننا قبل أن يتمكَّن غيرك من موافقة والدي على زواجي به.

قال: وما أهمية والدك ما دامت الكلمة لي ولك؟ ما عليك إلا أن ترفضي كل زواج بغيري إلى أن يحين الوقت الملائم لزواجنا.٤٧
وتقول الأم للطبيب الذي تقدَّم لخطبة ابنتها «تعلم أن للفتيات اليوم رأيهن.»٤٨ وتجيب الفتاة (تلك الأيام) عن السؤال: ماذا كان رأي الأسرة في الرجل الذي تقدَّم لخطبتها؟ تقول: كانوا موافقين لأني كنت موافقة.٤٩ وحين بدأ أهل منار (الحب في المنفى) في الإلحاح عليها أن تتزوج، اعترضت على الوسيلة «يعرضونها على الخُطَّاب كما لو كانت سلعة، لن تتزوج هي أبدًا بهذه الطريقة، ستختار بنفسها، لماذا يكون الاختيار من حق الرجل وحده؟!»٥٠
إن صيغة عقد القران بين الرجل والمرأة لا تنطوي على الإذعان من جانب الزوجة للزوج فحسب، وإنما من جانب أسرة الزوجة جميعًا للزوج، إذا كانت الفتاة وكيلة نفسها تقول: زوَّجتك نفسي، ويقول الشاب — العريس! — وأنا قبِلت! فإذا كان والد الفتاة، أو عمها، أو خالها، أو شقيقها، هو الوكيل، فإنه يقول: أزوِّجك ابنتي، أو موكلتي، فيقول العريس: وأنا قبلت. ويقول الراوي لنفسه: لم تختلف العبارتان: أزوِّجك ابنتي، وأنا قبلت. شعرت — وأنت تردد ما قاله المأذون — بطعم المر في شفتيك!٥١ وأذكر — هنا — قول مصطفى الخشاب: إن «ما يدفعه الزوج — في مقابل أن يحظى بزوجته — ينطوي على فكرة قريبة جدًّا من مفهوم الشراء.»٥٢
وبعد أن كان الزواج في القديم يخص الأسرة وحدها — الأب تحديدًا — فإنه في أيام أحمد شوكت (السكرية) صار كالطعام سواء بسواء، المشورة جائزة في كل شيء إلا فيه!٥٣ ولأن الزوج (الرباط المقدس) قد انشغل في الخارج بوظيفته، وفي داخل البيت بقراءاته التي لا تنتهي؛ فقد أعلنت أن «المرأة يجب أن تُفهِم الرجل أنها مساوية له، وأن الأمر بإرادتها هي أيضًا.»
وحين اشتركت الفتيات في مظاهرات ١٩٤٧م التي استقبلت رئيس الوزراء محمود فهمي النقراشي، عند عودته من نيويورك، أمسك بعضهم بالميكروفون، وقال: لعن الله شعبًا تقوده امرأة! فتعالت الهتافات: النساء من الشعب، لعن الله من يفرِّق الشعب!٥٤
وامتد التغيُّر في العلاقة الزوجية إلى أفقٍ سلبي، كما في قصة «الورقة بعشرة» ليوسف إدريس، لم يعُد «هو» الرجل الذي يتسيَّد ويأمر، ولم تعد «هي» المرأة التي تخضع وتستجيب، الزوج يشعر أن زوجته لم تعُد امرأة يشتهيها، ولا صديقة يأنس إليها، كل ما يربط بينهما حرب مستعرة، متجددة، حتى إنه يفكر — كل يوم — عشرات المرات — في طلاقها، أو الانتحار (لاحظ الاختلاف حتى في نوعية التفكير!)، لكنه لا ينفِّذ حرفًا واحدًا من القرارات الحازمة، الباترة، التي اتخذها، وربما فكر في خيانتها، لكنه لا يخونها، حتى الأولاد يكرههم من أجلها، ويكرهها أكثر من أجلهم، لكنه يظل على شعوره القوي بالانتماء!٥٥ وتقول الزوجة (الرباط المقدس) «إن السعادة الزوجية لا يمكن أن تتوافر لامرأة في عصرنا الحديث، إلا مع زوجٍ باهت الشخصية، قليل الذكاء.»٥٦ وتطرح الزوجة (كفَّارة الحب) على نفسها السؤال: «ماذا على زوجي إذا أحب قلبي رجلًا غيره ما دام جسمي في ملكه، وما دمتُ أسايره في الحياة جنبًا إلى جنب، وإن تنافر قلبي وقلبه، وبعد ما بين فؤادي وفؤاده.»٥٧

•••

أشارت الإحصائيات — في سني الحرب، وما بعدها — إلى ارتفاع نسبة المتعلمات من الإناث، وارتفاع نسبة الحاصلات على الشهادة الجامعية، وعلى الشهادات ما بعد الجامعية. أدركت المرأة — بالتعليم — أنها ليست مجرد أنثى خُلقَت لكي يلهو بها الرجل، لكنها إنسان، مثله تمامًا،٥٨ وذاعت آراءٌ بأن الزواج أو عدمه يجب أن يكون له معنًى، فلا يصبح مجرد وسيلة وحيدة للفرار من العنوسة، بكل ما تنطوي عليه من معايب اجتماعية. الخطر الذي يتحقق في قبول الزواج بديلًا عن العنوسة يفوق كل المعاني التي تحملها عنوسة الفتاة، وأخطرها أن الزواج الذي يجانبه التوفيق يفضي إلى الطلاق، وإلحاق الضرر بكلا الزوجين، وبالأبناء؛ قرار الزواج يجب أن يكون ثمرة تدبُّر، وليس لمجاوزة حالة، مهما بدت قاسية.
ومن الظواهر اللافتة، أنه لم يعُد ختان البنات تصرفًا بديهيًّا أو روتينيًّا؛ ثمة فتيات اعتبرن ختان الأبوَين لهن نوعًا من الإخصاء، وثمة رجال كذلك، أدركوا أن الزمن الذي كانت تُختَن فيه البنات قد انقضى،٥٩ كذلك فقد أصبحت السادسة عشرة، سنًّا صغيرة لزواج الفتاة،٦٠ بل إن وجيدة تصارح الراوي في استياء: «تصوَّر إن بابا الله يرحمه زوَّجني وأنا عندي سبعتاشر سنة بالضبط؟! إزَّاي واحدة في السن ده، ولسَّه في المدرسة تقدِّر تكون ربة بيت، وتبني سعادة زوجية على أساس متين وأفكار صحيحة؟!»٦١

من الظواهر اللافتة أيضًا، أن المرأة لم تعُد تذكر اسم زوجها مسبوقًا، أو مذيَّلًا بأية صفة، هو فلان فقط، هو الزوج والأب وشريك الحياة.

وحين يطلب حمزة (قصة حب) من أبي دومة أن يوفر له مكانًا يختبئ فيه من مطاردات الشرطة، يخبر الرجل زوجته في بساطة تدفع حمزة إلى تحذيره، لكنَّ أبا دومة يقول لحمزة: «أصل لا مؤاخذة يا سي حمزة مفيش بيني وبين أم محمود سر، إحنا ع الخير والشر سوا!»٦٢
من هنا — ربما — جاء رأي الأب بأن العالم قد فسد بسبب فجر النساء، فالمرأة التي لم تكن تخرج من البيت إلا بالحجاب، صارت تخرج بدونه، بل وتعمل مثل الرجال، ثم وصل التبجح ببعضهن إلى جعل أكمام الثياب قصيرة، بحيث يظهر نصف الذراع، وأحيانًا الذراع كلها!٦٣ ولم يعُد من المرفوض أن تقبل الفتاة الجامعية طلب الشاب الذي يدانيها في التعليم بالزواج منها. وعلى سبيل المثال، فقد ترك الشاب (منتهى الحب) التعليم قبل أن يحصل على شهادة التوجيهية، واستطاع أن يحقق نجاحًا في زراعة الأرض التي ورثها عن أبيه، حتى أصبح يدير أراضي العائلة كلها؛ لذلك لم يجد حرجًا في أن يتقدَّم لخطبة ابنة عمِّه التي كانت تستعد لنيل ليسانس الحقوق.٦٤ بل إنه أصبح من قبيل إخفاء الرءوس في الرمال، تصور الشاب أن حبيبته عرفت رجلًا آخر قبله،٦٥ وإذا أسرفت الفتاة في رفض مَن يتقدم — أو يتقدمون — لخطبتها، فمعنى ذلك أنها قصَّرت في ذات نفسها، وفرَّطت في شرفها.٦٦ وقد دخل الشاب على فتاته قبل الزفاف، وأخفيا ما حدث عن الأسرتين، وجلسا في «الكوشة» يتابعان حفل زفاف لا شأن لهما به!٦٧ بل إن الزوجة التي تحافظ على عذريتها، تجد في ذلك ما يدفعها إلى مؤاخذة زوجها: «ألَا يكفيك أنك قد تزوجت بكرًا، والأبكار لا وجود لهن في هذا الزمن؟»٦٨ وكانت الفتيات في بيت الطالبات يضيعن الوقت في التفكير في الحب، وفي طلب العلاقات العاطفية الطارئة، أو الدائمة، أضعاف ما يضيعن في الدرس والتحصيل.

والأخطر أن سقوط المرأة في العيب أصبح متاحًا، بل ومفهومًا، لاعتبارات كثيرة.

بررت سناء ما فعلت بأنها قد جعلت أخاها يدفع الثمن دون أن يجني ذنبًا،٦٩ وحقيقة الأمر أن إقدام سناء على «العيب» لم يكن لحرمان شقيقها من أداء الامتحان بعد أن عجز عن دفع المصاريف، وإنما كان العيب ذروة، أو نتيجة، ضغوط متوالية، خضعت لتأثيراتها بمفردها، في حين مارس الضغوط كل العاملين في المكتب والمترددين عليه، وكان قبول سناء للرشوة انفراجة الباب على مصراعيه، كأن «حائطًا سميكًا كان يفصلها عن سليمان وأحمد والباشكاتب والجندي، وقد تهدَّم من أساسه، ولم يسخر منها أحد، ولم يحاول أحد أن يعايرها، بالعكس، أقبل الجميع عليها، كأنها نجحت في امتحان، وانتقلت إلى خانتهم.»٧٠ وكان موقف الجندي من سناء هو موقف الراهب من الغانية في رائعة أناتول فرانس «تاييس»، قبلت الرشوة في اللحظة التي كان يعتزم فيها تغيير حياته جميعًا.

فهل كان العيب يحدث لو أن سناء لم تصبح فتاة عاملة؟ ولو أن المرأة عمومًا لم تنزل إلى ميدان العمل؟

إن عوامل سقوط عزيزة (الحرام) وفاطمة (حادثة شرف) وسناء (العيب) وغيرهن، قدمت من خارج الشخصية، وليست نابعة من داخل الشخصية نفسها؛ إن الضغوط الاجتماعية والنفسية الهائلة هي الباعث لكل ما جرى.

ولعلنا نجد المعنى الذي عبَّر عنه يوسف إدريس، في موقف والدَي زينات (زينات) حينما تكتَّما قصة حبها لمختار، وحرصا على عدم التلميح بذلك «وإلا فطنت إلى أن سرَّها قد افتُضِح، فينثلم حياؤها، وهو بعد يحرص على هذا الحياء، لأنه يعتقد أنه البرقع الذي تخفي وراءه النفس سوءاتها، فإذا ما انهتك مرة أمام الناس، وأبان من عورات صاحبه ما كان يجهد في إخفائه، لم يجد بعدئذٍ شيئًا يُبقي عليه، فما يلبث أن يخلع العذار.»٧١

هوامش

(١) علم اجتماع المرأة، ٤٨.
(٢) نحو مجتمع طاهر، ١٨.
(٣) الباب المفتوح، ٤.
(٤) السكرية، ١٤٤.
(٥) الأيام، ٣: ٦١.
(٦) دراسات في الطبقات الاجتماعية، ١٥٤.
(٧) وهو الأثر الذي نجده في أسر «في قافلة الزمان» و«الشارع الجديد» للسحار، وغيرها.
(٨) محمد زكي عبد القادر، الأخبار، ١٥/ ٢/ ١٩٦٨م.
(٩) الشارع الجديد، ٥١.
(١٠) المصدر السابق، ٥٢.
(١١) السابق، ١٥٣.
(١٢) الرجل الذي فقد ظله، ٤: ١٠٩.
(١٣) سكون العاصفة، ١٢٩.
(١٤) شجرة اللبلاب، ٢١.
(١٥) المصدر السابق، ٣١.
(١٦) السابق، ٧٠.
(١٧) السابق، ٤٩.
(١٨) محمد عبد الحليم عبد الله، خيوط النور، ١٧.
(١٩) الطريق المسدود، ١١٢.
(٢٠) محمد عاطف غيث، القرية المتغيرة، دار المعارف، ١٩٢.
(٢١) ت. محسن الموسوي.
(٢٢) أحمد خيري سعيد، نعيمة وعصمت، مجلة الفكاهة، ٩/ ١/ ١٩٣٤م.
(٢٣) يوسف السباعي، إني راحلة.
(٢٤) يوسف السباعي، بين الأطلال.
(٢٥) محمد عبد الرحيم حسين، حواء الجديدة، مكتبة الآداب، ٣٣.
(٢٦) الحرام، طبعة روايات الهلال، ٦٧.
(٢٧) سعيد السحار، مواقف في حياتي، مكتبة مصر، ٣٢.
(٢٨) محمود البدوي، بعد العرس، فندق الدانوب، مكتبة مصر.
(٢٩) محمود تيمور، ضرب الحبيب، عطر ودخان.
(٣٠) العربي، العدد ١٧٣.
(٣١) الأهرام، ١٠/ ١١/ ٢٠٠٢م.
(٣٢) نشأة مهنة الخدمة الاجتماعية، ٥٦.
(٣٣) إحسان عبد القدوس، رائحة الورد وأنوف لا تشم، مكتبة مصر، ١٤٠.
(٣٤) الباب المفتوح، ٧١.
(٣٥) أخبار اليوم، ٢٥/ ١/ ١٩٩٩م.
(٣٦) الأهرام، ٧/ ٣/ ١٩٩٧م.
(٣٧) نوال السعداوي، المرأة والجنس، ١٢٥.
(٣٨) راجع كتابنا «سقوط دولة الرجل»، دار البستاني.
(٣٩) الباب المفتوح، ٧١.
(٤٠) إبراهيم عبد الحليم، رسالة العام الجديد، مطبوعات الغد، ٤٠.
(٤١) قصر على النيل، ٢٢-٢٣.
(٤٢) الشوارع الخلفية، ٢٨٢.
(٤٣) ألفريد فرج، خِطاب غرام، قصص قصيرة.
(٤٤) في الظلام، ٢٦.
(٤٥) حسين مؤنس، حكاية سي توفيق، إدارة عموم الزير، دار المعارف.
(٤٦) توفيق الحكيم، المسرح المنوع، ٥٦٥.
(٤٧) عبد الكريم السكري، ليست هي، مطبعة ملجأ أمير الصعيد ببني سويف، ٨٤.
(٤٨) محمد حسين هيكل، لله في خلقه شئون، قصص مصرية، مكتبة النهضة المصرية.
(٤٩) تلك الأيام، ٤٧.
(٥٠) بهاء طاهر، الحب في المنفى، ٩.
(٥١) محمد جبريل، حكايات الفصول الأربعة، دار البستاني، ٢٠٠٤م، ٢٩.
(٥٢) مصطفى الخشاب، دراسات في علم الاجتماع العائلي، الطبعة الثانية، ٧٠.
(٥٣) السكرية، ٣١٩.
(٥٤) الجماهير، ٢٨/ ٩/ ١٩٤٧م.
(٥٥) يوسف إدريس، الورقة بعشرة، لغة الآي آي، الكتاب الذهبي.
(٥٦) الرباط المقدس، ٢٠٤.
(٥٧) محمد حسين هيكل، كفَّارة الحب، قصص مصرية، مكتبة النهضة المصرية.
(٥٨) إقبال بركة، المرأة الجديدة، هيئة الكتاب، ١٤.
(٥٩) سلوى بكر، الليل يليق بالعسكري، عجين الفلاحة، سينا للنشر.
(٦٠) شعبان فهمي، وجيدة، الطبعة الثانية، ١٢١.
(٦١) المصدر السابق، ٩٦.
(٦٢) قصة حب.
(٦٣) مجيد طوبيا، شئون عائلية، أبناء الصمت، كتاب اليوم.
(٦٤) منتهى الحب، ٤٩.
(٦٥) صبري موسى، حادث النصف متر، الكتاب الذهبي.
(٦٦) طه حسين، المعذبون في الأرض، الكاتب المصري، مايو ١٩٤٧م.
(٦٧) صبري موسى، الفرح، حادث النصف متر.
(٦٨) مصطفى محمود، رسالة من الجحيم، قصص مصطفى محمود.
(٦٩) يوسف إدريس، العيب، مكتبة مصر، ١٥.
(٧٠) المصدر السابق، ٥٤-٥٥.
(٧١) زينات، ٩٨.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٥